يقول المثل:لا يصلح العطار ما أفسد الدهر.. نعم تعد هذه المقولة واقعية إلى حد بعيد، ولكنها في الوقت ذاته ليست حتمية إلى ذات البعد،إذ أن الدهر لا يفسد ولكن أهل الدهر هم المفسدون، فمن الناس من يحيا عبد الحاجة، ومنهم أيضا من يشهر سيفه في حرب شعواء باسم الأحرار والشرفاء، برغم كل المحاذير التي ترافق تلك النوعية من الحروب الشريفة.
ولان الهم الوطني هو الهم الأسمى، فان محاربة الفساد هو القدر الحتمي في كل موقع من مواقع الوطن ( البيت، المؤسسة، المجتمع ) ذلك لان لكل منهم دورة في صياغة النظام العام بكل تفاصيله وعناوينه، فكما يقال إن القدرة على التعبير هي القدرة على الحياة . لا نبالغ إن قلنا ان الواقع الذي تلى الدفع بعملية الإصلاح المنشود في المؤسسة الوطنية، إنما لم يخرج من عباءة إعادة الانتشار عوضا عن فرضية ان يكون إعادة للبناء، إذ ان فلول الفساد لم تترك مواقعها كاملة وان تركت البعض منها، وهنا السؤال لا زال قائما حول مصير الإصلاح بين الداء والدواء ؟
وقبل هذا وذاك وبعيدا عن ثنائية التفاؤل والتشاؤم فان قراءة الطالع توضح ان ثمة إفراط في تشخيص الواقع لجهة الاستغراق طويلا قبل الوصول إلى إجراء العمليات الجراحية الإستئصالية اللازمة لمعالجة الحالة المستعصية في المؤسسة الوطنية، خاصة حينما تدخل لعبة الموازنات السياسية على خط الإصلاح لتغيير مساره نحو المحاصصه. وهنا لا بد من الإشارة إلى ان مساحة التوتر بين الوسيلة والغاية هي مساحة خطرة على نحو عميق، كون ترجمة الأقوال إلى أفعال غائبة عن النشاط الذهني لأصحاب القرار الفاعل، فضلا عن خطورة ترويج ثقافة التخدير للقضايا الأساسية لصالح المعالجة اللحظية للقضايا الفرعية.
إلا ان هذه النتيجة لا تمنعنا من القول ان الكثير من الممارسات التي تمت أثناء البدء بعملية الإصلاح هي ممارسات أشبه ما تكون بممارسات الفساد بوجوه مغايره، وهو أمر يعد مدعاة للسخرية. ولكي لا نستغرق كثيرا في تشريح الجسد الممتد على سرير الإعياء، جدير بنا الإشارة إلى حالة التشاؤم التي بات يعيشها الموظف والمواطن على حد سواء، الأمر الذي ينقل بدوره هدف الإصلاح من مربع النعمة إلى مربع النقمة، ما يجعل من الإصلاح تلك الخطيئة التي لم تكتمل.
إلى اللقاء.
بقلم: احمد زكارنة