وصف بعض التجميليين القفز عن المراحل وعن البدايات في حركة التحرر الوطني الفلسطيني بتيار الحداثة وتارة أخرى المحدثين الجدد وحقيقة ان هذا المصطلح يجافي الواقع الظرفي والتاريخي لحركة التحرر الوطني فمتى يمكن أن يكون هناك تيار حداثة بعد أن أعلنت الصين استقلالها لم تبقى الثورة الصينية ساكنة بل تعاملت مع المتغيرات الجديدة ذو الأبعاد السياسية والأمنية والاقتصادية ولذلك ظهر تيار الحداثة في الثورة الصينية بعدما أرست الثورة الصينية دعائم الاصلاح والتحرر والاستقلال وما حدث في كوبا بس استلام رؤول أدخل بعض التعديلات على السياسة الداخلية والخارجية لكوبا مع الاحتفاظ بالعناوين الرئيسية ، عناوين الكرامة لكوبا ، وما حدث أيضا ً في كوريا الشمالية وبعد وفاة كيم ال سنج كان لابد من تيار التحديث والتجديد لكوبا في حين من أرسى دعائم الثورة التكنولوجية في كوبا كيم ال سنج ، ولكن استطاع خليفة كيم ال سنج أن يقفز بكوبا إلى الدولة النووية التي ترهبها الولايات المتحدة الأمريكية وكثير من الثورات العالمية وحركات التحرر التي تعاملت مع الظرف والمتغير مع الحفاظ على الثوابت الوطنية .
أما أن نطلق مصطلح التيار التحديثي على فئة انحرفت بحركة التحرر الوطني الفلسطيني واجهظتها فعلا ً بتيار تحديثي فهذا شيء فاضح فكرا ً وتحليلا ً وتطبيقا ً ، فمتى يمكن أن يأتي التيار التحديثي إذا عجزت القيادة التاريخية عن التمسك بأهداف ومنطلقات الثورة وإذا عجزت عن تحقيق انجازات على طريق الأدبيات المطروحة فكريا ً والانجاز العسكري ميدانيا ً وبالتالي التيار التحديثي في هذه اللحظة يقفز إلى القيادة في عملية اقصاء للقيادة التاريخية التي عجزت عن تلبية ظروف المرحلة ومن هنا يكون التيار التحديثي هو مطلب وطني وشعبي ومطلب تاريخي تحتاج له القضية وتحتاج له عناصر حل المشكل .
التيار التحديثي في الرؤية الأخرى والاحتمالية الأخرى هو تيار يشكل نفسه مع المتطلبات ما بعد التحرير من بناء للمؤسسات وبناء تكنولوجي وبناء ثقافي يقفز بالوطن إلى مرحلة التعويض عن الخراب والدمار الذي وضعه المحتل في كينونة الدولة الثقافية والامنية والاقتصادية ولذلك يظهر التيار التحديثي كحاجة ملحة لبناء الدولة المستقلة بعناصر أكاديمية فلكل ، فلكل مرحلة رجالها بالمعنى الايجابي الذي يقفز بالمجتمع والشعب إلى الأمام ، فمن صنعوا الثورة وضعوا الشعب في حالة الاستقلال ، أما موضوع التنمية فيحتاج إلى قيادات جديدة ويسمى في هذه الحالة التيار التحديثي ولا يمكن أن ينسلخ في هذا الوقت التيار التحديثي عن التيار المؤسس أو التيار التاريخي ،بل يعتبر التيار التحديثي هو امتداد طبيعي للتجربة التي بدأتها القيادة التاريخية ولذلك تبقى في ارشيف الشعوب وفي المناسبات الوطنية وفي المقارعة الاقليمية والدولية الحماية للنظام هي التجربة التي قادتها القيادة التاريخية للوصول إلى التحرر والاستقلال .
بعد الغوص في المعاني المختلفة لمصطلح الحداثة وغزوه الاعلامي الفلسطيني واطلاق اسم التحديثيين والتطويريين والانقلابيين على المفاهيم لحركة التحرر الوطني تحديثيين فهذه جريمة كبرى ترتكب في حق التاريخ وحق الشعب وحق القضية ولأن تيار ما يسمى بالحداثة لن يستمد تجربته وطرحه من ما وضعته البدايات والقيادة التاريخية من مبادئ وأهداف ومنطلقات ، بل انسلخ عنها انسلاخا ً كاملا وحاول شطبها من سجلات التاريخ عمليا ً والاستفادة منها في تحقيق نوع من القاعدة والجماهيرية لتعطي نوع من الشرعية لأطروحات فاسدة لحل الصراع كإعلام أوسلو ووثيقة جينيف وخارطة الطريق والتفاوض وتسليم أوراق اللعبة في أيدي الجهد الدولي أو الدكتاتورية الأمريكية في العالم التي لا تخدم إلا مصالح الصهيونية لمعطيات استراتيجية أمنية واقتصادية ، هذا هو مفهوم الحداثة المتجاوز لمعنى اللفظ والمصطلح والمتجاوز للتحليلات المختلفة ” متى تبدء الحداثة في المجتمعات المغتصبة حقوقها والمغتصبة أراضيها ؟؟”
من العيب أن يستمر البعض أن يطلق اسم الحداثة على تلك القيادات القافزة عن الواقع والقافزة على حقيقة المعاناة الاساسية للشعب الفلسطيني والقافزة على الحتمية التاريخية للصراع محاولة تغيير ملامح الحتمية التاريخية التي تقود لاستقلال الشعوب واستقلالها على أرضها ، بل كان من المطلوب أن لا نخدع اللفظ والمصطلح واستبداله بمصطلح أخر مثل التحريفيين أو الانقلابيين أو المنحرفين أو الخارجين عن أخداف ومبادئ الثورة وهي في الحقيقة ثورة أو قوة مضادة يطلق عليها سياسيا ً بالثورة الرجعية على الثورة التقدمية التي فرشها وبسطاها حركة الجماهير ، وبالتالي الثورة الرجعية التي تغذي مفهوم رأس المال وسيطرته على أقدار الشعب سياسيا ً واقتصاديا ً هي قوة غاشمة انتهازية تنتهز الظرف والزمان والمكان للقفز على مقاليد السلطة .
وإذا ما تعمقنا في الحداثة فإننا نقول أن الحداثة لا يمكن أن تنطبق على أي قوى تحاول لانحراف بحركة التحرر ولأن الوطن والأرض الفلسطينية مازالت محتلة والشعب الفلسطيني مشتت في اسقاع العالم وهويته الوطنية مهددة من طرح المنحرفين والتحويريين ولأن الثورة الفلسطينية لم تحقق أهدافها وأعتقد أن الحداثة إذا كانت ضرورية فهي حالة من حالات التمرد على الفساد والانحراف لا تغذية الفساد والانحراف وانهاء الأصول الثورية والوطنية والحداثة هي وضع الآليات المناسبة لتجاوز مراحل التخريب التي أصيبت بها الأطر والمؤسسات الفلسطينية والحالة الفكرية والاجتماعية التي تأثر بها الشعب الفلسطيني من التجميليين والحالمين بسلطة ولو كانت بأوامر دايتون هكذا يمكن أن تكون الحداثة الفلسطينية هي حداثة تصحيحية لا تخريبية فالمسارات الفلسطينية محتاجة فعلا ً لنوع من الحداثة ولا يمكن لحركة تحرر أن يقف عندها الزمن بل الحداثة لها الأصول والجذور والتجربة استمرارا ً لديمومة الفعل التحرري إلى حالة الانعتاق من الظلم والاحتلال ويمكن للحداثة أن تأخذ مراحلها في حياة الشعوب منذ بدايات حركة التحرر إلى الاستقلال إلى التنمية إلى نسج علاقات متكافئة مع المحيط الاقليمي والدولي.
بقلم /سميح خلف