راهنت الحركة الصهيونية وأنصارها في الغرب عشية استلاب فلسطين بقوة السلاح وجرائم الحرب من اهلها على اقامة امر واقع يكون من نتيجته اقامة دولة ليهود العالم بعد تشريد السكان الاصليين ونفيهم في الانحاء القريبة والبعيدة.. والرهان الكبير كان على ان هؤلاء السكان وبعد مرور قليلا من الوقت لا بد من ان يطويهم الزمن في المجتمعات التي استقروا بها، اما ابناؤهم واحفادهم فسينتابهم النسيان الى الابد .. نسيان وطن الجدود.
الا ان كل المعطيات الانسانية والمجتمعية والنفسية اكدت سقوط هذا الرهان الصهيوني لتنتصر الحياة الفلسطينية. وما كان يتم ذلك لولا اساسين مهمين وفرا هذا الانتصار وهما: الارادة الانسانية والوعي الوطني. مما شكلا معا مما يتعارف على تسميته بالقضية الفلسطينية.
انكسار الرهان الصهيوني على انهاء الحياة الفلسطينية جعل من الحركة الصهيونية اكثر وحشية ولتذهب بعيدا في ارتكاب جرائم الحرب وفي الممارسات البربرية المنافية للقوانين والشرائع الدولية… وما زالت استراتيجية الابادة للآخر في الفكر الصهيوني ظاهرة للعيان وهي تترجم عمليا وتذهب بها الى آخر المدى في سحق وتغييب المنسوب الفلسطيني مهما كان جنسه وأينما كان. لقد سحقت ألة الحرب الصهيونية قرى آهلة بسكانها. عجنت مدنا وسوتها بأرض سهلة. نفت من الوجود حقولا مشجرة. فتت حجارة تعود لازمان سحيقة مجرد انها تدل وتشهد للحضارة الفلسطينية وانتماءها لهذه الجغرافيا المحددة بالوطن الفلسطيني التاريخي. ولأن الوحشية الصهيونية ليس لها حدود فأن مخيمات للشتات الفلسطيني في لبنان قد ابيدت بفعل غارات الطيران اليومية. منها من لم يبعث مرة اخرى كمخيم النبطية، ومنها من بعث عدة مرات كمخيم عين الحلوة.
ان القضية الفلسطينية اليوم تتعرض لحرب تصفية، وهي الحرب التي لم تتوقف في اي يوم آخر والتي لم يعدم بها اي سلاح من اجل استتباب الوجود اليهودي على حساب الوجود الفلسطيني. الفلسطيني الذي يعاني منذ ستين عاما، حيث ترتسم المأساة في كامل تفاصيل وجوده اينما كان واينما حل نتيجة للاستيطان العنصري على بلاده الذي يلقى مساعدة ودعما لا نهائيا من الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية التي تتعاطف الى ابعد الحدود مع كل ما هو لا انساني من منتوج الحركة الصهيونية ، وربما تتفوق هذه الولايات في انتاجها العدواني في مصادرة حقوق الشعوب في خيراتها وفي حياتها وحرياتها في اوطانها، وتذهب بعيدا من خلال قوتها العسكرية للتدخل في فرض انظمة ومناهج لا تمت للشعوب بصلة وذلك تحت شعارات براقة مثل المساعدة والتعاون.
ان المساعدة لا تكون من خلال التدخل في تغيير معتقدات الشعوب المتوارثة ولا الى تحويرها بما يخدم فقط المصالح الامريكية ومن يدور في فلكها على هذا الكوكب..ان القيم الانسانية كانت ولا زالت منذ الازل هي ما يعني كرامة الانسان بلا لبس اوغموض، وليس لنا حاجة بما تمليه الولايات المتحدة الامريكية من معاني مربكة وغامضة ومطاطة حول المفاهيم الانسانية والنضال من اجل الحرية.
ان احتلال فلسطين عام 1948 من قبل العصابات الصهيونية وبمساعدة الحكومة البريطانية كان جريمة العصر الكبرى… وكان على القوى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية والتي تمسك بزمام الحضارة اليوم ان تكافح هذه الجريمة وتعيد الحق لاصحابه. اما ان تذهب على عكس ذلك وتعمل على تكريس الجريمة فذلك سيظل عار على هذه الحضارة مهما زينت ادبياتها وانتجت من عمران ورفاهية للانسان.
وكل كلام عن الارهاب هو مردود على هذه القوى التي تدعم الاحتلال والعدوان… ولا يوجد اسوأ من ضمير يدين الضحية وينصر القاتل. وعندما يتحكم هكذا ضمير بمجريات حضارة كوكبنا فاننا على يقين بأننا نعيش في ظلال حضارة تكمن في احشائها روح الشر والفساد…
اذا كانت القوى التي تقود حضارة اليوم معنية بمحو عارها فعليها ليس اقل من العمل على اعادة الحق الفلسطيني وبناء ما خربته الحركة الصهيونية طيلة ستين عاما ، عانى خلالها الشعب الفلسطيني ما لم يعانيه شعب آخر في الوجود.
سعيد الشيخ /كاتب وشاعر فلسطيني