سناء عبدالله – باريس
أثار نبأ صدور السيرة الذاتية للكاتبة الأمريكية لي إسرائيل خلال هذا الشهر تحت عنوان (هل لك أن تغفر لي أبدا؟ مذكرات مزور أعمال أدبية) عن دار سايمون وشستر، 120 صفحة، ردود فعل متعددة في الأوساط الأدبية الأمريكية. تتناول لي إسرائيل في سيرتها الذاتية تفاصيل تجربتها في عالم الأدب والنشر التي انتهت بإلقاء القبض عليها بتهمة “النصب والاحتيال” لسرقتها وتزويرها أكثر من 400 رسالة ومخطوطة أدبية.
حياة صاخبة
تستعرض لي في سيرتها الذاتية بداياتها الأدبية مع صدور كتابها الأول عام 1972 الذي لاقي ترحيبا في الأوساط الأدبية ومن ثم تجربتها في تدوين السير الذاتية. وتمضي الكاتبة في شرح الظروف التي رافقت توجهها نحو السرقة الأدبية وتزوير الوثائق ومن ثم بيعها لرجال الأعمال والمهتمين بجمع الوثائق التاريخية الذين وثقوا بها. وتزعم لي أنها عاشت في مطلع التسعينات حياة صاخبة أكثرت خلالها من “تناول الخمور وتبديد الأموال والتورط في علاقات عاطفية” لتجد نفسها فجأة قد بلغت الخمسين من العمر دون أن تملك شيئا يذكر. وتحاول الكاتبة تبرير هذا الانحراف الأخلاقي بقولها “كان الوقت يمضي بسرعة، وأموالي قد نفذت، وكنت أعيش بالاعتماد علي المساعدات الاجتماعية التي تدفعها الدولة للفقراء، وكنت علي وشك خسارة شقتي، وكنت فقيرة وخائفة”. وتصف لي إسرائيل تجربتها الأولي مع السرقة والاحتيال، دون أية مشاعر ندم أو إحساس بالخطيئة، عندما كانت تبحث في مكتبة لنكولن الشهيرة في الولايات المتحدة عن مقالة أدبية حيث وقفت عن طريق الصدفة علي ثلاث رسائل أصلية لممثلة أمريكية قديمة تدعي (فاني بريس 1899-1951) إذ تمكنت من دسها في حقيبتها خلسة دون أن ينتبه المسؤولون عن المكتبة. وتضيف الكاتبة أنها تمكنت من بيع الرسائل الثلاث المسروقة إلي أحد رجال الأعمال المهتمين بجمع الأعمال الأدبية القديمة لقاء مبلغ 40 ألف دولار لكل رسالة. وبنجاح عملية الاحتيال الأولي اعتقدت لي إسرائيل أن أبواب المجد قد فتحت أمامها وأنها عثرت أخيرا علي الطريق المؤدي إلي الشهرة والمال. وتروي الكاتبة بلغة مرحة واضحة كيف أنها توجهت إلي أحد الأسواق الشعبية حيث اشترت ماكنة طباعة يدوية نوع اولمبيا تعود لعام 1981 وبدأت بتزوير الرسائل والوثائق لشخصيات عديدة من المشاهير وسواهم. وقد استغلت لي إسرائيل خبرتها في كتابة السير الذاتية وإطلاعها علي عدد كبير من الوثائق ذات الصلة بالإضافة إلي صلاتها القوية بالناشرين ورجال الأعمال المهتمين بشراء الوثائق التاريخية في الاحتيال وبيع الوثائق المزورة لمدة استغرقت زهاء عامين.
استياء في الأوساط الأدبية
استقبلت العديد من الأوساط الأدبية في الولايات المتحدة صدور السيرة الذاتية للكاتبة لي إسرائيل بسخط وامتعاض كبيرين حيث نشرت، علي سبيل المثال، مجلة نيويورك ماغازين مقالا عبر عن غضب الأدباء في الولايات المتحدة من صدور الكتاب جاء فيه “أولئك الذين يعبدون الشهرة والمال” لا يتوانون عن فعل أي شيء في سبيل تحقيق رغباتهم المريضة”. بينما طالب أدباء وباحثون في الولايات المتحدة وبريطانيا باتخاذ موقف أخلاقي ضد الكاتبة، وتساءل أحدهم “إذا تمكن الكذابون من الحصول علي العقود الأدبية فماذا سيكون مصير الكتاب الشرفاء؟”. ومن بين الأمور التي أثارت الأوساط الأدبية هي غياب أي شعور بالندم لدي الكاتبة لقيامها بعمليات الاحتيال والسرقة، بل علي العكس من ذلك فقد تناولت الأمر في كتابها بطريقة مرحة مؤكدة بأن “مغامرتها” تلك لم تتسبب بأذي لأحد ولم يخسر أحدا المال. كما أشار العديد من المراقبين إلي ما نقلته الكاتبة من انطباعات في كتابها لدي توجهها إلي المحكمة حيث نقلت عن القاضي تعاملها معه بطريقة ودية بل وتوجيه عبارة لها باللغة اليديشية التي يتحدث بها اليهود وقوله لها أنه “لم يرغب أن يراها ثانية أمامه في المحكمة” وهو الأمر الذي قالت عنه الكاتبة في مذكراتها أنها “لم تعتبره رفضا كاملا” لها من لدن القاضي. كما أشار المراقبون إلي حقيقة الحكم المخفف الذي صدر بحق لي إسرائيل والذي تضمن إقامة جبرية لمدة ستة أشهر مع إخضاعها للمراقبة القضائية لمدة خمس سنوات مقابل تعاونها مع السلطات في تحديد مصير الوثائق المسروقة. وقد انتقد العديد من الكتاب ما حاولت أن تروج له لي إسرائيل والناشر الذي أصدر كتابها بشأن قدرتها الأدبية وأسلوبها المشوق في الكتابة واعتبروا أن الإشادة بقدرات أدبية لشخص مدان بالسرقة الأدبية والاحتيال أمر مرفوض من الناحية الأخلاقية.