نورالدين لشهب
الرجل المريض هو كناية عن الإمبراطورية العثمانية التي حكمت العرب من المشرق
نورالدين لشهب
الرجل المريض هو كناية عن الإمبراطورية العثمانية التي حكمت العرب من المشرق الى حدود الجزائر وأجزاء من أوربا ، وسميت بالرجل المريض عقب الحرب العالمية الأولى وما ترتب عنها من تجزيء لخارطة العالم العربي كإرث استعماري للعثمانيين وفق معاهدة سايس-بيكو التي تم بموجبها تقسيم العالم العربي بين الدول الأوربية المنتصرة دون الالتفات الى قوة العثمانيين التي أصابها عطب استراتيجي قضى على قوتها الجيو-سياسية بالمنطقة ، ومن ذاك العهد بدا الغرب يطلق على الإمبراطورية العثمانية بالرجل المريض ، هذه التسمية فرضت سطوتها على المعجم السياسي والتاريخي المعاصر، وباتت تشكل جرحا عميقا عند المسلمين جميعا بصرف النظر عن الأخطاء التي ارتكبها العثمانيون في تسييرهم لأجزاء واسعة من إمبراطوريتهم بشكل عام وفي العالم العربي على وجه التحديد ، العالم العربي لا يتذكر من هذا التاريخ سوى زرع الكيان الصهيوني بالمنطقة عبر الضغط على آخر خليفة في عاصمة الأتراك والتآمر على حكمه وإزاحته عن سدة الحكم وتعويضه بمصطفى أتاتورك الذي يُنظر إليه كعدو للغة العربية والتقاليد الإسلامية والثقافة الشعبية للمجتمع التركي ، كما ينظر جمهور واسع من المسلمين أن هذه المؤامرات الأوربية ساهمت في القضاء على ما يسميه البعض بالخلافة الإسلامية !!
لكن الرجل المريض والذي عاني في سابق أيامه من ضعف عسكري واستراتيجي لم يستسلم لمرضه ، ولم يمت موتته النهائية كما ودّ أعداؤه من الغرب وبعض العرب ، هذه المرة بقي في فراشه في لملمة جراحه المثخنة ، وأقسم بأغلظ الأيمان أن يغزو العالم العربي ، ليس عند حدود الجزائر- كما يفتخر مؤرخونا ومثقفونا المغاربة دائما كونهم لم يتعرضوا للاستعمار العثماني – بل قرر هذه المرة الرجل المريض أن يسيطر على العالم العربي كله من المملكة البحرينية الى المملكة المغربية ، كما فضل الرجل المريض وهو لا زال يئن في فراشه من شدة صدمة الهزيمة الحضارية التي لحقته في القرن الفائت، أن يغير من استراتيجيته الهجومية وآلياته لهزيمة العرب، هذه المرة لم ينتخب جيشا عرمرما يستنبت سلطة الصدر الأعظم في الإيالة وما يحيط به من حاشية مثل الدّاي وحشمت وعصمت والمعلم بيك والأستاذ كذا …بل انتخب اسمين فقط أحدهما رجل والآخر امرأة شابة جميلة وحالمة آتية من الريف التركي، اختار فقط نور ومهند ، أما آليات الغزو المعتمدة فهي مخاطبة الشعوب العربية كلها بلغة الإقناع الجمالي ، وليس مخاطبة حكامها ونخبها عبر سلطة الإقماع كما حدث في المرة الأولى ، وبما أن الشعوب العربية لم تعد تفقه في اللغة العربية المعيار شيئا ، فقد قرر الرجل المريض أن يخاطب الناس بأحسن لهجة عربية قادرة أن تستولي على أفئدة الناس على وجه السرعة مثل سرعة البطل المغربي هشام الكروج أو سرعة البطل البحريني رشيد رمزي صاحب الميدالية الذهبية العربية في الأولمبيات الأخيرة ، اللغة المنتخبة في مسلسل نور ومهند وسنوات الضياع ، هي اللغة الشامية لغة السوريين واللبنانيين والفلسطينيين … ، هي اللغة التي لها سطوة على العقل العربي الجمعي، النخبة والعامة على حد سواء، منطقة الشام تاريخيا هي منطقة الحضارة العربية الإسلامية ، ومنطقة التنوع الثقافي والإثني والديني والطائفي ، أما ثقافيا فهي منطقة المفكرين الكبار، والفنانين الكبار، والسياسيين الكبار، والمقاومين الكبار أيضا ..إذن كل الناس في العالم العربي يتفاعل مع هذه اللغة سواء من خلال مارسيل خليفة أو حسن نصر الله أو ديانا حداد أو عبد الباري عطوان ، أو نانسي عجرم،أو إسماعيل هنية أو هيثم المناع ، أو فيصل القاسم ، أو جورج وسُوف…واللائحة تطول!!
فالمسلسل التركي وبطلته نور ومهند دخل البيوت العربية وخاطبها بلغتها المفضلة ، واستطاع أن يثير نقاشا مثمرا أحيانا ، ولجاجا وصل الى حد اللغو أحيانا، كما فجر جدالا وصراعا داخل الأسر العربية، حيث قسمها الى طائفتين من “المؤمنين”.. )المؤمنين بهذا الغزو طبعا)، الطائفة الأولى من الرجال الذين تحزبوا للبطل مهند ، والطائفة الثانية تتكون من النساء اللواتي تشيعن للبطلة نور. مما دفع الطائفة الثالثة للتدخل على الخط ، ليس لتصلح بين الطائفتين كما يقضي “الشرع” ولكن في إصدار فتاوى عابرة للقارات تذهب الى تحريم هذا المسلسل وتدعو الى إيقافه ، لكن هذه الطائفة من العلماء الميامين الذين لا يخشون في الله لومة لائم، نست أن ترسل برقية الى جامعة الدول العربية ، وتحديدا الى وزراء الإعلام المكلفين بتنقية الإعلام الفضائي من الشوائب المضرة بالأخلاق التي تتهجم على الحاكم العربي والدين الإسلامي ، ولو فعلوها لكان بإمكانهم أن يورطوا الحاكم العربي كي يسارع الى إيقاف هذا المسلسل كونه جاء من أجل فكرة خطيرة ربما تهدد الحكام العرب بنهاية سلطتهم المطلقة لتتحول الى سلطة رمزية وحسب ، ذلك أن خطورة المسلسل هي تهيئة الشعوب العربية نفسيا لقبولها بغزو عسكري منتظر، والغزو هذه المرة سيكون من مملكة البحرين الى مملكة المغرب ، لأن الأتراك أصبحوا لاعبا إقليميا قويا ومنافسا شرسا في المنطقة الى جانب إيران ، وبما أن إيران صفوية وشيعية كما تحدث البعض عن الهلال الشيعي وبعضهم تكلم عن الخطر الفارسي، فان شعوب العالم العربي ستناصر تركيا لأنها تنتمي الى نفس مذهبهم السني !!
وآنذاك سنخرج،نحن في العالم العربي حكاما ومحكومين..رعاة ورعايا،نخباً وجماهير، من سنوات الضياع الأمريكي الى سنوات الضياع التركي في “قشابة ” اسمها الوقوف مع العثمانيين السنة ضد الفرس المجوس الشيعة ، وحينذاك سيتحول ما تبقي من العرب العاربة …الى العرب الهاربة !!
تصبحون على وطن