اقترن اسم دبي بالنجاح؛ ولم يكن ذلك مجرد توفيق إعلامي في ترويج صورة ناصعة لهذه الإمارة. بل إن الإعلام، فيها، كان أقل من سواه من المجالات، إسهاماً في صنع صورة للإمارة. وعلى أية حال لم يكن لهذا الحال أن يستمر.. فكان نداء الإصلاح الذي أثمر، في خطوة أولى، عن إعادة وضع إعلام في دبي على السكة الإعلامية من جديد، بما يؤهله للانطلاق قدماً؛ وهذا انجاز له حسابه، وله تقديره؛ ولكنه لا يضاهي النجاحات التي تعيشها دبي في المجالات الأخرى.
ومن جهة أخرى، فإن هذه ليست سمعة الإمارة، ولا هي حقيقتها؛ فدبي تصنع النجاح، من خلال الاهتمام بالتفاصيل وتوفير الظروف الملائمة له. ومن غير الممكن أن يكون طموحها في المجال الإعلامي، مجرد حضور لائق على الأثير، وأداء معقول على مستوى الإعلام المكتوب. فحاجاتها ورؤيتها أكبر من ذلك.. لديها نموذج تنموي ورؤية تروجهما، ولديها نمط تفكير يقتضي ضمان نجاحه أن يكون مفهوماً ومستوعباً في محيطها الحيوي، ما يفرض تعميمه على أوسع نطاق.
ومن هنا، جاء قرار تلفزيون دبي خوض غمار تجربة درامية ثانية، رغم مرارات تجربة أولى سابقة، تعبيراً عن إدراكه أهمية الدراما التلفزيونية، التي باتت حقلاً إعلامياً أصيلاً، من يربحه يكسب القدرة الإعلامية والمؤسسات المسيطرة والقادرة؛ والإعلام – كما هو معروف– ما يزال القلعة العصية الوحيدة التي لم تجتاحها طموحات حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد إلى أن تكون إمارته الأولى في كل شيء.
والأمر بات ملحاً بالنسبة لقصة النجاح التي تمثلها دبي، التي استقطبت أمهات المؤسسات الإعلامية إلى تسهيلاتها وامتيازاتها، حتى بات الفارق في الأداء بين إعلام الإمارة والإعلام الوافد إليها واضحاً إلى حد الإزعاج. وكيف لا يكون مزعجاً وقصة النجاح الكبيرة التي تشكلها mbc باتت تؤسس لنفسها على الأرض الإماراتية حضوراً طاغياً!
ومن هنا، فإن قرار دبي العودة إلى تجربة درامية جديدة لا تشوبه شائبة، وإن كان البعض قد أخذ على هذه المحاولة تكرارها لعثرات التجربة السابقة من حيث اعتمادها على توفير الإمكانيات غير المحدودة، على حساب فرض خيارات أساسية غير مناسبة. وعملياً، فإن اختيار دبي لعنوان “صراع على الرمال” الذي تم تعزيز فرصه بالنجاح بقرنه باسم الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وبأشعاره، لم يأت من فراغ، بل جاء من فكرة راسخة بأن جوهر المنافسة الدرامية يتمحور حول الصراع على الإعلام التلفزيوني في أشد مواسم المنافسة ضراوة، والتي تحسم لصالح من يفوز بها، مكانة مرموقة خارج رمضان، كذلك.
وإذ لم تخب تقديرات “دبي” بأن الصراع على الدراما (أو على الإعلام)، يتمحور بالذات في حقل الأعمال البدوية؛ فإنها لم توفق في تجاهل مقتضيات هذا النوع من الأعمال، الذي هو وفق تقارير صحافية لون أردني بامتياز .. وهذا ما تفوقت mbc في التقاطه منذ البداية.
إذاً، ما تزال دبي مطالبة باستعادة مكانة إنتاجية ريادية، كان يحتفظ بها تلفزيونها عبر توجهات إستراتيجية مدروسة، مكنته في وقت ما من أن يحتل مكانة ريادية في إنتاج اللون البدوي؛ الأمر الذي يحاوله اليوم هذا التلفزيون نفسه فلا ينجز في النتيجة سوى أعمالاً فنتازية مغلفة قسراً بالطابع البدوي، في تجاهل للفكرة البديهية القائلة بأن النجاح في حالة الدراما التلفزيونية يتطلب أكثر من مجرد استقطاب الأسماء اللامعة في المجالات الفنية، ويحتاج إنفاقاً أقلّ مما تكبدت دبي في تجربتيها، إن توافرت الخبرات في المجالين الفني والإنتاجي.
إن دبي، صانعة الفرص، أن تصنع فرصتها الخاصة في هذا المجال. وأن تقدم نفسها بانفتاح لا محدود، وبرؤية فنية لا تتهيب التوقف عند التفاصيل، وعند الإخفاقات والآلام والجراح التي ترافق كل قصة نجاح.