محمود كعوش
عندما ضربت هجمات 11 أيلول / سبتمبر 2001 المفجعة الصميم الأميركي
محمود كعوش
عندما ضربت هجمات 11 أيلول / سبتمبر 2001 المفجعة الصميم الأميركي في كل من واشنطن ونيويورك ونزلت فوق رؤوس المسؤولين في العاصمة الأميركية والعواصم العالمية الغربية الكبيرة الحليفة للولايات المتحدة نزول الصاعقة وأحدثت زلزالاً حقيقياً بين شعوبهم، لم يُجب هؤلاء المسؤولون على حزمة كبيرة من الأسئلة الهامة الصريحة والمحرجة التي تم طرحها وتداولها بشأنها وبشأن الأشخاص الذين ارتكبوها والجهات الرسمية التي وقفت وراءهم، والتي تم تداولها بشكل مستفيض وملح على جميع الأصعدة الدولية. وحتى أن الإجابات التي قدمها المحللون والمعلقون في تلك العواصم في حينه وخلال السنوات الست السابقة لم تخرج عن سياق الاجتهادات غير المقنعة والروايات التضليلية المقصودة.
واليوم وبعد مرور سبع سنوات على تلك الهجمات، يمكن القول دون ما تهيب أو تردد أن الغمامة قد انقشعت واتضحت الرؤيا وأصبح بالإمكان التفكر والتأمل ملياً في ما حدث في ذلك اليوم الاستثنائي وإعطاء الإجابات الوافية والشافية على كل الأسئلة التي تم طُرحها وتداولها بإلحاح وإصرار عجيبين في جميع أصقاع المعمورة ولم يجرؤ أحد على مقاربتها بشكل مقنع وغير مغاير لمنطق واشنطن السياسي.
فبعد هذه السنوات العجاف التي زخرت بالأحداث الكبيرة والثقيلة والتي أقل ما يمكن أن توصف به أنها كانت غير اعتيادية وأنها من هول تأثيرها غيرت وجه العالم، توفرت حقائق وأدلة كثيرة أسهمت في تسهيل وتيسير الإجابة على تلك الأسئلة دون ما جهد يُذكر وحتى دون ما حاجة لإزعاج أو “تكليف خاطر” أي من هؤلاء المسؤولين والمحللين والمعلقين.
ومن أهم وأبرز الأسئلة على سبيل المثال لا الحصر: هل حقاً أن هجمات 11 أيلول / سبتمبر 2001 أحدثت تغيرات كبيرة وجذرية على الشكل المألوف للعالم ما كان لها أن تحدث بهذا الكم وذاك الكيف لولا تلك الهجمات؟ وهل حقاً أن العرب بصورة خاصة والمسلمين بصورة عامة قد دفعوا ثمن تلك الهجمات أكثر من غيرهم، دون ما وجه حق أو شرع؟ وإلى أي مدى سيستمرون في دفع هذا الثمن؟ وهل من نهاية ممكنة، قريبة أو بعيدة الأجل، لآثار تلك الهجمات على العرب والمسلمين الذين كانوا السباقين لإدانتها واستنكارها والسباقين لدعم ومساندة الولايات المتحدة في حربها المفتعلة على ما أسمته “الإرهاب الدولي”؟
قبل الإجابة على هذه الأسئلة أرى أن من المفيد التنويه إلى أنه وبرغم أن زعيم تنظيم “القاعدة” أسامة بن لادن ونائبه أيمن الظواهري قد زعما في أكثر من شريط مصور ومسجل لهما مسؤولية التنظيم عن هجمات 11 أيلول / سبتمبر 2001، إلا أن الولايات المتحدة بكل ما اتصفت به من قد وقديد وجبروت وقدرات سياسية وعسكرية وأمنية وتقدم تكنولوجي لم تستطع حتى الآن التثبت من ذلك الزعم بالأدلة والقرائن القاطعة.
وهي وبرغم الوقت الطويل الذي مر على تلك الهجمات، وبرغم اعتقال آلاف الأشخاص،ربما ظلماً وبهتاناً، بتهمة الضلوع فيها في معتقل “غوانتانامو” الواقع في كوبا والمشابه لمعتقلات النازية وفي العديد من المعتقلات السرية الأخرى المنتشرة في العديد من دول الغرب والشرق المتآمرة والمتواطئة معها وإخضاعهم لأقسى أنواع التعذيب ووضعهم في ظروف لا يحتملها بشر، وبرغم احتلال بلدين مستقلين وعضوين مهمين في منظمة الأمم المتحدة هما أفغانستان والعراق وتدميرهما وتهجير مواطنيهما وارتكاب الفظائع التي وصلت حد الإبادة الجماعية بمن تبقى منهم فيهما دون مبررات أو مسوغات منطقية أو موضوعية، فإنها لم تتمكن بعد حتى اللحظة الراهنة من إدانة أي من المعتقلين وإثبات ضلوع “القاعدة” في تلك الهجمات.
وهذا يعني بعين العقل والمنطق أن كل ما ارتكبته الولايات المتحدة من ممارسات وحشية وبربرية ولا أخلاقية، وما قامت به من تدمير وبطش وظلم وتعسف وسفك دماء بريئة وانتهاك للقيم والمبادئ والأخلاق والأعراض وإجرام بحق البشر على مستوى الكرة الأرضية وبالأخص العرب والمسلمين في ظل رئيسها الأهوج جورج بوش الابن على مدار السنوات الست الأخيرة بذريعة هجمات 11 أيلول / سبتمبر وضلوع تنظيم “القاعدة” فيها لم يكن مبرراً أو مقبولاً في أي حال ولم يكن له غير تعليل واحد هو أنه حدث في إطار مخطط تآمري شيطاني أُريد من ورائه السيطرة على كل مقدرات العالم وبالأخص الوطن العربي والعالم الإسلامي، تنفيذاً لسياسة أكثر شيطنة أشرف على رسمها تيار المحافظين الجدد الذي يتزعمه نائب الرئيس ديك تشيني خدمة للتوجهات الأميركية الإمبريالية الجديدة ولحماية أمن الكيان الصهيوني وتكريس هيمنته على منطقة الشرق الأوسط، في ظل أحلام إعادة صياغتها و”تجديدها”.
لا شك في أن هجمات أيلول / سبتمبر 2001 قد شكلت منعطفاً هاماً وخطيراً في مسرى التاريخ الحديث لم يكن في حسبان أهل القرار والحل والربط في السياسة الدولية ومفترقاً أهم وأخطر في مجريات الأحداث، فرضا على العالم “تقويماً جديداً يكاد أن يطغى على التقويم الميلادي المألوف والمعتمد منذ ولادة السيد المسيح عليه السلام”!! فمن فرط ما ركز عليها الرئيس الأميركي جورج بوش الابن واستغلها واستثمرها هو وأركان إدارته والمتحالفون مع تلك الإدارة لغايات شخصية وأنانية متباينة، بلغ الأمر مبلغاً أصبح الناس معه ينظرون إلى 11 أيلول / سبتمبر على أنه مفصل بين فترتين زمنيتين أصبحتا تعرفان بفترتي “ما قبل 11 أيلول / سبتمبر 2001” و “ما بعد 11 أيلول / سبتمبر 2001”!
وبغض النظر عما إذا كانت تلك الهجمات عملاً إرهابياً خطط له ونفذه خصوم للولايات المتحدة كما ادعت واشنطن وبعض العواصم الغربية وعلى وجه الخصوص لندن، وهو ما لم يتأكد بعد، أو نتيجة لمؤامرة دبرتها جهات أميركية من داخل إدارة الرئيس جورج بوش الابن نفسها أو قريبة منها أو من جهات خارجية على علاقة وطيدة بها لتكون ذريعة لتحقيق مآرب سياسية واقتصادية أو لتنفيذ استراتيجيات وخدمة توجهات إمبريالية توسعية جديدة افترضها نظام القطبية الواحدة الذي استأثر بالعالم الجديد الذي ولد بعد تفكك “الاتحاد السوفييتي” وانحسار نفوذ الاتحاد الروسي الذي ولد من ضلعه، علينا كعرب ومسلمين أن نقر ونعترف بحجم التغيير الكبير الذي أحدثته تلك الهجمات الإجرامية وردود الفعل الأميركية ـ الغربية عليها التي فاقتها إجراماً على مستوى العالم وبالأخص الوطن العربي والعالم الإسلامي، وعلينا أن نتعامل مع هذا التغيير بكل حكمة وحنكة وذكاء.
فبعد 11 أيلول / سبتمبر بكل ما حمله من علامات سوداء، خرجت السياسة الأميركية من عقالها وتحولت الولايات المتحدة إلى وحش كاسر ومفترس يقسم العالم إلى فريقين، أحدهما معه وعليه أن يصطف إلى جانبه في كل حروبه العدوانية وغير المبررة والآخر ضده وعليه أن يدفع ثمن جريمة لم يرتكبها، تطبيقاً لقول الرئيس الأميركي جورج بوش الابن ” من ليس معنا فهو ضدنا”.
وعلى خلفية “قاعدة المجانين” هذه تم غزو أفغانستان والعراق واحتلالهما وقلب نظامي الحكم فيهما وتنصيب نظامين عميلين فيهما وتحويلهما إلى مستنقعين للفوضى العارمة ومرتعين لجميع الأعداء والطامعين فيهما. وعلى خلفية ذات “القاعدة” جرى ما جرى في فلسطين ولبنان والسودان وباكستان بشكل علني وسافر وفي أقطار عربية ودول إسلامية أخرى بشكل سري وماكر. وعلى ذات الخلفية تمت ملاحقة العرب والمسلمين أينما ولوا وجوههم وفي حلهم وترحالهم، ففتحت لهم المعتقلات داخل وخارج الولايات المتحدة وفي كل مكان من الغرب والشرق بما في ذلك كثير من العواصم والمدن العربية والإسلامية، وأصبح كل عربي ومسلم متهماً حتى تثبت براءته. هذا إذا تمت محاكمته، وهو ما لم يحصل مع أي من المتهمين بهجمات 11 أيلول / سبتمبر حتى الآن. والآتي أعظم وأدهى وأمر!!
وما يدعو للحزن والأسى أنه وبرغم التباعد الزمني بين ذلك التاريخ واليوم، فإن الولايات المتحدة ما تزال تمارس جميع أشكال الضغوط والتهديدات الأميركية العسكرية والسياسية والنفسية على العرب والمسلمين. وكلما أخفقت قواتها في تحقيق الأهداف التي من أجلها غزت أفغانستان والعراق بفعل تصاعد المقاومة المسلحة فيهما، فإنها تُضاعف من هذه الضغوط والتهديدات عليهم، وتزداد حماقة فوق حماقة وجنوناً فوق جنون في التصرف والتعامل معهم، وفي تصرفها وتعاملها حتى مع أقرب أصدقائها، بحجة محاربة “الإرهاب الذي يتهدد الولايات المتحدة والعالم” والذي لا يعشش شبحه إلا في خيالات الرئيس جورج بوش الابن وأركان إدارته وصقور اليمين الصهيوني الذين يسيطرون على هذه الإدارة الرعناء.
وبرغم مرور سبع سنوات عل هجمات أيلول / سبتمبر ودخولها عاماً إضافياً جديداً، لم تستطع الولايات المتحدة وكل الدول التي تحالفت معها طوعاً أو قسراً إحكام سيطرتها على أي مكان من أفغانستان باستثناء بعض أجزاء في العاصمة كابول، ولا على أي مكان في العراق باستثناء “المنطقة الخضراء” في قلب العاصمة بغداد، حيث أقامت فيها نظاماً محلياً هزيلاً اختارت له حكومات متعاقبة مماثلة اقتصرت مهماتها على تنفيذ سياسات سلطة الاحتلال الغاشمة.
وحتى الأجزاء التي سيطرت عليها قواتها الغازية في كل من كابول و”المنطقة الخضراء” فإنها تتعرض يومياً لهجمات المقاومين الأفغان والعراقيين المتواصلة والمتصاعدة وصواريخهم المدمرة، مما يعني أن البلدين المحتلين قد تحولا بالفعل إلى مستنقعين لاستنزاف هذه القوات تدريجياً وهو ما لا تستطيع الولايات المتحدة ومن تحالف معها تحمله وقتاً أطول، الأمر الذي ينذر بقرب وقوع هزيمتها وهزيمة حلفائها.
وعلى خلفية هذه الحقائق، فإن الخبراء الغربيين والشرقيين المختصين بشؤون الشرق الأوسط “الحالي وليس الذي في خيالات الرئيس جورج بوش الابن وأركان إدارته وصقور اليمين الصهيوني” لا يرون في تصريحات هؤلاء المتفائلة أكثر من “مكابرات” مفتعلة يسعون من ورائها إلى رفع معنويات قواتهم العسكرية المنهارة وتأمين خروج “مشرف” لهذه القوات، وإلا فإن الهروب ” المذل” من المستنقعين معاً أو من مستنقع العراق أولاً ثم مستنقع أفغانستان سيكون الخيار الآخر، الذي بعده من المفترض أن تسدل الستارة على زلزال 11 أيلول / سبتمبر بشكل حاسم ونهائي. ترى هل سيحدث هذا قريباً، وتتوقف العربدة الأميركية إلى ما لا عودة!!
أيلول / سبتمبر 2008