إستقبل الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس على مائدة إفطار في طرابلس الجمعة واجريا محادثات كرست اجواء “المصالحة التاريخية” بين البلدين. وبدأ اللقاء بتأخير ساعة عن الموعد المقرر في مقر القذافي بباب العزيزية بطرابلس وهو المجمع الذي قتلت فيه ابنته بالتبني في غارات اميركية العام 1986 في عهد الرئيس الاميركي الاسبق رونالد ريغن.
وصافح الزعيم الليبي الذي كان يرتدي لباسا ابيض ويضع الوشاح الافريقي، افراد الوفد الاميركي في حين حيا رايس بوضع يده على صدره.
وتبادل القذافي ورايس بعض العبارات قبل بداية اللقاء.
وسأل القذافي رايس عن حالها، فردت “اني بافضل حال، شكرا”.
كما اجابت لدى سؤالها عن الاعاصير التي تضرب جنوب الولايات المتحدة، ان “الاعصار الاول لم يكن بالشدة التي كنا نتوقعها غير ان هناك اعصارين اخرين قادمان”.
وقال مسؤولون ليبيون ان المحادثات نجحت في قطع خطوات جديدة لتعزيز علاقات التعاون بين البلدين ومعالجة العديد من القضايا ذات الإهتمام المشترك.
وقالت رايس في مؤتمر صحفي بعد محادثات مع القذافي في مجمع قصفته طائرات حربية اميركية في عام 1986 “اعتقد اننا انطلقنا لبداية جيدة. انها ليست سوى بداية ولكن بعد سنوات وسنوات كثيرة فأعتقد انه امر طيب جدا ان تشق الولايات المتحدة وليبيا طريقا للسير قدما للامام”.
واضافت انها تأمل بتعيين سفير اميركي جديد في ليبيا “قريبا”.
وقال وزير الخارجية الليبي عبد الرحمن شلقم ان زيارة رايس دليل على ان ليبيا تغيرت وان اميركا تغيرت وان العالم تغير.
واضاف ان هناك حوارا وتفاهما واتفاقا بين البلدين الان.
واستقبل القذافي رايس الجمعة في قاعة عبقتها رائحة البخور في مجمعه وتناولا فيما بعد الافطار.
وذكرت مصادر رسمية ليبية ان العقيد القذافي قدم لرايس عودا، اما رايس فأهدته درعا يحمل شعار وزارة الخارجية الاميركية.
ويضم المجمع الضخم الذي التقيا فيه منزل القذافي السابق الذي أبقي مدمرا منذ ان قصفته طائرات اميركية في عام 1986. ومثل هذا الهجوم الاميركي الذي ادى الى قتل نحو 40 شخصا منذ بينهم ابنة بالتبني للقذافي ادنى مرحلة في عقود من العداء بين البلدين.
ولم ترد اشارة الى ان معاوني رايس شاهدوا الدمار الذي يطلع المسؤولون الليبيون عادة الشخصيات الرفيعة الزائرة عليه.
وقالت وكالة الجماهيرية الليبية للانباء ان رايس قبل لقائها مع القذافي ناقشت مع وزير الخارجية الليبي عبد الرحمن شلقم التعاون في مجالات مختلفة ولاسيما في مجالي النفط والتعليم وكان من المتوقع أن تتناول وجبة الافطار مع القذافي.
وتعرضت رايس لانتقادات في الولايات المتحدة لتوجهها الى ليبيا قبل دفع أموال التعويضات. كما انتقدتها جماعات مدافعة عن حقوق الانسان بسبب قضايا اخرى منها قضية المعارض السياسي المريض فتحي الجهمي وهي قضايا لم تحسم.
وقال شلقم في المؤتمر الصحفي ان ليبيا لا تحتاج لاحد كي يأتي ويضغط عليها او يعطيها محاضرات بشأن الطريقة التي تتصرف بها.
واردف قائلا ان الجهمي لم يواجه ظلما ولم يتعرض لاي نوع من الضغط.
وقالت رايس خلال المؤتمر الصحفي انها اثارت قضايا حقوق الانسان خلال محادثاتها في ليبيا.
ولم تذكر رايس اسماء الاشخاص الذين ناقشت وضعهم ولكنها كانت ترد على سؤال بشأن مااذا كانت قد اثارت قضايا من بينها قضية الجهمي.
وردا على اسئلة الصحافة، اجاب الوزير الليبي ان الجهمي قد حوكم وادين بعدما تسلم القضاء شكوى. واضاف انه يعالج في الوقت الراهن في مستشفى خاص جراء المرض.
وقال شلقم ان “مبادىء حقوق الانسان تختلف بين ليبيا والولايات المتحدة”.
واعتبرت رايس من جهتها ان “من المهم اجراء حوار بما في ذلك حول حقوق الانسان”.
واضافت “اثرت حالات هنا وبقدر التقدم الذي تحرزه علاقتنا وتتعمق، سيكون من المهم بالنسبة الينا الاستفادة من الشفافية والتحدث في هذه المسائل بطريقة محترمة”.
وكانت طائرة رايس وصلت عصر الجمعة الى مطار معيتيقه العسكري قرب طرابلس وأستقلبت من قبل الامين الليبي لشؤون الاميركيتين في الخارجية الليبية احمد الفيتوري. واخليت الشوارع المؤدية الى مقر الحكومة لمرور موكبها، وبدأت على الفور مباحثات مع نظيرها الليبي عبد الرحمن شلقم.
ووصفت رايس زيارتها الى العاصمة الليبية بـ”انها لحظة تاريخية”. وقالت “بكل صراحة لم اكن اعتقد ابدا اني سازور ليبيا، انه لامر مهم”. وتابعت “انها بداية و(مؤشر) انفتاح، وليست نهاية المطاف”.
وقالت “امامنا درب طويل لنعبره. غير اني اعتقد ان (هذه الزيارة) اظهرت ان الولايات المتحدة ليس لديها اعداء دائمون وانه حين تكون دول على استعداد لاجراء تغييرات جوهرية في توجهاتها، فان الولايات المتحدة على استعداد للتفاعل معها”.
وأضافت “يظهر أنه عندما تكون الدول مستعدة لاحداث تغييرات استراتيجية في الاتجاه .. تكون الولايات المتحدة مستعدة للاستجابة. لذلك فهذا شيء استثنائي”.
واشارت رايس الى “الدور المهم الذي يمكن لليبيا ان تقوم به – وتقوم به بالفعل – في المغرب العربي وفي الاتحاد الافريقي”، مؤكدة على رغبتها في ان تبحث مع الزعيم الليبي الوضع في السودان “حيث تقوم ليبيا بدور هام”.
وقالت ايضا ان زيارتها تهدف الى التوصل الى اتفاقات تبادل في مجالات التعليم والثقافة وربما التعاون العسكري.
ولاحظت ان “ليبيا تتغير” مضيفة “اريد ان ابحث الطريقة التي تتغير فيها، لان ليبيا اكثر انفتاحا وليبيا تتغير، وستشكل امرا جيدا لليبيا كما للمجتمع الدولي”.
وترى ليبيا ان زيارة رايس تكرس عودتها الى المسرح الدولي وتشكل نجاحا مدويا لدبلوماسيتها الجديدة التصالحية بدفع من سيف الاسلام القذافي نجل الزعيم الليبي.
لكن بعد عشرات السنين من العلاقات المتوترة، ما زال القذافي حذرا. وقال الاثنين ان “ملف الخلاف بين الولايات المتحدة الاميركية وليبيا اقفل نهائيا ونحن لا نطمع في صداقة اميركا ولا في عداوتها، فقط يتركوننا في حالنا والمهم ان العلاقات لن تكون فيها حروب ولا غارات ولا ارهاب”.
واشاد البيت الابيض الجمعة بـ”الفصل الجديد” في العلاقات الاميركية مع ليبيا. وقالت دانا بيرينو المتحدثة باسم البيت الابيض ان “زيارة رايس الى ليبيا تمثل فصلا جديدا في العلاقات الثنائية” بين البلدين.
واضافت ان العلاقات “تغيرت في اعقاب قرار البلد (ليبيا) التخلي عن اسلحة الدمار الشامل وقدراتها على انتاجها. وهذه تغيرات كبيرة ومهمة”.
واضافت “اننا بتحسين علاقاتنا مع ليبيا سنتمكن من توسيع التعاون الثنائي في العديد من المجالات ومن بينها التعليم والثقافة والتجارة والعلوم والتكنولوجيا وبالتاكيد الامن وحقوق الانسان”.
وقالت وزارة الخارجية الأميركية في بيان إن واشنطن تتفاوض أيضا بشأن “مذكرة تفاهم عسكرية” مع ليبيا التي تتعاون في مكافحة الإرهاب وساعدت في كبح تدفق المسلحين على العراق. ولم تدل الوزارة بمزيد من التفاصيل.
وقال بروس ريدل المحلل السابق لدى وكالة المخابرات المركزية الأميركية والذي يعمل حاليا لدى مركز سابان التابع لمعهد بروكينغز “على النقيض من موقفها تجاه كوريا الشمالية أو ايران أو حتى سوريا .. كانت إدارة بوش مستعدة من البداية للتحدث مع الليبيين”.
وانتهت ليبيا يوم الاربعاء من الترتيبات القانونية لتأسيس صندوق ستودع فيه هذه التعويضات لكن مسؤولا اميركيا كبيرا صرح بأن الامر سيستغرق “أكثر من أيام” قبل امكان دفع اموال للجانبين.
ويشمل الضحايا الاميركيون من قتلوا في تفجير طائرة بان اميركان فوق لوكربي باسكتلندا عام 1988 والذي تسبب في مقتل 270 شخصا والهجوم الذي وقع عام 1986 على ملهى في برلين والذي ادى الى مقتل ثلاثة وجرح 229 .
كما يعوض الاتفاق الليبيين الذين قتلوا عام 1986 حين قصفت الطائرات الاميركية طرابلس وبنغازي وقتل في الهجوم 40 شخصا.
تقارب ليس من أجل النفط فقط
قالت وزيرة الخارجية الأميركية الجمعة ان تقارب واشنطن مع ليبيا العضو في أوبك له دوافع أكثر من مجرد حاجة الولايات المتحدة للنفط.
وقالت رايس للصحفيين مشيرة للأثر المُحتمل لهذه الزيارة على العلاقات الثنائية “انها مُفيدة لكن هذه علاقة أوسع نطاقا بكثير.”
وأضافت “تنطوي على احتمالات أوسع بكثير من مجرد الطاقة”.
لكن رايس تابعت أن ليبيا التي تملك أكبر احتياطيات نفطية في افريقيا يمكنها أن تساعد فيما يتعلق بامدادات الوقود العالمية وان من المهم ان تكون هناك مصادر متعددة يعتد بها لامدادات الطاقة.
وقال شكري غانم رئيس الشركة الوطنية للنفط في ليبيا ان زيارة رايس “هي ترسيم واعلان لتطبيع كامل للعلاقات بين اميركا وليبيا”.
واشار الى اهمية دور النفط في نسج علاقات اقتصادية بين البلدين.
واوضح “ان دور النفط كان هاما منذ سبعينات وثمانينات القرن الماضي حيث كان السوق الاهم والاول للنفط الليبي هو السوق الاميركي لان النفط الليبي من النوع الخفيف والان بعد رفع الحظر بدأت كميات متزايدة تأخذ طريقها الى اميركا وسوف تزداد هذه الكميات”.
وتابع “لقد عاد الكثير من الشركات الاميركية للعمل في ليبيا (..) وسيكون النفط العنصر الهام في العلاقات الليبية الاميركية في عالم يزداد فيه الاحتياج الى الطاقة ما سيؤدي الى مزيد من انتاج للنفط الليبي لدخول الاسواق العالمية وخصوصا السوق الاميركي”.
وتريد الشركات الأميركية المنافسة على عقود في العديد من القطاعات في ليبيا التي تسعى لاعادة بناء اقتصادها بعد سنوات من العقوبات. وتشمل هذه القطاعات الزراعة والمياه والاتصالات والمواصلات وتوليد الكهرباء والانشاءات والهندسة والبنوك والرعاية الصحية.
وقطاع الطاقة الليبي مفتوح بالفعل أمام الشركات الأميركية. لكن تحسين العلاقات خاصة فيما يتعلق بمنح المزيد من تأشيرات الدخول لمسؤولي الشركات الأميركية من المتوقع أن يساعد في تعميق الدور الأميركي في قطاع الطاقة.
وأهم الشركات الأميركية العاملة في ليبيا هي اميرادا هيس واكسون موبيل وشيفرون وأوكسيدنتال.
واستوردت الولايات المتحدة 8550 برميل يوميا في المتوسط من ليبيا في عام 2006 أي ما يعادل نحو سبعة بالمئة من صادرات النفط الليبية حسب بيانات ادارة معلومات الطاقة الأميركية.
والدول الاوروبية هي أكبر مشتر للنفط الليبي.