حاورته منية الفارسي
لم يندهش أحد عندما احترف الناقد العراقي قاسم مطرود المقيم حاليا ببريطانيا، الكتابة للمسرح بعد أن كانت له إسهامات متنوعة في مسار الحركة المسرحية التي كانت نشيطة في العراق، ومنذ أن كان طالبا في معهد الفنون الجميلة وأكاديمية الفنون الجميلة بجامعة بغداد و حتى تخرجه، حيث انطلق بالتعامل مع المسرح من منظور إبداعي حي حيث أخرج مسرحيتي ” صرخة في وجه ألذات” و ” الاستثناء و القاعدة “” لبرتولد بريخت” دون أن يتخلى عن مرافقة هذا الإبداع بتعليقات نقدية ومقالات موزعة بين الصحف و المجلات،تناول فيها الأحداث و العروض المسرحية العربية .
وقد احترف قاسم مطرود الكتابة للمسرح ومن تأليفه العديد من المسرحيات ومنها ” للروح نوافذ أخرى”و ” الجرافات لا تعرف الحزن” و ” نشرب إذن” و ” رثاء الفجر” و قد فازت إحدى مسرحياته ” الحاوية” بجائزة أفضل نص مونودراما وربما لهذا السبب أو غيره كرمه المركز العراقي للمسرح على إسهاماته المسرحية و تناول طالب مغربي من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمكناس موضوع بحثه دبلوم الدراسات العليا ” مسرح قاسم كطرود و إسهاماته في كتابة النص المسرحي”.
و لم يكن مدهشا أن يشغل الرجل أيضا منصب عميد كلية الفنون الجميلة و رئيس قسمها في الجامعة الحرة بهولندا سابقا و أن يكون رئيس تحرير أول مجلة الكترونية”مسرحيون” تعنى بالشؤون المسرحية.إنه الكاتب و الناقد و المخرج المسرحي العراقي قاسم مطرود الذي كان لنا معه اللقاء التالي: عله يضيء جانبا من مشاغله الكثيرة.
– لا يمكن لصاحب الكلمة أن يكون بدون رسالة، ما هي رسالتك على صعيد الكلمة و أنت كاتب وناقد مسرحي ؟
يشغلني الهم الإنساني عامة و لدي صرخة أكررها بين الحين و الآخر ضد كل أنواع البشاعة التي تستخدم في هذا العصر ضد الإنسان و الإنسانية.
– برأيك أ مازال المسرح الحديث بحاجة إلى وجود نص و حوار مكتوبين لبنائه ؟ وكيف يتحقق التواصل مع الكاتب المسرحي ؟
ثمة اختلاف جوهري في آلية التواصل بين النص المقروء و النص المرئي بشكل عام ولكن ليس هناك عرض مسرحي لم يكن فيه النص عنصرا فعالا. فالنص الأدبي يمكن أن يختفي لأنه كتب للقراءة و مثل هذا النص لا يكون قادرا على تفجير المشاهد والرؤى الإبداعية سواء لدى المخرج أو السينوغرافيا أو حتى الممثل ذاته لذا فالنص الذي يكتب للخشبة تكون فيه الكلمة و الصورة و الدلالة مفجّر أساس لأفكار كثيرة تدفع بفريق العمل أولا و الجمهور ثانيا لخلق آفاق خيالية و جمالية متجددة، وأنا شخصيا لست من المتحمسين لوجود النص الأدبي على الركح مع النص الذي يولد لحسابات خشبة المسرح. ولكن هذا لا يعني اختفاء النص تماما بل مع كتابته بطرق و أساليب مختلفة والاختلاف دليل صحة في المجال المسرحي.
– ما الفرق بين أن يولد الإبداع وسط المعركة الحقيقية أي بين شظايا الخراب و بين أن يكون بعيدا عن كل ذلك و يخلق في بيئة اجتماعية و سياسية أكثر أمنا و استقرارا ؟
دعيني أصرح لك بحقيقة، إن فهمنا للآخر قبل أن نتعرف إليه كان فهما مشوشا وغير عقلاني، و لكن بعد أن تحاورنا معه ووقفنا على إنجازاته الثقافية واطلعنا على حياته الاجتماعية و ثقافته الإنسانية أدركنا الفارق الكبير بين السلطة و الشعب و عرفنا أن للفرنسي و الألماني و النمساوي و غيرهم تفكير إنساني واحد… فهو إنسان قبل كل شيء و يتناول هموما على المسرح بكل حرية و يحتج من خلاله عما يسفر من تعذيب و تدمير لبنيتنا الإنسانية كما لا أنكر أن الآخر دفعنا للتفكير العميق في الخطاب الحضاري و كيفية تشكيله المنهجي حيث يكون مرتقيا عن صغائر الأشياء وعن التفكير في الشوفونية و الأنا العليا.
– كيف تقيّم التجربة المسرحية العراقية على تنوعها في المنفى ؟ وما مدى مساهمتها في تعزيز صورة المسرح العراقي عموما؟
ملامح مسرح المنفى غير واضحة حتى الآن، في حين المسارح التي تقدم على أرضها الأصلية أكثر ديناميكية ونشاطا من مسارح المنفى، فبقدر ما تتمتع هذه الأخيرة بالحرية التامة إلا أنها تفتقد الدعم الكافي، إذ ليست هناك مؤسسات أو منظمات كافية، كفيلة بتبني العمل الإبداعي المسرحي و إيصاله إلى الآخر أينما كان. لذلك فالفنان في المنفى يعمل بجهود مضاعفة عما لو كان في وطنه الأصلي قصد إيصال إبداعه للآخر.
– لو سألناك ما علة المسرح العربي اليوم ومما يشكو المسرحيون العرب بالأساس ؟
مازال للأسف المسرح العربي يشكو من قلة الثقافة المسرحية وانعدام الرؤية المتمعنة للأشياء.
لا بد من الارتقاء بأنفسنا أولا و تجاوز الثابت فيها بدراسة تاريخ المسرح و الإطلاع المتواصل على التجارب الأخرى و مواكبة هموم العصر. وليس شرطا أن يكون للمسرحي انتماء سياسي مفضوح في أعماله بل يجب أن تكون له نظرة متمعنة تجاه ما يحدث في العصر الحالي، لأن رؤيته تلك التي يضعها على خشبة المسرح هي في الواقع ليست حكرا على هذا الزمن فقط بل استبصارا أيضا للمستقبل.
مازالت أيضا مسألة الرقيب تقف كحجر عثرة أمام أفكار المبدع، ناهيك عن قلة الدعم لهذا الفن الذي لم تعده بعد بعض الدول كرافد من روافد الإنماء الحضاري.
– ما رأيك في الفرق المسرحية الشابة في الوطن العربي و ما تقدمه من تجارب حديثة اليوم ؟
مسرح الشباب هو مسرح منفتح على عصره، إذ يتعامل بشكل أوسع مما سبقه مع وسائلا التكنولوجيا الحديثة و أجهزة الملتيميديا مما يتيح لهم التلاقي و التحاور بسهولة و بسرعة لم يحلم بها أسلافنا من قبل، لذا فمسرح الشباب المرتبط بالحداثة يتمتع بالقدرة على التجديد و الاستبصار و نثر الصور بحرية أكبر على الركح بغية أن يشكل منها المتفرج مشهدا تعبيريا متجددا و على الطريقة التي يشاؤها هو.
– إذا كيف تنظر إلى مستقبل المسرح العربي في ظل العولمة الجديدة ؟
أعتقد أن استخدام الوسائل المعلوماتية الحديثة جائز في المسرح، فنحن اليوم نشاهد العديد من المسرحيات التي تعتمد الملتيميديا عنصر أساس ولا نعرف إلى أي حد ستتوقف هذه الثورة، التي لا ننكر أنها أضافت جماليات مختلفة على مستوى السينوغرافيا و أعطت قراءات أخرى.
صحيح أن هذه الوسائل قد تضعف دور الممثل و لكني لا أؤمن بما هو مقدس وثابت في المسرح فلا شيء ذو قداسة لا النص ولا المخرج نفسه ولا الممثل ذاته،والعولمة لا تشكل خطرا إلا على من يجهلها أو يتجاهلها و لكي نتصدى لخطرها علينا أن نتعلم كيفية استخدامها.
– كيف تنظر إلى موضوع الانفتاح في المسرح و هل يمكن أن يفقد هذا الموضوع الهوية الثقافية و الحضارية للمسرحيين العرب ؟
أنا شخصيا مع فكرة الانفتاح في المسرح العربي خصوصا و قد كتبت عن هذا الموضوع كثيرا و لأني لم أدرك ذاتي إلا بعد تعرفي على الآخر ، و الانفتاح يتجسد في أمرين انفتاح على الآخر ككائن حضاري لأن رؤياه لا تكتمل إلا عندما أعرف كيف يفكر الآخر و انفتاح المسرح على باقي الفنون الأخرى و الاستفادة من مكوناتها. المهم أن يكون لكل مستحدث أهمية و فاعلية على خشبة المسرح و أن يكون جزئا لا يتجزأ من العرض المتكامل و ليس مجرد استحداثات مسقطة عليه.
– برأيك هل هناك جدوى من تعدد المهرجانات المسرحية في بعض الدول العربية ؟
و هل يساهم ذلك في تحقيق نهضة مسرحية أم يشكل لظاهرة المسرح ألمناسباتي ؟
نحن لا نريد الإكثار غير المبرر، بقدر ما نرجو مستوى راق، هو مقياس النجاح لذا فأنا مع تعدد المهرجانات المسرحية المدروسة التي ترتب لنفسها منذ فترة زمنية تسبق الانطلاق، وأن تحضّر ما يجب تقديمه إلى ضيوفها من أعمال جيدة و أن تطالب مسرحييها بإبداعات في مستوى وقيمة ذلك المهرجان وذلك في حد ذاته تواصل ورقي كما ينبغي أن يكون لكل مهرجان إضافة لما سبقه وذلك بتكليف لجان استشارية علمية لها خبرة وثقافة مسرحية جيدة وتكليفهم بمهمة تفعيل الحركة المسرحية في ذلك البلد.
فوجود المهرجانات يعني فتح جسر للتواصل و الحوار الحضاري بين المسرحيين دون اعتبار لجنسيتهم و لوجود مشاريع وورش تكوينية تمكن الممثل من آليات فن الأداء إلى جانب خلق قاعدة هامة من تبادل الأفكار بين الأجيال قد تثري قريحة مبدعي المسرح.
– ما رأيك في حالة الاستقطاب الناتجة عن الوضع السياسي الراهن المتمثل في تباين واختلاف الانتماءات الفكرية للمثقفين العرب والواضح أن الغرب يحاول احتواء تيار ما من تلك التيارات الفكرية فيدعمه ويهيئ المنابر له وما تأثير ذلك على الواقع العربي ؟ وإلى أي حد ساهم الوضع بالعراق في تفريق أو لم شمل العرب والمثقفين العرب وخاصة العراقيين المهاجرين منهم و تعزيز دورهم في إيجاد الحلول لبلدهم؟
اعتقد أن المثقف مؤسسة متحركة لها كل المقومات التي تمكنها من العيش والخلق والإبداع دون التعكز على المفاهيم و التيارات السياسية العرقية التي خيبت آمال الشعوب، والمثقف هو أكبر من أن يطوقه إطار حزبي أو يؤدلج ضمن شعارات ويافطات تستعمل عند الحاجة أرى أن السؤال يكون صالحا لو كنا في ستينيات القرن الماضي حيث كانت الارتماءات بين أحضان الأحزاب والحكومات على أشدها ولكن وبعد سقوط جدار برلين وسقوط الاتحاد السوفيتي إضافة إلى أحداث 11 سبتمبر صار لحياة الإنسان والمثقف على وجه الخصوص طعم آخر ومن البديهي أن يساعد الغرب أو الشرق تيارا ما ليخدم مصالحه وهذه ليست لعبة جديدة إنما تسير مع الإنسان منذ النشوء.
ولكن الإشكالية تكمن في من يدعي أنه مثقف ويلعب الدور الريادي في صياغة الجوانب المشرقة من الحياة في صور مثالية وأفكار حية ثابتة لا تموت. والمشكلة أننا ما زلنا نخسر اليوم الواحد تلو الآخر من قافلة المثقفين المرتمين بين أحضان السلطات بمختلف أنواعها. وإن ما يحصل في العراق اليوم لهو أكبر من كونه كارثة ولا علاقة للأمر بتفريق أو لم شمل العرب بل المحصلة الحقيقية هي تلك الصعقات الشديدة التي تلقاها العراقيون قبل العرب من أجل الاستيقاظ من غرفة الإنعاش الفكري و السياسي.
و أنا سعيد بما أسمعه من أطروحات صادرة عن المجتمع العراقي الذي رزح تحت حكم طاغية لا مثيل له إذ أصبح المواطن العراقي مدركا للحدث و مفسرا للصورة التي يفرزها العصر بكل جنونه وما عاد كما كان من قبل خارج الحدث ،إنه فاعل متفاعل و له لمساته في إرساء حقه التاريخي لأننا كنا تحت المطرقة و نقدر حجم الطرقات التي كانت تسقط يوميا فوق رؤوسنا.
– ما نظرتك الاستشرافية لواقع الاحتلال بالعراق ؟
أنا ضد الاحتلال و ضد الوجود الأمريكي أو أي جندي آخر على ارض العراق و إيماني بأبنائه وأنا واحد منهم الذين يشهد لهم التاريخ بقدرتهم على إعادة ما أفسده مجرمو العصر و زخرفته بأجمل الصور. و أتوقع بأن هذا الشعب سيكون يوما نموذجا أسطوريا في المنطقة لأنه عرف الموت بكل أشكاله، لذا فسيقترب من الحياة دائما.
– كيف ترى حالة الاستقطاب التي خلقها الوضع الجديد المتمثل في انتماء المثقفين العرب إلى مناهج وتيارات فكرية مختلفة ومتباينة والغرب يساعد تيارا بعينه من تلك التيارات فيدعمه ويهيئ المنابر له؟ واثر ذلك على الشارع العربي, والى أي حد ساهم”درس العراق”في تفتيت أو لم شمل العرب وخاصة العراقيين منهم وتعزيز دورهم في إيجاد الحلول لمجتمعهم؟
يجب أن يكون المثقف مؤسسة متحركة لها كل المقومات التي تمكنها من العيش والخلق والإبداع دون التعكز على المفاهيم والتيارات السياسية والأحزاب التي خيبت آمال الشعوب, المثقف هو اكبر من أن يحده إطار حزبي أو يؤدلج تحث شعارات ويافطات تستعمل عند الحاجة.
وارى أن السؤال يكون صالحا لو أننا كنا في ستينيات القرن الفائت حيث كانت الارتماءات في أحضان الأحزاب والحكومات على أشدها, ولكن وبعد سقوط جدار برلين وسقوط الاتحاد السوفيتي وأحداث 11 سبتمبر صار لحياة الإنسان والمثقف على وجه الخصوص طعما آخر.
ومن البديهي أن يساعد الغرب أو الشرق تيارا ما ليخدم مصالحه وهذه ليست لعبة جديدة إنها تسير مع الإنسان منذ النشوء والإشكالية هنا هي ذلك الذي يدعي انه مثقف ويلعب الدور الريادي في صياغة الصور المثلى للحياة بصنع صور جمالية وأفكار حية لا تموت أو تدوم, المشكلة هي إننا لازلنا نخسر اليوم تلو الآخر من قافلة المثقفين المرتمين في أحضان السلطات باختلاف أنواعها سلطة الدين سلطة الحزب سلطة الدكتاتوريات ……الخ.
إن ما حصل في بلدي العراق لهو اكبر من كونه كارثة ولا علاقة الأمر بتفتيت أو لم شمل العرب بل المحصلة الحقة هي تلك الصعقات الشديدة التي تلقاها العراقيين قبل العرب من اجل الاستيقاظ من غرفة الإنعاش.
أنا سعيد بما اسمعه من طروحات من المجتمع العراقي الذي رزح تحت حكم طاغي لا مثيل له حتى ولو حدثتكم عنه وهذه تجربة مررت بها في البلدان العربية التي مازالت تفهم الصورة عبر الملتيميديا فقط إلا أننا كنا تحت المطرقة ونعرف ونقدر حجم الطرقات التي كانت تسقط يوميا فوق رؤوسنا, من هذا تنبع سعادتي إذا تجدون المواطن العراقي مدركا للحدث ومفسرا للصورة التي يفرزها العصر بكل جنونه وما عاد كما كان من قبل خارج الحدث انه فاعل متفاعل وله لمساته في إرساء حقه التاريخي.
أنا ضد الاحتلال ضد الوجود الأمريكي أو أي جندي آخر على ارض العراق, وإيماني بأبنائه الذين يشهد لهم التاريخ في قدرتهم على إعادة ما أفسده مجرمو العصر ووضعه بأجمل الصور أتمنى وأتوقع بان هذا الشعب سيكون يوما نموذجا في المنطقة لأنه عرف الموت في كل أشكاله لذا فسيقترب من الحياة دائما