بني اقتصاد مصر قبل حركة الضباط سنة 1952 عصاميون ومن مدخراتهم مع تنميتها بقروض آمنة مؤمّنة وفي زمن كان التاجر يخشي أن تبرطس له كمبيالة … زمن اختلطت فيه القيم مع الغرائز البشرية وعلي رأسها حب المال دون أن تطغي الغرائز علي القيم الا فيما ندر, والنفس البشرية أمارة بالسوء فسولت النفس لقلة أن ترشي من أجل تعطيل قرارات ملزمة…فغضب المجتمع وهلل مرتاحا عندما وجد أن أحد مبادئ الضباط التي أتوا بها للنغيير هو عدم سيطر رأس المال علي الحكم.
ودارت الأيام, وفي ظل ورثة من قام بحركة 1952 استعاد رأسمالي من البارزين في الحزب الحاكم والذي يكاد أن يكون محتكرا لسلعة استراتيجية مؤثرة علي الشعب, أقول استعاد مشروع قانون حول الاحتكار بعد اقراره لاجراء تعديل عليه, وتم له ما أراد, رأسمالي من ذات الحزب الذي احتوي الدولة عبث بصحة المرضي من خلال منتجات غير مطابقة وغير أمنة وبوسائل غير مشروعة لدرجة أن المسئول السياسي عن الوزارة سارع بالدفاع عنه فور نشر الوقائع, ووجهت اليه النيابة بعد أن أتمت تحقيقاتها اتهامات, وبعد تبرئة المحكمة له سارعت النيابة الي الطعن في الحكم بمسبباتها, وثالث رأسمالي من رموز الحزب الوطني يقتل في نزوة عاطفية صديقته وصديقه وزوجنه ثم ينتحر! ورابع ييسر له ولنجله الهرب من البلاد وفي عنقه أرواح ألف ويزيد من ركاب عابرة متهالكة انتهت صلاحيتها وحملت فوق طاقتها وقدرتها … لا يسأل وعلي الجانب الآخر يصدر حكم بحبس رئيس قصور الثقافة عند احتراق مسرح بني سويف وهو غير مسئول عنه أو مشرف عليه! … ثم نجد عضو بارز في الحزب وفي أمانته السياسية ومن حيتان الأراضي التي سعت اليه بأبخس القيم ويبيعها بأسعار فلكية خارج قدرات المجتمع يتهم بدفع مليوني دولار أي أحد عشر مليون جنيه لقاتل مأجور ويشفي غليله من امرأة أهملته وفضلت عليه آخر!!! … ومأساة الدويقة الشعبية العشوائية في حضن الجبل وقد أطبق عليها ماثلة للعيان, لو كان لأصحاب هذه النزوات قيم تعلو الغرائز أو تتفاسم معها المساحة لسارعوا مع بداية أنشطتهم بأداء حق المجتمع عليهم وأحيوا الدور الاجتماعي لرأس المال والذي كان موظفا بكفاءة قبل حركة 1952 ولتناقصت الكوارث الاجتماعية التي يخشي وصولها الي حافة الانفجار ويذهب الجميع الي الهاوية… لم يتوقف المسلسل فبالامس حقق مع رأسمالي قيادي في الحزب الحاكم وعضو السلطة التشريعية ووجه لامع في المسارعة بالتبرع مرة في احدي مدن القناة وأخري في القاهرة, أقول يتردد أنه موضع مساءلة بزعم افساد ذمة قاضي حتي يصدر الحكم لصالحه!
أكاد أسمع في أذني أصواتا تردد “أخي بلغ الظالمون المدي” فهل سيجتاح لظالمون القاعدة الشعبية كما فعلت اسرائيل؟ أم أن الشعب سيسمع النداء ولا يمكّنهم من بيعه يلا ثمن؟
استعان العضو القيادي البارز في الحزب الحاكم بقاتل محترف مأجور, وهنا وقفة, هذا القاتل المحترف ليس من فئة البلطجية أو أصحاب السوابق أو المسجلين خطر, بل هو ابن مؤسسة نظامية صناعتها الأمن شأنها شأن غيرها من المؤسسات في انحاء العالم التي تؤمن المجتمع ضد أي عمل يتسم بالخيانة أو الغدر أو الارهاب, وفيها جميعها وحدات اقتحام منازل ووحدات اقتحام مركبات ووحدات التعامل مع الارهاب الدولي وتصفية مجرميه تصفية جسدية, وهي تتلقي تدريبات بلغة الصعوبة باهظة التكلفة, وفي مدارس متعددة بحيث تكفي الاثني عشر دقيقة التي ذبحت فيها المغنية لذبح أربعة … الله أعلم حيثما تلقي هذا الضابط المستقيل تدريبه ÷ وبفرض أنه لم يتلقاه في مؤسسة أمنية ومن خلالها الا أن الواقعة تدق ناقوسا بالغ الأهمية ألا وهو أن معادن الناس المؤهلة للتدريب علي مثل هذه العمليات يجب أن تكون شديدة التمسك بعدم ارتكاب جريمة وأن التصفية الجسدية المكلف بها تكون لمن عاث في الأرض فسادا وتنقل في البلدان وصعب القصاص منه لينال علي يد رجل الأمن المكلف جزاء ما قدمت يداه من سفك دماء أبرياء, ويستبعد تماما من المؤهلين للتدريب من تعلو غرئزه قيمه حتي لا يحمل أحد وزر تدريبه. صحيح أن النفس أمارة بالسوء والقلوب قلّب إلا أن المسئول غليه أن يعقلها ويتوكل ليكون قد أراح ضميره.
أري كثيرون جاءوا يسعون لينذروا الحزب الحاكم بأنه قد أزفت ساعة خلع قميصه عن الدولة سليما ويحترم رأي القاعدة وهي في نظرهم السبيل الوحيد حتي يظفر بهذا القميص سليم أو بأقل درجة من التهلكة.
تنقلنا الرأسمالية والبلطجة الي البحث عن الدولة, أين هي؟ وما صورتها؟ ما سبق يشير الي أن الحزب الحاكم احتوي الدولة فلبست قميصه ونسيت دورها فعاث المفسدون في الأرض فسادا وانتقلت العدوي الي غيرهم . أرض مصر مليئة بالعربان من أقصي الشمال الي أقصي الجنوب يزاحمون الناس في حقوقهم بزعم أنها كانت أرضهم وأنهم واضعوا اليد عليها من مئات السنين, حتي المدن الجديدة فرضوا فيها الاتاوات …الناس تدفع .. والحكومة تتفرج ..الناس مهددة بسرقة مستلزمات البناء, ومواده الهب المحتكرون أسعارها, والشرطة معذورة في الصحراء المترامية التي يصعب فيها المطاردة والاقتناص وبالتالي اعادة المسروقت…
لوضع اليد شروط تسري علي ممتلكات الدولة ملكية عامة أما ما تملكه ملكية خاصة فلا وضع يد عليه. من أبرز شروط صحة وضع اليد أنها ظاهرة مستقرة بلا منازغة خمسة عاما, بالتالي تكون الأرض المحيطة بدير أبوفانا المتنازع عليها بين العربان والرهبان بحاجة الي تقنين ومن خلال الدولة وليست من خلال المجالس العرفية, فما تقره هذه المجالس العرفية اليوم تمحوه غدا, والمجتمع لا يحتمل رفاهية الصدام بدوافع طائفية أو غيرها تغذي من الخارج وتستعدي هذا الخارج لتشعلها فتنة وقودها شباب متحمس تلهب مشاعره بتكرار ما فعل بالمسلمين في الأندلس وبالفلسطينيين علي أرضهم وقد احتلها اليهود بزعم ملكيتهم التاريخية لها!
لا يتصور أحد أن حقوق المواطنة المتساوية تسمح لمواطن بالتمييز علي آخر ؛ من غير المتصور أن يطبق القانون علي الجميع عند بحث شروط وضع اليد ويأبي رجال دين وهم قدوة لشعوبهم أن يرفضوا لجنة حكومية صدر بها قرار من المحافظ المختص تضم فنيين مختصين من بينهم رجال آثار لتحديد مدي انطباق شروط وضع اليد علي ما تحت يد المتنازعين ما بين رهبان وعربان … وكيف تقبل الدولة التراجع وترك الأمر ليحل عرفيا والحل العرفي لن يقطع عرق أو يسكب دم بل ستظل المشكلة كامنة تتجدد مع كل هوي طائفي أو أطماع خاصة؟
هذه أهم أبعاد الشق المدني, أما الشق الجنائي فالجميع فيه سواسية كل يسأل عن جرمه بصرف النظر عن دين أو ملة ما لم يتصالح أفراد النزاع علي نحو ما جري عليه القضاء المصري؛ وأعتقد أن حكماء هذا المجتمع حريصون علي ألا يزج بأسمائهم في زمرة المحرضين علي الصراع الرافضين للتصالح مجنبين أنفسهم وخز الضمير ان أتت الريح بما لا تشتهي السفن.
في وسط هذا الخضم بأبعاده حاولت البحث عن الدولة بمقوماتها فلم تثبت لي الرؤية!!! فهل من يدلني عليها وعلي شواهد وجودها؟