وعلى نفسها جنت براقش أيها الجنرال براويز مشرف وسقط الجنرال مشرف جزاء ما اقترفته يداه من أفعال سيئة, وشعبه سعيد بسقوطه وباقي الشعوب أكثر سعادة. غطرسته وغروره, دفعا به ليصم أصم أذنيه, ويغمض عيناه كي لا يبصر ناصح, أو يستمع لنصيحته. وبظنه أنه الأحق والأجدر بإسداء النصح والنصيحة لغيره.وأنه أضحى حكيم عصره وزمانه. ولاقى نفس مصير سابقيه, ممن قتلهم عشقهم وهيامهم وغرامهم بالإدارات الأمريكية, كشاه .إيران والجنرال بونشيه وغيرهما. وراحوا يندبون حظهم ويضربون كفا على كف, حين لم يعد الندم بنافع. وليس لنا سوى أن نقول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ولد براويز مشرف في الهند في 11/8/ 1943م. ورحل مع أبويه إلى باكستان في منتصف أب عام 1947م بعد انفصالها عن الهند. ودرس مشرف وأتم تحصيله الدراسي في مدارسها. وأنتسب إلى الكلية الحربية العسكرية الباكستانية عام 1961م. ولشجاعته في الحرب على الهند عام 1965م, وحصل على وسام الشرف,وضم إلى فريق النخبة في الجيش الباكستاني. وبتاريخ 7/10/1998م عينه رئيس الوزراء نواز شريف قائدا للجيش الباكستاني. ظنا منه أنه سيكون حصانه في المواجهات العسكرية مع الهند. إلا أن نواز شريف فوجئ خلال المواجهات العسكرية معها في قطاع كارغيل من إقليم كشمير المتنازع عليه, بإنسحاب الجيش الباكستاني من المواجهة, تنفيذا لأوامر من مشرف دون أن يكون له علم بها. وإنما كانت تلبية من مشرف لأوامر أمريكية من واشنطن, مما اعتبرها شريف صفعة وتحديا شخصيا له, وتمرد وعصيان من مشرف لأوامر وتعليمات رئيسه المباشر نواز شريف, فأقاله من قيادة الجيش. إلا أن أمر رئيس الوزراء نواز شريف رمي به في سلة المهملات من قبل بعض الجنرالات من أصدقاء مشرف حيث وفرو له الوقت والأجواء المناسبة ليعود إلى باكستان بطائرة على جناح السرعة. وبمجرد أن حطت طائرته أرض المطار حركوا العسكر والمدرعات يوم 12/10/1999م لاحتلال البرلمان ومقرات الحكومة وأجهزة الإعلام, وأطاحوا بنواز شريف بانقلاب أبيض. واعتقلوه مع باقي الوزراء والنواب. وأعلنوا الجنرال براويز مشرف حاكما على باكستان. وخرجت جموع الباكستانيون ليعلنوا تأييدهم الانقلاب. والذي حظي بترحيب وموافقة 70% من سكان باكستان. وصدر تصريح من الادارة الأمريكية, ظاهره الامتعاض من خطوة مشرف الانقلابية,وباطنه الترحيب والتأييد لخطوة مشرف. وأصيب نواز شريف بالصدمة, حين وجد أن من أختاره ليكون ذراعه العسكري وسند ظهره في الملمات على أنه ذو ميول ليبرالية متجذرة في سلوكه, إنما سبقته المخابرات الأمريكية إليه, وأنها أعدته ليكون البديل حين تحتاج إليه في الملمات, أو تسوء الحال. وأنه كان أشبه بالزوج المخدوع آخر من يعلم. ولم تعد الأرض لتتسع مشرف, وهو يرى أنه يستند على قوة لا تقهر. وعلى صديق أمريكي وفي يؤتمن على كل شيء.وخاصة بعد راح يقف معها في عثرتها أيام الشدة والضيق. وبجيشه وزيه العسكري ونياشينه وعصاه, راح مشرف يختال كالطاووس بخيلاء وتيه وغرور وكبر.بحيث بات يشعر أن جلده لم يعد ليتسعه, وأن باكستان صغيرة عليه. وأنه بفضل تجذره في المؤسسة العسكرية الباكستانية, وبهذا التأييد الشعبي الكاسح,وبفضل طول وقوة جناحيه: الجناح الأمريكي القوي عالميا , والجناح السعودي القوي إقليميا وعربيا وإسلاميا , سيطير ويحلق في الفضاء غير خائف من أية عواصف مدمرة ,أو ريح عاتية. وأنه سيكون الأقوى في كل المحافل الإقليمية والدولية,وبدون منازع . قطع الوعود على شعبه ونفسه, ثم راح يقرضها واحد تل والآخر, ثم يعود ليقطع أخرى بدلا عنها, ليثبت أنه صاحب الأمر والنهى. وأستمرأ صفع الباكستانيين كل يوم بمفاجأة مذهلة. دون أن يهتم أو يسعى لتحسين وضعهم المعاشي والاقتصادي. وأقتصر اهتمامه على تقديم العطف والحنان لكلبه. فليس الرئيس جورج بوش بأفضل منه, حين يكون لديه قطيع كلاب يرافقونه كل رحلاته وأسفاره وزياراته وكأنه معاونيه و مستشاريه. كان مشرف من أكثر الداعمين لحركة طالبان وتنظيم القاعدة حين كانت الإدارات الأمريكية تقف معهم في مقاومتهم للاحتلال السوفييتي لأفغانستان. وبقي على هذا المنوال إلى أن انقلبت الادارة الأميركية عليهم. فتلكأ مشرف وبات يهتز ويترنح ,ولا يدري ما يجب عليه أن يتصرف, ليوازن مواقفه بين شعبه الباكستاني وأسياده في واشنطن.فزعق فيه ريتشارد أرميتاج مساعد رامسفيلد من واشنطن, بأن بلاده ستعيد باكستان إلى العصر الحجري,إذا رفضت الانضمام إلى الحرب على الإرهاب. فسارع مشرف ليقنع طالبان بالانصياع لما تريده الإدارة الأمريكية, وحين فشل أستل السيف من غمده, ليشهره ويلوح فيه في وجهي طالبان وأفغانستان. وحين أعلن الرئيس جورج بوش الحرب على أفغانستان. سارع هو الآخر ليعلن الحرب عليهما متحالفا مع الادارة الأمريكية كي لا يسبقه أحد.وكل ظنه أنه بهذا الموقف من سيدته الادارة الأمريكية في أحلك أيامها, لن تنسى فضله ,ولن تفرط فيه, ولن تسمح ليد من أن تطاله أو تمسه بأذى. وغاب عنه أن شاه إيران وقف معها نفس الموقف. وذلك حين أستخدم العرب النفط كسلاح.فراح يزيد من ضخ النفط للإدارة الأمريكية وحليفاتها ولإسرائيل أيضا خلال وبعد حرب تشرين, فلم تنفعه العمالة في شيء. وحين تصاعدت المظاهرات والتحركات الشعبية الباكستانية ضده,بقي واثقا من نفسه, ومن قوته,ومن ثقة سيده وحليفه الرئيس جورج w بوش. وبظنه أن مثل هذه المظاهرات مهما اتسعت,لن تكون سوى زوبعة في فنجان.وأنه مهما أجرم بحق الشعب الباكستاني, فستبقى تصرفاته طي الكتمان, وحتى ولو خرجت للعلن, فأنها ستجد لها من تبرير. حتى انه أعلن خلال مؤتمر صحفي بوجه مفعم بالثقة والجبروت والكبر: أنا لست فاكهة فاسدة, ولن أتنازل أو أقبل الإستقالة. إلا أنه طل علينا يوم 18/8/2008م, و بعد أقل من شهرين على هذا التصريح, بوجه كئيب, وروح مكسورة,وقلب مهيض,وعقل شارد ومزلزل, وجناحان مكسورين, وبحالة متناقضة لحالاته السابقة, ليعلن تقديم استقالته,والكلمات تتقاطر من بين شفتيه كئيبة وحزينة ومجروحة تقطر دماً. يجهد من خلالها, ويجهدها ليبرر بها قراره, ويستدر من خلالها عطف الحضور والمستمعين والمشاهدين,ليبرئ نفسه, ويبرر تصرفاته وسياساته وممارساته خلال تسع سنين, ويودع شعبه, وينحي بالملامة واللائمة والسبب على خصومه ومعارضيه . وهذا بعض مما قاله حرفيا: • قررت الاستقالة بعد دراسة الوضع, واستشارة المستشارين القانونيين, والحلفاء السياسيين, وبعد نصيحتهم. واترك مستقبلي في أيدي الشعب. وادعوا كل الفر قاء في باكستان إلى المصالحة, حفاظا على مصلحة البلاد • للأسف فإن بعض العناصر الذين يعملون إنطلاقا من مصالحهم الشخصية وجهوا إدعاءات كاذبة ضدي. رغم أنني أجريت أنتخابات حرة ونزيهة, ونقلت السلطة بطريقة ودية , وهذا دليل على توجهي الإصلاحي. • يريد الائتلاف الآن توجيه الاتهامات إلي بهدف عزلي لماذا؟ هل لأنهم يرغبون في إخفاء أخطائهم؟ • باكستان كما تعلمون جميعا هي حبي , وإنني مستعد للتضحية بحياتي من أجلها. وقلبي يعتصر ألما من أجل الشعب. و كل شيء عملته من أجل باكستان.ولم أفعل أي شيء لمصلحتي الشخصية, وكانت فلسفتي هي باكستان أولا. ثم يقر ويعترف قائلا: فشلت كل دعواتي وجهودي إلى المصالحة. • إذا واصلنا سياسة المواجهة فلن ننقذ بلادنا, ولن يسامح الناس هذه الحكومة إذا فشلت في ذلك. • ساعدت في إرساء القانون والنظام في البلاد.وأسهمت بتحسين وضع حقوق الإنسان والديمقراطية. • أصبحت باكستان دولة مهمة على الساحة الدولية. وهذا ليس وقت التظاهر بالشجاعة.إنه وقت التفكير بجدية. وعلى الفور أعربت الادارة الأمريكية عن سرورها لقرار مشرف, وخاطبته بالصديق والشريك الأمريكي, وعبرت عن أملها في متابعة المسيرة مع الحليف المقبل والشريك الجديد. وقالت رايس: كان مشرف صديقا لبلادها واحد أكبر الشركاء في العالم التزاما في الحرب على الإرهاب والتطرف.وحين سألت إذا كانت بلادها ستمنحه اللجؤ السياسي أجابت على الفور: أن بلادها لا تفكر حاليا منح مشرف اللجوء السياسي فالمسألة غير مطروحة على الطاولة. ولكن الجنرال مشرف مازال يتوجس خيفة من أن يتخلى من وعدوه بوعدهم الذي قطعوه بعدم تقديمه للمحاكمة. ويلاحقونه بعد فترة على كثير من الجرائم والتصرفات, حتى لا يتحملون وزرها( وخاصة أن نواز شريف يصر على محاكمته, بينما البقية لا تريد تعكير وتسميم الجو مع الادارة الأمريكية وحلفائها). ومنها على سبيل المثال: • أتهم مشرف نواز شريف وحكومته بالفساد وإفقار الشعب.ودليل ذلك خروج 70% من الشعب الباكستاني للترحيب بإنقلابه..إلا أن مشرف حول حياة الشعب الباكستاني إلى جحيم لا يطاق,ودفع بأوضاع الشعب الباكستاني إلى الحضيض, وأكثر من نصف السكان يتضورون من الجوع. والفساد ضرب أطنابه في طول وعرض البلاد خلال فترة حكمه.وعبر عنه رئيس وزرائه الحالي يوسف جيلاني الذي هو من اختاره بعد أن سجنه لخمسة أعوام,ليقول: حقبة القمع انتهت للأبد,والديكتاتورية أصبحت من الماضي. وأليست من باب المصادفة , أن يخرج 70% من شعب باكستان يعتبر أن سنوات حكم مشرف هي من أسوأ سنوات حياة باكستان عبر تاريخها. وأكثر من 27% عبروا عن عدم رضاهم عنه.وعلى مشرف تحمل مسؤوليتها. • ومشرف فرغ القضاء من محتواه. فأقال رئيس المحكمة العليا أفتكار تشو دري لأنه رفض أن يجمع مشرف بين أن يكون رئيسا للجمهورية وقائدا للجيش. وفرض عليه الإقامة الجبرية,ثم اعتقله. وليتملص من الضغط الشعبي الرافض لخطواته,أعاد تشو دري رئيسا للمحكمة العليا مرة أخرى. وهذا خرق للقانون. • وعد مشرف الشعب الباكستاني بأنه سيسمح للمحكمة العليا بالبت بشرعية أنتخابه. ولكي يتملص من هذا الموضوع, فاجأ الشعب الباكستاني بإعلانه حالة الطوارئ في باكستان قبل أيام من موعد بت المحكمة بشرعية انتخابه. وبموجب أحكام حالة الطوارئ خول لنفسه صلاحية إقالة تشو دري مع أكثر من 60 قاضيا. وهذه التصرفات فجرت غضب المحامون ورجال القانون عليه. فدخل في صراع مرير معهم.وهذه التصرفات من مشرف هي تصرفات حاكم جائر وطاغية وليس سلوك رئيس دولة. • وخوفا من غضب إدارة الرئيس جورج بوش عليه, أمر باقتحام المسجد الأحمر,فقتل على أثرها مئات الطلاب ورجال الدين المتمردين,فأنفجر غضب الإسلاميين عليه. وكانت فرصة ذهبية لطالبان أفغانستان لتشكيل حركة طالبان باكستان. ودخل بصراع مرير معها كان من نتيجته مقتل أكثر من ألف عسكري وعدة ألوف من المسلحين والمدنيين العزل من السلاح والأبرياء. وساهم تدخل الطيران الأمريكي بقصف مناطق باكستانية يعتقد أنها معاقل لطالبان أفغانستان, بتفجير غضب شعبي عليه نتيجة حجم الخسائر البشرية من الباكستانيين نساء وشيوخ وأطفال عزل من السلاح وأبرياء. وهذا دفع بباكستان إلى أتون حرب أهلية مدمرة.ومشرف هو من يتحمل مسؤوليتها المباشرة وغير المباشرة. • واعتقاله لمواطنيه ومواطني دول كانوا يعيشون في بلاده, على أنهم إرهابيون ومن تنظيمات إرهابية, دون تمحيص وتدقيق. ومن بينهم أطفال وصحافيين ومراسلون لوسائط إعلامية كمراسل الجزيرة سامي الحاج. وتسليمهم إلى القوات الأمريكية. ومن ثم شحنهم بالطائرات إلى معسكرات اعتقال, لا يعرف عددها ومكانها سوى الادارة الأمريكية. وهذه جرائم حرب, وتعدي على الدستور والقضاء الباكستاني. • وأرتكب الجنرال مشرف تسعة أخطاء مميتة: انعزاله عن محيطه. وتأسيس نظام يدين بالولاء لشخصه. ودخوله صراع مفتوح مع القضاة والمحامين. وربط علاقته بالمعارضة بالإدارة الأمريكية, وحول الولايات المتحدة الأمريكية إلى ضامن حيوي واستراتيجي لديمومة حكمه, وحشرها لتكون الكفيل بانتشاله من عثراته وإنقاذه من سؤ تصرفاته. وترك للإدارة الأمريكية كامل الحرية لتصول وتجول في بلاده . وبفي في تفكيره وممارساته أشبه بقائد جلف وديكتاتور وطاغية يعامل مواطنيه بقسوة وكأنهم جنود بإمرته. • ونتيجة الأوضاع غير المستقرة في باكستان, وارتفاع مصاريف حروب مشرف على الإرهاب, ارتفعت معدلات التضخم ونسب البطالة. وساد جو ثقيل من البطؤ في النمو الاقتصادي لم تعتاد عليهم باكستان. وخاصة بعد أن أدخلها نفق مظلم, بات الخروج منه بات بحكم المستحيل بعد أن تجذرت عوامل البطالة والتضخم والفساد, وأدخلتها إدارة جورج بوش في الفوضى الخلاقة والحروب والصراعات الداخلية. • تقديم الجنرال مشرف فروض الطاعة للوبي الصهيوني إيباك ومن على منبره في واشنطن. حين خاطبهم قائلا: تبادل التمثيل الدبلوماسي مع إسرائيل مسألة وقت ليس إلا. وهذا التصرف يرفضه الشعب الباكستاني جملة وتفصيلا. فالشعب الباكستاني,حافظ على روابطه الإسلامية.وهذا العمل يجب محاسبة مشرف عليه. • ورغم أن أغتيال بنازير بوتو قصم ظهر مشرف. إلا أن الأضواء سلطت عليه , من حيث فشله في محاربة الإرهاب. وخاصة أن عملية اغتيالها جاءت مباشرة بعد إعلان بنازير أنها ستحارب الإرهاب. ولذلك فإنه كان من المفترض عليه أن يوفر لها الحماية . ولذلك فإن اغتيالها كان نتيجة إهمال حمايتها من مشرف. أو بسبب تورط بعض رموز نظامه مع الإرهابيين كما يشاع. وكلام قوى المعارضة يصب في هذا الاتجاه. • ثم هناك الرئيس الأفغاني حامد قرظاي الذي بقي يتهم حكومة مشرف بأنها لا تحارب الإرهاب بجدية. وان الإرهابيون يعبرون إلى أفغانستان من باكستان. حتى انه اتهم أجهزة الأمن الباكستانية بالتواطؤ مع الإرهابيين, ومشاركتها في كثير من عمليات الاغتيال والتفجير التي تستهدف أفغانستان. • وأخيرا وليس آخرا السلوك الخاطئ الذي أنتهجه مع عالم الذرة الباكستاني أبو القنبلة النووية الباكستانية. حين بدأ يترنح مشرف, كان يترنح معه قلب الرئيس جورج بوش وكثير من قلوب صقوره ومحافظيه. أما بقية الصقور والمحافظين فقد كانوا يؤيدون قرظاي أفغانستان في اتهامه لمشرف بأنه لم يقم بكل بما يجب عليه عمله للقضاء على طالبان وتنظيم القاعدة وباقي الفصائل الإرهابية. وحين سقط مشرف ضاقت الأرض على رحبها بالرئيس جورج بوش,وشعر بقلبه يتصدع. ولكنه لن يجرأ حتى على دعمه مساعدته, أو حتى رثائه. فالرئيس جورج بوش متهم في الولايات المتحدة من الأمريكيين,على أنه يتحالف مع الطغاة كالديكتاتور كبراويز مشرف على حساب الحرية والديمقراطية. وحتى زيارة سعد الحريري برفقة وفد أمني سعودي لإنقاذ مشرف قبل عدة أشهر لم تحسن من وضع مشرف أو تمنع سقوطه. حتى أنه بدأ يشاع أن الجنرال مشرف استقال بضوء أخضر أمريكي, وبنصيحة سعودية, وبكلام صريح من أعز صديقه الجنرال إشفق كياني.والذي قال له أن من مصلحة باكستان عليه أن يتنحى ويرحل منفيا بمحض إرادته. وأبلغه أن الجيش لن يدعم أي خطوة يقدم فيها على حل البرلمان. وحتى أمنه الشخصي سيكون في عهدة الحكومة المدنية بعد أستقالته وليس بعهدة لجيش,وأن قضائه فترة في المنفى سيكون خياره الأفضل. ودعم موقف قائد الجيش, زيارة الأمير مقرن بن عبد العزيز رئيس المخابرات السعودية, الذي زار إسلام آباد , وأجتمع مع الجنرال مشرف على إنفراد. وتلا هذا الاجتماع مباشرة, تقديم الرئيس مشرف لاستقالته. وخاف الجنرال مشرف أن يتأخر بتقديم إستقالته, فيلاقي مصير الجنرال ضياء الحق الذي أصطحب معه السفير الأميركي معه على الطائرة في رحلته , فلم ينفعه ذلك في شيء,ولاقى السفير الأميركي حينها نفس المصير الذي كان ينتظر الجنرال ضياء الحق. لو دقق المرء بتمعن في فترة حكم الجنرال مشرف ومرحلة تقديمه لاستقالاته, ورحيله. لأستوقفته الأمور التالية: 1. أقصى مشرف نواز شريف وزجه في السجن. وأفرج عنه بصفقة تمت برعاية سعودية عام 2001م. تنص على نفي فيها نواز شريف إلى الإمارات والرياض. ويتكرر المشهد ليقصى مشرف من نواز شريف وزوج بنازير بوتو, وبصفقة تمت برعاية سعودية تضمن عدم ملاحقته, وربما نفي مشرف. 2. بقي مشرف يعول في حكمه على الجيش فقط. ومتمسكا بمنصب قائد الجيش, إلى أن اجبر على تركه.وترك باكستان تمزقها الحروب, وتعصف بها الصراعات المذهبية والسياسية. 3. لم يرى مشرف من يفتخر ويعجب بهم سوى: نابليون بسبب صراحته وتفكيره العسكري. والرئيس نيكسون بسبب قدرته على استيعاب الأوضاع, والتأقلم معها. فكان يقول: أعتبر نفسي محظوظا, نابليون كان يقول أنه إضافة إلى كل الكفاءات المطلوبة, فعلى الزعيم أن يكون محظوظا لينجح. ولذلك علي أن انجح. 4. ووجدت الادارة الأمريكية أن حل المعضلة في باكستان إنما يكون من خلال حكم بالتراضي بين نواز شريف وآصف علي زرداي والجنرال إشفاق كياني. وهذا ما عبر عنه الناطق الرسمي الأمريكي حين قال: أن الولايات المتحدة تعتبر ما يجري في باكستان هو شأن داخلي لن تقحم نفسها فيه. دوما حلفاء الادارة الأميركية من الحكام ,إما أن يقعد لهم سؤ الحظ بالمرصاد فيطيح برؤوسهم وعروشهم. أو أن تسخر لهم الظروف الدولية والإقليمية حسن الطالع ليطول بقائهم إلى حين. ومن بعدها يبدلون كما يبدل جنود الحرس كما حصل مع الجنرال مشرف. وربما سيعيش الجنرال مشرف حياة غير هانئة.لأن سياساته جعلت باكستان محفوفة بالمخاطر. وهذا ما سيفتح موضوع إعادة تشكيل حول وسط آسيا من جديد. فباكستان باتت البوابة الرئيسية لعبور الولايات المتحدة الأميركية إلى هذه الدول. وربما يقرر مشرف أداء فريضة الحج, ليسافر مباشرة بعدها للإقامة في بريطانيا, والانضمام إلى أولاده الذين يتابعون الدراسة في جامعاتها. وقد يطلب من الحكومة البريطانية منحه حق اللجؤ السياسي. رغم أن الأصوات في بريطانيا بدأت ترتفع لحث الحكومة البريطانية على رفض قدومه لما سينجم عن وجوده من متاعب.ولا يسعنا إلا أن نقول للجنرال :وعلى نفسها جنت براقش أيها الجنرال براويز مشرف. وأن نقول للشعب الباكستاني الحبيب, إنك بعد أن نجحت بإقصاء مشرف. ستعيد تكرار الرحلة والتجربة مع من سررت بإقصائهم من قبل مشرف, متهما إياهم بالفساد. وكأنك ما غزيت, ولا خرجت بمظاهرات احتجاج ضدهم من قبل. السبت :6 / 9/2008م
العميد المتقاعد برهان إبراهيم كريم
بريد الإلكتروني: