لعل من أبرز مبادئ إدارة أى أزمة القدرة على الخروج من ألأزمة بأقل الخسائر وليس إفتعالها ، فمن السهل إختلاق ألأزمات ، لكن ألأصعب فى إدارتها والتحكم فى تفاعلاتها وعناصرها ، والسبب أن ألأزمة عملية سريعه متراكمه تتداخل وتتشابك فيها العديد من العناصر والعوامل التى تخرج عن إطار التحكم ، وهذا هو حال الفلسطينيين فى ازمتهم الحالية ، فالفلسطينيون يجيدون فن إدارة إختلاق ألأزمات سواء فيما يبنهم وذلك لتعدد تنظيماتهم وإرتباطاتها الخارجية ، أو حتى مع الدول العربية التى شكلت مركزا لهم فى لبنان والأردن او غيرهما ،وذلك لعدم القدرة على التوفيق والمواءمه ما بين إعتبارات المصلحة الوطنية التى تحكم الدول ، وإعتبارات المقاومه والنضال والتصرف وكأن الدولة غير قائمه ، وفى كل مرة كانت هناك فرصة لإحتواء أزماتهم الخارجية لأن المصلحة القطرية والدولية أيضا تقتضى التدخل السريع الذى غالبا ما كان يأتى لصالح الدول المعنية ذاتها ، أم اليوم الحال فمختلف إلى حد كبير ، فالخلاف هذه المرة فلسطينيا فقط ، ويتم على ارض فلسطينيه ، إذن الضرر المباشر لا يوجد ، ولذلك الدور الخارجى مختلف بل قد يساهم فى مزيد من تعقيد ألأزمة وصعوبة حلها ، وهذا ما تفسره تطورات ألأزمة ، والتقاعس العربى منذ البداية على إحتواء ألأزمة ، والدور الدولى الضاغط فى إتجاه إستمرار حالة الإنقسام الفلسطينى ، والتى تشكل مرحلة مؤقته فى سياق مرحلة أخرى جديده لم تتضح بعد معالمها ، وقد تكون أكثر تصادميه والغائيه للقضية الفلسطينية ، أو قد تكون أكثر تصالحيه وهذا يتوقف على الدور الفلسطينى والمدركات السياسية التى يحملها الطرفان المتنازعان ، وعلى الدور العربى التوافقى إذا ما توفر هذان العاملان يمكن تحييد التأثيرات السلبية للتدخلات الخارجية وخصوصا إسرائيل .وقبل الحديث عن بعض الخيارات المتصوره للحالة الفلسطينية لا بد من إبداء بعض من الملاحظات التى قد تدعم الخيار ألأكثر إحتمالا :أول هذه الملاحظات أن الفلسطينيين يتحملون مسؤولية مباشره فيما جرى وبالتالى يتحملون المسؤولية ذاتها فى الخروج من ألأزمة التى أوجدوا أنفسهم فيها ، وثانيا الدور السلبى العربى ، وهى سلبية قد تدفع إلى مزيد من الشكوك حول موقع القضية الفلسطينية على الأجنده العربية ، وهل هذه السلبية تقف ورائها الرغبة فى التحلل من المسؤولية القومية إزاء القضية الفلسطينية ؟،وهناك من يرد على ذلك بأن هناك دورا عربيا يبذل ، لكن هذا غير صحيح ، التعامل مع الأزمة كان يفترض أن يتم منذ اللحظة ألأولى وعلى شكل عقد إجتماع طارئ لمجلس وزراء الخاجية العرب ومن ثم تشكيل لجنة وإحتواء ألأزمة قبل أن تستفحل وتتعقد عناصرها . والملاحظة الثالثه تستنبط من سابقتها هل الهدف من ذلك تمرير خيارات معينه كالخيار التفاوضى ، ووضع حماس أمام خيارات جديده ، أو هو شكل من أشكال الفخ السياسيى هذا ما قد تكشفه الشهور القادمه ، ورابعا ان ما حدث فلسطينيا وكما أشرنا على أرض فلسطينية لا يشكل هذه المرة خطرا وتهديدا مباشرا للدول العربية بإستثناء مصر بحكم التجاور الجغرافى والإلتزام القومى بالقضية الفلسطينية ، والإمتداد الدينى ، وألأردن والتخوف من خيار الوطن البديل بحكم تشابك العلاقات التاريخية والسكانية والجغرافية ، وهذه الملاحظه قد تفجر الحلول ألإقليمية من ناحية ومستقبل اللاجئيين الفلسطينيين فى الدول ذات الكثافة مثل لبنان وسوريا وألأردن وهنا الحديث عن التوطين وعدم القدرة على فرض حل بعودة مئات الآف اللاجئيين إلى مدنهم وقراهم الأصلية .وخامس الملاحظات وهو أن إسرائيل هى المتغير الرئيس فى بوصلة التفاعلات الفلسطينية ، فهى من صالحها إستمرا حالة الإنقسام تمهيدا لإنهاء المقاومة وإنتهاءا بفرض الحلول الإقليمية والدولية لتصفية القضية الفلسطينية وفى سياق الملاحظة نفسها لا بد من ألأخذ فى الإعتبار إلى أين تتجه الخريطة السياسية الإسرائيلية هل إلى إنتخابات مبكره وحل الكنيست ام إستمرار الحكومة الحالية برئاسة ليفنى ومن ثم دعم خيار إستمرار المفاوضات وهو ما يحتاج معه إلى إستمرار الدور التفاوضى الفلسطينى، . وآخر الملاحظات يتعلق بالدور الدولى وتراجعه وحصره فى البعد ألإنسانى , ويبقى ان أى خيار مستقبلى سيتوقف على مصير خيار المفاوضات بالنجاح أو الفشل
الخيارات والسيناريوهات المتوقعه
بناءا على التصورات السابقة هناك أكثر من خيار وأول هذه الخيارات خيار ألإستمرار فى حالة الأمر الواقع من ألإنقسام والخلاف والتجزأة وما يدفع فى إتجاه هذا الخيار إسرائيل ومصلحتها المباشرة فى إستمراره ، والدور السلبى العربى ، وحالة الحصار المفروضه دوليا ، ووجود قوى فلسطينية فى الإتجاهين ترى أن من مصلحتها ألإستمرار فى هذا الخيار وحتى ولو كمرحلة إنتقاليه إنتظارا لعامل الوقت وما قد يكشف من تحولات إقليمية ودولية وتحولات فى موازين القوى ، وما يدعم هذا الخيار أيضا رغبة الدول الإقليمية بتأجيل أى حل للأزمة حتى تتقرر مصير القضايا الرئيسة ألأخرى كالملف النووى الإيرانى ومستقبل المفاوضات السورية الإسرائيلية ،و مستقبل الخيار التفاوضى .. هذا الخيار لا يشكل خيارا دائما أو إستراتيجيا ، هو خيار إنتقالى ويتوقف على عامل الوقت وتوازنات القوى ألإقليمية والدولية ، أضف إلى ذلك هو خيار لا يتوافق وحالة الإحتلال ألإسرائيلى وإستمراره ، وصعوبة الذهاب بقطاع غزه بخصائصه السكانيه والجغرافيه إلى خيار إقامة حكما إسلاميا خالصا .
والسيناريو الثانى هو سيناريو نموذج الحكم الواحد ويقصد بذلك إمتداد نموذج غزه إلى الضفة الغربية وهو أمر مستبعد لأكثر من سبب أولا الطبيعة الجغرافية للضفة الغربيه ، وعلاقة الضفة بالأردن ، وطبيعة نظام الحكم فى الأردن ، ومن جانبها إسرائيل لا يمكن أن تسمح بتكرار النموذج إلا وفقا لإستحقاقات معينه قد يصعب على حركة حماس قبولها ، وعدم القدرة على تكرار التجربة بقوة السلاح حتى المستوى الثقافى المدنى والمجتمعى فى الضفة قد يشكل تحديا لذلك ، وبالمقابل لا يمكن تصور إمتداد نموذج الضفة إلى غزه إلا عبر الوسائل العسكرية وهو أمر غير متاح ، هذا النموذج يمكن تصوره فقط عبر الوسائل الديموقراطيه ، لكن إستمراره يحتاج إلى الإلتزام بقواعد اللعبة الديموقراطية ، وإبداء درجة عاليه من التكيف السياسى داخليا وخارجيا ، وإعادة النظر فى وسائل إدارة المقاومة .
أما الخيار الثالث وهو الخيار الإستراتيجى والثابت والذى يحفظ ماء الوجه للجميع ويضمن بقاء وإستمرار النظام السياسى وهو خيار المصالحة والتوافق السياسيى وإعادة بناء الظام السياسى على أسسس من الديموقراطيه التى تضمن لجميع القوى المشاركة السياسية الحقيقة ، وميزة هذا الخيار أنه قد يضمن لكلا القوتين الرئيسيتين حماس وفتح الحكم ولكن بمشاركة تنظيمات وقوى سياسية اخرى صغيره ، وهذا الخيار يتيح لجميع القوى ان تمارس برامجها السياسية فى إطار من الشرعية الواحده ، لكن نجاح هذا الخيار يحتاج إلى إعادة بناء النظام السياسيى الفلسطينى كله على أسس من الديموقراطية وتكامل بنية المؤسسات السياسية ، وتحييد المنظومة ألأمنيه وإلتزام سلاح المقاومه بسلاح الشرعية ، وتحقيق قدر من التوازن الإقتصادى والثقافى والإجتماعى ، هذا هو الخيار ألأفضل والذى يحقق مكاسب للجميع بعيدا عن المباراة الصفرية فى إدارة ألأزمة .
ويبقى إذا لم تتحقق أيا من هذه الخيارات الخيار العنكبوتى وهو خيار سيجد الفلسطينيون بموجبه أنفسهم فى شبكة معقده لن يستطيع أى طرف أن يحقق خياراته الذاتية وستكون الخسارة أكبر ، ووفقا لهذا الخيار ستتجه ألأمور إلى مزيد من التصعيد والمواجهة العنيفه ، وقد تذهب إلى مزيد من الخيارات اللاعقلانيه كعدم الإعتراف بالرئاسة بعد نهاية العام ، وقد نذهب إلى خيارات حل المجلس التشريعى وإعلان غزه إقليما متمردا وحالة من العصيان الممنى التى قد تنتهى كلها إلى شكل من أشكال التدخل العسكرى سواء عبر قوات امميه أو إسرائيلية ، هذا الخيار ما ينبغى التحذير منه إذا إستمرت الحالة الفلسطينية على رفضها للتصالح مع نفسها وذاتها ، وقد ندخل فى حالة من الفوضى الشامله التى قد تقود إلى تكرار النموذج العراقى والصومالى ونموذج أفغانستان وعنده سنخسر جميعا القضية والشعب ، هذا مجرد تصور إفتراضى لكنه نابع من واقع الحال الفلسطينى .
دكتور /ناجى صادق شراب أستاذ العلوم السياسية /غزه