يمثل الشباب شريحة اجتماعية هامة ومتميزة في مختلف المجتمعات لما يتمتعون به من قوة وحيوية، ويشكلون مصدراً هاماً للازدهار والتطور والرقي والتنمية وديمومتها في المجتمع، حيث يعتبر الشباب عماد ومستقبل ودرع الأمة وثروتها، وتمثل نسبة الشباب الفلسطيني (10-24) عاماً ركناً أساسياً من أركان المجتمع لحجمها المستقر نسبياً (33%) من المجتمع لعدة سنوات قادمة لما تمثله بالنسبة للمستقبل الفلسطيني، وتستدعي الخصوصية البالغة لهذه الشريحة من المجتمع بحجمها وواقعها وتحدياتها بالإضافة إلى كونها أكثر شرائح المجتمع تأثيراً بالمظاهر الايجابية أو السلبية المنتشرة في المجتمع اهتماماً خاصاً من مخططي السياسات وصناع القرار في مجال التنمية والتطوير من أجل ضمان الدمج المتكامل لهذه الشريحة في أي برنامج وطني للنهوض والبناء والتنمية المستدامة،
فالمجتمع الفلسطيني يشكل فيه الشباب ويرسم الجزء الأكبر من التشكيل الديمغرافي السكاني فمن هنا يعتبر الشباب ثروة فلسطين البشرية والحقيقية، والتي بات الاهتمام بها من الأولويات الضرورية لبناء هذا القطاع الشاب وتنمية قدراته وتوجهها.
وقد عانى الشباب الفلسطيني من مشكلات عديدة تحول دون تحقيق طموحهم كما تحول دون مشاركتهم الفاعلة في العملية التنموية، ولعل أبرز هذه المشكلات البطالة المرتفعة في صفوفهم إذ تصل نسبة البطالة في صفوفهم إلى ما يقارب 55% نتيجة لعدد من العوامل أبرزها الحصار الإسرائيلي والإغلاقات المستمرة التي تمارسها قوات الاحتلال على مدار العام بالإضافة إلى سوء الأحوال الاقتصادية في الأراضي الفلسطينية.
ولا شك أن العمل مع فئة الشباب وفق أساس تخصيص بحث بات من أهم المناحي الأساسية التي بدأت تنتهجها مختلف المجتمعات في العالم ومن بينها مؤسسات المجتمع الفلسطيني الأمر الذي يدعو لتعزيز وتأهيل وصقل وتدريب الشباب الذي يحتاج للعديد من المهارات والخبرات في شتى الميادين ولا سيما المجتمعية منها إذ نظرنا للواقع الذي عايشه الشباب الفلسطيني وتأثيره المباشر بالأوضاع السياسية التي تراوحت بين ليلة وضحاها.
حقاً أن الوضع الفلسطيني وما شابه من تطورات استجدت بعد انتفاضة الأقصى وتحديداً ما نتج عنه من تدمير ممنهج لبني المجتمع الفلسطيني ومن ضمنه شريحة الشباب وأثر على التكوين العام للمجتمع وهذا التأثير استمر ليشمل الشباب أيضاً الذي تتفاقم أزمنة جراء تلك الأمور والسياسات وهذا الشيء نتج عنه شغل تلقائي ومعاناة واضحة تنسحب على كافة القطاعات بدءاً بالنواحي الاقتصادية مروراً بالاجتماعية والفكرية وانهيار بالنواحي النفسية التي انعكست سلباً على واقع الشباب الذي بات في مرحلة إرباك محكم الواقع الحالي المتمثل بالبطالة والفقر في الأراضي الفلسطينية.
وبحسب خبراء الصحة النفسية فإن للبطالة آثارًا نفسية واجتماعية، حيث تولد عند الفرد شعوراً بالنقص بالإضافة إلى أنه يورث الأمراض الاجتماعية الخطيرة كالرذيلة والسرقة والنصب والاحتيال، إضافةً إلى أن الفرد العاطل عن العمل يشعر بالفراغ وعدم تقدير المجتمع له، مما ينشأ لديه العدوانية والإحباط، هذا فضلاً عن أن البطالة تحرم المجتمع من الاستفادة من طاقة أبنائه، وكذلك الأسر التي يفقد فيها الزوج وظيفته فإن التأثير ينعكس سلبًا على الزوجات وعلى العلاقة الأسرية ومعاملة الأبناء، واعتبر خبراء الصحة النفسية أن مشكلة البطالة من أخطر المشكلات التي يواجهها المجتمع نظراً لما لها من آثار سلبية خطيرة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية، فعلى المستوى الاقتصادي تفقد الأمة عنصراً هاماً من عناصر التنمية ألا وهو عنصر الموارد البشرية، وذلك سواءً من خلال عدم الاستفادة منه، أو من خلال هجرته إلى الخارج، أما اجتماعيًا فإن البطالة توفر الأرض الخصبة لنمو المشكلات الاجتماعية وجرائم العنف والسرقة والقتل والاغتصاب والانتحار، وأشار الخبراء إلى تعريف العاطل عن العمل حسب منظمة العمل الدولية وهو كل من هو قادر عن العمل وراغب فيه ويبحث عنه ويقبله عند مستوى الأطر السائد ولكن دون جدوى وعلى هذا الشاب أن يفكر بأسلوب لا ينقصه الإبداع حتى يجد العمل الملائم والمربح، إذًا فإن البطالة شبح يحيط بشرائح المجتمع وخاصة شريحة الشباب.
أنه وبحسب الإحصائيات الموجودة فإن نسبة البطالة في المجتمع الفلسطيني قد بلغت مستويات غير معهودة من قبل وقد نتج عن ذلك سقوط فئات وشرائح جديدة في حفرة الفقر حيث أصبح أكثر من 65% من المجتمع الفلسطيني يقع تحت خط الفقر أي أقل من دولارين في اليوم للفرد، وتشير هذه الإحصائيات إلى أن فئة الشباب الذكور تشكل نسبة 45% من العاطلين عن العمل، فيما ترتفع هذه النسبة بين الشابات عن العمل لتصل إلى 93% أي نصف الشباب الذكور ومعظم الشابات الإناث هم خارج إطار العملية الإنتاجية. أن خطورة البطالة تكمن في كونها تحد من القدرة على الاستفادة من القدرات والموارد البشرية في التنمية.
إن هناك سياسات وحلول إستراتيجية للحد من انتشار ظاهرة البطالة من خلال الاستثمار في مختلف قطاعات الاقتصاد الوطني وهذا يقتضي تصحيح البينان الاقتصادي والتنمية المتوازنة لقطاعاته واستقدام التكنولوجيا الملائمة وتعزيز القدرة الذاتية التمويلية للسلطة الوطنية من بين أشياء أخرى يمكن اعتماد إستراتيجية لارتفاع المخطط والتدريجي لمعدل الادخار المحلي، وأيضًا التوظيف الجيد للمساعدات الخارجية واعتماد وتنفيذ برنامج ملائم للتنمية متوسط وطويل المدى للارتقاء بمستويات التعليم والصحة والإسكان والرعاية الاجتماعية وهو ما يشكل قاعدة للارتفاع بمستوى الإنتاجية والتي تشكل بدورها أحد المصادر الأساسية للنمو والتنمية وإعادة النظر الآن ومن حين لآخر في مكونات التعليم والتدريب حتى يكون هناك توافق بين مؤهلات العمالة التي تدخل سنويًا سوق العمل ومتطلبات هذه السوق. وتعزز مبدأ التكافل والتعاون مع مختلف القطاعات وهذا يتطلب توفير التسهيلات القانونية والإدارية من قبل السلطة الوطنية الفلسطينية وممارسة التخطيط الاستراتيجي للتحرك صوب التنمية الإنسانية المستدامة.
ففوائد العمل كثيرة ومنها إشباع الحاجات النفسية حيث يسهم العمل في إشباع حاجات الإنسان النفسية كالحاجة إلى الاحترام والتقدير، والحاجة إلى إثبات الذات، والحاجة إلى الاستقرار الباطني، والحاجة إلى الاطمئنان النفسي، وغيرها من الحاجات النفسية والمعنوية. والعمل يقوي كيان الإنسان المعنوي، كما أنه يصفي الروح، ويصقل الضمير الإنساني، ويجلي المواهب الباطنة، ويهذب النفس الإنسانية، وينمي الروح الاجتماعية، ويصنع الإرادة القوية.
توفير المتطلبات المادية: فالعمل هو الذي يجعل الإنسان قادراً على توفير حاجاته المادية، من أكل وشرب ومسكن وسيارة وغيرها من اللوازم الضرورية والثانوية في حياة الشباب، فالعمل ضرورة حياتية وشخصية، فلا حياة سعيدة لمن لا عمل له، إذ يفقد القدرة على توفير ما يحتاج إليه من لوازم وحاجات لا يمكن الاستغناء عنها لأي إنسان كان، ولذلك يسعى كل إنسان إلى تأمين عمل مناسب له كي يتمكن من إشباع حاجاته المادية والأساسية.
تنشيط الاقتصاد: إن توظيف الشباب يحقق تنشيطاً للاقتصاد، إذ أن الاقتصاد عبارة عن دورة مالية، أضف إلى ذلك أن لدى الشباب من القدرات والإمكانات والفاعلية والحماس والطموح والنشاط ما يساهم في تنمية الاقتصاد، وخلق روح جديدة فيه. ومن دون توظيف الشباب يتعذر دفع عجلة الاقتصاد، خصوصاً إذا علمنا أن أعلى نسبة في القوى العاملة هي تلك التي تضم شريحة الشباب.
الحفاظ على الأمن الاجتماعي: يؤدي توفير فرص وظيفية للشباب إلى خلق حالة من الأمن الاجتماعي، في حين أن البطالة وعدم قدرة الشباب في الحصول على الوظائف والأعمال المناسبة يساهم في انتشار الجرائم، وكثرة السرقات، مما يؤدي إلى الإخلال بالأمن الاجتماعي العام. وخلق المزيد من الوظائف لجيل الشباب يساهم كذلك في دفع عجلة الحياة الاجتماعية إلى الأمام، إذ أن كل فرد من أفراد المجتمع الإنساني عندما يعمل يشعر أنه عضو فعال في المجتمع، وأنه مساهم في التنمية الاجتماعية، وبالتالي يهمه الحفاظ على البيئة الاجتماعية، وعلى الأمن الاجتماعي، باعتباره الضمان للحياة الاجتماعية السعيدة.
البناء الحضاري: إن البناء الحضاري يبدأ من بناء الشباب وإعدادهم إعداداً متكاملاً ومتوازناً كي يكونوا بمستوى البناء والتحدي الحضاري، والمنافسة الحضارية بين الأمم والشعوب. التقدم في مجال العمل والصناعة والاقتصاد من محاور البناء الحضاري، وهذا ما لا يمكن تحقيقه إلا عندما يتحول الشباب إلى قوة عاملة وفاعلة ومنتجة. إن توظيف عقول الشباب، واستثمار قدراتهم ومواهبهم، والاهتمام الخاص بالأذكياء والموهوبين، وتشجيع روح الإبداع والابتكار والاختراع والاكتشاف هي من الخطوات الرئيسية نحو بناء حضاري مشرق، ونهضة علمية زاهرة.
*كاتب وصحفي فلسطيني
*عضو الاتحاد العربي للاعلام الالكتروني