د/ نصار عبدالله
لماذا أصبح المصريون يندهشون من أمور طبيعية جدا وعادية جدا
د/ نصار عبدالله
لماذا أصبح المصريون يندهشون من أمور طبيعية جدا وعادية جدا بينما لا يندهشون من أمور وأوضاع بالغة الشذوذ والغرابة ؟؟… على سبيل المثال فإن من الطبيعى جدا أن يحال المتهم بقتل إنسان إلى محكمة الجنايات، وأن يحال المتهم بسرقة فرخة وذبحها إلى محكمة الجنح !!، …. من الطبيعى أن يحدث هذا فيما هو مفترض بغض النظر عن المكانة الإجتماعية للجانى أو المجنى عليه ،.. ومع هذا فقد اندهش الكثيرون من المصريين لإحالة السيد هشام طلعت مصطفى إلى محكمة الجنايات رغم أنه متهم بالتحريض على ذبح إنسان !!! ولم يندهشوا لإحالة السيد ممدوح إسماعيل إلى محكمة الجنح رغم أنه قد تسبب بجشعه وإهماله الجسيم (طبقا لما يستفاد من تقرير لجنة تقصى الحقائق) فى مقتل أكثر من ألف مصرى وتقديم لحومهم طعاما إلى الأسماك المتوحشة، وكأن ماصدر منه يتساوى فى جسامته ـ وبالتالى فى عقوبته ـ مع جريمة ذبح فرخة مسروقة !! .. اندهش المصريون هذا العام من إحالة هشام مصطفى إلى الجنايات رغم أن القرار فيما هو مفترض غير جدير بأية دهشة، و لم يندهشوا فى العام الماضى من قرار إحالة ممدوح إسماعيل إلى محمكة الجنح رغم أنه كان جديرا بأقصى درجات الدهشة ، (فيما بعد شعر المصريون بالصدمة من حكم البراءة رغم أن الحكم متسق مع قرار الإحالة!!!) …ما الذى حدث للمصريين؟؟ ولماذا أدهشهم ما يفترض أنه أمر بديهى وطبيعى ؟؟ ولم يدهشهم ما يفترض أنه غريب ومدهش؟؟؟ !!!الجواب هو أن خبرة السنوات الماضية قد علمتنا أنه ليس من المتوقع ولا من الطبيعى أن يحدث فى مصر شىء طبيعى !!، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بتلك الفئة العليا الممسكة برقاب البلاد والعباد ، فهؤلاء لم يوضع قانون العقوبات لكى يطبق عليهم ، ولكنه وضع لكى يطبق فقط على كارهيهم وحاسديهم ، بالإضافة طبعا إلى تطبيقه على المواطنين العاديين الذين يمثلون 99% من تعداد الشعب المصرى….هذا هو ما تعلمه المصريون من خبرة السنوات الماضية التى تؤكد أن كبار الرموز فى النظام ـ ما لم يصطدموا برموز أكبر منهم ـ فإنهم لا توجه إليهم اتهامات جنائية قط رغم كل ما قد يرتكبونه من أفعال معاقب عليها جنائيا بدءا من التزوير فى الإنتخابات ، ومرورا بالرشوة أوالتربح من الوظيفة ، وانتهاء إلى الخطف أوالقتل عمدا أو التسبب فيه عن طريق الإهمال ، ومن هنا جاءت الدهشة كل الدهشة من أن يحال إلى الجنايات رمز كبير من رموز النظام هو السيد هشام طلعت مصطفى الذى يعد الرجل الثالث فى لجنة السياسات ، رغم أن المنطق الطبيعى للأمور ( وهو ما افتقدته مصر بشكل غير مسبوق فى سنواتها الأخيرة ) ، يقضى بأنه لا أحد فوق القانون ، وبوجه خاص القانون الجنائى …حتى لو كان الذى قد نسب إليه ارتكاب الفعل المؤثم جنائيا أعلى بكثير من الرجل الثالث فى لجنة السياسات أو فى غيرها من اللجان ، بل إن الدستور المصرى الحالى، ومن قبله أيضا سائر الدساتير التى صدرت فى العهد الجمهورى قد احتاطت لإمكانية أن يرتكب رئيس الجمهورية نفسه فعلا جنائيا ، ومن ثم فقد نصت على تحديد السلطة التى تملك حق توجيه الإتهام إليه ، وهى بالمناسبة ليست النيابة العامة ، ولكنها مجلس الشعب ، ولنقرأ معا نص المادة 85 من الدستور المصرى قبل تعديله الأخير: ” يكون اتهام رئيس الجمهورية بارتكاب جريمة جنائية بناء على اقتراح مقدم من ثلث أعضاء مجلس الشعب على الأقل ، ولا يصدر قرار الإتهام إلا بأغلبية ثلثى أعضاء المجلس ، ويقف رئيس الجمهورية عن عمله بمجرد صدور قرار الإتهام ويتولى نائب رئيس الجمهورية الرئاسة مؤقتا لحين الفصل فى الإتهام…..”وفى مارس 2007 تم تعديل الفقرة الأخيرة لكى تصبح : “ويتولى الرئاسة مؤقتا نائب رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس الوزراء عند عدم وجود نائب للرئيس، وذلك لحين الفصل فى الإتهام”… كل هذا على المستوى النظرى ، أما على المستوى العملى فإنه لو تم إعماله يوما ما على أى رئيس مصرى فإنه بالطبع سوف يكون مثارا للدهشة وأية دهشة !!