من الواضح أن المفاوضات غير المباشرة التي تجري بين كل من سوريا وإسرائيل برعاية تركية تسير بشكل راسخ وبثبات، وربما بتسارع لم يكن متوقعا ولا يعكس حقيقة ما كان يبدو من عداء صارخ ومن تصلب في المواقف بين الدولتين، فهل أصبحت الدولتان قاب قوسين أو أدنى من توقيع اتفاق لإنهاء عقود من العداء والحروب؟ وما هي الآثار أو النتائج التي لا بد من أن تترتب على وصول الدولتين إلى مثل هذا الاتفاق؟ وهل سيتم الإعلان عن الاتفاقات بشكلها النهائي أم إنه سيكون هنالك ملاحق سرية كما جرت عادة الدول العربية لن يتم إطلاع الجمهور عليها أو الإعلان عنها؟ وما تأثير مثل هذا الاتفاق على حلفاء سوريا في المنطقة وفي المقدمة إيران وحزب الله وحركتي حماس والجهاد الإسلامي تحديدا وبالتالي ما تأثير ذلك على الساحة الفلسطينية وما يجري في قطاع غزة كمنطقة أصبحت منقطة نفوذ لحركة حماس بالذات؟ وما تأثير مثل هذا الاتفاق على المفاوضات الجارية في المسار الفلسطيني الإسرائيلي؟ هذه الأسئلة وأسئلة أخرى ربما كثيرة لا بد من الإجابة عليها فيما لو تم الاتفاق بين سوريا وإسرائيل.
لا نعتقد بان إنسانا سويا يمكن أن يرغب في أن تسود الحروب بين الأمم، كما لا يمكن لأحد أن يقول بأن على سوريا أن لا تتوصل إلى اتفاق سلام مع إسرائيل إن هي وجدت أن المصلحة الوطنية العليا لسوريا تقتضي التوصل إلى مثل هذا الاتفاق خاصة وان الدول العربية سارعت إلى عقد اتفاقات مع إسرائيل منذ سنوات عديدة- مصر منذ ما يزيد على الثلاثة عقود والأردن منذ حوالي 12 عاما والسلطة الفلسطينية تسعى إلى ذلك منذ سنوات طويلة ووقعت اتفاقا مشينا في أوسلو منذ حولي 15 عاما، هذا عدا عن الدول العربية الأخرى التي تقيم علاقات دبلوماسية واقتصادية مع دولة الاحتلال برغم أن تلك الدول لم تكن في لحظة من اللحظات مضطرة إلى ذلك لأسباب نعتقد بأنها عديدة، فإذا كان العرب قاموا بالتوصل إلى سلام مع إسرائيل وفتحوا أبوابهم لكل ما هو إسرائيلي، وإذا كان أصحاب القضية الأساسية سالموا إسرائيل كما هو معروف، فهل سوريا مضطرة على البقاء على هذا العداء مع الدولة العبرية وأن تتحمل كل الأعباء الاقتصادية والاجتماعية وما سوى ذلك في ظل الواقع العربي المتردي وفي ظل غياب أي أفق لنهضة عربية أو موقف عربي يعزز صمود سوريا؟ وهل من الممكن أن تستعيد سوريا أراضيها المحتلة بالقوة العسكرية في ظل هذا البون الشاسع في القدرات العسكرية والتكنولوجية وغيرها مقارنة مع دولة الاحتلال؟ لكن هل هذا كله يكفي لأن يكون مبررا لأن تقوم سوريا بالتوقيع على اتفاق السلام وان تدير الظهر لكل هؤلاء الحلفاء الذين راهنوا عليها ووقفوا معها عندما عانت سوريا من تآمر الأشقاء قبل الأعداء؟
الأخبار التي ترددت عن تأجيل الجولة الخامسة من المفاوضات إلى الثامن عشر والتاسع عشر من الشهر الجاري والتي قيل بأنها قد تكون حاسمة يعني أن “الجماعة” على وشك الانتقال إلى التفاوض المباشر إن لم يكن إلى التوصل إلى اتفاق سلام وبالتالي لا بد من التوقيع عليه بطريقة مباشرة بين قادة البلدين وإذا ما تم ذلك فهذا يعني أن الكثير من الأمور لا بد من أن تتجه في نحو مختلف وهي بالتالي قد تجيب على الكثير من الأسئلة التي تم طرحها أعلاه.
في حال التوصل إلى اتفاق للسلام فهذا يعني بأن العلاقة بين سوريا وحزب الله لا بد من أن تختلف ولن تبقى العلاقة التحالفية كما هي عليه مهما سيقال في هذا المجال، لان إسرائيل لن تقبل ولا بحال من الأحوال أن يكون هنالك سلام بينها وبين سوريا طالما الأخيرة تدعم حزب الله، وعلى هذا الأساس فلا بد من أن يقوم حزب الله بإعادة حساباته في هذا الإطار وعليه أن يتوقع بان سوريا لن تستمر بدعمها له ولن تسمح بمرور أية أسلحة أو مقاتلين من أراضيها من اجل إسناد حزب الله، – قيل الكثير في هذا الموضوع منذ بدأت المفاوضات- ، على أي حال نحن نعتقد بان سوريا من أكثر الدول التزاما بتعهداتها في هذا الإطار ونظرة واحدة إلى جبهة الجولان على مدار السنوات التي تلت حرب تشرين الأول أكتوبر عام 1973 سوف تكون مفيدة لكل من يريد أن يرى الأمور على حقيقتها.
أما فيما يتعلق بالعلاقة مع حركتي حماس والجهاد الإسلامي فان على هاتين الحركتين أن تكونا جاهزتين إما لمغادرة الأراضي السورية وهذا على أي حال كان قد تردد مع بداية المفاوضات وتردد قبل فترة قصيرة بقوة، برغم النفي من الجهات المعنية في الحركتين، أو أن تخضعا للسياسة السورية التي ستكون جديدة من خلال عدم استعمال الأراضي السورية لأي عمل من أعمال “المقاومة أو ما تسميه إسرائيل بالتحريض” وان يتم الاكتفاء بإيجاد مكاتب إعلامية تعمل ضمن ظروف غاية في التقنين، وهذا يعني بان على حركة حماس التي تحكم قطاع غزة الآن أن تعيد حساباتها في القطاع أيضا حيث إن جبهة الممانعة سوف تكون قد تلقت ضربة موجعة وعليها ألا تراهن كثيرا على الموقف السوري المساند لسياساتها في ما بعد توقيع اتفاق سلام مع إسرائيل.
وحول ما يجري من مفاوضات بين السلطة أو المنظمة وإسرائيل فليس صحيحا بان هذه المفاوضات لن تتأثر، وكل ما يقال في هذا السياق ليس سوى كلام عام ومنمق وفيه الكثير من الدبلوماسية، حيث إن التوصل إلى اتفاق بين سوريا وإسرائيل يعني انه لن يبقى في واجهة “العداء” مع إسرائيل سوى الفلسطينيين الذين هم في واقع الأمر ضعفاء بل اضعف الأطراف، فما بالك إذا صار السلام بين سوريا وإسرائيل حقيقة، ولا بد من التنويه هنا إلى أن إسرائيل تتجه باتجاه الانسحاب من قرية الغجر ومزارع شبعا وذلك من اجل الضغط على حزب الله والقوى المقاومة في لبنان وبالتالي تنفيس “التبريرات” التي يسوقها حزب الله وحلفاؤه فيما يتعلق بسلاح المقاومة، ومن ثم الضغط باتجاه سحب هذا السلاح تمهيدا إلى الوصول لاتفاق ” سلام” مع حكومة لبنان وهذا ما تلهث وراءه إسرائيل وبعض الأطراف اللبنانية منذ زمن بعيد.
أما فيما يتعلق بالعلاقة السورية مع إيران فمن الواضح بان هذه العلاقة سوف تتأثر بشكل كبير وهي لن تبقى كما هو عليه الحال الآن، ولا نبالغ إن قلنا بان هذا الاستعجال في التوصل إلى اتفاق سلام مع سوريا قد يكون على علاقة بضربة قادمة لإيران وبالتالي تحييد أي موقف سوري مساند للحليف الإيراني، وهذا الاتفاق بالضرورة سوف يضع سوريا في خانة الدول غير الممانعة والانتقال إلى معسكر الدول المعتدلة إذا جاز التعبير وربما إلى التحالف مع تلك الدول التي كانت بالأمس على علاقة غير سوية مع سوية خاصة وان العلاقات بين الدول تقوم على المصالح، وسوف يكون من مصلحة سوريا حينذاك الانتقال إلى هذا المعسكر ولا نعتقد بان للدول وخاصة العربية مشكلة في الانتقال من حضن إلى آخر وقد يكون انتقال الدولة المصرية بعد حرب أكتوبر المثال الأكبر على ذلك، حيث انه وبرغم أن تلك الحرب و”الانتصار” الذي تحقق فيها تم تنفيذه بأسلحة وتقنية وخبراء سوفييت إلا أن الرئيس السادات لم يتردد بالانقلاب على السوفييت والانتقال إلى الحضن الأميركي بشكل سريع غريب ولا يمكن فهمه.
وفي هذا السياق فإننا نعتقد بان ما قاله الرئيس الفرنسي في المؤتمر الرباعي الذي عقد في دمشق فيه الكثير من الخطورة وذلك عندما حذر من أن تقوم إسرائيل بضرب إيران إن هي تمسكت بالمشروع النووي وهو عندما يطلق مثل هذا التحذير من العاصمة السورية فان لذلك مؤشرات قد تكون خطيرة في ظل عدم سماعنا لرد سوري مثل أن سوريا لن تقبل بضرب إيران وترفض التهديدات الإسرائيلية خاصة وان إسرائيل تمتلك ترسانة نووية تعتبر من اكبر الترسانات النووية في العالم، إذا لماذا تصمت سوريا على إطلاق مثل هذا التحذير من أراضيها عدا عن الحديث الذي أدلى به الأمير القطري فيما يتعلق بإيران.
بالإضافة إلى هذا فان من غير المنطقي اعتبار أن الرئيس الفرنسي يتصرف على هواه في المنطقة، فهو أعلن بدون مواربة انه حليف استراتيجي لأميركا بوش، كما أعلن انه كذلك بالنسبة لإسرائيل من على منصة الكنيست، ولا نعتقد بان هذه الزيارة إلى سوريا تمت بدون التشاور والتنسيق الكامل مع تل أبيب وواشنطن خاصة في ظل السياسة الأميركية المعلنة تجاه سوريا والتي تنادي بدون لف أو دوران بعزل هذا البلد.
عدا عن ذلك فانه لا يمكن القفز على ما ورد على لسان أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني عندما قال أن دول الخليج لن تقبل أن تكون ساحة لتصفية الحسابات أو المواجهة بين أية أطراف، والحقيقة أننا نعتقد بأنه يجب التوقف عند هذا القول الذي وإن بدا وكأنه تحذير في العام والعموميات إلا انه قد يكون مؤشرا على أن لدى الأمير ما يجعله متخوفا من القادم من الأيام ولا نستبعد أن يكون ذلك مرتبط بتهديدات إسرائيل توجيه ضربة لإيران أو أن لديه من المعلومات ما يجعله يطلق مثل هذا التحذير، وهو على أي حال كان تحذيرا في العلن والسؤال هو ماذا جرى وماذا قيل بشكل أكثر وضوحا وتفصيلا في هذا الموضوع في الجلسات المغلقة؟
أخيرا فقد لوحظ بأن الرئيس السوري كان واضحا في الكلمات التي قالها بالنسبة لأميركا والتي أكد من خلالها على أهمية الدور الأميركي وأن هذا الدور يبقى دورا رئيسيا ومركزيا لا يمكن إلا الاعتراف به، ويمكن اعتبار كلمة الرئيس الأسد في هذا الإطار محاولة للتقرب من أميركا كما أنها اعتراف صريح بضرورة الدور الأميركي وان أوراق اللعبة تبقى في اليد الأميركية وهذا ما كنا نسمعه باستمرار من كثيرين من قادة العرب. السؤال الأخير هو هل التقطت سوريا الفرصة وأدركت بان الرئيس الأميركي بوش وحليفه اولمرت بأمس الحاجة إلى تحقيق أي انجاز وبالتالي فان الوقت هو الملائم من اجل توقيع اتفاق مع إسرائيل قبل الانتخابات الأميركية القادمة وان مثل هذه الفرصة ربما لن تتكرر؟ وهذا السؤال يقودنا بالتأكيد إلى أجوبة على الكثير من الأسئلة التي تم طرحها في مقدمة المقال وعند ذاك فعلى جميع الأطراف الانتباه إلى ما يجري خلف الأكمة.
رام الله
7-9-2008