ضحى عبد الرحمن
من الأمثال العربية المعروفة ” القول ما قالت رباب” و هناك مثل قريب منه يعود إلى (لجيم بن مصعب) جاء فيه ” إذا قالت حذام فصدقوها فإن القول ما قالت حذام” ويقال إن المرأتين عرفتا بقوة البصيرة وصدق الفراسة, والمثل رمز للكلام الصائب الذي يعتد ويؤخذ به عندما تختلف وجهات النظر حول موضوع ما, أو الاتفاق على رأي أو ترجيحه على البقية, ومن هذا المكان استعرنا اسم فيفي ليكون بديلا عن اسم رباب أو حذام لصلته بالموضوع الذي نتحدث عنه وهو يتعلق بالدور الخفي الذي تقوم به الجارة الشقيقة الكويت في العراق, وهو دور لا يقل خطورة عن غيره رغم كونه فعل مستتر قلما تحدث عنه السياسيون والصحفيون رغم أهميته ونتائجه وتداعياته على الوضع الخطير الذي يمر به العراق بعد أن تكالبت قوى الشر لتحيط به من عدة جوانب, فمع بداية الغزو الأمريكي للعراق شاهد معظم العراقيون عددا من العرب يرافقون قوات الاحتلال وكانوا يصطحبونهم في الدبابات والمدرعات والعجلات العسكرية لأغراض الترجمة والدلالة, ومن خلال الحديث كان بعضهم يتحدث باللهجة الكويتية رغم محاولتهم أن يغيروا طريقة كلامهم, ولكن لقرب لهجتهم من لهجة البصريين فمن السهولة التعرف على شخصيتهم, كما شهد العديد بأن عمليات إحراق الوزارات العراقية ومؤسسات الدولة تمت على أيدي بعض العرب ولم تحدد هويتهم بالطبع رغم معرفتنا بجنسياتهم, وهناك عدد قليل من جاهر بأنهم كويتيون وإيرانيون وهما بالطبع إضافة إلى إسرائيل من أهم الجهات المستفيدة من تدمير العراق وأضعافه.
ومن المحزن أن تمر بعض الوقائع المهمة على العراقيين بسهولة دون أن يولوها الكثير من الاهتمام والتمحيص والتدقيق والمتابعة, في حين إن بقية الشعوب تتمسك بأي خيط مهما بلغ ضعفه للوصول إلى الحقائق المتعلقة بمصالحها العليا, ولسنا بصدد التعرض إلى دولة جارة وشقيقة بقدر ما نحاول أن نميز بين من يريد الخير بنا أو الشر لنا, ونميز بين الصديق والعدو, بغض النظر عن طبيعة هذا العدو, فالذين يدعون الجنسية العراقية وجاءوا على ظهر الدبابات الأمريكية هم من عتاة المجرمين والعملاء والمفسدين, فالعدو عدو بغض النظر عن جنسيته ودينه وقوميته, ولا فرق بين الأعداء طالما أنهم ينفذوا أجندة الغرض منها تدمير العراق شعبا ووطنا, ومن هذا المنطلق فأننا سنتحدث بنفس الصراحة تحدثنا بها عن عمالة بعض المحسوبين على العراق.
مصدرنا هذه المرة يختلف عن بقية المصادر فهو ليس مصدر سياسي أو عسكري أو اقتصادي بل أبعد ما يكون عنها, فهي امرأة تعترف بأنها بعيدة عن العلوم والمعارف, و قربها من الفنون فهي فنانة كبيرة تعتز بفنها وجماهيرها, بالرغم من أننا لسنا من هذه الجماهير ولا نشجع على مثل هذه الفنون, لكننا سنتعامل معها ليست كفنانة وإنما كإنسانة لها مشاعر تتجاوز مشاعر بعض المعممين المحسوبين على الدين ظلما وممن يغفلون عن قول الحق؟
يحكى بأنه في زمن التتار جرت مناظرة بين أيهما أفضل حاكم مسلم ظالم أو حاكم كافر عادل؟ وراح كل من الفرقاء يبين وجهة نظره ولكن الرأي الغالب كان إلى جانب الحاكم الكافر العادل, وبالرغم من أن بعض فلسف الأمور بطرقة سفسطائية بأن الكفر يمكن أن يجتمع مع العدل في حين إن الظلم لا يجتمع مع الإسلام, وان الكفر يتعلق بعلاقة الحاكم بربه, في حين أن العدل يتعلق بعلاقته مع شعبه, و كانت النتيجة النهائية في مصلحة الكافر العادل, والسبب هو ان بعض المعممين آنذاك الطوسي وزمرته الصفوية حاولوا أن يبرروا وقوفهم مع الطاغية هولاكو كحاكم كافر عادل ضد الخليفة المسلم الظالم! و سنحاول أن نستعير هذه الحالة كما استعرنا المثل السابق, في أيهما أفضل راقصة تقول الحق أو معمم يقول الكذب؟
ربما يرى البعض إنها مقارنة مجحفة عندما نضع في كفة الميزان راقصة وفي الكفة الثانية رجل دين, ولكن حتى نتبين الحقائق فأن للضرورة أحكامها ولكل قاعدة شواذ كما يقول العلم! وسبق أن وضع الكافر في كفة مع العدل, في حين وضع المسلم في كفة مع الظلم, والغرض هو المقارنة وليس الإساءة للمسلم أو مدح الكافر.
فعندما تدرك الراقصة مخاطر الاحتلال وترفضه بإصرار, ويبرر رجل الدين الاحتلال ويدعمه نصا وروحا! فمن هو الأفضل؟
وعندما تنظر الراقصة إلى مصائب الآخرين وتستشعر بها وتفيض عيونها بدموع سخية على الضحايا, في حين يدير رجل الدين وجهه إلى الجهة الأخرى متناسيا هموم الآخرين ومصابهم الأليم! فمن بينهما الأفضل؟
وعندما تكشف الراقصة الحقائق التي حصلت عليها بطريقة ما على الملأ, ويتستر رجل الدين عن الحقائق ويحاول طمسها! فأيهما الأفضل؟
وعندما تقول الراقصة الحق دون أن تخشى فيه لومة لائم, ويسكت رجل الدين عنه أو يروج الباطل! فمن هو الشيطان الأخرس؟
عندما تكون الحقيقة مكلفة للراقصة ماديا ومعنويا وتفقد جماهير غفيرة بسبب قول كلمة الحق ومع هذا لا تتنازل عنها, ويتمسك رجل الدين عن قول الحق رغم أنه يكسب به الآخرين ومرضاة الله لكنه يعزف عن ذلك فمن منهما الأفضل؟
عندما تعرف الراقصة مكانتها الحقيقية في المجتمع وترفض أن تضع نفسها مصاف الأبطال الذين قدموا أنفسهم فداءا للوطن, في حين يجهل رجل الدين مكانته الرفيعة ويعتكف في جحره ويلغي حق الشعب المحتل في المقاومة فأيهما الأفضل؟
عندما تستشهد الراقصة بأحداث مؤلمة وانتهاكات صارخة بحق العراقيين في سجن أبو غريب وبوكا وكوبري, وتتألم منها, وتمر هذه الانتهاكات أمام رجل الدين بصمت مطبق كأنها لا تعنيه فمن منهما أكثر غيرة من الآخر؟
وعندما تعترف الراقصة أن رجال أنذال باعوا وطنهم للمحتل, ويلتقي رجال الدين بهؤلاء الأنذال ويباركون جهودهم الرامية لخدمة المحتل! فأيهما الأفضل؟
لنكن أكثر صراحة من هو الأحق بلبس العمامة منهم ومن هو الأحق في بدلة الرقص؟
كي لا يجني علينا البعض لنقرأ نصوص هذه الرسالة التي كتبتها الفنانة فيفي عبدة وأسمها الحقيقي ( فايدة حسنين عبده) إلى الدكتورة هيلين احمد.. لعلنا نستشف منها صدق العبارة و الإحساس المرهف بمصائب العراقيين ورفض العدوان وما جلبه من ويلات. ونعرف حقيقة من يطعن العراق من الخلف بعد أن خبرنا من يطعنه من الأمام, عسى أن نستفيد من الدروس وما أكثر ما نسيناه وفقدناه! تقول الرسالة:-
” إلى سعادة الدكتورة العظيمة هيلين احمد المحترمة
سيادة الدكتورة الرجاء أن لا تتنرفزي من رسالتي وان يكون صدرك واسع ورحب فالذي يدق الباب يتلقى الجواب أليس كذلك؟
أنا امرأة تعلمت الرقص وإبراز مفاتن جسدي أمام الرجال وأمام كاميرات التصوير وان الداني والقاصي يعرفني وهذا لا يخفى على احد فلم أكن ارقص في غرف مقفلة أو من وراء حجاب والعالم بأسره يعرف فيفي عبده راقصة شرقية! لم اقل أنا مهندسة أو دكتورة أو محامية! كلا أنا راقصة وسأبقى راقصة ولن أحيد عن ذلك, ولا يوجد عندي شيء أخفيه أو أخافه! أنا راقصة على رأس الشهود فكيف لك أن تضعيني في مصاف رجال قدموا أرواحهم لتحرير وطنهم الذي باعه الأنذال للأمريكان ألم تشاهدي يا دكتورة الجندي الأمريكي وهو يضع حزمته فوق رؤوس العراقيين ألم تشاهدي ما جرى في سجن أبو غريب أو سجن بوكا او سجن كوبرى؟ الم تكن هذه جزء من الحقائق لا كلها نعم ….. لقد اختلط في العراق الحابل بالنابل, فهنالك من يقتل العراقيين وهذه شبكة يديرها(الشيخ محمد العلي الجابر الصباح)احد شيوخ الكويت وباعترافه هو وأنا احتفظ بتسجيل صوري وصوتي له قال لي بالحرف الواحد إن 95 % من أعمال الإرهاب نحن نديرها وإننا نجند يمنيين وسودانيين ومن مختلف الجنسيات للقيام بهذه الأعمال, إننا نريد أن لا يستقر العراق مطلقا وأننا نسعى إلى تقسيم العراق لكي لا يكون لنا جار يفكر في المستقبل بابتلاعنا وقال لي بالحرف الواحد أن الكويت مستعدة أن تنفق كل ثروتها النفطية لتقسيم العراق وإذلال العراقيين وأن حلفائنا من آل الحكيم يقدمون لنا المساعدة باستمرار, والله قال لي انه يحزن يوم لا يسمع فيه بمقتل عراقي! هل تصدقين هذا يا أيتها الدكتورة المصون”.
طبعا الكلام موثوق ومسجل صوتا وصورة ولا يحتاج إلى فبركة أو دبلجة أو خلط أوراق أو افتراء, لأن الذي خسر في النهاية هي الفنانة نفسها, لقد خسرت جماهير الكويت وجيوبهم الممتلئة بالدنانير وضاعت منها حفلات ومناسبات يمكن أن تدر عليها أموالا ضخمة, ولكنها آثرت قول الحق وكشف الحقيقة أمام الرأي العام؟ أليس من الأحرى أن يحذو رجال الدين والسياسة والأعلام حذو فيفي عبده ويقولوا الحق ولا يخشوا فيه لومة لائم ؟ ومن المؤكد بأن خسارتهم سوف لا تمثل شيئا بالنسبة لخسارة الفنانة فيفي عبده!
لقد خسرت الفنانة من جهة لكنها ربحت من جهة أخرى! لقد كسبت ثقة العراقيين وتقديرهم لها ولكل من يقول الحق ويكشف حقائق الظلم الواقع عليهم من الاحتلال وعملائه دولاً ومنظمات وأشخاصا.
لقد قالت فيفي عبده ما عجز أن يقوله كبار الزعماء والسياسيين ورجال الدين بدون مواربة أو مخاتلة ووضعت النقاط على الحروف فميزت بين كلمتي(غدر) و(عذر) فللنقطة موقعها من الكلمة ودلالتها اللفظية وقد تقلب المعنى رأسا على عقب!
وفي الوقت الذي أوشكنا فيه على أنهاء هذا المقال المتواضع جاء ما يثبت كلام فيفي مائة بالمائة عندما دعت الجارة العربية الشقيقة المسلمة الكويت الولايات المتحدة الأمريكية إلى عدم تجهيز الجيش العراقي بمعدات عسكرية ذات تقنية عالية خشية منها على الاختلال في موازين القوى في المنطقة, وطلب النائب الكويتي ناصر الدويلة من رئيس وزراء الكويت بأن يتضمن جدول أعمال زيارته لواشنطن هذه الدعوة, وحشر الدويلة الشقيقة السعودية بطلبه الفارغ بلا تفويض منها كأنما تعجز المملكة عن تقديم هذا الطلب للولايات المتحدة فأستئذنت المحامي الدويلة للتعبير عن ذلك, والأغرب أن يعتبر الدويلة إن الكويت متفوقة عسكريا وكأنه نسي أنها طارت مع جيشها وتقنيتها العسكرية وأميرها كريشة في مهب الريح العراقية, وان تفوقها هذا لا يتناسب مع خطط التسليح الأمريكية للجيش العراقي لأنه يهدد الأمن الإقليمي ويضع علامة استفهام حول سياسة واشنطن في المنطقة. وكأنما خفي على الدويلة إن الحكومة الحالية في العراق هي نتيجة لفعل أمريكي ساهمت فيه الكويت بكل قوتها طبعا المالية وان العلاقة بين الحكومتين علاقة جيدة ويفترض أن تنتهي مخاوف الماضي بالنسبة للكويت من المارد العراقي, وكان من الأجدر بالدويلة أن يخشى من التوسع الإيراني في المنطقة والذي يتناقله مسئوليها بصلافة وعلانية عبر وسائل الإعلام وان يرتعد من الملف النووي الإيراني وإخلاله لموازين القوى في المنطقة وليس العراق الذي يحاول أن يعالج جروحه من طعنات الأمريكان ودول الجوار وبالأخص إيران المسلمة والكويت العربية والشقيقة.
يجب أن يعلم حكام الكويت وغيرها بأن العراق قدرها فهو جارها وجار غيرها, وان مصالح الشعبين العراقي والكويتي تقتضي العمل المشترك وحسن علاقات الجوار ونسيان الماضي وسلبياته والانطلاق إلى بناء مستقبل زاهر! وفي ظل نزعة الحقد والانتقام والثأر لا يمكن أن يتم تسود علاقات المودة والصفا وحسن الجوار بين البلدين, وكما قيل ” اليوم يومان يوم لكم ويوم عليكم ” ونذكر عسى أن تنفع الذكرى.
ضحى عبد الرحمن
كاتبة عراقية