بقلم: أنور مالك
ظل الحديث عن الأجيال المتعاقبة لما يسمى بتنظيم القاعدة الذي يتزعمه
بقلم: أنور مالك
ظل الحديث عن الأجيال المتعاقبة لما يسمى بتنظيم القاعدة الذي يتزعمه أسامة بن لادن، يثير فضول الكتاب والمحللين والإستراتيجيين وحتى خبراء الأمن والمخابرات، وتباينت الآراء وتناطحت التخمينات حول التسميات والطبيعة التي تحملها هذه الأجيال، وأعطيت مختلف المواصفات عن صناع الحدث في كل جيل، وإن كانت أغلب الرؤى تصب في إطار محاولة إبعاد أسامة بن لادن عن مشهد القيادة الفعلية والميدانية لتنظيمه، وهو ما يرمي نحو استعجال النهاية الحتمية تظهر من خلال نظرية سقوط الزعيم الروحي في وحل لا عودة ترجى منه، سواء عن طريق التحول في القناعات أو من خلال الانقلاب على مستوى الأشخاص، فقد جعل الأردني أبومصعب الزرقاوي زعيما بديلا ومسيرته هي المنعطف الحاسم بين جيلين في تاريخ القاعدة وكل الجهاديين، ولكن في اعتقادي أن أسامة بن لادن لا يزال القائد الفعلي والمنظر الذي جاء كمعطى إيديولوجي جديد بعد اغتيال عبدالله عزام، الذي يعتبر الأب الروحي للأفغان العرب في أفغانستان، ومنهم تشكلت النواة الرئيسية لتنظيم أسامة بن لادن، والمعلوم أن الزعامات لدى الجهاديين لا تنتهي برحيل الأشخاص بل يوجد من يتحول إلى رمز فعلي أكثر بعد موته وخاصة إن كان اغتيالا أو موتا في ساحات الوغى، ومن يزعم أن أسامة بن لادن سينتهي في حال القضاء عليه من طرف أمريكا وحلفائها فهو واهم، بل سيعطي زخما قويا لترسيخ معاني دأب على الدفاع عنها في حياته، لهذا لا يمكن أن ننظر إلى أجيال القاعدة أو كل الحركات المتشددة من خلال الأمراء والقادة بقدر ما ننظر من خلال التحولات الفكرية والعقدية التي غالبا ما تظهر ميدانيا سواء في عمليات عسكرية أو مراجعات مذهبية ودينية، ومن هذا المنطلق فأرى أن القاعدة عرفت بجيلين ليس إلا، الجيل الأول تجلى من خلال العمليات النوعية التي كان يقوم بها التنظيم، والتي كانت تستهدف المصالح الأمريكية والغربية فقط، ونلاحظ هذا في تلك العمليات التي تبناها التنظيم مثل 11 من سبتمبر، المدمرة كول، تفجيرات نيروبي ودار السلام… الخ، ولكن مع الإنطلاق الفعلي للحرب العالمية على ما يسمى بالإرهاب ظهرت بوادر المرحلة الثانية من عمر هذا التنظيم المثير للجدل، والتي يمكن أن نسميها مرحلة الاختراق، حيث شهدت الحرب على المدنيين سواء في العراق أو المغرب أو الجزائر أو السعودية، وحتى بعض العمليات التي وقعت في أوروبا كتفجيرات لندن وإسبانيا، والذي ظهر للعلن مدى سيطرة الجماعة المصرية من خلال أيمن الظواهري على دواليب القيادة في التنظيم، ولن تتأخر كثيرا مرحلة النهاية للتنظيم وليس للفكر الجهادي الذي سيبقى يظهر عبر كل قرن في ثوب جديد ورؤى تنظيمية حديثة، وإن كان البعض يريد أن يجعل ما سمي بجيل الملامح الغربية هو الذي سيعيشه العالم، لما يدخل في شبكات العمل القاعدي أشخاص يحملون الملامح الغربية، فضلا عن الانتماء الأوروبي من ناحية المولد والنشأة، وأنا أراه غير مستبعد كمرحلة إستراتيجية في مخططات العمل القاعدي، ولكن لا يمكن اعتبارها جيل يستقل بخصوصياته ومنعطفاته…
تحولات ودلالات في المسار الجزائري
في الجزائر التي تعتبر من بين المراكز المهمة لنشاط الجماعات المتشددة وعلى رأسهم “القاعدة” حاليا من خلال تنظيما أعلن ولاءه المطلق لأسامة بن لادن، فقد عرف النشاط المسلح بها ثلاث مراحل مهمة، وإن كان المحقق الفرنسي المتقاعد المتخصص في الجماعات المتشددة في إفريقيا جون لوك برناردي، قد لوح إلى بروز جيل ثالث من القاعدة في الجزائر بعد جيلين سابقين، سمى الأول جيل المتشددين فكريا، والثاني هو جيل المتشددين العنيفين، ولكن هذا التقسيم قد جانب الصواب كثيرا، لأنه انطلق من مبدأ التشدد كمعيار للتقسيم، بالرغم من أن التشدد هو الدافع الرئيس لتكوين هذه التنظيمات المقاتلة في الأدغال… فنحن نرى أن الجيل الأول هو جيل الإنقاذيين الذي عرف سيطرة قادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة على مجريات العمل المسلح تصورا ومنهجا حتى غاية 1995 تقريبا، وكان من بين هذه القيادات نذكر الشيخ محمد السعيد وعبدالرزاق رجام والسعيد مخلوفي وعزالدين باعة وابوبكر زرفاوي، وحتى شريف قواسمي الذي كان إمام مسجد ورئيس مكتب الإنقاذ في بئر خادم، ولما قضت عليه الأجهزة الأمنية في 26/10/1994 عثر بحوزته على رسالة منسوبة لعلي بن حاج – الرجل الثاني في جبهة الإنقاذ – وإتخذت كذريعة لوقف مسار الحوار مع شيوخ الجبهة الذي قاده الرئيس الأسبق اليمين زروال، وبالرغم من تحفظات شريف قواسمي المختلفة عن العمل السياسي الحزبي وانخراط الجبهة في اللعبة الديمقراطية، وهي تحفظات مبدئية وذات أبعاد عقدية، إلا أنه ظل وفيا لشيوخها وإن عاب عليهم كثيرا عدم إعلانهم المبكر والرسمي لـ “الجهاد”، وهذا الذي ظهر جليا في مواقفه خلال مفاوضات وإعلان الوحدة بين كل الجماعات المسلحة تحت راية الجماعة الإسلامية المسلحة (الجيا) وتحت إمارته طبعا… بعد مقتله وتقلد بائع الدجاج السابق جمال زيتوني إمارة “الجيا”، أنهى مرحلة الإنقاذيين وعذب وذبح بيديه أبرز قادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ وهم محمد السعيد وعبدالرزاق رجام وأبوبكر زرفاوي هذا الأخير الذي كان الضابط الشرعي وتمت تصفيته تحت التعذيب في أعالي الشريعة (البليدة) لما رفض منهج “تكفير عموم الشعب”، بدأت مع جمال زيتوني مرحلة التكفيريين، وبالرغم من وجود تنظيم الجيش الإسلامي للإنقاذ يرابط أمراؤه في أعالي جيجل، ولكن كان وجود رمزي يراد من خلاله تأمين عودة عناصره إلى المجتمع وفي إطار صفقة نسجت في الخفاء قبل الإعلان الرسمي للهدنة ومن جانب واحد كما وصفت حينها، وان كانت جهات مختلفة راحت تؤكد على علاقة زيتوني بمصالح الإستخبارات الجزائرية، إلا أن الذي لا يمكن تجاهله أن هذه المرحلة الدموية التي شهدت مجازرا فظيعة في حق المدنيين العزل، والتي تجلت فعليا بإختراق واضح ندرك بعض معالمه وسنتحدث عنها في حينها، من خلال عملية منظمة ومشبوهة وتتعلق بالفرار من سجن لامبيز (باتنة) عام 1994… لقد إنتهى الجيل الثاني من عمر المسلحين والجهاديين الجزائريين ببداية إنشقاق حسان حطاب وتأسيسه للجماعة السلفية للدعوة والقتال، لينتهي أمرهم بإلقاء القبض على آخر الأمراء وهو نورالدين بوضيافي المكنى (حكيم الأر بي جي)، وهو من مواليد 14/06/1969 بالعامرية ولاية المدية، وكان يسكن ببوفاريك التي يتحدر منها عنتر زوابري أبرز أمراء التنظيم وأكثرهم دموية، وقد حكم على بوضيافي في 03/12/2007 بالإعدام، بالرغم من الإفراج عن خلية الدعم والإسناد وبها ثلاثة من أصهاره “الإخوة لعريبي” وهم من اشقاء زوجته التي قتلها بنفسه… عرفت مرحلة الجماعة السلفية ما يمكن تسميته محاولات تبييض الوجه من جرائم التكفيريين، وهو الذي جعل إعلان إلتحاقها بالقاعدة رسميا يتأخر لسنوات، وإن كان الولاء المطلق غير معلن بين الطرفين، إلا أن هذه الرحلة كانت بمثابة امتحان أطلقه تنظيم القاعدة الأم للتأكد من صفاء الجماعة من التكفيريين والدمويين، إضافة أن عامل الوقت يلعب دورا بارزا في تأكيد نهاية بشاعة مرحلة التكفيريين ونفض غبارهم السيئ الذي أضر بالمجتمع، ولم يكن من صالح القاعدة أن تعلن في نهاية التسعينيات ذلك التبني، خاصة من جهة الأثر المضر الذي تركه التكفيريون، وإن كان بروز بعض شهادات عسكريين فارين حاولوا من خلالها نفض بعض الغبار عن هذه المرحلة وجعلها مرحلة إستخباراتية بحتة عن طريق الإختراق وتأسيس تنظيمات موازية، وهو الذي لن ننفيه ولن نسلم به كاملا كما يخيل لهؤلاء.
فالعلاقة مع القاعدة والتنظيمات المسلحة الجزائرية ومن خلال شبكات الأفغان العرب كانت موجودة منذ سنوات، ولكن الصورة لم تكن واضحة لطبيعة القتال في الجزائر، وخاصة إرتباطه بجانب سياسي وهيكل حزبي الذي يقع تحت طائلة الحظر في المنهج العقدي لبن لادن ومن معه، ولما أعلن الظواهري إلتحاق الجماعة السلفية بتنظيمه هو إعلان الرضا الذي تقابله البيعة وليس بداية الإرتباط التنظيمي المهيكل كما يخيل للبعض.
خلال هذه الفترة حاولت الجهات الرسمية التأكيد على ما يسمى بنهاية الإرهاب، أو بقايا الإرهاب التي هب الرسميون لإطلاقها عبر قنواتهم المختلفة، ونذكر ما صرح به أحمد أويحيى الذي كان رئيسا للحكومة عام 1997، عندما كان عرابا لما يطلق عليه بالإستئصال، لما خير الجماعات المسلحة ما بين الإستسلام أو الموت، وذلك بعد المجازر الفظيعة التي عرفتها الجزائر أثارت الجدل الدولي، وهذا الذي كرره مؤخرا في 2008 وهو رئيسا للحكومة أيضا وبالصورة والألفاظ والصيغة نفسها، والجدير بالذكر أن الإعلام الجزائري الذي يحلب في أقداح السلطة والمخابرات، هب وبإجماع منقطع النظير بعد عملية 11 من سبتمبر / أيلول، على نشر ملفات سربتها الدوائر الأمنية عن علاقة تنظيمية مفترضة ما بين الجماعات المسلحة الجزائرية وتنظيم القاعدة وعلى رأسها طبعا الجماعة السلفية للدعوة والقتال التي كان يتزعمها حسان حطاب، حتى أن بعض الأقلام أعابت على هذه الدعوة التي قرأ المتابعون من خلالها موقفا مبطنا يحرض على التدخل الأمريكي في الجزائر، ولكن الغريب أن الصحفيين أنفسهم وعلى صفحات تلك الصحف نفسها يحاولون اليوم التأكيد على أنه لا علاقة بين الجماعة السلفية وتنظيم اسامة بن لادن، حتى أن مكاتب التحرير تلقت “أوامر أمنية” بضرورة إستعمال التسمية القديمة للجماعة السلفية بدل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، والسبب واضح أنه في الأول كانت الجزائر تبحث عن الدعم العالمي في حربها على ما يسمى بالإرهاب، ولما تحققت الحرب الشاملة عليه بزعامة أمريكا، وتجلى هذا الأمر في قواعد عسكرية وضغوطات واضحة من قبل إدارة بوش، التي تصنف الدول من حيث تواجد القاعدة، وهذا الذي اثر على الإستثمار والنشاط الإقتصادي الذي سيطر عليه رجالات السلطة في الجزائر، لم يجد النظام الحاكم الذي حصن جنرالات الحرب الأهلية بقوانين عنوانها الظاهر”المصالحة الوطنية”، سوى ابعاد شبح القاعدة من الداخل عن طريق ما ذكرنا سابقا.
قانون الوئام المدني الذي صنعته المؤسسة العسكرية وباركه الرئيس بوتفليقة بالتوقيع فقط، أنهى فعليا جيل الإنقاذيين من المشهد المسلح، وجعل المطالب التقليدية للحزب المحظور تنقرض من المشهد السياسي، وإن كانت المحاولات الفردية للشيخ علي بن حاج تحاول دوما الحفاظ على وجود هذا الحزب، ويعرقل بمواقفه محاولات القفز على حباله ووأد مبيت لحزبه… جاء ميثاق السلم والمصالحة الوطنية الذي زكاه الشعب الجزائري في 29/10/2005 وبإجماع مطلق، والذي أريد منه كما ذكرنا حماية النظام من الملاحقات الدولية بسبب جرائم ضد الإنسانية ارتكبت، وكذلك إقصاء الجبهة الإسلامية للإنقاذ واستخراج بطاقة وفاتها عن طريق الإرادة الشعبية المتجلية في مطالب أخرى هي من صميم ما سعى إليه عقلاء الطبقة السياسية ومن بينهم قادة جبهة الإنقاذ، ومن بين المقاصد الأخرى التي يمكن أن نشير لها هو رغبة السلطة في سحب الورقة السياسية من تحت أقدام الجماعة السلفية، ولكن هذه الجماعة أكدت أنه لا علاقة لها بالسياسة وأن منهجها جهادي يتعلق بمبادئ دينية تنطلق منها في عملها القتالي، ليعلن رسميا في 11 سبتمبر / أيلول 2006 بداية جيل القاعدة المنبثق من الجيل الثاني الذي يقوده ويتزعمه المصري ايمن الظواهري صاحب الإعلان…
أبناء الثمانينات يصنعون المشهد
لقد حاولت الجهات الأمنية الجزائرية دوما التأكيد من خلال وسائل الإعلام الموالية لها والمدافعة عن خياراتها، على نهاية الإمداد والالتحاق بالتنظيم المسلح، وهذا الذي يقطع التواصل والاستمرار ، بل تذهب دوما إلى انه لا يلتحق منذ سنوات أي أحد بمعاقلهم، حتى المختفين الذين تتقدم عائلاتهم بشكاوي مفاجئة من حين لآخر، يحاول تبرير الإختفاء بأسباب مختلفة كالاختطاف مثلا، وظلت المؤسسة الأمنية تضرب مثلا بـ “الوئاميين” الذين لم يعد منهم للعمل المسلح إلا القلة القليلة التي خضعت لأسباب قاهرة وليس لمشاكل يشهدها الإتفاق الأمني بين الطرفين، وطبعا يعد هذا الرهان من الأسباب الرئيسية التي دفعت السلطة للمغامرة في ترقية الوئام المدني إلى ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، وكان ينتظر أن تتم ترقية الميثاق بدوره إلى عفو شامل يكون برنامج الرئيس بوتفليقة للعهدة الثالثة بعد تعديل دستوري، ومنه طي صفحة الماضي بسبل أتقن الحكم في رسمها.
الأغلبية الساحقة من المسلحين الذين خرجوا من شوارع كانت تسيطر عليها الجبهة الإسلامية للإنقاذ، قد تم القضاء عليهم من طرف العسكر أو سقطوا في تصفيات داخلية أو تناحر بين الجماعات في الجبال، والذين يفوق عددهم عن العشرين ألف شخص، ولم يبق إلا القلة القليلة التي تتزعم العمل المسلح الآن، حتى درودكال عبدالمالك والمعروف بـ “ابومصعب عبدالودود” وهو من مواليد 1970 والتحق بالجبال عام 1996، أي أنه ليس من جيل قيادي في جبهة الإنقاذ ولا حتى الجماعة الإسلامية المسلحة التي كان من بين جنودها، ولو بحثنا بعض الشيء في بعض ما توصلنا إليه من معلومات حول الناشطين الحاليين في ما يسمى بـ “تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، بالرغم من شح المعلومات وما يضرب عليها سواء إعلاميا أو أمنيا من جدار سميك، سنجد عددا لا يستهان به هم من الشباب الجدد الذين ولدوا في الثمانينات، حيث كانوا أطفالا وأعمارهم في عهد جبهة الإنقاذ لا تتجاوز العشر سنوات، وقد لاحظنا مدى حرص التنظيم على إبراز هذه الخصوصية من خلال الأشرطة التي تبث عبر الأنترنيت، فدائما يظهر الشباب في فنتازيا ميدانية أو تواصل مع أمير التنظيم، فقد أظهروا عبدالقهار بن حاج “نجل الشيخ علي بن حاج” الذي هو من مواليد سبتمبر 1988، الذي يرشح أن يكون أبرز قادة القاعدة في المنطقة، عكس ما يحاول الترويج له على أنه أحد الإنتحاريين المفترضين مستقبلا، وكذلك تم إظهار آخرين معه مثلا وازة محمد “ابو الوليد العاصمي”، الذي تم القضاء عليه في كمين ببلدية واضية (تيزي وزو) في ديسمبر 2007، وكذلك الإنتحاري حفيظ محمد “صهيب أبو مليح”… هذا فضلا من العمليات التي يتم إبرازها والتركيز على بعض منفذيها، نذكر على سبيل المثال لا الحصر تفجير 09 سبتمبر / أيلول 2007 الذي هاجم فيه الانتحاري نبيل بلقاسمي “ابومصعب الزرقاوي العاصمي” الذي لم يتجاوز عمره 16 عاما ثكنة دلس بسيارة مفخخة خلفت قتلى وجرحى، ولو ألقينا نظرة عابرة على قائمة الإنتحاريين المطلوبين لدى مصالح الأمن الجزائرية والمتكونة من 32 عنصرا، لوجدنا أسماء ممن يعتبرون من الجيل الجديد للقاعديين في الجزائر، الذين تشبعوا بأطروحات لا علاقة لها بمعطيات التسعينيات المتعلقة بوقف المسار الانتخابي وانقلاب الجنرالات على الحكم، نجد جعوط محمد من مواليد 07/10/1980 بالحراش، آيت سعيد مزيان المدعو وليد من مواليد 10/03/1983 بباش جراح، خوخي محمد المدعو سفيان من مواليد 16/03/1981 بسيدي موسى، بكاي من مواليد 21/07/1979 بعين بسام “البويرة”، سعداوي يونس المدعو حمزة من مواليد 01/03/1984 بحسين داي، حديد عبدالرحمان من مواليد 09/08/1983 بالبويرة، يوسف بغدادي من مواليد 07/12/1982 بغليزان، شعلال سفيان المدعو صخر من مواليد 19/07/1981، روغيق عبدالقادر من مواليد 24/01/1982، وللإشارة فقط أن هذا القائمة كان من ضمنها الإنتحاري صخاري مخلوف الذي فجر مركز الإستعلامات بتيزي وزو في 3 أغسطس / آب الماضي… ونذكر أيضا أمير المال لتنظيم القاعدة في الجزائر واسمه عبدالعزيز يوسف كنيته “أبو خيثمة” هو من مواليد 1983، وقد إلتحق بالعمل المسلح عام 1997 وعمره لم يتجاوز 14 عاما، وقد قضت عليه قوات الأمن في كمين بالقرب من قرية آيت خلفون “تيزي وزو” في منتصف ليلة 08/08/2008، ونسجل أيضا محمد محجوبي من مواليد 1984 بزمورة “غليزان” وتم القضاء عليه في وهران وهو مشحون بـ 8 كغ من المتفجرات، حسب ما نقلته يومية الخبر في عددها الصادر بتاريخ 30/03/2008 وعن مصدر أمني لم تكشف هويته… أيضا هناك أمثلة نأخذها من القضايا المطروحة على المحاكم، فنذكر مثلا المتهمون في ما يعرف بقضية نجل الشيخ علي بن حاج، وهما بوعرورة عادل من مواليد 1983 بحي البدر “العاصمة”، وبهلولي فاتح من مواليد 1981 ببومرداس، هناك قضية أخرى نظر فيها أيضا مجلس قضاء الجزائر العاصمة في 05/03/2008 ومن بين المتهمين فيها والمتابعين بجناية الانتماء لجماعة إرهابية، نجد ح – محمد من مواليد 1980، و أيضا د – نسيم من مواليد 1987… ونضيف آخر ويتعلق الأمر بأمير كتيبة الفتح ب – وليد وهو من مواليد 02/04/1984 بثنية العابد وكنيته يوسف ابو الوليد، والذي حكم عليه بالإعدام غيابيا برفقة شقيقه عبدالعزيز من مواليد 14/04/1975… أيضا في نوفمبر 2007 تم الحكم على دنداني رضا وعمره 23 عاما بـ 08 سنوات سجنا نافذا بتهمة تمويل الجماعات المقاتلة بالشيشان والعراق، ومن طرف محكمة الجنايات في العاصمة الجزائرية… تواتي مجيد (24 عاما) وكنيته “ابو المثنى” أصله من ولاية تيارت ويسكن ببئر خادم “العاصمة”، قبض عليه في 06 أفريل 2006 بباش جراح مع تونسي إسمه عبدالرحمان، وتم العثور على أسلحة حربية وقنابل يدوية كانت بحوزتهما، توبع بتهمة تجنيد أبو المقداد الوهراني، الذي نفذ عملية إنتحارية بولاية باتنة في 05 سبتمبر / ايلول 2007، زعمت المصالح الرسمية أنها كانت تستهدف إغتيال الرئيس بوتفليقة الذي كان في زيارة للمنطقة… الأمثلة كثيرة جدا لا يسمح بها هذا المقام.
المنعطف المهم والمرتقب
يعتبر هذا الجيل الذي سميناه جيل القاعديين في الجزائر من أخطر أجيال العمل المسلح الذي يصعب السيطرة عليه، بالرغم من دموية الجماعة الإسلامية المسلحة والتي حامت حولها الكثير من الشبهات، فهذا الجيل يتصف بخصوصيات متميزة في ظل معطيات دولية تشهد غارة أمريكا على العالم الإسلامي، فضلا من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بالدول العربية عموما وبالمغاربية خصوصا، حتى أن محمد بن علي كومان وهو الأمين العام لمجلس وزراء الداخلية العرب، ذهب في حديث لوكالة الأنباء الإيطالية في جوان 2008 إلى التحذير ممن وصفهم بأكثر تطرفا ودموية، بسبب ازدياد تشددهم وبروز فتاوى التكفير الجماعي والتترس والإستحلال والسبي والغنائم، وهو ما يعكس بالفعل تخوف الجهات الأمنية الرسمية من هذا الجيل.
ففي الجزائر سجلت الجهات الوصية أرقاما تعتبر كمؤشرات قوية في تسهيل ظهور وتفريخ هذا الجيل القاعدي، وخاصة في جانبها الإجتماعي الذي هو العامل الرئيس في خلق المتشددين والناقمين الذين لهم القابلية في تبرير وإستحلال كل الوسائل من أجل الإنتقام، وهذا لا يعني أن السبب يكمن في الجانب الإجتماعي في صناعة جيل جهادي ثوري متمرد، بل الوضع الدولي الراهن وما عليه حال المسلمين من الهوان والذل والاحتلال سواء في العراق أو في فلسطين أو في أفغانستان، صار يلعب دورا مهما في العزف على عواطف الشباب وتأجيجها نحو إشعال فتيل القتال والتضحية والاستشهاد، وخاصة في وسط الفئات المحرومة التي تتحدر من الأحياء الفقيرة والبائسة، وحتى المتابع لمسيرة الانتحاريين في الجزائر وكل المسلحين بالأمس أو اليوم سيسجل أن أغلبيتهم يتحدرون من الأحياء الشعبية والقصديرية، فترى كيف يكون الحال و 14667 عائلة تسكن هذه البيوت بخمس بلديات في الجزائر العاصمة فقط(جسر قسنطينة، سيدي موسى، براقي، الكاليتوس، باش جراح)؟ هذه الأحياء تعتبر من النقاط الخطيرة التي يتخرج منها الإنتحاريون، وتراقبها مصالح الأمن بكثافة بل قامت بالتركيز عليها وتجنيد العملاء لها يعملون ليل نهار… لقد تم تسجيل 3165 طفل متشرد في الجزائر عام 2007 بينهم 1002 فتاة، تتراوح أعمارهم ما بين (10 – 18) سنة، وهذا في إحصائية لمصالح الشرطة القضائية، وبالتوازي تم تسجيل 3494 طفل بينهم 1213 فتاة عام 2006، هذا بغض النظر على ما سجلته وزارة الصحة والسكان في تقرير رسمي صدر في سبتمبر/ايلول 2008 أكد إرتفاع غير مسبوق لفاتورة دواء زيبريسكا الخاص بعلاج الجنون المرتبط بإنفصام الشخصية بمبلغ 31.54 مليون دولار…
كل هذه الأسباب تلعب دورها في تفريخ هذا الجيل عكس ما تحاول الجهات الرسمية الجزائرية الترويج له، فكل مرة نقرأ أخبار تساقط شبكات الدعم والإسناد والتجنيد، وهو يبتعد كثيرا عن الحقيقة، ويراد من هذا التسويق الإعلامي الإستهلاكي إبراز مدى فعالية مصالح الأمن، في ظل إعلام موجه ظل يروج إلى انتشار اليأس والإحباط بين عناصر القاعدة، متجاهلا أشياء كثيرة لو أخذت بعين الاعتبار ما وصل الحال لتفجيرات وقتلى كل شهر… فترى هل ندق نواقيس الخطر أم نرضخ لإدعاءات رسمية ظلت على مدار أكثر من عشرية تتبجح بنهاية “الإرهاب” في الجزائر؟
ويبقى السؤال قائما في ظل جيل يتصاعد ويثبت نفسه ميدانيا: متى تبدأ بالفعل مرحلة النهاية لتنظيم القاعدة المثير للجدل والشك؟
ومتى تبدأ مرحلة أخرى من عمر “الجهاد” وفي ثوب جديد تبتعد ألوانه كثيرا عما جرى بالأمس وعما يحدث اليوم؟
بلا شك أن جيل القاعديين في الجزائر لا يزال قائما، وهو خرج من إبط الجيل الثاني للقاعدة الأم الذي سميناه مرحلة الإختراق… ولنا وقفة أخرى إن شاء الله.
—————————————
الموقع الإلكتروني للكاتب