أثارت فتوى الشيخ صالح اللحيدان، رئيس مجلس القضاء الأعلى بالسعودية، بجواز قتل ملاك القنوات الفضائية المثيرة للفتن “قضاء” جدلا وردود فعل واسعة بين عدد من العلماء والإعلاميين في المملكة بين مؤيد ومعارض. وفيما عارضها الشيخ عبد المحسن العبيكان محذرا من أنها “تدعم فئة الإرهاب”، أيدها الداعية الإسلامي د. محمد النجيمي، مشيرا إلى أن اللحيدان يتكلم بلغة قضائية عالية ومن منطق قضائي قانوني صحيح، وهو التعزير.
يأتي هذا فيما فضل عدد من العلماء، بينهم مفتي المملكة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ والشيخ صالح الفوزان، عدم التعليق على الفتوى إلى أن يتثبتوا منها.
وفي المقابل رأى إعلاميون أن الأولى بالشيخ اللحيدان أن “يلتفت لسلك القضاء”، مشيرين إلى “أن تأخير العدل ضمن المنهج الإسلامي ظلم” يجب رفعه.
“دعم الإرهاب”
وأعرب الشيخ عبد المحسن بن ناصر العبيكان، المستشار بوزارة العدل، عن رفضه فتوى الشيخ اللحيدان، محذرا من أنها “سوف تدعم الفئة الضالة والإرهاب”، وذلك خلال تغطية موسعة لردود الأفعال حول الفتوى نشرتها صحيفة الجزيرة اليوم السبت.
ورأى الشيخ العبيكان أن “الفئة الضالة (المتطرفة) سوف تستغل هذا الرد كما استغلت الردود السابقة بالذهاب إلى العراق بدعوى الجهاد فيه، والذي ذهب الكثير والكثير من أبنائنا إليه وقبض على بعضهم”، في إشارة واضحة إلى تنظيم القاعدة.
وتابع أنها “جاءتهم (الفتوى) على طبق من ذهب ليستغلوها استغلالا سريعا، وليتحركوا لتجنيد شبابنا لإزهاق الأنفس وتفجير المحطات ومواقع ملاك هذه القنوات”.
صورة الإسلام
كما حذر الشيخ العبيكان من التداعيات السلبية لتلك الفتوى على صورة الإسلام، قائلا: “إن هذا الرد (الفتوى) سوف يكون له آثار سلبية كبيرة على الدولة وعلى سمعة الإسلام وعلى سمعة القضاء السعودي”.
ولفت إلى أن “أعداء المملكة وأعداء الإسلام سوف يسعون للنيل من الإسلام بدعوى أنه دين القتل والإرهاب والفساد”.
ودعا العبيكان إلى التحرك لتدراك الأمر، لا سيما أن الفتوى صادرة من رئيس مجلس القضاء الأعلى، مشددا على أنه “لا بد أن تكون هناك وقفة عاجلة من علماء المملكة حتى لا يتصور أن هذا هو رأي وسياسة علماء المملكة أو الجهات الرسمية بالمملكة”.
“لغة” قضائية
ومن جهته أعرب الداعية الإسلامي الدكتور محمد النجيمي عن تأييده للفتوى، مشيرا إلى أن “الفتوى واضحة وهناك قنوات سحر ومجون وعنف ومفسدة للأخلاق”.
وقال الشيخ النجيمي: “الشيخ اللحيدان يتكلم بلغة قضائية عالية، ومن منطق قضائي قانوني صحيح وهو التعزير، فهو يرى جواز وصول التعزير إلى القتل كما يرى جمهور العلماء”.
ورفض النجيمي ما ذهب إليه العبيكان من أن الفتوى تحرض على الإرهاب، وتكفر الحكومات التي لم تحاكم أصحاب هذه القنوات قائلا: “كثير من القنوات يبث من مناطق غير محكومة بقوانين إسلامية، ولا ترى في ذلك بأسا، فالشيخ يتكلم بإمكانية تطبيقه بالنسبة للحكومات ولا يعتبرها كافرة إذا لم تطبقه”.
وأكد أن الشيخ اللحيدان “لم يقل إنه يجوز للأفراد قتل هؤلاء، بل أكد ضرورة أن يتم ذلك عن طريق القضاء والقنوات الشرعية”.
استنهاض الحكومات
وأوضح النجيمي أن الشيخ اللحيدان يريد بهذه الفتوى استنهاض الحكومات لتقوم بواجبها في إحالة أصحاب هذه القنوات إلى القضاء، فإما أن يمتثلوا أو يخضعوا للقضاء والعقوبة التي يقررها بحقهم.
ولفت إلى أن القتل عبر القضاء أمر ليس بسهل، “فهناك قنوات قانونية عديدة يمر من خلالها”.
ولكنه أعرب في الوقت نفسه عن خشيته من “توظيف فتوى الشيخ توظيفا آخر كما قامت بالفعل بعض وسائل الإعلام والمواقع في الإنترنت”.
وحول فعالية هذه الفتوى قضائيا داخل السعودية قال النجيمي: “يستطيع المواطن رفع قضية على القنوات التي تبث المخالفات بحسب إمكانية موقعها بأن يذهب ليرفع قضية في بلد يبث المحطة، كما يستطيع رفع القضية من خلال القضاء السعودي على أصحاب هذه القنوات”.
الفوزان والمفتي
يأتي هذا فيما تحفظ عدد من العلماء بينهم مفتي المملكة والشيخ صالح الفوزان على التعليق على الفتوى إلى أن يتثبتوا منها.
وقال الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ مفتي عام المملكة: “لم أسمع بالحديث الصادر عن فضيلة الشيخ صالح بن محمد اللحيدان، ولن أعلق قبل أن أتأكد من ذلك”.
بدوره قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان، عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للافتاء، إنه لم يسمع بالفتوى من قبل، و”ليس لديه تعليق حولها”.
ولكنه أشار إلى أن ” المسلم معصوم الدم والمال بنص القرآن الكريم والسنة النبوية، ولا يهدر دمه إلا بحكم صادر من قضاة شرعيين ومن محكمة شرعية”.
القضاء أولى
في ردود أفعال إعلامية وفنية على فتوى الشيخ اللحيدان اعتبر الإعلامي سلامة الزيد أن “ما نسب لسماحة الشيخ صالح اللحيدان هو أمر في منتهى الخطورة إذا كان صحيحا”.
وأشار الزيد أن الأولى بالشيخ اللحيدان أن “يلتفت لسلك القضاء فهو في حاجة ماسة إلى رأي صارم من سماحته ليكون هذا القضاء أنموذجا في تعامله وتعاطيه مع القضايا”.
وشدد على أن “أن تأخير العدل ضمن المنهج الإسلامي هو ظلم، والقضايا الحقوقية المرتبطة بالأفراد لدينا والتي نتابع تفاصيلها في وسائل الإعلام يتم تأخيرها لسنوات”.
وحذر الزيد من “خطورة الطرح الإعلامي لتلك الفتوى”، مشيرا إلى أن “وسائل الإعلام الأجنبية التي تلقفت هذا التصريح قد تجده فرصة لصب الزيت على النار، خاصة أن الإسلام الآن يخوض معركة يحاول المخلصون فيها إظهار الصورة الناصعة والمتحضرة لهذا الدين”.
وأشار الزيد إلى أن القنوات الفضائية هي وعاء فيه من الخير كما فيه من الشر، مشددا على أن “القضية هي خلل في خيارات الناس”.
بدوره أكد المخرج عبد الخالق الغنام رفض الفساد والفتن، وأضاف: الفساد مرفوض على كل المستويات، ولكن هناك طرقا مشروعة لمحاربته غير استخدام العنف، من بينها فتح قنوات أخرى تدعو للإصلاح والموعظة وتحارب الفساد.
فتوى اللحيدان
وكان الشيخ صالح اللحيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى في السعودية قد أفتى بقتل ملاك الفضائيات العربية عبر “القضاء” بصفتهم مفسدين في الأرض ودعاة فتنة.
وقال الشيخ اللحيدان في البرنامج الشهير اليومي (نور على الدرب) الذي بثته إذاعة القرآن الكريم السعودية يوم الأربعاء الماضي أثناء إجابته على استفسار أحد المستمعين حول الموقف من ملاك الفضائيات الني تثير الفتنة: “إن من يدعون إلى الفتن إذا قُدر على منعه ولم يمتنع قد يحل قتله، لأن دعاة الفساد في الاعتقاد أو في العمل إذا لم يندفع شرهم بعقوبات دون القتل جاز قتلهم قضاءً”.
وتابع: “فالأمر خطير لأن الله جل وعلا لما ذكر قتل النفس قال: (أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ) [المائدة : 32]، فالإنسان يقتل بالنفس أو بالفساد في الأرض، وإفساد العقائد، وإفساد الأخلاق والدعوة لذلك نوع من الفساد العريض في الأرض”.
وقد أثارت هذه الفتوى جدلا في مواقع الإنترنت والصحف الإلكترونية وتسببت في قلق لدى ملاك القنوات الفضائية الرسمية منها والخاصة، لكنهم آثروا التريث في إبداء مواقفهم حتى تنجلي حقيقة الفتوى وتتضح الأمور.
(اسلام اون لاين)