تصر وسائل الإعلام الأمريكية والغربية بشكل عام إن الأوضاع الأمنية في العراق قد تحسنت بشكل كبير حتى أصبحت حياة المواطن العراقي اعتيادية وتردد خلفها إذاعات ووسائل إعلام حكومة الاحتلال ذلك بشكل ببغاوي ونحن من نعيش داخل العراق طبعا نعرف مدى مصداقية تلك التصريحات فأصبحت للندرة بيننا لأننا نلاحظ ذلك من خلال الحواجز والكتل الكونكريتية التي مزقت شوارع مدننا وجعلتها كالأنفاق ومن خلال الاختناقات المرورية التي تسببها الدوريات الأمريكية التي تستخدم المدرعات في تنقلها ولا تحترم أي نظام أو قانون وحتى بين ذيول عملائهم أنفسهم على حد سواء عملاء الأمريكان أو عملاء الفرس فقد باتوا يستهزؤون عند سماع تلك التصريحات لأنهم جزء من تلك الحالة التي يعيشونها يوميا , وما ينقلونه عن أسيادهم .
هذا ليس موضوعنا ولكن مصداقية تحسن الحالة الأمني تبدو واضحا جدا عندما يصل احد المسؤولين في سلطات الاحتلال أو السلطات المتحالفة معها ابتدءا من الإعلان عن ذلك بعد مغادرة القطر وتفاصيل الاستقبال والمناطق التي يدنسها ولنا في ذلك شواهد كثيرة منها ما يخص قزم القرود بوش الصغير الذي تكرر وصوله إلى العراق وكيف تمت ما أسموه زيارة احمد نجاد الرئيس الفارسي إلى العراق وتفاصيل زيارة أخا العرب عاهل الأردن إلى العراق في العاشر من شهر آب الجاري وكذلك زيارة الابن البار وسليل عائلة الحريري الشيخ سعد وما تبعها حيث أكد فؤاد السنيورة اعتراف الحكومة اللبنانية بحكومة الاحتلال والعمالة في العراق وهذا ما يحتاج إلى حديث خاص , إلا إن زيارات السيدة كوندا ليزا رايز لها خصوصياتها التي تنفرد فيها , فجميلة البيت الأبيض السوداء لا تحضر إلا عند الملمات والملمات الصعبة جدا فمثلا حضرت إلى بغداد لتنهي نزاع الاشيقر إبراهيم الجعفري وصديقه ورفيق درب العمالة والشذوذ معه نوري المالكي الذي دعمه الأكراد على حساب الاشيقر وعلى ما اذكر جاءت مرة لتطمئن الأكراد وحكومة العمالة إن سيادة العراق مصانة حتى وان وصل الأتراك إلى بغداد فالسيادة في أمان لا يمسها ضرر لان الأتراك حلفاء مع الأمريكان في شمال الأطلسي ودخولهم لا يعني سوى جولة لقوات التحالف المتعددة الجنسيات في إحدى قواعدها العسكرية ولتؤكد لطلباني انه باقي في موقع رئاسة الدولة العراقية التي لم يعترف بها احد من الأشراف لإلغاء وتذويب سمتها العربية وان مسعود برزاني باقي في رئاسة دويلة الكرد في شمال العراق رغم انه لا يحق له الآن الحديث عنها كي لا تنزعج من دول الجوار من لها واجبات وادوار اكبر في تنفيذ السياسات الأمريكية كالفرس والأتراك وسيتم تأجيل النظر في تبادل ادوار دويلتهم وتأجيل النظر حاليا في مسألة كركوك لأنها ستضيف المزيد من أبواب جهنم عليهم في العراق ووعدتهم خيرا إذا ما أحسنوا التصرف .
وهذه المرة جاءت شمطاء السياسة الأمريكية وربما هذه المرة الأخيرة لقرب انتهاء ولاية حزبها الجمهوري وسيدها بوش وتوقف صلاحياته وانتقالها حسب دستورهم لتفرض على ما يسمونه البرلمان العراقي بعد رش الدولارات عليهم الموافقة على اتفاقية يسمونها أمنية وبخلافه فالعصا الأمريكية موجودة بل ومرفوعة .
لقد قلناها في أكثر من مرة إن مستشاري بوش وخبراءه قرؤوا تاريخ العراق والطريقة البطولية التي تعامل بها الشعب العراقي مع قوات الاحتلال البريطانية , ولكن قراءتهم كانت خاطئة هذه المرة في الكثير من جوانبها … فهم يدركون جيدا إن العراقي شهم وحر يفوق في كبريائه حتى الأسد فامتنعوا عن تسليحه بما يناسبه فلا يملك جيش حكومة الاحتلال أكثر من السلاح الخفيف والمدرعة البسيطة التي لا تحميه حتى من القاذفة لأنه إن امتلك أكثر فبالتأكيد سيستخدمه ضدهم لأنه يدرك تمام الإدراك أنهم غزاة ومحتلين لابد أن يخرجوا من أرضه ولكن الأمريكان هذه المرة اخطئوا في محاولاتهم تمرير اتفاقيتهم الأمنية مع عميلهم المالكي , فان وافق عليها هو أو برلمانه لا يعني إن الشعب سيوافق عليها , وإذا كانت بريطانيا في عام 1921 قد نجحت للظروف التي سادت تلك الفترة بعد المساومة مع الملك فيصل الأول والبرلمان الذي لم يلتئم على ولاية الموصل والتأسيس لإثارة تمرد كردي في شمال الوطن فان الوضع الآن يختلف ولا يمكن المساومة بمثل تلك الأساليب الخبيثة ووتر إخراج العراق من البند السابع الذي تعزف عليه إدارة بوش سينفذ لا محال لأنه فرض على أساس من ادعاءات الولايات المتحدة الأمريكية كذبا بان العراق يمتلك أسلحة دمار شامل وما إلى ذلك من الأباطيل الحقيرة التي كانت تروج لها إدارة بوش والآن الخبراء الأمريكان أنفسهم ومحترفي السياسة فيهم وبعد مضي أكثر من خمس سنوات ونصف يؤكدون أنها لم تكن سوى محض افتراءات كاذبة لتمرير الغزو في دوائر المنظمة الدولية وتبرير العدوان على القطر وهذا نفسه ما يسقط حجز الأموال العراقية المودعة في البنوك الأمريكية وهذا ما أصبح واضحا لدى كل أبناء الشعب العراقي .
في الأمثال الشعبية عندنا سال إعرابي صديقا له في أمر يخصهما قال ماذا تظن فأجابه أظن ما في نفسي ولان الأمريكان من الغباء والارتباك فهم يظنون إن الشعب العراقي والشعب العربي لا يعي من الأحداث الدائرة إلا ما يعيه حكامه فما يقتنع به الحكام يعتقدون انه سيمرر على الشعب دون مقاومة خصوصا في قطر كالعراق وفي ظروف كهذه حيث فوضى الاحتلال ولمزيد من التمويه زادوا من سرعة خلط الأوراق وتعالت الأبواق النتنة في كل مكان وازدحمت الأفكار واشتدت والتناحرات الكاذبة لتضيع بوصلة الطريق أمام الشعب فما يسمونه مشكلة كركوك على مسرح الأحداث كظاهرة قوية تستقطب الأنظار وكان احد لا يعرف أنها جزء لا يتجزأ من العراق مهما اختلفوا فان نسيجها لا يتغير انتمائه واختلاف حكومة المليشيات العميلة مع قادة الصعاليك في مليشيات الصحوات بهدف تصفيتهم بعد أن قوي ساعدهم واشتد عودهم حتى أصبحوا بديلا مناسبا لكثير من وجوه الحكومة التي انتفخت وتورمت وتكاد تنفجر من فرط التخمة الناتجة عن سرقة قوت العراقيين بينما يسعى المالكي لتأسيس قاعة شعبية له تنافس مجلس عزيز آل اللئيم بدعم مالي من ميزانية الدولة كان أجدى وانفع لو تقدم خدمات للمواطنين حيث تصل فترة قطع الكهرباء يوميا إلى ما يقارب العشرين ساعة في اليوم الواحد أو خدمات تعليمية أو طبية أو معالجة الارتفاع الحاد في الأسعار ومعالجة مشكلة البطالة التي يعاني منها الشباب بمختلف مستوياتهم العلمية وتحصيلهم الدراسي فاشتد الصراع بين الأطراف المعنية بين معارض ومؤيد يكاد ينذر بحرب عشائرية .
أجهزة الإعلام التي تنعق بمشاكل لعبة انتخابات مجالس المحافظات في الداخل ومشاكل أطراف الحكومة في جانب بينما استعدت مليشيات الأحزاب الطائفية للبداية بصفحة جديدة من التصفيات الجسدية بعد أن توضحت صورة الأهداف المطلوبة فالاستهداف سيتجه إلى الأصوات المعارضة للوجود الأمريكي والفارسي ويرفض التعاون معهم والى من يحاول منافستهم في الانتخابات ممن له امتداد شعبي وعمق عشائري غير من بقي من القوى الوطنية والكوادر العلمية والثقافية .
هؤلاء صراعهم على المناصب وزعامات المليشيات على أشده فبعضهم يأكل البعض الآخر إلى جهنم ويئس المصير ومع نهاية العام الحالي ستتكشف أمور مخفية وتنبثق سياسات جديدة في المنطقة تفرزها نتائج الانتخابات الأمريكية القادمة وفعل جهاد الأبطال على مسرح الأحداث في سوح البطولة العراقية … وان غدا لناظره جدا قريب .