يتنادى مسئولو المواقع الأردنية في موضوع التنمية السياسية منها والإدارية والإقتصادية و……. والتي ما هي إلاّ تجاوب لدعوة قائد البلاد جلالة الملك عبدالله الثاني ، ولمّا كانت السياسة في يومنا هذا هي في موقع القيادة من القطاعات الأخرى سواء الإقتصادية منها أو الإجتماعية … وغيرها فهذا يعني أن هذه القطاعات جميعها خاضعة للتنمية ذاتها حتى تصبح الصورة ذات أقطاب متوازنة المسير و متزنة الحركة. ولكني ، ورغم أني لست بالباحث الإقتصادي ولا المحلل السياسي ، أرى أن التجاوب مع هذه الدعوة الملكيّة الواعية لمجريات الحياة و لما يدور حولنا في عالم انزلق في غياهب العولمة ما زال لا يوازي حجم الطموح الملكيّ ولا الأمل الشعبي الواعي ولا حتى حجم الهالة الإعلامية التي أحيط بها ، لا بل وكأن هذا التجاوب ولغاية يومنا هذا الذي نعيش هو تجاوب لحظي آني وغير مبني على إسترتجيات واضحة المعالم أو محددة الأهداف . من هنا أطرح سؤالي الذي يشكل محوراًعمليا رئيساً في هذه العمليّة المأمولة الأهداف ألا وهو : من أين نبدأ؟ بمن نبدأ؟ وكيف ذلك…؟ ولمّا كانت الحكومات وبشتى أشكالها وكمايذكر(Sternberg/1997) تنطلق من عقول الرجال فإن ممارسة رجال الحكم في مواقعهم هي المرآة صادقة لعقول هؤلاء وأنماط التفكير التي تحكم طريقة تعاطيهم وتعاملهم مع أمور حكمهم و آلية اتخاذ القرار في مواقع مسؤولياتهم. ولمّا كانت هذه الأنماط و الأطرالذهنية هي الضابط الرئيس في ذاتية صاحب القرار، فلا بد و قبل كل شيءٍ من النفاذ إلى بصائر القائمين على مسؤوليات هذا البلد وأركان اتخاذ القرار في شتّى مواقعهم القيادية للتعرف إلى طبيعة أطرهم الفكرية وأنماط تفكيرهم والعمل على تقييم امكانية هذه الاطر والأنماط على إستعياب أبعاد وحيثيات هذه الدعوة الملكية, وذلك بطريقة علمية مسؤوله غير مبنية على التخمين والمجاملات حيث كما ذكر كل من McCabe &Ethel Quayle/2002) ( في مقالتهن Knowing your Mind من ان البصيرة ترينا كيف نرى انفسنا وبالتالي كيف نتعامل مع امور العالم من حولنا والحياة ، ولما كانت الذاكرة ، وكما ذكر بعض الباحثون في الفصل الثالث من كتاب (Psychology of Intelligence Analysis ) والصادر عن Central Intelligence Agency /1999)) وعند حديثيهم عن الذاكرة ودورها في تشكيل الاطر الذهنية المسؤولة عن تحليل ما يرد من ذاكرة الحواس) (SIS ليحفظ في الذاكرة قصيرة الامد) STM (ريثما تعمل الاليات الذهنية الشخصية على تحليل ما ورد ومن ثم الوصول الى تقييم وقرارت لتحفظ في الذاكرة طويلة الامد ) (LTM تلك المسؤولة عن رسم معالم الاطر الذهنية وامناط التفكير والفهم والتحليل والتي هي بالتالي تشكل قاعدة اتخاذ قرار. ومن المعلوم طبعا ان هذه الذاكرة تختزن كلما ورد لها من الخبرات السابقة لتشارك في رسم تلك المعالم وعليه يبدوا واضحا انه يمكن للذاكرة ان تسعف صاحبها في اتخاذ القرار الصائب وكما انها وبنفس الوقت يمكن لها ان تعيق صاحبها وتحبط محاولاته في الوصول الى مبتغاه ، وبهذا نخلص الى ماخلص اليه ذات الباحثون من القول ان المخطط الذهني للفرد هو المسؤول عن التحليل الفاعل واتخاذ القرار وكما أنه هو نفسه المسؤول عن عدم القدرة التعامل مع متغيرات العصر .ويتطابق هذا الطرح تماما مع ما ذكر John Milton في Paradise Lost في قوله أن العقل في مكانه وبذاته يمكن له أن يجعل من الجنة جهنم وكما يمكن له أن يجعل من جهنم جنة. وذكر Oakley Ray/2004) ( أن العوامل الاجتماعية و السلوكية هي ذات تأثير فاعل على العقل حيث هي التي تعمل على تشكيل ما سمّاه مهارات النجاح وكما ذكر McEwen/2002)) أن ما سمّاه مهارات النجاح) Coping skills (هي مهارات مكتسبة و ليست فطرية و تحتاج لجهد واع ٍ كي يمكن تعديلها بالاتجاه المرغوب فيه . هذا ومن الطرق الممكن اتباعها لتحقيق ذلك : تطوير المعرفة للعالم من حولنا ، مراجعة المصادر الداخلية للفرد ( اعتقادات و إفتراضات…) ، التعرّف إلى طبيعة الدعم الاجتماعي ( العلاقات الشخصية التي شكّلها الفرد ، ما درسه الفرد في صباه……) ، وأخيراً روحانيات الفرد بما في ذلك المعتقدات الدينية ، كلّ هذا كي يتكون لدى الفرد فهم واسع لأدوار المعنى والمعتقد وكما يمكن لهذا الفهم أن يتكوّن عن طريق التدريب و التعلم ، ويقودنا هذا مرةً أخرى إلى حيثُ بدأنا: من أين نبدأ؟ بمن؟ كيف؟ ونخلص مما طُرح أعلاه واستناداً إلى اما أفاد به مجموع الباحثين المذكورين أعلاه وغيرهم إلى أنّه يستطيع الفرد بناء رؤيتهُ الخاصة للحقيقة اعتماداً على المعلومات التي تمّ تحصيلها عن طريق أي من الحواس والتي تخضع للمعالجة من قبل عمليات معقدة ، والتي بدورها تقرر أي المعلومات التي يتم التعامل معها وكيف يتم تنظيمها والمعنى الذي تخلص إليه ليتم تخزينه على الشبكة العنكبوتية في الدماغ . تتأثر عمليات الإدراك هذه ( ماذا يدرك ، مدى جاهزية الفرد للإدراك ، كيف يتم معالجة المعلومات بعد إستقبالها ) وبقوة بالخبرات السابقة للفرد ، التعليم والثقافة ، القيم الحضارية والإجتماعية ، متطلبات الدورالمنوط بالفرد ، القواعد التنظيمية العقلية ، وأخيراً مواصفات المعلومة التي تم استلامها ومعالجتها. يمكن تصوير هذه العملية العقلانية البحتة المعقدة كإدراك أو رؤية العالم من خلال عدسة أو شاشة تعرف بمسميات عدة مثل نماذج عقلية أو أطر ذهنية أو تحاملات داخلية أو ….. لترسم معالم خاصة وتركز بطريقة معينة , وعليه يمكن لهذه الشاشة أن تشوّه أو حتى تدمّر الصورة الأصلية التي تمّ رؤيتها , ومن اجل تحقيق افضل صورة ممكنة يحتاج الفرد لأكثر من المعلومة حيث يحتاج الفرد لمعرفة هذشه العدسات التي تمر المعلومة من خلالها , هذا وغالبا ما تكون هذه النماذج العقليّة مفيدة ولكن يمكن أن تكون خطرة. عليه ولكي يكون الشخص ذا عقلية منفتحة, لا بدّ له من الألتزام بتحدي عمل نماذجه العقلية والمفاضلة بين مخرجات هذه النماذج ومن ثمّ تحديها من جديد بعدم التسليم لمخرجاتها بل بإعادة التمحيص والتحليل و الدراسة والمفاضلة لكون هذه الخطوات ذات دور مركزي في تحليل المواضيع الصعبة والمعقدة , هذا ويوجد لهذه العملية طرق و خطوات لا مجال لذكرها بهذا المقام . وعليه, إذا ما كان قرارنا يتعلق بقرار فئة أخرى أو اناس آخرين فلا بدّ لنا من فهم تلك الفئة أو هؤلاء الآخرين والتنبؤ بردود فعلهم أو قراراتهم ومن أجل ذلك لا بدّ لصاحب القرار من فهم قيم الآخرين وافتراضاتهم ومنابع الفهم والإدراك لديهم وإلاّ سوف يكون عمل الفرد على تحليل قرارات الاخرين أو فهم سلوكياتهم ضرب من المحاولات غير العقلانية وبالتالي يكون سبب يشّوه أو يفشل قرارنا ذاك. ولما كانت لكل مجموعة أنماط تفكير يتصف بها فرد ما تؤهل صاحبها لعملٍ ذو طبيعة خاصة دونما آخر ( Sternberg\1994 ) وتؤهله لممارسة عمليّة دون أخرى (Grigorenko&Sternberg\1997), فعلى سبيل المثال لا الحصر فإن الأفراد الذين يتسمون بالنمط التنفيذي هم الأجدر بتحمّل المهام البوليسية والمبادرة بتنفيذ ما شرّعه ذوي النمط التشريعي بينما يكون ذوي النمط القضائي هم الأجدر و الأقدر على تقييم مدى صحة و قوة تطبيق القوانين والعمل على إبراز مواطن الخلل والمخالفات التي ارتكبها سواء الجانب التنفيذي أو القضائي ,فيكون الأجدر بالقائمين على التنمية الأخذ بهذا الباب الجديد الذي يساعد على تصحيح الصورة ألا وهو تبادل الأدوار أو تبديلها حيث تقتضي الحاجة الوطنيّة ذلك. الآن وفي ظل ما ذكرأعلاه حول أطر التفكير والخارطة الذهنية وأنماط التفكير والبصيرة وعملا على توظيف ما أشير إليه أعلاه لنعود من حيث بدأنا: فمن أين نبدأ مشروعنا الوطني للتنمية الشاملة؟ وكيف نسعى لتمثـّل الرغبة الملكية الطموحة في دفع بلدنا للمقدمة؟ وليس بالضرورة بأقصر السبل ولكن لنقل بأكثرها دقة مع الأخذ بعين الإعتبار التكلفة المادية والمساحة الزمنية ما أمكن ذلك ، ولنحاول هذة المرة التخلي عن ما ألفناة … والسعي وراء الكفاءة أنىّ كان مصدرها ولنكن صادقين مع أنفسنا هذه المرة على سبيل التجريب. هل نبدأ بمصنع الأجيال وغارس الأفكار و…… هل نبدأ بالمدرسة؟ وإن كان الجواب بنعم فهذا يستوجب مراجعة عامة دقيقة تخصّصية لمناهجنا الدراسية والذي يستوجب بدوره إعادة رسم أو هيكلة للأهـداف المتوخاة ولايتم ذلك على صورة مثلى إلاّ من قبل اختصاصيين منتمين يتم اختيارهم طبقاً لمعايير غير الوساطة والجهويّة والمجاملات… وهم المسؤولون أولاً وأخيراً عن النتائج وذلك طبعا بعد أن يتاح لهم فرصة تدريب النخبة المسؤولة عن التنفيذ الميداني وبدقة وهنا لابد من الإشارة للمعلم وإيلائه العناية التي تنبغي له كونهُ هو ذاته القلب النابض في العمليّة التعليمية التعلمية. هل نعمل على إخضاع شخصيات المواقع المسؤولة للدراسة والتحليل للتعرف إلى أطرهم الذهنية وأنماط تفكيرهم وبالتالي آليات اتخاذهم للقرار مما يفتح المجال لعدة خيارات منها تغيير الأدوار ، إعادة التأهيل واتدريب ، أو………………………………… إن كان لابد من ذلك. الإعلام وما أدراك ما الإعلام … هل هو تلك السلطة المتحررة الملتزمة المنتمية؟ ماذا يحتاج حتى يصبح كذلك؟ فلعلّ العاملين على الصحافة (في التلفاز والمذياع والصحف…) هم بحاجة لما طرح أعلاة من دراسة كي يتحرر الإعلام من كل من يتخذ منه سبيل عيش فقط دونما الإتصاف بما يحتاجه هذا القطاع من سمات خاصة بحيث يشكل عامل بعث لا هدم للأمة. أمّا المسجد والكنيسة … أين هم من كل هذا؟ ما مدى تهيأة القائمين في هذه المواقع لمثل هذا الأمر؟… أم ينحصر دورهم في تعليم أساسيات الدين من وضوء وصلاة…؟ أين الدور الرائد الذي اطلعت به المساجد في غابر الأيام ؟ ما دور النوادي والجمعيات الشبابية والنسائية في مثل هذا الأمر؟ مستذكرين نسبة الشباب والفتيات في مجتمعنا النامي وعدد المتعلمين والمدربين الأكفاء بشهادة العدو قبل الصديق. إذاً… بدا واضحاً أنّ الموضوع يتجاوز وبكثير….. موضوع الإجتماعات والندوات تحت عدسات الكاميرا أو المقالات التي تداعب العواطف وتتغنى بالتراث والإنجاز وتدغدغ الآمال. بدا واضحاً أنّ الموضوع يحتاج لتكاتف وصدق عمل للخروج بمشروع وطني متكامل يعمل على المدى الطويل بالإضافة إلى مشروع أو مشاريع أخرى قصيرة الأمد متعاقبة البرامج يبني أخراها على أولاها تمتاز جميعا بالجرأة المؤدبة لا الإستحياء أو المجاملات كما تمتاز بالصدق والنقد الهادف لا التجريح أو جلد الذات أو المزاودات ، علّنا نترجم الرؤى الملكية فنتهيأ لمجريات العصر المتسارعة المحمومة ونستشرف المعطيات القادمة فنتبؤ يوماً ما موقعاً مرموقاً بين أمم هذه المعمورة إن قيض الله لنا السبل …………!
د. يوسف عبدالله قسايمه
خـلوي \0777991209