آدم عليه السلام ( ج 1 )
في هذا البحث سندرس مواضيع خمس لها علاقة بآدم ( ع ) دون الدخول في
مسألة الخلق ، و هي معروفة بالنسبة لكثير من المسلمين ، و ما يهمنا الوصول
الى النتائج بعد طرح كافة نصوص المفسّرة لأنها ستكون لازمة للنتائج :
أولاً : جنّة … لم يكن فيها آدم :
بعيدا عن الاختلاف في موقع الجنة أكانت في السماء أم في الأرض ، وهي خلافات بين
المفسرين تعتمد على تحليل النصّ القرآني ، فان لفظ الجنّة على قول ابن كثير : هي
” البستان المشتمل على الثمر ” ، وعلى ذلك يتفق معظم المفسرين ، وفي حديث
الدكتور محمد سعيد رمصان البوطي : “تطوّرت نعم الله بتطور الزمان ، باستثناء نعمتي
الخضرة ، و الماء ، فانّ الإنسان يتمتع بهما في كل زمانٍ ، و مكانٍ ، لذلك فأن الله تعالى
كنّى عن فردوسه حيث لا عين رأت ، و لا أذن سمعت ، و لا خطر على بال بشر بهاتين
النعمتين ” .
و ما ان يمر ذكر الجنّة حتى يذهب المفسرون كلّ مذهب :
أ – في الشجرة المنهي عن أكلها : يقول تعالى : ((و قلنا يا آدم اسكن أنت زوجك
الجنّة و كلا منها رغداً حيث شئتما و لا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين )) بقرة 35
ذهب المفسرون الى أنها ” السنبلة – البر – الكرمة – الزيتون – التين – الكافور”
و ذهب البغوي الى أنها ” شجرة المعرفة ” عند اهل الكتاب ، و يقول البيضاوي
” إنّ كل من أكل منها أحدث ”
ب – في الشجرة التي سترت عورتيهما : يقول تعالى (( فدلاهما بغرور فلما ذاقا
الشجرة بدت لهما سوءاتهما و طفقا يخصفان عليهما من ورق الجنّة ……..)) أعراف 22
ذهب المفسرون في أحاديث ضعيفة ، و مرسلة ، و على مرويّات الى : أنّّ آدم حين
انكشفت عورته زجرته جميع أشجار الجنّة إلاّ شجرة التين ، فخصف من أوراقها ، و ستر
عورته .
جـ : في جنى الثمر : يقول تعالى : (( و جنى الجنتين دان )) الرحمن 45
قال الطبري : إن شجر الجنتين الذي يجتبى قريب فهم لا يتعبون بصعود ” نخلها ” و شجرها
لاجتباء ثمرها .
د – في أنهار الجنّة : يقول تعالى ((مثل الجنّة التي وعد المتقون بها فيها أنهار من ماء غير آسن
و انهار من لبن لم يتغير طعمه و انهار من خمر لذة للشاربين ……)) محمد 15
ذهب القرطبي ، و الطبري الى مايلي :
1 – في حديث حكبم ابن معاوبة : ان في الجنة بحر ماء ، و بحر عسل ، و بحر لبن ، وبحر
خمر ، ثم تشقق بعد ذلك الانهار.
2 – في حديث أبي هريرة : سيحان ، و جيحان ، و النيل ، و الفرات من أنهار الجنّة
3 – في حديث كعب : نهر دجاة ماء أهل الجنّة ، ونهر الفرات نهر لبنهم ، و نهر مصر نهر
خمرهم ، ونهر سيحان نهر عسلهم ، وهذه الانهار تخرج من الكوثر
هـ – في الارض ، والبناء : ” محمد 15 “
ذهب الطبري في تفسير الآية السابقة الى مايلي :
1 – في حديث المعراج قال ( صلعم ) : دخلت الجنّة فاذا فيها جنادل اللؤلؤ ، و ترابها المسك
2 – في حديث آخر : تربة الجنّة درّ مكة بيضاء مسك
3 – في حديث ثالث : يدخل المؤمن الجنّة ، فيدخل بيتا من أسّه الى سقفه مئة ذراع ، بناؤه
على جنادل اللؤلؤ ، طراقه أصفر ، و أحمر ، و أخضر
4 – في حديث قتادة عن أنس : ان أنهار الجنّة لتجري على وجه الارض ، حافتيها اللؤلؤ
و طينها المسك الأذفر .
5 – في حديث ابن مسعود : انهار الجنة تفجّر من جبل مسك .
ثانيا : حواء …… لم تكن أمّنا :
حواء = حياة في اللغة ، و قد وصّفت على انها أم للبشر دون ان يذكر القرآن ذلك
يقول تعالى : ((و قلنا يا آدم اسكن أنت زوجك الجنّة و كلا منها رغداً حيث شئتما و لا تقربا
هذه الشجرة فتكونا من الظالمين )) بقرة 35
ذهب ابن كثبر الى قول ابن عباس عن أهل الكتاب : القيت السنة على آدم ثم أخذ الله ضلعا
من اضلاعه من “شقّه الايسر ” ، و لأَمَ مكانه اللحم ، و آدم نائم لم يهب من نومه حتى
خلق الله من نلك الضلع ” حواء ” ، فسوّاها امرأة ليسكن اليها ، فلما كشف الله عنه سنة
النوم رآها الى جانبه ، فقال فيما يزعمون ، و الله أعلم (( لحمي ، و دمي )) ، و زوجتي
فسكن اليها .
ثالثا : خطيئة لم يرتكبها آدم :
ذهب المفسرون ، و الاخباريون العرب في تفسير اية 35 البقرة :
1 – هبوط آدم كان في الـ ( هند ) ، و معه ريح الجنّة فرائحة شجرها من تلك الريح
2 – هبوط آدم كان في (( سرنديب )) على جبل يقال له ((نود أو بود ))
3 – هبوط حواء كان في (( جدّة ))
4 – ان آدم قد طوى المفازات ، فبكل موضع قدم كانت تقوم قرية ، أو تورق
غابة ، حتى التقى ب ” حواء ” المتناومة في (( مكة )) ، حيث تعارفا في (( عرفة ))
خامسا : البيت الحرام ….ارهاصات الوحدة الاولى في العالم :
ثم إنّ آدم قد استوحش ، و تضرع لله أن يجعل له مثابة يأوي اليها ، فأمره الله ببناء
البيت ، و الطواف حوله تيمنا ً بالملائكة و حَفّها للعرش، وهنا يظهر حديثان :
1 - عمد آدم الى خمسة أجبل ((طور سيناء ، و طور الجودي ، و طور لبنان
وطور زيتا ، و جعل ربضه من طور حراء))
2 – عمد آدم الى اربعة أجبل (( حراء ، و سيناء ، و الجودي ، و زيتا ))
و يضيف القرطبي : ان قريشا وجدت كتابا في الركن بالسريانيّة ÷ فلم يدروا ما هو
حتى قرأه لهم رجل من يهود فإذا فيه (( انا الله “ذو بكّة ” خلقتها يوم خلقت السماوات
و الارض ، و صورت الشمس ، و القمر ، و حففتها بسبعة املاك أحناف لاتزول
حتى يزول أخشباها مبارك لأهلها في ” الماء ” ، و اللبن )) .
في النتائج :
اولا : نقرأ في مخطوطة العربي الكويتيّة ( عدد 475 – 1998) ، في بحث مصّور :
انّه يعرض في تنزانيا أقدم جمجمة بشريّة لانسان عاقل تعود الى 150 الف سنة
و نقرأ بنفس المخطوطة ( عدد 483 – 1999 ) انّه عثر على جماجم بشريّة في كهف
(كرو – ماينون ) في فرنسا ، و عليها آثار ” التربنة ” ، وهي عمليّة معقدة تقوم على قصّ
عظم دائري في الجمجمة من أجل علاج إمراض الرأس . ، و أن هذه الجماجم تعود الى
40 الف سنة .
كما نقرأ في كتاب ( تاريخ سوريا : د . احمد داوود ) بالاعتماد على” ابحاث سفينة المينتور”
انّ منطقة البحرين كانت مأهولة بالسكان أيام العصور الجليديّة المتأخرة ” دورة فورم ”
أي قبل 50 الف سنة .
ثمّ نقرأ معلومة يقرّ بها علماء التفسير الكلاسيكيون ، فقد ذهب القرطبي في تفسير
( اية 14 عنكبوت )الى حديث جوبير :
( ان آدم حين كبر ، و رقّ عظمه قال : يا رب الى متى أكد ، و اشقى ، قال : يا آدم
حتى يولد لك ولد مختون ، فولد له نوح بعد عشرة أبطن ، وهو يومئذ ، ابن الف سنة
الا ستين عاما .
و نقرأ في (( صفوة التفاسير : د . محمد علي الصابوني ) فائدة منقولة عم كتاب التحبير
للسيوطي : أن ابراهيم عليه السلام عاش 175 سنة ، و بينه ، و بين نوح الف عام
و بين نوح ، و آدم الف عام ، ومنه تفرعت شجرة الانبياء ، و الصابوني من علماء
المسلمين المحدثين .
و عليك أن تسحب الفترة الزمنيّة حتى آدم المذكور لتراها 6 آلاف سنة ، و عليك ايضا
أن تقنع بحقيقة أن الاعراق ، و الاجناس البشريّة تكونت خلال 5 آلاف سنة من ابناء
نوح ( ع ) فـ (( وُلد سام هم العرب ، و الفرس ، و الرومان ، و وُلد حام هم الحبشة
و القبط ، و وُلد يافث هم الترك ، و يأجوج و مأجوج )) .
ثانياً : لقد اعتبر المفسرون ان السريانيّة لغة غير عربيّة ، و اعتبروها نقيصة ، لأنّ
الله تعالى (( قد سلب آدم العربيّة ، و أبدله لسانا سريانيّا )) ، وعليه نستطيع التأسيس :
لقد اعتز الانسان العربي بنسبه ، حتى أصبح علم له متخصصون ، و صدرت فيه
مخطوطات يقول ( البغدادي في سبائك الذهب : أن الكثير من الأئمة المحدّثين
كـ (( الطبري ، و ابن اسحاق ، و البخاري )) قد أجاز الرفع بالنسب لما له من دور
في كثير من الامور الشرعيّة : ” احكام الوراثة و الاولياء في النكاح ، و أحكام الوقف
و احكام العاقلة في الديّة ” )
ان الرسول ( صلعم ) اقر بنسبه حتى معد بن عدنان بن أدّ ثم أمسك ، و أنّ بعض الصحابة
من أمثال ابي بكر ( ر ) قد برع فيه ، و لكن الخلط الذي أمسك عنه الرسول ( صلعم )
يفتح لنا بصيص نور ، و يحلّ الكثير من خرافات ، و قصص لحقت (( بآدم ابي البشر ))
لقد نسب العربي نفسه الى أب فجد ثم طال الزمان ، و كثر الاجداد حتى وصل الى جدّ
لم يستطع أن يجد له أباً ينسبه اليه فاعتبره ( آدم الاول ) الذي كان ابا لكل الناس ، و لم
يكن العلم قد تطوّر ، و عليه نقرّ ذهاب المفسرون الكلاسيكيون إلى ما ذهبوا إليه ، و إذا
فما عذر علماؤنا في هذا العصر .
و ربما كان الجد الاول لمن سكن في جوف جزيرة العرب ( احد الاباء السريانيين العظام )
أعطي رسالة من السماء ، فكان نبيّا اجتمعت فيه خصائص الكتيرين من الرسل ، قام بأعمال
عظيمة ، جعلت ذكره خالدا ، ثم نسجت القصص ، و الاساطير .
آدم العربي ( ع ) :
تشير كتابات المفسرين الى أن ” لسان آدم كان سريانيّا ” ، وهذا يدلّ على أنّه كان من
منطقة زراعيّة ، و لم تعدوا لفظة ( اهبط ) غير نزول هذا النبي في منطقة غير منزل
اهله ، و حيث أقام مبشراً ، و داعيا الى سبيل ربّه ، فان اهبط بالـ (( هند )) فهذا يعني ( 1 )
أنه نزل في منطقة (( النعد – من الطائف )) حيث (( هـ : للتعريف + ند = نأد = نعد ))
أو اهبط في سرنديب فهو في ذات المنطقة (( سر = جبل + ند = ناد = نعد + ديب = ديبان ))
أو على جبل نود ( نود = نأد = نعد = التيه في العهد القديم )) وهي توصف بحسب القراءات ( 2 )
الحديثة للعهد القديم على أنها مكان من الطائف .
و كانت رسالته الاولى هي توطيد اواصر الوحدة بين اقربائه و ابناء عمومته ، ومن أرسل اليهم من العرب
وهي أساس جميع الرسالات التوحيدية فقام بعدة أعمال حفظتها لنا شفاهيات العرب ، بهذا السرد الرائع
فهو :
1 – قام بالزواج من احدى بنات عمومته ألا يقول العربي في حديثه عن بنات العم ( لحمي ، و دمّي )
و لابد أن التعارف ( أو الدخول بزوجته ) كان بعرفة .
2 – كون جميع الرسالات تشجع العمل ، فانّه في تلك البيئة لم يكن يعرف غير ما عمل به عند أهله
فطوّر الزراعة ، و بنى القرى ، و اسس للحواضر
3 – و في نقلة نوعيّة قام بعمل تهوي اليه أفئدة الناس ، و قد كان ابنه ابراهيم ( ع ) قد قام به فيما بعد
فعمد الى بناء البيت الذي كان لمن قبله من الانبياء ، و الناس ( حجّاً ، و مثابةً ) ، و لكي يزداد هذا
البيت تعظيما ، و محبّة ، كان لابدّ من عمل يكون فيه لكلٍّ نصيب ، فذهب الى مناطق متعددة ليحضر
حجارة هذا البيت :
أ – طور سيناء : اما أن يكون جبل (( تعكر )) في منطقة (( سيان )) قرب ابّ اليمنيّة (3)
أو أن يكون جبل (( الهان )) في منطقة سياني
ب – طور زيتا : جبل زيت = جبل زوت = (( جبل الزاوية )) في منطقة جيزان
ج - طور لبنان : لبنان = لبنانان ، وقد يكون جبل (( لبينان )) شمال اليمن ، أو يكون جبلي
(( لبن الاسفل و لبن الاعلى = لبنان )) في مكة
او يكون جبل (( لبنان )) في وادي وارخ
د – طور الجودي : جبل (( الجودي )) جنوب الطائف
هـ - طور حراء : جبل (( حراء )) في مكة
و بالتالي فانه راعى في أمر ما قام به عملان :
رابطة النسب (( حيث تزوج ابنة عمّه )) و رابطة المكان (( حيث بنى البيت الذي سيوحد قلوب الناس ))
و لم يكن محمدا ( صلعم ) فيما بعد بعيدا عن هذه الخطوات .