الإرهاب لا دين له…وجميع وسائل القتل مجازة، الهدف قتل أكثر عدد ممكن من العراقيين.
لقد أتفق أكثر المراقبين خلال الأعوام الخمس الماضية أن وضع العراق في تدهور مستمر تتخلله أشهر فتور تتبدل فيه أسلوب حصاد الأرواح. البعض الكثير وضع اللائمة على القاعدة بأنها وراء التفجيرات…من عبوات ناسفة، وسيارات مفخخة، وانتحاريين في بداية الأمر، ثم النساء المنتحرات مؤخراً…والبعض الآخر ربط أكثر هذه العمليات الإجرامية بتعاون وثيق بين بقايا البعث وقياداتها الهاربة والأموال العراقية المهربة ومخابرات دول صديقة وشقيقة… وكلها وضعت بسبب وجود المحتل الأمريكي. لكن أكثر هذه المبررات سقطت حين أدرك الجميع أن هذا القتل الجماعي لا يستهدف القوات الأمريكية المحتلة…بل أستهدف ومازال يستهدف الإنسان العراقي البسيط.
والطرف الذي تحمل العبء الأكبر من حرب الحكومة العلني من جولات وصولات هو جيش المهدي (بمسمى الخارجين عن القانون). فظهرت الصحوة في محافظة الانبار بمباركة أمريكية ودحرت العناصر الموالية للقاعدة والعرب الوافدين للمنطقة…لكنها حصلت على انتقادات من أطراف عراقية. بعد أن نجحت القيادات العراقية من الوقوف بوجه الاحتقان الطائفي، وقادة عمليات فرض القانون وإن كان منمقاً وإعلاناً غير صادقاً بشكل نهائي، لكن أكثر الأخبار الواردة من العراقيين تشير أن الوضع الأمني أفضل بكثير حالياً.
سمعنا عن تلوث مياه الشرب، وتلوث الهواء وظهرت حالات مرضية عجيبة غريبة. وتناقلت أنباء عن أمراض سرطان لم تكن موجودة في العراق…وبيع مستحضرات تجميل مسمومة، والأرصفة مليئة بالصيدليات المتنقلة حيث تباع الأدوية المسروقة من وزارة الصحة أو الأدوية المهربة للعراق ولا يعلم مدى صلاحيتها أو فسادها، أو إن كانت تحتوي على سموم بدل الدواء.
والآن أجتاح العراق مرض الكوليرا…ولا يصيب إلا العراقيين الذين يفتقدون لماء صالح للشرب ولأبسط مستلزمات الحياة.
هل أن الأوبئة والأمراض المزمنة وجدت موطن جديد لها في العراق، أم أن هناك جهات تنشر هذه الأمراض كسلاح لقتل أكبر عدد من العراقيين…وهل هذا أسلوب جديد لمحاربة المحتل.
هل العملية السياسية ناجحة؟
كلا…! لأن السياسة الناجحة تعني أن القرارات السياسية أثرت بصورة إيجابية على واقع العراقيين، فهم في أمن وأمان وحياة كريمة…العراقي مهانة كرامته، حيث ليس يمكنهُ من الحديث والتعبير عن رأيه بصورة واضحة والدليل المثقف يغتال وكاتم الصوت خير دليل. والإعلامي لا يمكنهُ البوح بما يراه مناسباً لأن المؤسسة الإعلامية التي ينتمي إليها لا تسمح لهُ بأن يكتب أو يقول ما يمليه عليهُ ضميره…بل يتبع أوامر بأن يكون اتجاهه معين ومحدد.
أن تخلص السياسيون من الاحتقان الطائفي وقعوا في حرب بين الأحزاب من أجل الاستحواذ على السلطة، وأن بدأ الهدوء بين الأحزاب المتصارعة خلق صراع قومي عربي بحجة كركوك وخانقين…وأرواح العراقيين لا يبالي لها أحد…لأن الشعب العراقي خارج المنطقة الخضراء.
لأن في المنطقة الخضراء وإن وجد الماء الصالح للشرب لكنهم يشربون ماء القناني المستورد…
والدليل جميع الأمراض التي أصابت العراقيين لم يصاب بها أي مسؤول داخل المنطقة الخضراء…ولا حتى أبسط موظف أو حارس.
العملية السياسية الناجحة تظهر نتائج نجاحها على المواطن البسيط، وليس فقط على المنتمين لهذا الحزب أو ذاك…ولا فقط على منتسبين هذه الوزارة أو تلك.
ليس فقط وزير الصحة يتحمل مسؤولية انتشار الكوليرا ولكن الحكومة بجميع مفاصلها تتحمل المسؤولية…الأمريكان يتحملون الجزء الأكبر لأن العراق تحت تصرفهم والقانون الدولي إن كان له أثر يحدد مسؤوليات المحتل…لقد أكدت على مجموعة من القضاة والقانونيين وعدد من رؤساء المنظمات المدنية حين لقائي بهم في بدايات 2003 أن يدونوا جميع الجرائم وجميع ما أصاب الشعب العراقي وهدر لثروات العراق لكي تتذكرها الأجيال القادمة وتقدم مستقبلاً. أتمنى أن هذا التوجه مستمر وكل الأمور مثبتة وموثقة.
لو أننا راجعنا تاريخ الشعوب التي وقعت تحت الاحتلال وأجرينا مقارنة بما جرى على العراق وشعبه منذ نيسان 2003 ولحد الآن من قتل وتهجير وشحٌ في كل ما هو ضروري للعيش الكريم، والقتل الجماعي وهدر الثروات الهائلة، لما وجدنا أوجه المقارنة…بل أن أكثر تلك الدول أنتعش اقتصادها وتطورت الحياة فيها…هل الأمريكان وحلفائهم قاصدين الخراب والدمار…أم أن القيادات السياسية العراقية يتبعون أجنده خارجية تدمر العراق لكي تثبت أن الوجود الأمريكي في العراق سبب الدمار والويلات ولا يمكن قبوله بل رفضه ومحاربته…ولكن من خلال قتل الأبرياء من العراقيين.
العراقي البسيط سمعتهُ يقول: (الحكومة أتبلط شارع…مت كولي شنسوي بالشارع، خلي يصلح الكهرباء حتى أبني يكدر يروح للمدرسة…حتى نكدر أنعيش…خلي يحل مشكلة الماء حتى نكدر نشرب ماء نقي).
التوجه من أجل ترميمات وبيان ظاهرة عمرانية تظاهرية لا ينفع الشعب العراقي، ولكن بناء الأسس ومقومات العيش بسلامة صحية هو الأهم. خلق المشاكل من أجل إضعاف مكون أو حزب معين لمصلحة مكون أو حزب آخر هكذا توجه لا يبني العراق بل سبب خرابه. من مجموع هذه القيادات السياسية كم وطني حقيقي له وجود فعلي مؤثر قادر على التغيير نحو الأفضل…له موقف حازم بوجه كل هذه المؤامرات ضد الشعب العراقي…أجزم أنني سمعت ونقل من قبل البعض…أن هناك توجه يقول أن عدد الشعب العراقي كثير وكبير ولا يمكن بناء دولة ديمقراطية وتوفير حاجيات الناس الضرورية إن لم يحصل تغيير في نسمة السكان العام…ووضعوا خطة لتهجير ثلث وقتل ثلث…و(إرضاخ) الثلث المتبقي للأمر الواقع…الذي أتفق عليه جهات معينة. وأتمنى أنه ضربٌ من الخيال أو إشاعة كاذبة ومرض للدعاية لفقدان الثقة بكل السياسيين.
إذا كانت الحكومة صادقة بأنها قد قضت على الإرهاب والمجاميع المسلحة والخارجين عن القانون وما إلى ذلك من إعلان نسب للتحسن الأمني…فأنهم مخطئون في وضع ستراتيجية أمنية متكاملة لمجابهة الإرهاب، حيث لم تكن في حساباتهم كيفية مواجهة استخدام الأمراض والحرب الجرثومية.
إن كان الإرهاب وراء انتشار الأمراض المزمنة والأوبئة وغيرها…بذلك يجب على الحكومة أن تتحمل المسؤولية الكاملة.
خمسة أعوام والمستنقعات منتشرة بين الدور السكنية…خمسة أعوام والماء مفقود في عراق النهرين، خمسة أعوام والعراقي لا يحصل على قنينة غاز أو لتر بنزين أو النفط الأبيض، وخمسة أعوام مضت والعراقي يعاني من قلت الكهرباء وأموال هائلة تهدر لاتفاقيات استيراد الطاقة الكهربائية من دول الجوار والله أعلم من المستفيد من هذه العقود الضخمة…خمسة أعوام وأسعار السلع الغذائية ازدادت بنسب 1000% فالقدرة الشرائية تخص مجموعة قليلة مرتبطة بالمؤسسات الحكومية…خمسة أعوام وقوام القوات الأمنية تصل لميلوني عراقي وعراقية. خمسة أعوام من النهب والسرقة وبالأمس أسمع رئيس هيئة النزاهة يقول أن الأرقام التي تخص الفساد الإداري مفتعلة وليس لها موقع صحة وحقيقة…والشعب العراقي يعلم أن وزيراً قد سرق مليار دولار ووزير الكهرباء سرق بما يقارب … مئات الملايين من الدولارات…فبرأ كبار المسؤولين ووضع اللوم على الصغار من الموظفين…والضيوف الذين حضروا معه اللقاء في قناة الحرة في برنامج (بالعراقي) يغطون على تصريحات النزاهة التي لا يمكن أن تكون نزيهة طالما يد الحكومة تلعب وتجول بكل صغيرة وكبيرة…ولا يمكن أن يكون لدى العراق لا جهاز قضائي مستقل ولا أي مؤسسة مستقلة…فالأحزاب في صراع مستمر فيما بينها.
مضت على العملية السياسية أعوام وليس أيام أو اشهر… وقد أتهم دول الجوار وأتهم الكبار والصغار إلا القيادات المسؤولة عن الجرائم التي تقترف بحق المواطن…لكن الهروب من الواقع سهل. سنين بعد الاحتلال …بعد التحرير من نظام دكتاتوري مقيت قد خلف من ورائه خراب ودمار في دمار…وترك مجاميع وأموال كبيرة للوقوف أمام العملية السياسية، لكن عدم قدرة القيادات من توحيد الصف قادهم للمساهمة في الخراب وقتل الشعب وتجويعه وتهجيره…أصبح الهروب من العراق متسابق عليه…العراقي يبيع كل ما بناه أباه فقط من أجل الهروب من عراق القتل…لقد طالة أيادي الجريمة لقتل المفكرين والعلماء والأطباء …واليوم يغتال المثقف لأن صوتهُ الحق…وقلمه يخط سلاحاً فتاكاً ضد الباطل بكل أنواعه…ويقرب المثقف الذي باع ضميره ليس بدنياه بل بدنيا غيره.
هل يمكن لأصحاب القلم أن تتوحد جهودهم الخيرة المنتمية للعراق لشعب العراق من أجل نصرت المظلومين؟ فأنا تلميذٌ …والباقين أساتذتي وجهوني وعلموني فأنني متعطش لكلماتكم ومقالاتكم لرفع الظلم والحيف عن شعب عانى طيلة تاريخه ومازال يعاني، فليس هناك مجموعة قادرة عن رفع الظلم وإقرار الحق والعدل أفضل من أصحاب القلم…وهذا واقع تاريخ جميع الشعوب في العالم.
((أنا مع مثقفين بلا حدود…ندافع عن حقوق العراقيين أينما كانوا…من معنا))
المخلص
عباس النوري
10/09/08