محمــد أبـو علان
المؤسسات العاملة في استطلاعات الرأي في فلسطين المحتلة تعرضت
محمــد أبـو علان
المؤسسات العاملة في استطلاعات الرأي في فلسطين المحتلة تعرضت لما يمكن تسميته بالنكبة قبل أكثر من عامين، وبالتحديد يدور الحديث عن فترة ما قبل الانتخابات التشريعية الثانية 2006 وعن استطلاعات الرأي التي أجريت في يوم الانتخابات التشريعية 25/1/2006، حيث كانت النتائج الفعلية للانتخابات التشريعية الثانية بعيدة كل البعد عما أعلنت وكانت تعلن عنه المؤسسات العاملة في مجال استطلاعات الرأي العام، ففي الوقت التي أعطت هذه الاستطلاعات حركة فتح ما يقارب أل 40-45% تقريباً من مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني، كانت تعطي الاستطلاعات حركة حماس ما يقارب أل 30-35% من مقاعد المجلس التشريعي، وجاءت النتائج الفعلية لتعطي حركة فتح ما نسبته 34% وحركة حماس ما نسبته 57% من مقاعد المجلس التشريعي البالغة 132 مقعد.
ولا نعلم إن كانت مراكز استطلاع الرأي العام قد استخلصت العبر أم لا من نكبتها قُبيل وفي يوم الانتخابات التشريعية الثانية، والمجريات على الأرض تشير إلى أن هذه المؤسسات لا زالت تنشر الاستطلاعات التي يشوب نتائجها ما يمكن تسميته بعدم منطقية النتائج المنشورة في الكثير من الأحيان إن لم نرد اتهامها بتسييس هذه النتائج لحاجةٍ في نفس يعقوب، مما يعني أن عملية استخلاص العبر غير وارده بالحسبان، وهذا الموقف من هذه المراكز له من المبررات ما يكفي.
أولها افتقاد معظم هذه الاستطلاعات لنعصر الشمولية، فالهاتف هو الوسيلة المستخدمة في معظم استطلاعات الرأي العام مما يعني أن 50% من الأسر الفلسطينية هي خارج إطار هذا الاستطلاعات كونها لا تمتلك خط هاتف، هذا وفق إحصائيات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في نشرة “فلسطين في أرقام 2007” والتي أشارت إلى أن 50.8% من الأسر الفلسطينية لديها خط تلفون موزعة 53.5% في الضفة الغربية و 45.6% في قطاع غزة، مما يفقد العينة عنصر الشمولية (إعطاء جميع عناصر مجتمع الدراسة فرص متساوية في الاختيار ضمن العينة)) التي هي شرط أساسي لكي تكون النتائج صورة طبقة الأصل عن الواقع مع أخذ هامش الخطأ في عين الاعتبار.
والمسألة الثانية التي تشكل عقبة أما منطقية هذه الاستطلاعات ما يمكن تسميته بأخطاء الباحث (الأشخاص الذين يتولون جمع آراء المستطلعين مباشرة)، فالمهنية تقتضي من الباحث أن يقوم بعرض كافة الإجابات الخاصة بكل سؤال على المُستطلعة آرائهم لتعطى كافة الخيارات نفس الفرصة لتكون من بين خيارات المُستطلع، ولكن ما يحدث في حالات كثيرة يركز الباحث على أول خيارين خاصة عندما يتعلق بالخيار الانتخابي بين قادة الفصائل، فتجد الباحث يعرض على المبحوث قائد حركة فتح وقائد حركة حماس الموجودة أسمائهم ضمن خيارات الإجابة واستثناء بقية الخيارات ما لم يستفسر المبحوث عن وجود خيارات أخرى، وهذا ما أكدته تجربة شخصية لي مع أحد مؤسسات استطلاع الرأي العام، ناهيك عن أن بعض الباحثين القائمين على جمع البيانات من أفراد عينة الاستطلاع يشعروك وكأنهم في سباق مع الزمن لدرجة تؤثر على درجة تعاون المُستطلع معهم مما يعكس نفسه على جودة البيانات في النهاية.
هذا ما يمكن تسميته بإشكاليات تتعلق بمنهجية العمل على استطلاعات الرأي العام، والموضوع الآخر في هذه الاستطلاعات هو عدم الانسجام والترابط بين نتائج بعض الأسئلة والتي تعبر عن درجة الجودة لنتائج أي استطلاع، أو ما يمكن تسميته بالأسئلة الفاحصة، وسنأخذ نتائج استطلاع الرأي العام الذي أجرته مؤسسة (شركة الشرق الأدنى للاستشارات) في الفترة ما بين 29-31 آب 2008 في الضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع غزة على عينة بلغ حجمها 820 فلسطينياً من كلا الجنسين.
فأشار الاستطلاع في نتائجه إلى أن “76% من المستطلعة آرائهم يؤيدون إستراتيجية حركة فتح لتحقيق المصالح العليا مقابل تأيد 24% لإستراتيجية حركة حماس”، وإستراتيجية حركة فتح كما هو معلوم تقوم على أساس دولة فلسطينية مستقلة على الأراضي المحتلة في العام 1967 وعاصمتها القدس الشريف، والتمسك بحق العودة، في الوقت التي تقوم فيه إستراتيجية حركة حماس المُعلنة على رفض الاعتراف بدولة الاحتلال وضرورة تحرير فلسطين من النهر إلى البحر.
ولكن في موقع آخر من نتائج هذا الاستطلاع نحد أن 42% من المستطلعة آرائهم يدعون حركة حماس للتمسك برائيها المتعلق بإزالة الدولة اليهودية، مقابل 58% يدعونها لتغير هذا الرأي، فكيف يمكن الربط بين نتائج إجابات المستطلعين في هذا السؤال ونتائج السؤال المتعلقة بنسبة التأيد لكل من إستراتيجية حركتي فتح وحماس والتي يوجد بينهما تباين عالي جداً لصالح حركة فتح، ومن ثم يأتي السؤال المتعلق بنسبة المؤيدين لتوقيع معاهدة سلام إسرائيل لتصل إلى 70% مقابل معارضة 30% لمثل هذه الاتفاقية ليزيد من عامل عدم المنطقية في هذه النتائج كون التباين تجاه قضايا جوهرية في الاستطلاع يتجاوز نسبة الخطأ والبالغة 3.5%+-.
والمسألة الأخرى التي تستدعي التوقف عندها مطولاً هي نتائج الاستطلاع المتعلقة بالقلق والإحباط، والموضوع هنا يسير في اتجاهين الأول إن 86% من المجتمع الفلسطيني يعنون من الإحباط و6% على حافة الإحباط، والسؤال هنا كيف لمجتمع يعيش هذه الدرجة من الإحباط بسبب الظروف الاقتصادية والأمنية أن تصل نسبة ثقته لهذا المستوى بالقيادة السياسية حيث بلغت نسبة التأيد للرئيس الفلسطيني محمود عباس 78%، ولحكومة تسيير الأعمال برئاسة الدكتور سلام فياض ما نسبته 54%، والتوقف عند هذه المسألة نابع من أن الاستطلاع أعطى الاحتلال ما نسبته 8% فقط كعامل من عوامل الإحباط الذي يعيشها المجتمع الفلسطيني والذي يحمل أطراف فلسطينية مسئولية إحباطه مع هذه النسبة التي يعطيها للاحتلال ودوره في حالة الإحباط التي يعيشها الشعب الفلسطيني، وهل من المعقول أن يحصل الاحتلال على 8% من حجم العوامل المتعلقة بحالة الإحباط في المجتمع الفلسطيني رغم أن الاحتلال هو المسئول الأول والأخير عما آلت إليه الحالة الفلسطينية بشكل عام؟.
وعلى هذا النسق من الإجابات يمكن عرض المزيد من عدم التوافق وعدم المنطقية عند الربط بين أسئلة الاستطلاع وإجابات المُستطلعين، وهذا الواقع لهذه الاستطلاعات قد يكون مرده لعاملين اثنين الأول عدم الإعداد الجيد للطواقم المنفذة للاستطلاع و افتقاد المتابعة المهنية لهم، هذا إن أردنا التعامل بحسن نية مع مثل هذه النتائج، وإن أردنا الابتعاد عن حسن النية وأخذ ظروف عمل مراكز استطلاعات الرأي وجهات التمويل لهذه المراكز يمكننا القول إنها تسعى لخلق رأي عام باتجاه معين، وهنا سنكتفي بعرض سؤال واحد ورد في الاستطلاع قد يعزز رائينا في هذا الجانب وهو السؤال المتعلق بنسبة التأيد لدخول قوات عربية إلى قطاع غزة والتي بلغت ما نسبته 56% مقابل معارضة 44% لدخول مثل هذه القوات.
فهذه القضية لم تتضح معالمها بعد، وما هو الهدف من دخول هذه القوات لقطاع غزة؟، فكيف باتت تحظى بهذه النسبة من التأيد؟، والنسبة التي حصل عليها مقترح إدخال قوات عربية لقطاع غزة لا يتناسب مع حجم التأيد للداعمين لهذه الفكرة، فالرئيس الفلسطيني محمود عباس حصل 78% من تأيد الشارع الفلسطيني في هذا الاستطلاع، وهو رئيس حركة فتح الذي أيد إستراتيجيتها 76% من المجتمع الفلسطيني وفق هذا الاستطلاع، فلماذا لم يحصل مقترح القوات العربية إلا نسبة تجاوزت النصف بقليل مع أنها باتت مطلب للسلطة الوطنية الفلسطينية وحركة فتح وحكومة الدكتور سلام فياض؟.
ناهيك عن شمول بعض استطلاعات الرأي ومنها الاستطلاع الذي نحن بصدد الحديث لمسائل لها علاقة بالوضع الاقتصادي في فلسطين المحتلة مثل قضية مستوى الفقر، فهذه المسألة لا يمكن دراستها من خلال استطلاعات الرأي العام ما دام لدينا مؤسسات مختصة في هذا الموضوع وتجري مثل هذه الدراسات بأعلى درجات المهنية المطلوبة، وعلى رأس هذه المؤسسات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني والذي تبين في آخر منشوراته حول موضوع الفقر في فلسطين المحتلة أن نسبة الفقر وفقاً لأنماط الاستهلاك الحقيقية بلغت في العام 2007 حوالي30.3%، في حين لو تم ربط مستوى الفقر مع الدخل الشهري لأصبحت نسبة الفقر وفق خط الفقر الوطني حوالي57.2%، في الوقت الذي بينت نتائج الاستطلاع لشركة الشرق الأدنى أن نسبة الفقر في المجتمع الفلسطيني حوالي أل 68% وفارق ثمانية نقاط ليس بالأمر البسيط في مثل هذه الدراسات.
وفي سياق الحديث عن استطلاعات الرأي العام في فلسطين المحتلة استذكر رأي المحلل السياسي حلمي موسى في حديث له حول الموضوع عندما قال ما فحواه “نتائج استطلاعات الرأي العام في العالم العربي بعيدة عن الدقة لغياب الديمقراطية الحقيقية في العالم العربي مما أفرز ما يمكن تسميته بالنفاق السياسي لدى المجتمع العربي والذي يعكس نفسه على نتائج هذه الاستطلاعات”.
فلسطين 07/09/2008