هل إن تصريحات المسئولين الإيرانيين التي تزعم عدم نية بلادهم امتلاك السلاح النووي دليل كافي للتصديق بان النظام الإيراني ليس لديه إطماع أخرى من وراء مشروعه النووي وان غايته فقط استخدامه لأغراض سلمية ؟.
يشكك الكثير من العرب وغير العرب ’ممن عرفوا النظام الإيراني وخبروا سياساته’ في النوايا الحقيقية لهذا النظام ’ مبررين وجهة نظرهم بجملة من الوقائع التاريخية والممارسات السياسية الإيرانية حيال دول المنطقة والعرب عامة . ويرى هؤلاء المشككون بنوايا نظام الملالي ’ إن إيران التي تبنت عقيدة التشيع” قبل خمسة قرون مضت ” لتكون هويتها الدينية متوافقة مع هويتها القومية’ سعت طوال القرون الماضية على أن تكون صاحبة القدرة المهيمنة على محيطها الإقليمي. ولضمان هذه الغاية فقد خاضت إيران عدة حروب مع جيرانها وقامت بضم شعوبا وقوميات مختلفة إلى سلطانها’ حيث كان و مازال الحجم السكاني الكبير والمساحة الجغرافية الواسعة تلعب دورا في قوة ومكانة الدول وتساعدها على تحقيق أطماعها الإقليمية. كما أن جميع الأنظمة والحكومات التي تعاقبت على السلطة في إيران لم تظهر ما يبدد غلق جيرانها الذين كانوا ومازالوا ينظرون بتوجس كبير لأي تطور في القدرات العسكرية الإيرانية’ لاسيما وان هذه القدرات كانت دائما مصحوبة إما بحروب أو تهديدات إيرانية ضد دول الجوار. ويرى أصحاب هذا الرأي إن فقدان توازن القوى في منطقة الخليج العربي غاية في الأهمية’ خصوصا بعد خروج العراق من المعادلة’ حيث أدى هذا الأمر إلى أيجاد خلل في التوازن بين شاطئي الخليج وهذا ما يستدعي العرب عامة والخليجيين منهم خاصة السعي إلى أيجاد نوع من التوازن القادر على مجابهة الخطر الإيراني وردعه إلى الأبد. و يرى أصحاب هذا الرأي إن ذلك لا يتم إلا بإعادة رسم خارطة الجغرافية السياسية لإيران. و يعتقد الكثيرون أيضا أن القضية الأحوازية هي أفضل من يصلح لهذه الغاية وذلك لعدة أسباب منها ’:
أولاً: إن الأحواز إقليم عربي وشعبه الذي يربوا على الخمسة ملايين نسمة ما يزال يحتفظ بكل الأواصر العلاقات القومية والاجتماعية والثقافية التي تربطه بالبلدان العربية الأخرى.
ثانيا: أن موقع الأحواز يشكل عازلا جغرافيا مهما بين إيران وبلدان الخليج العربي, فتحريرها يبعد خطر التسلل الإيراني المباشر عن هذه البلدان .
ثالثاً: إن القضية الأحوازية تحضا بشرعية تاريخية و من السهولة بمكان جعلها بمستوى القضايا العربية الساخنة بمجرد إلقاء الضوء عليها.
رابعاً: أن الثروة النفطية والمائية والزراعية و سائر الثروات الأخرى التي يكتنزها هذا الإقليم تشكل اليوم عصب الاقتصاد الإيراني. حيث سبق أن وصف الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي الأحواز بأنها قلب إيران النابض من الناحية الاقتصادية. وحسب الإحصائيات الحكومية فان الثروات في الأحواز تشكل تسعون في المئة من مصادر الدخل الإيراني. ما يعني إن التسلح العسكري الإيراني معتمد بالأساس على ثروات الأحواز ولهذا فان خروج هذه الثروة من يد الدولة الإيراني يعني أضاعف إيران اقتصاديا وعسكريا مما يجعلها عجزة عن تحقيق اهدافها العدوانية.
خامساً: أن سياسة التمييز العنصري والطائفي التي تمارسها السلطات الإيرانية في الأحواز جعلت الشعب الأحوازي من الناحية الفكرية و السياسية مهيأ تماما للتفاعل مع أي خطة عمل تساعده على تحقيق أهدافه التي كافح ومازال يكافح من اجلها والتي تتمثل بسعيه للتحرر والخالص من هيمنة الاغتصاب الفارسي, شأنه في ذلك شأن غيره من الشعوب التي كانت قد وقعت تحت الاحتلال أو الضم ولكنها نالت حريتها واستعادة حقوقها المغتصبة في نهاية الأمر. فالأحواز و منذَ وقوعها تحت اغتصاب الدولة الفارسية في عام 1925 لم تخلوا من الاحتجاجات والثورات والمظاهر السياسية المعارضة فكانت على الدوام ساحة صراع مستمر بين العرب أبناء الإقليم والدولة الإيرانية الأمر الذي خلق حالة عداء شديدة بين الطرفين لا تنتهي إلا بعودة الأحواز إلى ما كانت عليه قبل ضمها من قبل الجيش الإيراني في العشرين من نيسان عام 1925م. حيث وكما هو معروف أن الأحواز قبل ذلك التاريخ كان شأنها شأن البلدان العربية المجاورة تتمتع بالسيادة وكان لها أمير يعد واحد من ابرز و أقوى أمراء عصره وهو الشيخ خزعل بن جابر الكعبي , وقد لعبت إمارته دورا كبيرا في الأحداث التي شهدتها المنطقة العربية عامة والعراقية والخليجية منها خاصة. إلا أن المتغيرات السياسية التي شهدها العالم آنذاك و ما أفرزته الحرب العالمية الأولي من صفقات سياسية وتقسيمات جغرافية جديدة للوطن العربي’ أدت إلى سقوط إمارة عربستان (الأحواز) وضمها إلى المملكة الفارسية التي تم إعادة تشكيل جغرافيتها السياسية تحت مسمى جديد ( المملكة الشاهنشاهية الإيرانية ) لتكون متلائمة مع المخططات الجديدة التي اقتضتها مصلحة الدول الاستعمارية آنذاك ومنها بريطانيا العظمى التي كانت تربطها بإمارة عربستان (الأحواز) وأميرها الشيخ خزعل علاقات دبلوماسية و اتفاقيات ومعاهدات دولية والتي يمكن هنا ذكر بعضها على سبيل المثال.
أولا:اتفاقية الملاحة في نهر كارون سنة1888م بين الشيخ خزعل من طرف والدولتين القاجارية والبريطانية من طرف آخر.
ثانيا: اتفاقية إنشاء وكالة القنصلية البريطانية في المحمرة مركز الإمارة و في مدينة الأحواز.
ثالثا: اتفاقية مايو أيار سنة 1909م التي تم إبرامها بين الدولة البريطانية والأمير خزعل والتي تقرر بموجبها إنشاء مصفاة للنفط في مدينة عبادان وهي اكبر مصفاة للنفط في الشرق الأوسط.
ثالثا: اتفاقية مايو أيار سنة 1909م التي تم إبرامها بين الدولة البريطانية والأمير خزعل والتي تقرر بموجبها إنشاء مصفاة للنفط في مدينة عبادان وهي اكبر مصفاة للنفط في الشرق الأوسط.
رابعا: اتفاقية شط العرب بين بريطانيا وأمير الأحواز الشيخ خزعل من جهة والدولة العثمانية من جهة أخرى وذلك في تموز سنة 1913م.
وهناك الكثير من الاتفاقيات المشابهة التي تم عقدها بين أمير – عربستان – الشيخ خزعل ودول أجنبية أخرى بعيدا عن تدخل الدولة الفارسية, وهذا ما يؤكد كما أسلفنا الاستقلالية السيادة التي كانت تتمتع بها إمارة الأحواز أو ما كان يعرف بإمارة – عربستان – قبل ضمها من قبل الدولة الإيرانية التي غيرت اسمها في عام 1936م إلى ( خوزستان ) في إطار خطة عنصرية شاملة تهدف إلى إدخال المنطقة وسكانها في البوتقة الفارسية .
مع التأكيد ان سياسة اضطهاد الأحوازيين و محاولة تفريسهم لم تكن حكرا على نظام إيراني بحد ذاته وإنما هذه السياسة كانت وما تزال تشكل على الدوام نهجا ثابت للدولة الإيرانية. فهذا نظام الجمهورية – الإسلامية – , الذي نقض جميع العهود والمواثيق التي كان قد قطعها زعيم الثورة الراحل آية الله الخميني على نفسه يوم كان بالمنفى و التي وعد خلالها بان ينصف العرب ويرفع عنهم الظلم الذي لحق بهم و يساوي بينهم وبين الفرس في الحقوق , لم يكتفي بعدم الإيفاء بوعود زعيمه بل زاد على ما كان يمارسه نظام الشاه من سياسة التفريس والتمييز العرقي والطائفي ضد الأحوازيين. ولعل هذه الوثيقة الصادرة عن مكتب رئاسة الجمهورية في عهد الرئيس السابق محمد خاتمي كافية للكشف عن جانبا من ممارسات هذا النظام تجاه الأحوازيين.
وهذا هو النص المترجم حرفيا عن الوثيقة الصادرة بالفارسية عن مكتب الرئاسة في طهران.
الجمهورية الإسلامية الإيرانية
مكتب رئيس الجمهورية
بسمه تعالى
رئيس المكتب:
السيد الدكتور نجفي رئيس منظمة الميزانية والتخطيط المحترم.
بعد السلام:
استمراراً للسياسات المأخوذة بعين الاعتبار، وكذلك على ضوء قرارات مجلس الأمن القومي بشان تغيير البنية السكانية لعرب خوزستان من خلال توزيعهم على بقية محافظات البلاد نرى أن نرفق لكم أدناه لائحة ببعض التوجيهات المتضمنة الفقرات التالية.
1 – يجب اتخاذ كافة التدابير الضرورية اللازمة بحيث يتم خفض السكان العرب في خوزستان
بالنسبة للناطقين بالفارسية الموجودين أساسا أو أولئك المهاجرين إلى 1|3 وذلك خلال السنوات العشرة القادمة.
2 – في سبيل زيادة هجرة الأقوام الأخرى وخاصة القومية الآذارية ( أتراك آذربيجان ) إلى محافظة خوزستان – الأحواز- إضافة إلى التسهيلات الواردة في المذكرة رقم 7-5 -1971 |2 ب 3- 416 والمؤرخة في 14 | 4 | 1371 ( تقويم إيراني – 1992 من حزيران م ) تقرر تقديم تسهيلات أكثر و سوف تعلن هذه التسهيلات تباعا.
3- من الضروري اتخاذ التدابير اللازمة والعمل على نحو معين بحيث تزداد ظاهرة تهجير الشريحة المتعلمة منهم إلى المحافظات الإيرانية الأخرى كمحافظات طهران و أصفهان وتبرير.
4- العمل على إزالة جميع المظاهر الدالة على وجود هذه القومية وتغير ما تبقى من الأسماء العربية للمواقع والقرى و المناطق والشوارع.
5– في الوقت الذي نؤكد على سرية هذه الخطة نرى من الضروري الاستفادة من العناصر العربية كوسيلة من اجل تنفيذها .
6 – نرفق لكم التعليمات الجديدة الواردة لنا والمتعلقة بكيفية توزيع طلاب الجامعات و الموظفين والعمال والمعلمين والفلاحين و منتسبي القوات العسكرية و الأجهزة الأمنية ونقلهم إلى المناطق الإيرانية الأخرى.
التوقيع:
رئيس المكتب- ابطحي
نسخة منه إلى:
وزارة الاستخبارات.
وزارة الداخلية.
وزارة السكن وبناء المدن.
وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي.
هذه الوثيقة التي تم الكشف عنها مطلع سنة 2005م و أحدثت في ذات العام انتفاضة شعبية عارمة في الأحواز , قد زادت من الشرخ القائم بين السلطات الإيرانية و الأحوازيين الأمر الذي دفع بالاحوازيين إلى شن سلسلة من العمليات العسكرية مستهدفين العديد من المراكز والمؤسسات الصناعية و الاقتصادية والأمنية الإيرانية في الأحواز مما أرعب النظام الإيراني و أوقعه في تخبط سياسي وإعلامي كبير جعله يقوم بتوزيع الاتهامات على القوى السنية السلفية تارة وتارة أخرى على القوات البريطانية المتواجدة في جنوب العراق من دون أن يقدم دليلا واحدا على صحة تلك الاتهامات. كما انه قام بإصدار وتنفيذ سلسلة من الإعدامات ضد العشرات من الشبان الأحوازيين على أمل وقف الهجمات غير انه زاد الطين بلة حيث أدى إلى غليان الشارع الأحوازي أكثر مما كان عليه وساهمة بشكل أو بأخرى في كسر الحجاز الإعلامي إلى حد ما عن القضية الأحوازية بعد أن أصبحت أخبار الانتفاضة و الإعدامات في صدارة وسائل الإعلام العربية والأجنبية وهو ما أدخل القضية الأحوازية في مرحلة جديدة جعلها محط اهتمام المراقبين الذين توقع بعضهم أن يكون للقضية الأحوازية شأنا هاما في أحداث المنطقة في المرحلة المقبلة .
هذا من جهة , ومن جهة أخرى إن التهديدات الإيرانية للبلدان العربية لم تكن هي الأخرى منوطة بمرحلة أو نظام معين , فإذا كان النظام البلهوي قد اغتصب الأحواز واحتل الجزر الإماراتية الثلاثة واجبر العراق على التنازل عن نصف شط العرب مقابل وقف إيران دعمها للانفصاليين الأكراد. فان نظام الجمهور- الإسلامية – لم يكن اقل عدوانية من سلفه تجاه العرب عامة و الأحوازيين منهم خاصة. حيث أن جزء من سياسة النظام الحالي إزاء البلدان العربية تجسدت منذ الوهلة الأولى فيما سمي بمشروع” تصدير الثورة “ والتي بدأها بشن حرب عدوانية على العراق استمرت ثمانية أعوام . إضافة إلى تأسيسه للحركات والأحزاب الطائفية والإرهابية التي استخدمها لزعزعة أمن واستقرار العديد من البلدان العربية المجاورة , والتي كان منها محاولة اغتيال أمير الكويت السابق وتفجيرات مكة المكرمة بواسطة عناصر ما يسمى بحزب الله الكويتي و أحداث الشغب الطائفي التي عاشتها البحرين على مدار عدة سنوات و التفجيرات الإرهابية التي شهدتها عدد من البلدان العربية خلال مرحلة الثمانينيات والتسعينيات. هذا إضافة إلى ما تقوم به إيران اليوم من دور تخريبي في العراق من خلال إثارة الفتن الطائفية ودعم بعض المجاميع الإرهابية لتشويش على عمل المقاومة وتشويه سمعتها, جميعها كانت جزءا يسيرا من أوجه العداء الإيراني تجاه البلدان العربية .
لذلك فان من يعتقد بالنوايا السلمية لمساع إيران الرامية إلى امتلاك الطاقة النووية يكون كمن يحاول تغطية الشمس بالغربال . فإطماع إيران في الهيمنة السياسية والعقائدية على المنطقة قديمة ومعلنة وهي لا ترى عدوا آخر لها في المنطقة غير العرب والإسلام السني .
لذا فان البلدان العربية ومنها الخليجية تحديدا التي تحاول حماية نفسها من الخطر الإيراني بسلسلة من المعاهدات والاتفاقيات العسكرية والأمنية مع دول أجنبية عظمى سوف تجد نفسها ” كالمستغيث بالرمضاء من الناري ” إذا ما بقيت مستمرة بهذه السياسة لحماية نفسها من الخطر الإيراني . حيث أن الثمن الذي تدفعه اليوم جراء هذا المعاهدات سوف يترك آثارا سياسية و اقتصادية واجتماعية لا تقل خطرا من آثار أي عدوان إيراني قادم .
لهذا فان تبني القضية الأحوازية ودعمها هو الخيار الأمثل للعرب في مواجهة قنبلة إيران النووية التي تسعة لإنتاجها. وهذا الأمر هو أقل كلفة لهم حاضرا, واضمن لسلامة بلدانهم ومجتمعاتهم مستقبلا .
ولكن هل سينتبه الساسة العرب إلى هذه النقطة أم سوف يهملونها ويصبحوا على ما فعلوا نادمين و تبقى الأحواز تنادي ” أضاعوني و أي فتى أضاعوا “.
صباح الموسوي
رئيس المكتب السياسي لحزب النهضة العربي الأحوازي