صالح بن عبد الرحمن العبد العزيز
هل نحن أمام حالة خوف وهمي تم تشكيله فقط، لتبرير الوصول إلى أهداف لا صلة لها بالخطر على الغرب ولا الخوف من الإسلام، أم أننا أمام خوف حقيقي ناشئ عما يملك الإسلام من قوة معنوية ونظام قيمي، يشعر الغرب بأن النظام القيمي الرأسمالي لا يصمد أمامه، هل هذا ما كان رتشارد نكسون يقصده في مؤلفه الذي سبقت الإشارة إليه، بقوله: (الإسلام الأصولي عقيدة قوية والقيم العلمانية في الغرب لا تستطيع أن تغالبه، كما لا تستطيع ذلك القيم العلمانية في العالم الإسلامي)؟
وصف تشرشل القرن الماضي بالقرن الفظيع، ولا يبدو أن القرن الحالي سيكون أقل فظاعة إذا حكمنا عليه بما استهل به من حادث 11 سبتمبر، وتداعياته الرهيبة، التي لا يبدو لها في الأفق نهاية.
ولا يساوي فظاعة هذا الحدث الإجرامي، إلا غرابته وغموضه، وبقاء الأسئلة التي يثيرها التفسير الرسمي الذي قدم له، معلقة دون جواب، وذلك بالرغم من مرور سبع سنوات على وقوعه.
وليست الغرابة ناشئة عن مجرد عجز دولة كالولايات المتحدة الأمريكية عن الكشف عن حقيقة جريمة خطرة وقعت على أرضها، فاغتيال الرئيس كيندي ومحاولة اغتيال الرئيس ريجان، مثالان شاهدان على أن الغموض في مثل هذه الجرائم لا يعتبر أمرا غير عادي.
كما أن الغرابة ليست ناشئة عن العجز عن الوصول إلى أسرار جريمة منظمة كهذه الجريمة، فالجرائم المنظمة في العادة يراعى في التخطيط لها وفي تنفيذها أقصى درجات السرية والخفاء، وإذا وقعت هذه الجرائم بمساهمة قوة ذات نفوذ بالغ، فمن الطبيعي أن تبذل مثل هذه القوة ذات النفوذ أقصى ما تستطيعه للتعمية على الجريمة، والحيلولة دون الكشف عن أسرارها . وأن لا تقل قدرتها في ذلك عن قدرتها على تنفيذ الجريمة.
أما حين تكون الجريمة من الجرائم التي تقع تحت ما يسمى (إرهاب الدولة)، أي حينما تكون الجهة المسئولة عن ملاحقة الجريمة وكشفها، هي نفسها مسئولة عن ارتكابها، فإن عدم الكشف عن حقيقتها أو تقديم صورة زائفة عنها، يكون حينئذ هو الأمر الطبيعي المعتاد. وليست الغرابة في حدث 11 سبتمبر، فيما حفل به التفسير الرسمي المقدم له من تناقضات، بل الغرابة في سهولة قبول الناس للتفسير الوحيد الذي قدم للحادث، والذي يتلخص في أن شخصاً على بعد آلاف الأميال، (وكانت اتصالاته وحركاته منذ وقت سابق ليس بالقصير تحت سيطرة المجاهر الاستخبارية لعدة دول متعاونة/ تستخدم أبلغ وأحدث تقنيات التجسس) استطاع أن يحيد الدفاعات لأقوى دولة في التاريخ، وأن تخدمه عشرات الصدف، فيستطيع التخطيط للحادث وتنفيذه والتعمية على آثاره دون مساعدة قوة محلية ذات نفوذ كبير.
حينما نستبعد الاحتمال الغيبي، إذ لا يتصور أن تعين المعجزة أو الكرامةأو خرق العادة على ارتكاب الجرائم، فإن لاعقلانية التسليم بالتفسير المقدم من الإدارة الأمريكية للحادث، أوضح من لاعقلانية التفسير ذاته.
. . . . .
وفيما يلي بعض المعلومات التي قد تعين على الإجابة عن الأسئلة التي أثارها التفسير الرسمي المقدم للحادث، والتي لم يجب عنها حتى الآن:
1 ـ منذ عهد مكيافيلي لم يعد غريبا على الحكومات والأنظمة السرية في أوروبا وأمريكا ممارسة ما يسمى (بالحرب القذرة)، ولكن رعاية للجانب غير الأخلاقي لهذه الممارسات، فإنها كانت دائما تحاط بأبلغ درجات السرية والإخفاء، ولذلك فإن إعلان رئيس دولة تصريحا تتناقله وكالات الأنباء، بأنه سوف يمارس “الحرب القذرة” في حربه القائمة، اعتبر سابقة تميز بها القرن الحالي.
2 ـ تحت مادة Terrorism، وعند الكلام على ما يسمى (إرهاب الدولة)، أشارت الإنسايكلوبيديا البريطانية إلى الاتهامات المتبادلة بين طرفي الحرب الباردة (الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة) من قيام كل طرف بتنفيذ عمليات إرهابية أو المساعدة على تنفيذها ضد الطرف الآخر أو الحكومات الموالية له، وذلك طوال مدة الحرب الباردة بين الطرفين.
3 ـ وعندما صدر في عام 2004م، كتاب Nato`s Secret Armies، لمؤلفه الكاتب السويسري دانيل جانسر، كشف عن حقائق كانت خفية أظهرتها فيما بعد الوثائق، فعند بداية الحرب الباردة بين (العالم الحر) والاتحاد السوفيتي، تعاونت الاستخبارات الأمريكية والبريطانية على إنشاء تنظيم مليشيات، تزود بالتدريب والأسلحة والذخائر والمتفجرات، وكان الهدف في البداية أن تكون حركات مقاومة في المدن فيما لو قامت حرب، وهاجم حلف وارسو إحدى المدن في غرب أوروبا، وجد هذا التنظيم تحت اسم جلاديو Gladio، وتألفت من هذا التنظيم شبكة في كل بلدان حلف الأطلسي، بل تجاوزت الشبكة ذلك إلى البلدان المحايدة كسويسرا والسويد.
وفيما بعد، استخدم هذا التنظيم بالاتفاق مع الحكومات في القيام بأنشطة إرهابية، شملت تفجيرات وأعمال عنف في إيطاليا وبلجيكا وفرنسا كان الهدف منها أن تنسب للحركات اليسارية، فتشوه سمعتها وتفقدها تعاطف الجمهور، وكان من أبرزها عملية تفجير قنبلة في غرفة الانتظار في محطة بولونيا Bologna في عام 1980م، وقتل فيها 85 شخصا، ونسبت في وقتها إلى تنظيم “الألوية الحمراء”، وصارت معروفة بها لمدة طويلة قبل أن تكتشف حقيقتها، وقد حققت هذه العملية هدفها، وهو فقدان الحركة اليسارية في إيطاليا تعاطف الجمهور معها.
وكما جاء في تقرير برلمان روما حول نتيجة التحقيق في عمليات “جلاديو” (إن هذه المذابح والتفجيرات وعمليات العنف كانت منظمة أو بمشاركة ودعم شخصيات من داخل المؤسسات الحكومية الإيطالية، وكما ظهر مؤخراً من قبل رجال من استخبارات الولايات المتحدة الأمريكية).
4 ـ وقبل شهر تقريبا من حادث 11 سبتمبر 2001م، صدر كتاب جيمس بامفورد، تحت عنوان: Body of Secrets، وقد كشف الكتاب بناء على الوثائق خططا، كان قد قدمها الجيش الأمريكي بعد فشل عملية خليج الخنازير إلى وزير الحرب الأمريكي روبرت مكنمارا، إذ كان الجيش الأمريكي في ذلك الوقت متلهفاً لإيجاد مسوغ يقنع الرأي العام المحلي والدولي بغزو كوبا، كان من ضمن هذه الخطط، قصف سفينة حربية أمريكية في جوانتنامو أو قصف مدينة أمريكية على الساحل الشرقي للولايات المتحدة أو ضرب مركبة رائد الفضاء الأمريكي (غلين) عند عودته أو إسقاط طائرة مدنية أمريكية، تطير فوق كوبا، ويعلن فيما بعد أنها تحمل طلابا في رحلة مدرسية، بحيث تنسب هذه الأعمال إلى الحكومة الكوبية، وتبرر عملية عسكرية ضدها، ولكنَ أيا من هذه الخطط لم تنفذ لسبب غير معروف.
5 ـ بعد حادث 11 سبتمبر مباشرة، تحدث الخبراء العسكريون عن دقة ومهارة المناورات التي قام بها الطيارون المختطفون للطائرات الأربع، خاصة الطائرة التي هاجمت مبنى البنتاجون، إذ حسب الوصف الحكومي للهجوم، كانت الطائرة قادمة من جهة البيت الأبيض، واستطاع الطيار أن يحيد دفاعات البيت الأبيض، ويتجه إلى مبنى البنتاجون، ولكن بدلاً من أن يهاجم الجناح الذي أمامه، والذي كان مشغولاً بالمكاتب أو يسقط الطائرة فوق المبنى، وكلا الهدفين كان أيسر نسبياً، لجأ الطيار إلى تحقيق هدف أصعب، فتجاوز مبنى البنتاجون محيداًً دفاعاته، ثم دار راجعا بزاوية 272 درجة، ونزل رأسياً من ارتفاع شاهق حتى قارب مستوى الأرض، وهاجم الجناح الخالي من المكاتب، والذي كان تحت الصيانة، وهكذا لم يخسر البنتاجون سوى ضابط واحد. وأكد الخبراء في ذلك الوقت، أن مثل هذه العملية لا يستطيع أن يقوم بها إلا طيار حربي عالي التدريب، بالغ الكفاءة.
6 ـ لم تمض ثلاثون ساعة على الحادث إلا وكانت الصور الكاملة للأخوين أمير وعدنان بخاري الطيارين السعوديين تملأ شاشات التلفزيونات في الولايات المتحدة وفي العالم ويتكرر عرضها بإلحاح يوم الأربعاء التالي ليوم الحادث، وعرف العالم كله أن الإدارة الأمريكية تمكنت من التعرف على هوية اثنين من الطيارين الانتحاريين، ولكن ظهر أن أحد الأخوين الطيارين لا يزال على قيد الحياة، وأن الآخر مات قبل أكثر من سنة، لم يعرف ذلك إلا القليل.
ولم يعرف الناس أنه في يوم الأربعاء نفسه عندما كان التلفزيون يلح في فترات متقاربة على إظهار صورة الأخوين بخاري، والتأكيد بأنهما الطياران اللذان هاجما مبنى التجارة، كانت المباحث الأمريكية قبضت على الطيار عدنان بخاري، وبقي رهن التوقيف والتحقيق عدة أيام، وكان مصدر في الخطوط السعودية أخبر جريدة الشرق الأوسط بعد خمسة أيام من القبض عليه، بأن الخطوط السعودية تتابع التحقيقات التي تجري مع عدنان، ولكن ليس هناك ما يدل على أن أحداً تمكن من الاتصال بعدنان بعد القبض عليه وأثناء التحقيق معه.
وبعد القبض على الطيار عدنان بخاري، كانت الاستخبارات الفلبينية بالتعاون مع الاستخبارات الأمريكية تستقبل في مطار مانيلا الطائرة السعودية في رحلتها 780 القادمة من جدة، وتقبض على قائد الطائرة محمد عمر بخاري ولم يفرج عنه إلا بعد أربعة أيام، وبعد أن كانت صور الأخوين أمير وعدنان بخاري قد اختفت عن الظهور في التلفاز الأمريكي.
(السؤال): هل يمكن أن يكون ما حدث خطأ غير مقصود؟
(العبرة) أن الإعلام القوي في نطقه كما هو في سكوته، استطاع بصورة مدهشة أن ينسي العالم هذا الحادث، وكأنه لم يحدث. بعد فترة قصيرة من الحادث، نشرت الإدارة الأمريكية صور تسعة عشر شخصا مسلماً، قيل إنهم هم المتهمون باختطاف الطائرات الأربع، ونشرت كامل هوياتهم الصورة والاسم وتاريخ الميلاد في الصحف وعلى حوائط المباني العامة، وعلى جدران المطارات العالمية. (ولم يسأل أحد فيما بعد لماذا غاب الطياران الأخوان بخاري عن هذه القائمة؟).
وقيل إن الإدارة الأمريكية اهتدت إلى تعيين هوية المتهمين بالاختطاف، وأن من بينهم أحد عشر شخصاً من الجنسية السعودية، وفي الأيام التالية بعد نشر هذه القائمة، ظلت الصحف السعودية يومياً تتلقى إعلان واحد أو أكثر من المشمولين في القائمة، يصرحون بأنهم لا يزالون أحياء، وأنهم وقت الحادث كانوا خارج الولايات المتحدة، وقبل أن تمضي أيام على الحادث، صرح وزير الداخلية في المملكة العربية السعودية أنه حتى وقت التصريح، ظهر أن سبعة من المتهمين (الانتحاريين) لا يزالون أحياء وبعد صدور هذا التصريح بيومين، نشرت الصحف السعودية إعلان شخص ثامن من المشمولين في القائمة بأنه لا يزال حياً.
وفيما بعد أعلنت الإدارة الأمريكية عن وجود جواز سفر سعودي لأحد الخاطفين قرب ركام البرجين المتهدمين، نجا (بمعجزة) من الحريق، ولما سخر العالم من هذا التفسير توقفت الإدارة الأمريكية عن تكرار قصة معجزة الجواز، ولكن لم يسأل أحد فيما بعد عن حقيقة هذا اللغز (كيف وصل جواز سفر شخص مفقود إلى الإدارة الأمريكية، ولماذا، وبأي وسيلة). وقد بقيت صور الانتحاريين (الأحياء) معروضة للجمهور مدة طويلة، دون أن تمحى من قائمة المتهمين.
7 ـ لم يكن بين التسعة عشر شخصاً المتهمين باختطاف الطائرات الأربع طيار، قيل إن أربعة منهم التحقوا بمعهد تدريب للطيران، ولكن مستوى معرفتهم باللغة الإنجليزية وتدربيهم في معهد التدريب، لم يرتق بهم إلى إمكانية الإقلاع بطائرة التدريب الصغيرة، وقد ظلت تكرر معلومة أن هؤلاء المتدربين كانوا يعبرون عن عدم حاجتهم للتدريب على الإقلاع والهبوط، وإنما التدريب على قيادة الطائرة وتوجيهها في الجو، ظلت هذه المعلومة تُكرر مدة طويلة حتى نفاها المسئولون عن التدريب.
إن قيام هؤلاء الأشخاص، بمستوى تأهيلهم المذكور، بمناورات الطيران والهجوم حسب ما جاء في وصف الروايات الرسمية، واحدة من عديد من خوارق العادة، التي صاحبت حادث 11 سبتمبر، كما وردت في الروايات الرسمية، ولكن غرابة هذه الخوارق لم تكن بأعجب من سهولة تصديق الناس بوقوعها في هذا العصر، الموصوف بعصر العلم والعقلانية والتحيز ضد المجهول.
8 ـ لم يكن الهجوم على برجي التجارة ومبنى البنتاجون كافيا لإدخال الخوف من الإرهاب الإسلامي على قلب الرجل العادي في أمريكا، فلم يمض شهر بعد حادث 11 سبتمبر، حتى شغل العالم كله برسائل توجه داخل الولايات المتحدة إلى رجال الكونجرس وكبار الصحفيين، تحمل هذه العبارة (الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل .. الله أكبر)، مصحوبة داخل المظروف بمسحوق وباء الجمرة الخبيثة وتسبب ذلك في إصابة وموت عدد من المواطنين الأمريكيين، ودخل الرعب كل بيت في أمريكا الشمالية، وأقبل الناس على التطعيم ضد (الجمرة الخبيثة)، وتعاقدت الحكومة الكندية مع إحدى الشركات لإنتاج تطعيمات ضد الجمرة الخبيثة بمبلغ مليون دولار، وتغيرت إجراءات تداول البريد ليس في أمريكا وحدها بل في العالم وكان حديث الإعلام وكبار السياسيين طوال ذلك الوقت عن الإرهابيين المسلمين الذين وصلوا إلى إنتاج السلاح البيولوجي واستعماله.
وبعد أكثر من شهر، عندما كشفت خبيرة السلاح البيولوجي باربرا روزمبرج، أن المسحوق الذي استعمل في الرسائل من إنتاج معامل الجيش الأمريكي ومخزونها وأن التقنية التي وصلت إلى إنتاج هذا النوع من المسحوق بدرجة من النقاء، تبلغ ترليون جرثومة في الجرام الواحد، هذه التقنية لم توجد لدى دولة أخرى غير الولايات المتحدة.
بعد هذا الكشف، سكتت الضجة، ونسي الناس الرعب الذي ظل يلفهم كما نسوا قضية الأموات والمصابين، وكان التفسير البديل الذي قدم للناس، أن المسئول عن هذا العمل هو في الغالب شخص وطني!! مخلص أراد أن ينبه الأمة بصورة عملية عن خطر امتلاك الإرهابيين المسلمين للسلاح البيولوجي.
وفي شهر أغسطس 2008م، تناقلت مصادر الأخبار أن وزارة العدل الأمريكية وجهت الاتهام بالمسئولية عن إرسال الرسائل وما نتج عنها إلى العالم العامل في مختبرات الجيش الأمريكي بروس “إى آيفز”، وذلك بعد مضى بضعة أيام على موته.
أغرب ما في الحكاية أن ما كشفت عنه خبيرة السلاح البيولوجي بعد أكثر من شهر، كان لابد معروفا للإدارة الأمريكية من اليوم الأول ـ إن لم تكن هي نفسها متورطة في العملية ـ ولكن الدولة الديمقراطية لم تساءل من قبل البرلمان، ولم تحاسب عن وضع الشعب في حالة فزع ورعب من الإرهابيين المسلمين لمدة أكثر من شهر، وعن تغييب الحقيقة وتزييفها عن طريق الإعلام وتصريحات السياسيين.
9 ـ بالرغم من الجهود المبذولة طول السنوات الماضية في محاربة الإرهاب الإسلامي، والتي ليس من أقلها الشحنات الكبيرة والمستمرة من المشتبه فيهم الذين يختطفون ويرسلون إلى ما يسمى بالمواقع السوداء، حيث مراكز التعذيب في دول الاتحاد السوفيتي السابقة، بما فيها أشنع مركز للتعذيب في العالم في أوزبكستان وبعض الدول في الشرق الأوسط، وذلك تحت عذر الحاجة للحصول على معلومات، فإن أسرار حادث 11 سبتمبر لا تزال في المرحلة التي وصفها مدير المباحث الفيدرالية الأمريكية بعد عدة أشهر من الحادث بقوله (إن الخاطفين لم يتركوا أي أثر يظهر صلتهم بالغير ولم نجد في أمريكا أو في أفغانستان قصاصة ورق تدل على شيء من ذلك).
إن شحنات المرشحين للتعذيب التي ترسل للمواقع السوداء، التي تتوقف في المطارات الأوروبية وتغض الحكومات الأوروبية النظر عنها لا تؤشر فقط إلى المستوى الأخلاقي، الذي بلغته الدولة المتحضرة في أمريكا وأوروبا فيما يتعلق بالقيم الكونية، بل تكشف عن غرائب ما كان يمكن أن تصدق لولا أنها وقعت، وإلا من كان يصدق بأن الإدارة الأمريكية بالتعاون مع الجهات الأمنية الكندية تختطف مواطناً كنديا من أصل سوري ثم تشحنه إلى سوريا (محور الشر كما تسمى)، ليتم استجوابه تحت إمكانيات التعذيب، ولما تأكدت الأجهزة السورية المختصة، بأن ليس لدى الرجل ما يمكن أن يكون موضع اهتمام الحكومة السورية أو الحكومة الأمريكية أطلقت سراحه، مما اضطر معه رئيس الحكومة الكندية إلى الاعتذار، والاعتراف بأن هذه العملية نقطة سوداء في تاريخ الحكومة الكندية، وأن تعوض الحكومة الكندية الرجل عن البلاء الذي تعرض له جسميا ونفسيا بمبلغ عشرة ملايين دولار كندي.
10 ـ في عام 2007م، أصدرت الايروبول تقريرها الأول عن الهجومات الإرهابية التي تعرضت لها دول الاتحاد الأوروبي عام 2006، وقسم التقرير إلى أربعة فصول: الإرهاب الإسلامي إرهاب الانفصاليين، إرهاب اليساريين، إرهاب اليمينيين، وأحصى التقرير الهجمات التي تعرضت لها دول الاتحاد الأوروبي عام 2006م، فبلغت 498 هجوماً، كان منها حادث واحد فقط نسب للمسلمين، وهو الحادث الذي وقع في ألمانيا ونسب إلى شابين لبنانيين، و424 حادثا نسبت للانفصاليين، و55 نسبت لليساريين، والباقي لليمينيين.
وبالرغم من أن الحادث الوحيد الذي نسب للمسلمين لم ينجم عنه سفك دم أو تدمير منشئات، بعكس الحوادث الأخرى، فإن الإعلام في بعض دول الاتحاد الأوربي لم يذكر أي شيء عن هذا التقرير، أما في الدول الأخرى فلم يشر الإعلام إلى تفاصيل التقرير والتي كانت سوف تظهر مفارقة كبيرة، بين نتيجة التقرير، والضجيج الهائل في الإعلام وفي الخطاب الرسمي في دول الاتحاد ألأوروبي سواء في عام 2006م، أو ما قبله أو ما بعده عن الإرهاب هذا الضجيج، الذي كان مركزاً ومحصوراً في الغالب على الإرهاب الإسلامي أما حوادث الإرهاب الأخرى فكانت تعامل إعلاميا كما لو كانت حوادث مرور (يمكن الاطلاع على التقرير في موقع ايروبول على الشبكة العنكبوتية).
11 ـ باستثناء أول نشاط إرهابي عرفه التاريخ، عندما كانت جماعة سكاري sicariiاليهودية بين عامي 66 ـ 73 بعد الميلاد، تنفذ عمليات إرهابية في فلسطين بقصد إخافة اليهود الآخرين لردعهم عن التعاون مع جيش الاحتلال الروماني، فإن “الشرق الأوسط”، الذي عرف مختلف أنواع العنف: القتل، والتعذيب والحرب، لم يعرف الإرهاب، بمعنى terrorism، إلا في آخر النصف الأول من القرن المنصرم، أي بعد وجود العصابات الإرهابية اليهودية في فلسطين هاجانا، وشتيرن، وإرجون، وكاخ . . . الخ، حيث كانت هذه العصابات تنفذ ـ قبل الحرب العالمية الثانية وبعدها ـ عمليات إرهابية، مثل المجازر دون تمييز، وتفجير القنابل في الأسواق العامة، بغرض بث الرعب في قلوب الفلسطينيين ليتركوا بلادهم ليحتلها اليهود القادمون من البلدان المختلفة، استجابة لجهود الحركة الصهيونية، بهدف إنشاء دولة لليهود في فلسطين، وكان تفجير فندق “كنج ديفيد”، وقتل سكانه من اليهود والانجليز، الذين فقدوا لوحدهم 91 شخصاً كانت هذه العملية، التي نفذت من قبل عصابتي “إرجون” و”شتيرن”، أول عمل إرهابي من نوعه في الشرق الأوسط، أعني تفجير مبنى عام على سكانه.
وعلى أساس تلك العمليات الإرهابية، نشأت الدولة اليهودية في فلسطين، وقام قادتها مثل ديفيد بن جوريون زعيم هاجانا، ومناحيم بيجين زعيم إرجون وايزاك شامير زعيم شتيرن بأدوارهم المعروفة في مسيرة الدولة اليهودية وكونت هاجانا الجيش الحكومي الإسرائيلي، ولذا لم يكن غريبا أن تسجل تلك العمليات الإرهابية في تاريخ الدولة اليهودية على أنها عمليات مقاومة ضد الاحتلال، وحركات من أجل الحرية والاستقلال.
وجاء تأكيد هذا الوصف في خطاب الرئيس الأمريكي بوش أمام الكنيست في 15 مايو 2008، حيث قال ( إن إعلان ديفيد بن جوريون استقلال إسرائيل .. كان أكثر من مجرد إقامة دولة حيث أنه كان استيفاء وعد قديم منح لأبراهام وموشى وديفيد يعني وطن قومي لشعب الله المختار Eretz Israel، لقد أقمتم مجتمعا حراً مؤسساً على حب الحرية وعشق العدالة واحترام كرامة الإنسان، لقد قاتلتم بشجاعة وجرأة من أجل الحرية).
وفي هذا الخطاب، أفصح الرئيس الأمريكي عن طبيعة الحروب القائمة حالياً التي تعتبر أخطر تداعيات حادث 11 سبتمبر، فقال: (إنها أعظم من أن تكون صراع أسلحة أنها صراع بين الرؤى، إنها معركة أيدلوجية عظمى، فمن جانب أولئك الذين يدافعون عن المثل العليا للعدالة وكرامة الإنسان، معهم قوة الحق والحقيقة، وعلى الجانب الآخر، أولئك الذين يعتقدون رؤى ضيقة ويسعون إلى السيطرة بالقتل وبث الرعب ونشر الأكاذيب، هذه المعركة، مع أنها تستخدم تقنية القرن الواحد والعشرين، إلا أنها في حقيقتها هي المعركة القديمة بين الخير والشر).
واضح أن مقصود الرئيس بالجانب الأول (جيوش التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة)، وبالجانب الثاني (الأصولية الإسلامية والإرهاب الإسلامي ممثلا في حركات المقاومة في فلسطين والعراق وأفغانستان)، فالرئيس الأمريكي كما هو ظاهر ينطلق في التوصيف والتصنيف والتمييز بين الخير والشر من منطلق أيدلوجي، ولا ينطلق من منطلق وضعي أو من مقياس للخير والشر، يعتمد كمية دماء الأبرياء المسفوكة وحجم التدمير لمرافق الحياة، ونوعية امتهان الكرامة الإنسانية.
12 ـ غير خاف دور العقيدة السياسية للمحافظين الجدد في الولايات المتحدة الأمريكية في التأثير على الأحداث منذ استهلال القرن الحالي، وتعتمد هذه السياسة كما يقرر ذلك هالبر وكلارك على ثلاثة مبادئ:
(أ) الاعتقاد المبنى على أساس ديني، أن المقياس الصحيح للخلق السياسي، هو مدى الرغبة والتصميم في مكافحة الخير (الذي يمثلونه) الشر (الذي يمثله الآخرون).
(ب) التأكيد على أن ما يجب أن تعتمد عليه العلاقات بين الدول هو القوة العسكرية والعزم على استخدامها.
(ج) التركيز في البداية على الشرق الأوسط، والإسلام العالمي كتهديد أساسي لمصالح أمريكا في الخارج.
Halper and S.Clarke, America alone 2004,p46
13 ـ الأصولية بالمعنى الموسوعي لكلمة fundamentalism، تعنى مذهبا بروتستانتيا أمريكيا، أساسه الحركة الألفية في القرن التاسع عشر وتعتمد التفسير الحرفي لـ(بايبل)، ومن ضمن ذلك، ما تؤكده بعض نسخ (بايبل) من أن خلاص المسيحي مشروط بعودة المسيح التي لن تتحقق إلا بعد قيام دولة اليهود في فلسطين وإنشاء المعبد للمرة الثالثة ووقوع حرب أرماجدون، وقد أظهر مسح جامعة أكرون في الولايات المتحدة الأمريكية للسياسة والدين عام 1996م، أن 31% من البالغين المسيحيين في أمريكا يؤمنون أو يؤمنون بقوة بحرب أرماجدون، وتقرر جريس هالسل، أن هذا المذهب الديني هو المذهب الأسرع نمواً في الولايات المتحدة، ومن الطبيعي أن يكون لهذا المذهب تأثير على الاتجاهات السياسية في الولايات المتحدة، ومن ثم تأثير على الأحداث، وكان الرئيس الأمريكي ريجان يتشوف لأن تقع حرب أرماجدون في فترة رئاسته.
الأصولية على غرار مضامين المصطلح الموسوعي الأمريكي Fundamentalism، مهما كانت جغرافيتها وما تستند إليه من عرق أو ثقافة أو دين، وحش مرعب، سيما إذا كانت أنياب الوحش من آلاف الرؤوس النووية وعشرات الألوف من أطنان الغازات السامة، ومخزون مرعب من إنتاج أبلغ ما وصلت إليه التكنولوجيا من جراثيم الأوبئة والأمراض المعدية، كالجمرة الخبيثة، فهي في هذه الحالة تجعل البشرية أمام خطر حقيقي وحاسم.
في خطاب الرئيس الأمريكي المشار إليه، أطلق نبوءة تقدم أملا، فقال: (سوف تحتفل إسرائيل بعيدها المائة وعشرين، وقد أصبحت وطنا آمنا مزدهرا للشعب اليهودي)، الأمل الذي تبشر به هذه النبوءة أن حرب أرماجدون، في العقيدة السياسية الأمريكية، لن تقع خلال الستين سنة القادمة، لأنه بعد حرب أرماجدون لن يوجد يهود في مضمون الأصولية الأمريكية، إذ يكونون بعد الحرب قد تنصروا أو ماتوا، ولعل أملا آخر يتحقق أن يكون الإنسان خلال هذه المدة قد تطور فأصبح أكثر رشداً وأرقى أخلاقا.
14 ـ فور انتهاء الحرب الباردة بين (الرأسمالية والشيوعية) بانهيار الشيوعية، رُشح الإسلام عدوا بديلاً، وسُمي (العدو الأخضر) بديلاً عن (العدو الأحمر – الشيوعية). وبعد أن كانت الصورة النمطية للمسلم خلال العقود السابقة على نحو ما أظهر الاستبيان الذي أجري في الولايات المتحدة عام 1980، أن المسلم في تصور نصف الشعب الأمريكي تقريباً هو (الشخص العنيف المتعطش للدم، الغادر الذي لا يوثق به مضطهد المرأة عدو السامية وعدو المسيحية )، وبعد أن كانت وسائل الإعلام تثير مشاعر التحقير والكراهية ضد الإسلام والمسلم، تحولت إلى إثارة مشاعر التخويف والعداء، وطفحت أدبيات السياسية الغربية وتصريحات السياسيين ووسائل الإعلام بالإلحاح على ربط الإسلام بالإرهاب والعنف، والحديث عن صراع الحضارات ولم ينتصف العقد الأخير من القرن المنصرم، حتى كانت أوروبا تشاهد فيلم “الإرهاب في سبيل الله”، وكانت أمريكا تشاهد فيلم “الجهاد في أمريكا”.
. . . . .
ثم نشطت الحرب الباردة والساخنة، واستخدمت القوة الناعمة، والقوة المتوحشة، ووعد العالم بأن الحرب الجديدة سوف تستمر أمداً طويلاً، ولم يحدد قط أجل لنهايتها. وشاعت في الكتابات السياسية الأمريكية النصائح، بأن تستخدم في هذه الحرب الجديدة الوسائل نفسها، التي استخدمت في الحرب الباردة بين الرأسمالية والشيوعية، وقد تعددت النظريات في الدوافع الحقيقة لهذه الحرب العالمية الجديدة.
أشير في بعض الأحيان إلى المصالح الاقتصادية، والمصالح الجغرافية السياسية للولايات المتحدة خاصة والغرب عامة، كما أشير إلى مسئولية الغرب عن وجود إسرائيل وبقائها، مع ملاحظة أن الدولة اليهودية، هي الدولة الوحيدة التي يمثل الإسلام خطراً حقيقيا عليها، وأن هذه الدولة هي المستفيد الحقيقي من هذه الحرب، إذ لم تخسر شيئاًً من الحرب، وإنما كانت أعظم الرابحين إن لم تكن الرابح الوحيد، وكانت ـ في الواقع ـ دائماً يسير في ركابها الحظ السعيد، وبرز ذلك جلياً بدأ من حادث 11 سبتمبر، كما أشير إلى الموروث الثقافي لدى الغرب تجاه الإسلام.
وأشير في بعض الأحيان إلى حاجة الرأسمالية دائماً إلى وجود تحد خارجي يضمن لها استدامة البقاء والازدهار، وفي هذا الصدد يعاد إلى الذهن القول المشهور لأحد السياسيين الإستراتيجيين الأمريكيين في بداية الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوفيتي: (لو لم توجد الشيوعية لوجب أن نوجدها)،
ولكن لماذا يكون التحدي الخارجي ضرورياً للسياسة الأمريكية؟
يجيب عن هذا السؤال واحد من أوسع الرؤساء الأمريكيين ثقافة وأعمقهم فكراً، وأكثرهم تمرسا بالسياسة الأمريكية، رتشارد نكسون، حيث يقول في آخر كتبه (Beyond Peace, 1994. pp9-15) (عقب الحرب العالمية الثانية، تخلت الولايات المتحدة عن عزلتها السلمية التقليدية، وأشعلت الحرب الباردة حول العالم ضد الشيوعية . . . . معظم الأمريكيين ظنوا أن انتصارنا في الحرب الباردة، وعودة السلام سوف يساعدنا في حل مشاكلنا المحلية ولكن الذي حدث هو العكس، انتهاء الحرب الباردة أيقظ مشاكلنا في الداخل، التحدي الخارجي يوحدنا، والتحديات الداخلية تفرقنا، ما يجب أن نعرفه بدون لبس هو أن السياسة الداخلية والسياسة الخارجية مثل التوأم السيامي لا يمكن لأحدهما أن يعيش بدون الآخر . . . أوقات السلام الممتدة هي بصفة عامة أوقات الركود والكساد … لا أحد يقول إن الحرب هي شيء مستحب لأي بلد، ولكن ما لا يمكن إنكاره أن الولايات المتحدة تكون في أفضل أحوالها عند ما تواجه تحديا خارجياً ـ إنجازاتنا في مجال الفضاء بعد صدمة سيوتنك مثل بارز في هذا ـ، الأغلبية من أعظم رؤسائنا، كانوا هم الرؤساء الذين شغلوا بالحرب، إن أعظم انبعاث لإنتاجيتنا المتزايدة وإنجازاتنا العلمية حدث أثناء الحرب في العقود الأولى من الحرب الباردة بين الرأسمالية والشيوعية كان سباق التسلح على أشده وكانت الشيوعية تحقق انتصارات في تكنولوجيا الفضاء، وفي كسب الشعوب، والاستيلاء على القلوب والعقول، ثم انتهت الحرب الباردة بهزيمة الشيوعية).
هل تم ذلك بسبب أن الرأسمالية كسبت قدرات جديدة أخلت بتوازن القوى السياسية والعسكرية، أم لأن الحياة وأحداثها كشفت عن هشاشة النظام القيمي للشيوعية؟ يثير هذا السؤال سؤالا آخر: هل الحياة وتطور أحداثها الجارية تكشف عن قوة النظام القيمي للرأسمالية أم عن هشاشته.
كانت الشيوعية بما تملك من القوى المادية تمثل تهديداً حقيقيا للرأسمالية والغرب، وتبرر وجود الحرب الباردة ولكن هل يملك الإسلام من القوى المادية ما يبرر حالة الفزع والرعب والتخويف التي ظل الغرب ينفخ في بالوناتها تجاه الإسلام ويستند إليها في إثارة الحرب البادرة ضده بل الحرب الساخنة والاستباقية.
هل نحن أمام حالة خوف وهمي خلق فقط لتبرير الوصول إلى أهداف لا صلة لها بالخطر على الغرب ولا الخوف من الإسلام، أم أننا أمام خوف حقيقي ناشئ عما يملك الإسلام من قوة معنوية ونظام قيمي، يشعر الغرب بأن النظام القيمي الرأسمالي لا يصمد أمامه، هل هذا ما كان رتشارد نكسون يقصده في مؤلفه الذي سبقت الإشارة إليه، بقوله: (الإسلام الأصولي عقيدة قوية والقيم العلمانية في الغرب لا تستطيع أن تغالبه، كما لا تستطيع ذلك القيم العلمانية في العالم الإسلامي).
…………………………….
المعلومات السابقة معلومات واقعية، وليست أخبارا تحتمل الصدق والكذب، ولكنها على كل حال توضح عن طبيعة ما يسمى بالحرب على الإرهاب العالمي، أو الحرب العالمية على الإرهاب، كما يمكن أن تلقى ضوءاً على حادث 11 سبتمبر أفظع حدث إجرامي إرهابي في التاريخ.