على الرغم من التصريحات المتناقضه التى يعلنها المتفاوضون الفلسطينيون وألإسرائيليون والصعوبات التى تواجه العملية التفاوضية فى مراحلها النهائيه ، ، يبدو أن المفاوضات وعلى الرغم من كل الصعوبات والتحديات تسير بهدوء وحسب ما هو مرسوم لها من خطوات ، فما زالت لقاءات القمه الفلسطينيه الإسرائيليه تعقد وبشكل منتظم رغم المعرفة المسبقه لذهاب أولمرت وتركه الحكومه فى الأيام القادمه ، وهناك لقاءات القمه على مستوى رئيسى الطاقم التفاوضى ، إلى جانب اللقاءات شبه اليوميه للجان الفنيه ، وأخيرا الزيارات المكوكيه التى تقوم بها وزيرة الخارجيه ألأمريكيه وكان آخرها ولعل أهمها زيارتها ألأخيره التى مارست فيها ضغطا مباشراا على الطرفين ومطالبتها منهما ألوصول إلى إطار إتفاق يمكن للرئيس ألأمريكى بوش أن يذهب به إلى الأمم المتحده فى خطابه ألأخير الذى سيعلن فيه هذا الإطار وإيفائه بوعده بقيام دوله فلسطينيه ولوكانت فى صورة إتفاق إطار ، وقد تتطلب المفاوضات زياره أخرى لوزيرة الخارجيه مرة ثانيه وهذا امرا ليس مستبعدا بل إحتمالاته قويه ، وما يدعم هذا ألإحتمال عددا من الملاحظات الهامه أولها ألإستمرار فى اللقاءات وعلى كل المستويات ، وهذا يؤكد الرغبه فى الوصول إلى هذا ألإطار وإلا لماذا الإستمرار فى هذه اللقاءات إذا كانت غير مجديه ، وثانيها ممارسة ضغط أمريكى أكبر من ذى قبل على الطرفين المتفاوضين لإبداء مزيد من المرونه فى المواقف ، وثالث الملاحظات الحيلوله دون وقوف قضيه ما كالقدس مثلا فى طريق عدم التوصل لإتفاق من خلال إرجاء الحل لفترة زمنيه لاحقه و النص على حق الفلسطينيين فى عاصمه لهم وهنا الإشارة إلى القدس ، ورابع الملاحظات ألتأكيد على الطابع الإحتلالى لإسرائيل وهو ما قد يرضى الطرف الفلسطينيى ، وخامس الملاحظات زيادة القناعات بالحلول الوسط لقضايا مثل الدولة الفلسطينية واللاجئييين الفلسطينيين وحتى قضية المستوطنات : وأما الملاحظه السادسه أن كلا الطرفين الفلسطينى وألإسرائيلى يريد الوصول إلى هذه التسوية لكن كل من رؤيته ، إلا إن هذه الرغبة قد تشكل دافعا للإستمرار فى العملية التفاوضية ،وسابع هذه الملاحظات أن الولايات المتحده أيضا تريد الوصول إلى التسوية لأسباب متعلقه خاصة بها من ناحية لتحقيق إنجاز شخصى للرئيس بوش يعوض به فشله فى سنوات إدارته السابقة وهذا شأن الساسة ألأمريكيين دائما يبحثون عن مكسب شخصى ، ومن ناحية أخرى قد يوفر هذا إن تم دفعة قويه للحزب الجمهورى فى إنتخابات الرئاسة ومن ثم يكسر قاعدة دورتين رئاسيتين فقط ، ومن ناحية ثالثه أن هذا التحرك قد يرضى الدول العربية التى توصف بالإعتدال ودعما للمبادره العربية مما يسهل فى إحتواء قوى التشدد والتطرف فى المنطقة وهذا الذى يفسر لنا الزيارات التى تقوم بها وزيرة الخارجية ألأمريكية . والملاحظه الثامنه أن هناك تراثا تفاوضيا جاهزا على مدار السنوات العشر السابقة وهناك إتفاقات وتفاهمات يمكن أن تشكل قاعده للتوصل على قاعده تفاوضيه فيها قدر من التنازل الذى قد يسمح بالوصول إلى التسوية هذا العام , وتاسع الملاحظات أن الفريق التفاوضى الفلسطينى ولا حتى العقلية الإسرائيلية التفاوضية غريبه او جديده على كل منهما ، ولذلك أعتقد أن المفاوضين يعرف كل منهما و ماذا يريد كل طرف من ألأخر وهذا من شأنه أن يسهل العملية التفاوضية ، لكن يبقى الوقت المناسب لإخراج ذلك ، فالتفاوض هنا يتم على قاعده تفاوضيه معروفة مسبقا ، إذن على ماذا نتفاوض ، على تفاصيل صغيره تستكمل بها العملية التفاوضيه وعاشر هذه الملاحظات أن المفاوضات تتم فى بيئة تفاوضيه قد تساعد على المضى قدما فى العملية التفاوضيه ،فعلى المستوى الفلسطينى وعلى الرغم من حالة الإنقسام والخلاف بين فتح وحماس فالمفاوض الفلسطينى غير مقيد بالعديد من القيود الداخلية وما يصل إليه فى النهاية سيعرض للإستفتاء الفلسطينى العام وهو بذلك يكون قد أنجز مهمته التفاوضيه ويترك الحكم النهائى للشعب الفلسطينى ليقرر ويختار ما بين السلام وألأمن أو ألإستمرار فى حالة المعاناه والحصار والقتال الداخلى وهذا ما يفسر لنا ربط مسار المفاوضات بمسار الحوار والأولوية فى هذه المرحلة للمفاوضات وبعدها ستدخل العلاقات الفلسطينية فى خيارات ومسارات جديده . والملاحظه االحادية عشرخاصه بالموقف السياسى داخل إسرائيل ، فالحكومة الإسرائيلية الحالية هى المؤهله للوصول إلى تسوية قبل نهاية العام الحالى فالبديل لها فى حال إنتخابات مبكره هو حكومة أكثر يمينية مما يعنى العودة إلى المربع صفر ، وألأمر ألثانى انه ولو أول مره فى نظام يفترض أن يستند على القواعد ألديموقراطية فى المسائله والمحاسبه تبقى الحكومة فى أعقاب صدور تقرير فينوغراد رغم تقصير الحكومة ، وهذا يوضح أن هناك رغبة أو مصلحة إسرائيليه فى إستمرار هذه الحكومة لتكمل مهمتها التفاوضيه ، وهذا ما يفسر لنا إنسحاب حزب بيتنا بقيادة المتشدد والمتطرف ليبرمان مع بقاء باراك رغم أنه صرح بإنسحابه من الحكومة بعد صدور التقرير ، وألأمر المهم أن باراك هو من فاوض فى كامب ديفيد الثانيه وفريقه من فاوض فى طابا بعد ذلك , أى ان الخطوط التفاوضيه النهائية لهذه الحكومة معروفه مسبقا ولا يمكن تجاوزه لكنها ستسفيد من الظروف الفلسطينية والإقليمية العربية والدولية المسانده لها فى تحسين الوضع التفاوضى والحصول على مزيد من التنازلات وفى هذ ه الحالة ليس فلسطينيا بل عربيا وهذا ما تلوح به الحكومة الإسرائيلية إلى المواطن الإسرائيلى أن السلام والتسوية هذه المره ليس مع الفلسطينيين بل هى مع الدول العربيه وهنا الثمن الذى ستحصل عليه إسرائيل سيكون كبيرا دون أن تدفع ثمنا أعلى من ذى قبل . أما الملاحظة السابعه فقد تتعلق بماهية العملية التفاوضية ذاتها وشكل التسوية ، وهل هى تسوية نهائيه وستقدم حلولا نهائيه لكل القضايا التفاوضية الرئيسه ام أنها مجرد إطار عام للمبادئ وهوالسقف الذى طالب به الفلسطينيون ؟ ومن ثم موافقة إسرائيل لن يكلفها شيئا كثيرا ، ومن هذا المنظور أعتقد أن المفاوضات الجارية حاليا لن تخرج عن مفاوضات لكيفية قيام وأعلان شكل الدولة الفلسطينية وبالتالى تتحقق رغبة كل ألأطراف التفاوضية المعنية : ألرئيس بوش تتحقق رغبته وبالتى ينهى رئاسته وقد أوفى بوعده ، والفلسطينيون يكونوا قد حققوا هدفهم فى قيام دولتهم ، وإسرائيل من ناحيتها لا مانع لديها طالما أن هذه الدولة تخضع لمعايير ومواصفات إسرائليه أمنيا وإقتصاديا ولا ما مانع من دولة بدون حماس وكل القوى المتشدده ، والعرب من ناحيتهم لن يخسروا شيئا بل سيكسبون من قيام الدولة لأنهم بذلك يكونوا قد إلتزموا بمسؤولياتهم القومية وأراحوا نفسهم وشعوبهم من مسؤولياتهم ومن ثم يتفرغون لقضاياهم الداخلية ، وأصلا الدولة كعضوية موجوده فى الجامعة العربية . وثامن هذه الملاحظات أن العام الحالى هو عام التغيير الدولى على مستوى الرئاسات هناك إدارة أمريكيه جديده قادمه وإذا لم تنجز التسوية فعلينا الإنتظار ربما ثمان سنوات أخرى قد يضيع معها حلم الدولة الفلسطينية ، وعلى المستوى الفلسطينى ألإنتخابات الرئاسية وحتى التشريعية تقترب ، وإسرائيل بلا شك ذاهبه للإنتخابات المبكره لكن السؤال أيهما أفضل لها وللقوى المكونه لإئتلافها الحكومى قبل أم بعد ؟ وأخيرا أنهى بهذه الفرضية أنه طالما بقيت حكومة أولمرت على الحكم بفعل ضغط أمريكى بقدر إستمرار المفاوضات وصولا إلى التسوية الممكنه ، فالفاعلين الرئيسيين ألأخرين مضمون بقائهم لكن إسرائيل لآ أحد يضمن بقاء حكومتها . هذه هى الملاحظات التى من خلال تفاعلاتها المحتمله يمكن أن يكون عام 2008 هو عام التسوية الممكنه وليس النهائية .
دكتور ناجى صادق شراب /أستاذ العلوم السياسية /غزه