مما لا جدال فيه ولا يختلف عليه العقلاء إن من إفرازات الغزو الأمريكي الوحشي للعراق أن أصبح في العراق وانسحب على باقي الأمة العربية حيث انه فعلا مفتاحها بوابتها الشرقية وقلبها القومي النابض صراع قوي بين التيار القومي العربي وربما غيره بحدة اقل وبين التيارات الإسلامية وهذه أيضا تتناحر فيما بينها باتجاهات طائفية سنية وشيعية وهي الأخرى فرخت وتشعبت إلى صراعات أكثر تفرعا بينها معظمها كان برعاية ودعم الولايات المتحدة الأمريكية , فخبراء السياسة الأمريكان ومستشاريها المتخصصون في منطقة الشرق الأوسط يسعون إلى إعادة التجربة القديمة التي تبنتها في أواسط القرن الماضي بريطانيا بالدرجة الأساس وأمريكا التي خلفتها عداء كبير بين الدين والشيوعية حيث تم تجنيد علماء الدين وخاصة الفرس بنجاح لاستصدار فتاوى تدعو إلى محاربة الفكر الشيوعي للحد من تغلغله في المنطقة العربية خصوصا وأواسط آسيا الإسلامية وامتدت نتائجه إلى يومنا هذا صراعات دموية تدفع قسم من دول المنطقة ثمنها .
بعد أن غزت أمريكا أفغانستان ومن ثم العراق بذرائع وحجج سخيفة وتبريرات واهية كان أهمها محاربة الإرهاب والمقصود به الإسلام والعرب طبعا وأيضا بمساعدة ملالي الفرس وهذا ما يتفاخر به الطرفين الأمريكي والفارسي تم تجنيد أعداد كبيرة من فقهاء المرجعيات الدينية من أصول غير عربية لإثارة العداء بين الدين الإسلامي والقومية العربية والإيحاء أنهما على نقيض بعضهما البعض بهدف أحداث اكبر قدر ممكن من الشروخ داخل وحدة صف الأمة العربية وظهر دعاة الطائفية بمظهر المقاوم والمجاهد لتحقيق أهداف وتنفيذ ملفات خاصة بهم تخدم مشروع أمريكا الكوني على المديات القريبة والبعيدة , فقادت إيران نموذجين يختلفان في الطرح ويتفقان في الهدف الأساسي الذي اشرنا إليه .
الأول في العراق يتزعمه آل الحكيم طباطبائي ومن تخندق معهم في تجمعات طائفية تفتقد إلى الكثير من مقومات العمل الحزبي السياسي وحتى الديني الذي تختفي خلفه وتعدد واجهاتهم بين ما يسمى حزب الدعوة الإسلامية الذي انشق إلى تنظيم العراق وتنظيم إيران وجناحه المليشياوي منظمة بدر ثم تفرخ منه مجلس إبراهيم اشيقر الجعفري الخالي من الوطنية والإصلاح و مجلس آل عزيز الحكيم وتجمعات أخرى كالفضيلة وتيار مقتدى الصدر واتسعت القائمة أكثر إلى حركة ثار الله وحزب الله – تنظيم العراق وغيرها , هذا النموذج الأول الذي تبنى مشروع التعاون مع الفرس لتحقيق غاياتهم في العراق مع احتفاظه بالتنسيق مع الأمريكان في تنفيذ برنامجهم في المنطقة الذي يفضي إلى تقسيم القطر مذهبيا كأساس لما بعده ناهيك عن تغلغل فيلق القدس الفارسي وجهاز اطلاعات والمنظمات التي تحمل واجهات إنسانية لا حصر لها فعملوا على إثارة العنف الطائفي وصل إلى حد القتل على الهوية مقابل استقدام تيارات الفكر السلفي المتشدد وتنظيمات القاعدة لموازنة كفتي المعادلة التخريبية وأصبح العراق مسرحا لتصفية حسابات لا ناقة لشعبنا فيها ولا جمل , في إهمال تام لمقومات التوأمة بين الدين والقومية العربية في الوقت الذي تم تغذية الأكراد لإحاطة نفسهم بحاجز يؤسس لدولة للانفصال عن جسد العراق بعد قضم أجزاء أخرى من دول الجوار كسوريا التي تعتبر الآن اضعف دول المنطقة وانتظار الفرصة المناسبة لإعلان ذلك كما حصل عند تفكيك يوغسلافيا السابقة وتكرار تجربة كوسوفو في انسلاخها عن صربيا مطلع هذا العام .
أما النموذج الثاني فهو الخط الطائفي الذي مثله حسن نصر الله بزعامة حزب الله في لبنان وضمن تخطيط ومنهج مسبق منح هذا ادوار ظهر من خلالها انه بطل جهادي إسلامي على حساب دولة لبنان التي تعرضت إلى أبشع عمليات قتل ودمار انفردت في تنفيذه القوات الصهيونية بدعم أمريكي ولإعطائه مزيدا من الدعم والإقناع لالتفاف اكبر قدر ممكن من أبناء شعبنا عقدت معه صفقة تبادل الأسرى الأبطال وسلمت له جثامين الشهداء الذين ضحوا من اجل القضية المركزية في نضال العرب بينما كان الهدف الأساس منها التخلص من جثامينهم التي كانت تقض مضاجع الصهيونية في فلسطين , والآن هذا الحسن نصر الله يحاول إعادة لبنان إلى سبعينات القرن الماضي والاقتتال اللبناني اللبناني فأصبح يشاكس في كل شيء وعلى أي شيء وأصبح سلاحه المدعوم فارسيا لا يوجه إلا إلى صدور العرب بعد أن أنجز الجزء الأكبر من مهمته وحقق الأمن والأمان للصهاينة على طول الحدود اللبنانية .
في الوقت الذي تنعم شعوبهم في أمريكا وفي أوربا الغربية وإيران وغيرها بالهدوء والسلام أصبح المشرق العربي وفق السيناريو الأمريكي كتلة من لهيب تكاد تحرق شعبنا العربي بلهيبها فالعراق تناحر بين العملاء على مواقع السلطة وتحقيق المآرب الخاصة ولبنان جعلها حسن نصر الله وحزبه بركان يكاد ينفجر في أي لحظة والفلسطينيين تجويع وحصار لأكثر من مليون إنسان بريء وتناحر بين حماس وفتح وتتجرأ محكمة الجنايات الدولية بدوافع أمريكية على اتهام رئيس دولة السودان واستدعائه كمتهم في الوقت الذي يستمر تفجر الأحداث في جنوبه والصومال انقطعت عنه كل سبل الرحمة التي عرفتها الإنسانية وتتجه الفتنة إلى أقطار المغرب العربي فالجزائر لا يكاد يمر شهر إلا والتفجيرات تحصد ما تشاء من الأبرياء وحتى موريتانيا لم تسلم من الفتنة فبعد التجربة الديمقراطية فيها تتواصل الانقلابات العسكرية .
فهل تستهدف امة عرفتها المعمورة كما تستهدف امتنا ؟
إن ما قام ويقوم به النظام الرسمي العربي من تخلي عن قضايا الأمة المصيرية كالقضية الفلسطينية ومشكلة حصار الشعب العراقي لمدة تجاوزت الثلاثة عشر عام انتهت بغزو جيش همجي يفتقد إلى أي علاقة بالإنسانية وحقوق الإنسان المتحضر ثم تقف الحكومات العربية متفرجة وطائرات الصهاينة تقصف الشعب اللبناني دون رحمة وبنفس القسوة تجوع الإنسانية وتقتل في غزة ولها معابر حدودية مع مصر ومنفذ بحري مع العالم ويباد شعب كامل جوعا وتقتيلا في الصومال وتفجيرات في هذه البقعة العربية أو تلك دون أن يرف جفن الحكام وبلادنا تطفو على اكبر أحواض النفط والغاز في العالم وبه نستطيع أن نغير مجرى السياسة العالمية وأقطارنا اغني بلدان العالم وحكامنا من أرباب الثروة المعدودين بين الأثرياء وأرصدتهم توازي ميزانيات دول , بينما يستقبل قادة العدوان في أقطارنا استقبال الأنبياء ويكرمون بما لا يحلم به الأوصياء كأنهم رفدوا البشرية بمعجزات سماوية خارقة , وإعلام موجه يطبل ويزمر لتفتيتنا , تلكم عوامل أساسية الغاية منها الوصول بالمواطن العربي إلى قناعة مفادها التخلي عن بعده القومي والانشغال بمعاناته اليومية فقط , والإيحاء له بان حرية وطنه شيء من الترف لا قبل له به وان ما يحصل عليه من قوته اليومي هو من منح الغرب وهباته علينا والفكر القومي لا يعدو عن كونه بحث في التاريخ إما لغتنا العربية فهي وسيلة للتعامل أفضل منها لغات الغرب لولا إننا نقرأ بها كلام الله .