بقلم محمد أبو علان
التطابق والتماثل الكامل في المواقف السياسية ظاهرة فيها نوع من الاحتواء
بقلم محمد أبو علان
التطابق والتماثل الكامل في المواقف السياسية ظاهرة فيها نوع من الاحتواء والتبعية السياسية أكثر من كونها علاقة تحالف بين طرفين أو أكثر كون هذا الموضوع تحكمه مصالح وأهداف كل طرف من الأطراف في النهاية، فالتطابق والتماثل قد تكون نتيجته تنازل طرف عن أهدافه ومصالحة لصالح الطرف الآخر لعوامل ضعف أو لعوامل مرتبطة بالمصلحة الشخصية أو التنظيمية أكثر من منها بالمصلحة الوطنية، بينما موضوع العلاقة التي تحكمها أسس تحالفيه تكون مصالح الطرفين مأخوذة بعين الاعتبار بناءً على عامل المصلحة المشتركة وإن كان الأمور بدرجات متفاوتة في بعض الأحيان.
لهذا السبب وانطلاقاً من هذه القاعدة نوجه كلمة عتاب إن لم تكن لوم ولوم شديد اللهجة وبصوتٍ عالي للقيادة السورية وحلفائها من فصائل الممانعة الفلسطينية في موقفها من أبناء الشعب الفلسطيني المهجرين من العراق على يد قوات الاحتلال الأمريكي وأدواته الأمنية والسياسية المتمثلة بالحكومة العراقية بقيادة المالكي ومن على شاكلته والمليشيات التي شكلها الاحتلال وألبسها ثوب الطائفية ليعطي الانطباع بأن الصراع في العراق طائفي بالدرجة الأولى وما وجود القوات الأمريكية وغيرها من قوات التحالف إلا لحفظ الأمن في العراق والتوازن الطائفي فيها.
فالقيادة السياسية السورية لها الكثير من المواقف السياسية التي تستحق عليها الدعم والتأيد من الشعوب العربية وقواها الوطنية والإسلامية سواء عندما يتعلق الأمر بالمقاومة الفلسطينية واستضافتها على الأراضي السورية، والدعم المطلق والعلني للمقاومة الوطنية اللبنانية وعلى رأسها حزب الله في مواجهة المشروع الإيرو- أمريكي ذو الأهداف الإسرائيلية بالدرجة الأولى، ناهيك عن الرفض الكامل للسياسية الأمريكية المتعلقة بطبيعة وشكل اتفاقيات السلام مع دولة الاحتلال الإسرائيلي القائمة على السلام مقابل السلام وكأن دولة الاحتلال الإسرائيلي دولة أصيلة في الشرق الأوسط وليست دولة احتلال دخيلة لا زالت تحتل أراضي سورية ولبنانية ناهيك عن احتلال فلسطين بالكامل.
إلا أن هناك بعض المواقف للقيادة السورية التي نستغربها لدرجة إثارة الشكوك حول مقاصدها وأهدافها والتي علينا رفضها وحث القيادة السورية وعلى كل المستويات الرسمية والشعبية على تغيرها بصورة تعزز علاقة التحالف معها ولا تكرس علاقة الاحتواء، وهذه المواقف تتعلق بأبناء الشعب الفلسطيني المهجرين من العراق على يد مليشيات الصدر وجيش المهدي وأمثالهما من صنائع الاحتلال الأمريكي هناك، فهؤلاء الفلسطينيون يدفعون اليوم ثمن وقوفهم إلى جانب الشعب العراقي ونظامه السياسي في الحصار الغربي والعربي عليه طوال السنوات التي سبقت الاحتلال الأمريكي للعراق في وقت ترك الجميع العراق لقمة صائغة للاحتلال والقوى المتحالفة معه من عرب وغير عرب.
وبدل من أن يحظى هؤلاء باحترام واستقبال القيادة السورية وحمايتهم على أرض سوريا كونها لا زالت تعتبر نفسها في معسكر دول وقوى الممانعة، نراهم يعيشون لأعوام في مخيمات لجوء جديدة لا تحميهم من برد الشتاء ولا من حرف الصيف، ولا رعاية طبية لهم ولا خدمات إنسانية، وكل هذه المعاناة بسبب منع القيادة السورية لهؤلاء المهجرين من دخول الأراضي السورية طلباً للحماية والرعاية في ظل كل ما يتعرضون له من مجازر وتصفيات في العراق المحتل.
بالتالي لم يعد من السهل على الكثيرين منا نحن أبناء الشعب الفلسطيني الذين يدعمون البعد القومي والوطني للكثير من المواقف السياسية للقيادة السورية من تفهم مثل هذه المواقف والدفاع عنها والتي تدفع بأبناء الشعب الفلسطيني المهجرين من العراق لأحد طريقين إما الموت نتيجة المعاناة في مخيمات اللجوء الجديدة ونقص الخدمات وانعدام والرعاية الصحية لهم، وإما التهجير بصورة ممنهجه وبرعاية دولية لدول ومناطق تفصلها عن محيط فلسطين ومحيطهم العربي والإسلامي مسافات طويلة تجعل أمر العودة لفلسطين أو لمحيطهم العربي والإسلامي ضرب من ضروب الخيال، وهذه المواقف السورية تلعب وبدون شك دور كبير في تقصير المسافات وإزالة الفوارق بينها وبين الكثير من الدول العربية والإسلامية التي تلعب دور في تنفيذ السياسيات الأمريكية والعربية في التهجير والتخلص من أكبر عدد ممكن من اللاجئين الفلسطينيين من داخل المنطقة العربية في الطريق لإفراغ القرارات الدولية من محتواها التي تنص على حق العودة للاجئين الفلسطينيين لوطنهم الذي هجروا منه بفعل الجرائم والمجازر الصهيونية والآمر الدولي على مدار ستة عقود مضت ولا زالت مستمرة.
ففي الوقت الذي يجبر الفلسطينيين على مسار تهجير جديد إلى كندا وأيسلندا وغيرها من الدول الغربية من مخيمات اللجوء الجديدة على حدود الدول المجاورة للعراق نرى دولة الاحتلال الصهيوني تعمل ليل نهار عن طريق الوكالة اليهودية وغيرها من المؤسسات الصهيونية على جلب أكبر عدد ممكن من المستوطنين اليهود لفلسطين المحتلة، ففي الوقت الذي غادر فيه 25 لاجئاً فلسطينيا(بينهم أرملة وأطفالها الثلاث فقدوا رب أسرتهم على يد عصابات الموت في العراق) إلى أيسلندا، جلبت الوكالة اليهودية 235 مستوطن جديد لفلسطين المحتلة، واتساع عملية التهجير الجديدة للفلسطينيين تتم تحت صمت لا بل مشاركة أطراف عربية وإسلامية تحت شعار تخفيف معاناة هؤلاء اللاجئين الفلسطينيين، وتخفيف هذه المعاناة تكون بتهجيرهم لأبعد نقطة ممكنة عن فلسطين المحتلة للتخلص منهم، ففي الوقت الذي لم يعد متسع لأرمله فلسطينية وأطفالها الثلاث في العالم العربي والإسلامي يوجد فيه ما يكفي من السعة والترحاب بالقواعد الأمريكية والقوات المتحالفة معها، وللغانيات والعاهرات القادمات من الغرب والشرق تحت عنوان تنشيط السياحة والحياة الاقتصادية في العالم العربي وفق معايير النظام العالمي الجديد.
والموقف الأغرب والمستغرب هو صمت الفصائل الوطنية والإسلامية الفلسطينية المتحالفة مع القيادة السورية والمقيمة على أراضيها عن مثل عمليات التهجير هذه بموافقة مباشرة أو غير مباشرة ونتيجة ممارسات لدولة باتت حليفتهم الوحيدة في ظل اتساع مظلة المنظومة الأمريكية لتغطي معظم مساحة العالم العربي والإسلامي.
وعلى المستوى الفلسطيني العام فالسلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية يتحملون المسئولية أيضاً في إهمال هذا الملف من أن يحظى بحلول منطقية بدل الحلول القائمة على التهجير من جديد لهؤلاء الفلسطينيين، فعليها السعي باتجاه العمل على إعادة هؤلاء الفلسطينيين لفلسطين المحتلة كحل له الأولوية رغم إدراكنا لصعوبته ، وإما تكثيف الجهود لإعادتهم للعراق وضمان حياة كريمة وآمنه لهم ,وإما الطلب من الأمم المتحدة والدول العربية على تحمل مسئوليتها تجاه هذه القضية وتوفير حياة كريمة لهم في دول الجوار العراقي وإن تعذر ذلك عليهم توفير ظروف حياة إنسانية لهم في هذه المخيمات والتي من أهم قواعدها توفير المسكن والمأكل والتعليم والصحة لحين توفر حل مقبول لقضيتهم غير سياسية التهجير والإبعاد إلى ما وراء البحار في رحلة ذهاب تنعدم فيها احتمالات الإياب في يوم من الأيام.
وعودة لموضوع الفصائل الفلسطينية حليفة القيادة السورية فكيف تسمح هذه الفصائل لنفسها بالتمتع بتسهيلات وامتيازات لها ولقيادتها السياسية والعسكرية ولا تنبس ببنت شفه عما يتعرض له أبناء جلدتهم من ذل وإهانة على الحدود السورية – العراقية على مدار سنوات الاحتلال الأمريكي للعراق وكأن الحديث يدور عن رعايا من مكيرونيزيا أو جزر الكناري وليس عن لاجئين فلسطينيين ترفع هذه الفصائل شعار الدفاع عن حقوقهم وسعيها لتحقيق حق العودة لهم، أم أن هذا الصمت والسكوت هو الثمن لإقامتهم ولامتيازاتهم على الأرض السورية؟، مما يجعلنا نعيد الحديث عن الموضوع الذي بدئنا به حديثنا، ولكن على شكل سؤال، فهل علاقة فصائل المقاومة والممانعة الفلسطينية المقيمة على الأراضي السورية مع القيادة هناك علاقة تحالف أو علاقة احتواء وسيطرة؟، وما نرى من معطيات وممارسات على الأرض لا تشير لعلاقة تحالفيه حتى الآن على الأقل.
فلسطين 10/09/2008