تربط صالونات عمان السياسية بين تعديل حكومة المهندس نادر الذهبي، وإبعاد الدكتور باسم عوض الله عن رئاسة الديوان الملكي، قائلة ناسبة للذهبي قوله إنه يرفض تعديل حكومته قبل “تعديل” عوض الله.
وكانت حكومة الذهبي تشكلت في تشرين ثاني/ نوفمبر من العام الماضي، غير أنه يتردد أن الذهبي لم يتمكن من اختيار أكثر من ثلاثة فقط من وزرائه هم مزاحم المحيسن وزير الزراعة، وذوقان سالم القضاة وزير الدولة، وعبد الرحيم العكور وزير دولة للشؤون البرلمانية، في حين تولت مراكز القوى اختيار بقية الوزراء، حيث اختار عوض الله كلا من وزراء الخارجية والعمل والمالية، الذين يوصفون بوزراء “الديجتال”، وهي الصفة التي تطلق تندرا على وزراء “الإصلاحيين الجدد” في الأردن.
ويتعرض الإصلاحيون الجدد في الأردن لهجمة اعلامية كبيرة هذا الأوان، وتنسب لهم اتهامات بالفساد، وخاصة عوض الله نفسه، وهو الوحيد من بينهم من الذي يعود لأصول فلسطينية.
وتبدي المصادر أن الذهبي يعتزم إخراج جميع وزراء “الديجتال” من حكومته، وأنه يعتزم تأجيل تعديل الحكومة إلى حين التخلص من كبير “الديجتاليين” أولا، كي لا يتدخل مجددا في اختيار وزراء التعديل.
ومن بين الوزراء الذين يعتزم الذهبي تعديلهم كذلك وزراء الصحة، والتربية والتعليم والتعليم العالي، وذلك لأسباب مهنية.
وكان الملك عبد الله الثاني أكد مؤخرا أن الولاية العامة في الدولة هي للحكومة، وهو ما ينص عليه الدستور.
ويعتزم الذهبي إدخال شخصيات ذات وزن وقاعدة شعبية إلى حكومته تتيح لها البناء على الحالة التي شكلها الرئيس منذ استلام مهام منصبه، وهو الذي نجح مؤخرا في كسب شعبية كبيرة جراء ما اتخذه من اجراءات طالت بعض ملفات الفساد، أو حتى ملفات طالتها شبهة فساد.
وتبدي المصادر أن الذهبي يريد أن يتزامن التعديل الحكومي مع تعديل رئيس الديوان، كي يؤكد مبدأ الولاية العامة للحكومة الذي ينص عليه الدستور.
وتنسجم هذه المعلومات مع تقارير أخرى تقول إن جهاتا نافذة هي التي تقف وراء الحملة الإعلامية التي يتعرض لها عوض الله بتركيز غير مسبوق خلال الأيام الأخيرة.
تهديد صائب عريقات
وفي هذا الإطار جددت “حركة اليسار الإجتماعي” غير المرخصة، أمس حملتها على عوض الله، مكررة اتهامه بالتآمر مع الدكتور صائب عريقات، رئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية بالتآمر على الكيان الأردني.
فقد أصدرت الحركة الموغلة في “وطنيتها” بيانا حذر عريقات، الذي وصفته بأنه “أحد أبرز المرتبطين بالمؤامرة الأميركية ـ الإسرائيليةعلى الأردن” من أنه “سيدفع ثمنا باهظا” إذا ما استمر فيمااسمته بـ “دوره المشبوه”، وطالبته “بمغادرة البلاد (الأردن) فورا” متحملا المسئولية الشخصيةعن بقائه فيها.
وأضاف البيان إن الحركة تنظر بسخط إلىالزيارة “المشبوهة” التي يقوم بها أحد المتورطين في مؤامرة الوطن البديل، صائبعريقات، إلى عمان، ولقاءاته المطولة الحميمة مع رئيس الديوان باسم عوض الله”
واعتبرت الحركة “أن هذه اللقاءات تأتي في سياق وثيقة الدولةالفلسطينية المؤقتة والكونفدرالية التي وقعها الطرفان المرتبطان بالدوائر الأميركيةوالإسرائيلية”. وشددت الحركة على أن “الشعب الأردني ليس جماعة من عمالالتراحيل المستضعفين لكي يتاجر به البعض، وأن تجار الحروب الإمبريالية وبائعي الأرضوالإنسان (….) ليس لهم مكان في بلد أسسه صلاح الدين الأيوبي لتحرير القدس، وماتباني نهضته الحديثة، الحسين بن طلال، وفي قلبه القدس التي يفرط بها الآن تجار الأرضوالإنسان”.
وخاطبت الحركة “عريقات والذين وراءه” ممن وصفتهم بـ “خفافيش الظلام”قائلة إن “عمان ليست لقمة سائغة، وأن الأردن دولة وطنية متجذرة لها تقاليد ورجال، وليست أرضا سائبة” وأن “اليد التي تجروء على المساس بالكيان الوطني الأردني سوفتقطع”.
وحتر يدخل على الخط
ناهض حتر، الكاتب في صحيفة “العرب اليوم”، الذي فشلت مؤخرا محاولة من جهة نافذة بوقفه عن الكتابة مع آخرين من كتاب هذه الصحيفة كون الأردن لديه “مخابرات دولة، وليس دولة مخابرات”، وهو كذلك أحد أقطاب حركة اليسار الإجتماعي، يشدد حاليا حملته على عوض الله عبر مقالات صحفية تعمل على تعظيم وتشخيص النتائج السلبية للإتهامات الموجهة لشركة داود وشركاه، وفي مقدمتهم عوض الله في قضية “الإتجار بالبشر” المنظورة الآن أمام محكمة اميركية، على خلفية إرغام عمال نيباليين على العمل عنوة في قواعد عسكرية اميركية في العراق.
في هذا السياق يقول حتر في مقال له الخميس “خارج الحدود تبدو قضية الإتجار بالبشر المرفوعة على شركة اردنية أمام محكمة اميركية، شديدة السواد، إذ أنها قضية مركبة من عناصر مسيئة على كل الصعد”، ويحدد الكاتب ثلاثة ابعاد للإتهام الذي يطال شركة عوض الله، وهي:
1- فهي تؤكد قطعا ضلوع رجال اعمال اردنيين بالتعاون مع الإحتلال الأميركي في العراق (هذا البعد يتعلق بشعبية النظام داخل الأردن).
2- وهي تتهم شركة اردنية بالإتجار بالبشر (هذا البعد يتعلق بسمعة الأردن أمام المجتمع الدولي، والرأي العام الأميركي الذي من شأنه أن يضغط على حكومته لوقف أو تقليل المساعدات المالية التي تقدم للأردن).
3- وهي تهمة تتضمن، بالضرورة، ضلوع متنفذين في عملية لا يمكن أن تتم من دون نفوذ وحماية (وهذا البعد يصب في ذات اتجاه البعد السابق).
يتابع حتر التخويف من فعلة عوض الله “لا نعرف، مسبقا، بماذا سيحكم القضاء الأميركي في قضية النيباليين، لكن من المؤكد أن هذه القضية سوف تمكث في المحكمة فترة ليست قصيرة، وسوف تكون فيها مفاجآت وتطورات مصحوبة دائما بتغطيات اعلامية تضر بسمعة الأردن، وتلحق بمصالحه اضرارا لا يمكن حصرها. فالقضية، بحد ذاتها، هي اسوأ دعاية عن البلد بالنسبة للمنظمات الدولية والإنسانية والتنموية، وحتى المكاتب السياحية في الغرب.
ويكفي أن يراجع المرء الموقف كله، بأبعاده المختلفة، لكي يقدّر أن حجم الأضرار التي قد تلحق بالبلد جراء هذه القضية لا يمكن حصرها. وهو ما يستوجب الجرأة في معالجتها من دون تأخير”.
ويطالب حتر بتحقيق اردني مهمته إظهار “ما إذا كان أحد من المسؤولين الأردنيين شريكا، بأي شكل، في الشركة المتهمة، وهل هناك من استغل منصبه لدعم حصول هذه الشركة على عقود في العراق..؟”. ويختم مقاله مطالبا بوقف “الخلط بين البزنس وبين السياسة والإدارة”.. كونه “ممنوع منعا صريحا في القانون الأردني”، ملمحا إلى أنه “وربما أزف الوقت لتطبيق القانون. فعلى جميع مَن هم في مواقع المسؤولية، الإختيار بين الخدمة العامة وبين البزنس، لا فرق في ذلك بين ممارسته مباشرة أو عبر العائلة أو الشركاء”.
تساؤلات وإجابات
وتحت عنوان “حزبالفساد العلني ينتقل إلى البرلمان!!!“، يتهم حتر النائب خليل حسين بالدفاع عن الفساد تحت قبة البرلمان (مجلس النواب ليس في دورة انعقاد حاليا). ويقول إن كتابا دافعوا عن فساد حسني أبو غيدا رئيس لجنة مفوضي منطقة العقبة الإقتصادية الخاصة، بدعوى التعاطف معه على قاعدة اقليمية (كونهم من اصول فلسطينية مثله)، ويخلص للتساؤل قائلا “الفساد حزب واحد.. لاتمييز بين اعضائه على أساس الأصل أو الجهة أو الجنس أو الدين أو العقيدة السياسيةأو الموقف السياسي إلخ. والفساد هو الفساد سواء أكان “قانونيا” أم لا (في إشارة إلى أن أبو غيدا لم يخالف القانون)، مكشوفا أمسريا، كاملا أم جزئيا، صغيرا أم كبيرا، بالأصالة أم بالنيابة. ومَن يدافع عنالفساد بأي حجة من الحجج، هو شريك كامل وليس صاحب رأي حر”.
“سأفترض أن هنالك “مستضعفين” في بلدنا بسبب اصلهم أو سواه، فهل يعطيهم ذلك الحق في الفساد..؟ هل يحقله أن يكون فاسدا من دون عقاب..؟ وسأفترض أن هناك تقصدا سياسيا لفضح فاسدين دونفاسدين، فهل يكون الرد بتشريع الفساد..؟ وسأفترض بأن الكشف عن قضايا الفساد يتم فيسياق صراع مراكز قوى، فهل يعفي ذلك الفاسدين..؟ لقلما استطاع المجتمع الأردني مجابهةالفساد ـ الذي تحول، لذلك من خرق للمؤسسة إلى مؤسسة قائمة بذاتها. ولقلما نالالفاسدون عقابا رسميا، لكن الفساد كان مدانا دائما، وكان الفاسدون ينالون، علىالأقل، عقابا معنويا قاسيا”.
ويرد آخرون على هذا المنطق بجملة تساؤلات وملاحظات مقابلة:
كيف يمكن تشخيص وجود فساد دون ارتكاب مخالفة للقانون..؟
هل يعني ذلك أن القانون يشرّع الفساد..؟
لم بدأت هذه الحملة الإعلامية على شخصيات اعتبارية قبل الكشف عن شبهة فساد..؟
إن هذه الحملة تأتي في إطار وسياق سياسة اقصائية مستمرة سابقة للكشف عن فساد أو شبهة فساد.
كيف يمكن تصور سحب سلوكيات شائنة لأشخاص على فئة مجتمعية بكاملها، وكيف يمكن أصلا توقع سلوك ملائكي من أشخاص اختيروا بعينهم لمواقع عليا بصفتهم انتهازيين لا صفة تمثيلية لهم..؟!
وأخيرا، فإن هذه الحملة تتصاعد بالتزامن مع فشل محاولات الحل النهائي للقضية الفلسطينية، وما تثيره من مخاوف تتأتى من حل قد يتم على حساب الأردن.. وهذا فقط ما يفسر السكوت الرسمي على هذه الحملة، والتغاضي بالمقابل عن حالات فساد أخرى يتم الكشف عنها دون أن تحظى بذات الإهتمام، والمتابعة، والتشهير الإعلامي..!
كشف الفساد الأخير
آخر حالات الفساد كشف عنها أمس وسط تساؤلات شعبية عما إذا كانت ستلقى ذات المتابعة والإهتمام، سواء من قبل الحكومة، أو من قبل كتاب يحظون برعاية رسمية..!
فقد تلقى مكتب المهندس نادر الذهبي رئيس الوزراء شكوى من موظفي سلطة وادي الأردن يكشفون فيها عن أنه تم تخصيص وحدة زراعية مساحتها (35) دونما، تقدر قيمتها بـ 400 ألف دينار، وهي من اراضي الخزينة لصالح صفوان القاسم، وهو خال المهندس رائد أبو السعود وزير المياه والري، وشقيق مروان القاسم وزير الخارجية، ورئيس الديوان الملكي الأسبق.
وتقع قطعة الأرض المعنية في حوض رقم 10، منطقة العليقات التابع لأراضي الشونة الشمالية.
موقع سرايا الأردني الذي كشف عن هذه القضية يقول إنه حين بادر للإتصال مع زكريا الطلافحة مدير مكتب وزير المياه، وبعد أن أمليت عليه المعلومات كاملة، لتتم مطالبته بإجابة الوزير على ذلك، طلب بدوره من محرر الموقع أن يرسل له السؤال مكتوبا ومختوما، مشككا كذلك في حق حصول الصحفي على المعلومات المطلوبة، وذلك “بطريقة مستفزه”، على حد قول الموقع..!