لم يكـن مفاجـئا نقـص التغطـية الإعلامـية ( مكتوبـة كانـت أو مسموعـة أو مرئـية ) عن الملتـقى الطلابـي العربـي الإبداعـي، المنعـقد خـلال آخـر أسـبوع من أوت المنصـرم في جامـعة تشـرين السوريـة باللاذقـية..
فقد ألـف المشرفـون على هذه التظاهـرة العلمية العربـية الرائدة تقصـير الإعلامـيين العـرب عن تسلـيط الأضـواء على عباقـرة الغـد، ففي البلـد المضيـف لم تتجـاوز إشـارة جريـدة تشريـن السوريـة مثلا 6 أسطـر موجـزة، مقابـل صفحـات كامـلة عن قضايـا فنـية يحفظـها صـغار العرب قبل كـبارهم عن ظـهر قلـب..
أما المفاجـأة العلمـية الحقيقـية، فقد تمثـلت في التطـور الممـتاز لثقافة الابتـكار والإبـداع والاخـتراع لـدى شـباب عربـي واعـد، يشـكل فعـلا بقـعة أمـل صغـيرة في بيداء التخـلف والتراجـع والتـردي..
إنها ضربـة قاضـية قاصـمة لكل جهـود الفضائـيات الغربية والعربـية التافـهة، بل لكل شياطـين الجـهل والجـهالة والتجـهيل، أباطرة التسطيح والترفيه والتتفـيه..
تألـق جزائـري / ليبـي / عراقـي / فلسطيـني
فـاز الوفـد الجزائـري المكـون من ثلاثـة طلـبة بالـدروع والميدالـيات والدولار، كما توج طلـبة العـراق الشامـخ الغريـق، وفلسطـين المغتصـبة المحـتلة، وغاب طلـبة دول الخلـيج، باستثـناء طالـب واحـد فقط من سلطـنة عـمان..
مثل المنطـقة المغاربـية وفـدا الجزائـر وليبـيا، فيـما غـاب بقـية طلـبة تونـس والمغـرب، وموريطـانيا والصحـراء الغربـية..
ورغم غـياب كل مشرفـي طلـبة الوفـد الليبـي، فقد عـاد أغلـب عناصـره الذين قـدر عددهـم بسـتة طلـبة بالتـتويج..
الإبـداع في إنشـاء وتطـوير المؤسسات الصغـيرة والمتوسطـة
تنـاول الطالـب الجزائـري أمـين بوريـش موضوع إبـداع الشـباب الجزائـري في إنشـاء وتطـوير المؤسسات الصغـيرة والمتوسطـة، إشـراف الدكـتور بلقاسم ماضي عمـيد كلـية العلـوم الاقتصاديـة وعلـوم التسـيير في جامـعة عنابة الجزائـرية..
بدأ الطالب الباحث دراسته بتذكـير الأشـقاء الأكاديمـيين العـرب أنه عندمـا كانت الجزائـر تعتـمد على شركـات وطنـية عملاقـة على غـرار سوناطـراك وسيـدار وسونلـغاز، غـاب الوعـي لفترة طويـلة بدور الإبـداع والابتـكار في تطـوير المؤسـسات.
أما اليـوم، فقد هبـت ريـاح الانفـتاح الاقتصـادي بفـرص كثيرة أمام الشـباب الجزائـري المتعـلم، خـريج الجامـعات المحـلية والأجنبـية من أجل الإبـداع والابتـكار في إنشـاء وتطـوير المؤسسات الصغـيرة والمتوسطـة..
واقتـرح في نهاية دراسـته عشريـن مقترحـا لترقية هذا الإبداع، أهمها الاستثـمار اللامـادي (بحـث / تطوير، تصمـيم، تسـويق تكنولوجـي، تكـوين، برمجـيات)، إقامـة الحاضـنات لدعم عملـية إنشـاء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة المبتـكرة، ومـسـاعـدة الـبـاحثيـن (المبتكـريـن والمختـرعيـن) مـن أجـل إنشـاء مؤسساتهم الشخصـية..
كما اقترح سـن قانـون حـول الإبـداع الابتـكار، لتوثـيق الروابـط بين المخـابر والجامـعات من جـهة، مع تمتـين أواصـر التـعاون الجـاد مع القطـاع الصناعـي من جـهة أخـرى، قصـد تسهـيل نقـل التكنولوجـيات من البحـث العمومـي نحـو الشركـات.
وهو ما سيسـمح للباحثـين والأسـاتذة، خاصة منهم الشباب، بتثمـين نتائج أعمالـهم بأنفسـهم، أي إنشاء مؤسسات صغيرة ومتوسطة مبتـكرة، وذلك بالمساهـمة في رأسـمالها الاجتـماعي، أو بأن يصبحـوا أعضـاء في مجـالس إدارة أو مراقـبة مؤسسات أخـرى، على أن يراعي هذا القانون حركـية الباحثـين ومرافقتهم (حرية التنـقل، التحفـيزات …).
وقد أشار أنه منذ تطبـيق هذا القانـون في فرنسـا مثلا سنة 1999، لوحـظ أن إنشـاء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الصناعـية قد ارتفع من 20 إلى 100 مؤسسة سنة 2000 ليصل إلى 400 مؤسسة في أواخـر سنة 2002..
ودعا الطالب الباحث إلى تقريـب البحـث الأكاديمـي من الصناعـة عن طريق إنشـاء شبـكات بحـث وابتـكار تكنولوجـية، تضم فـرق بحـث جامعـية وأخـرى تابعـة للشركات الصناعية، مع تبني آلـيات جـديدة لمساعـدة المبتـكرين: نقـل التكنولوجـيات، دعم تشغـيل إطـارات البحـث من أجـل الإبداع والابتـكار، مساعـدة المبدعـين الأحـرار..
كما طالب بإنشـاء أجهـزة متخصصة في عملـيات تثمـين نتائج البحـث، تكون مدعـوة إلى العمل بالتعـاون مع الفاعلـين في مجـال الابتكار (التكنولوجـيين، الاقتصاديـين، الماليـين)..
على أن تبقى مهمتـها الرئيسـية تمـويل ومرافـقة مشاريع الابتـكار (تصمـيم المنتجـات والأنـماط الصناعـية الجـديدة، توظـيف العاملـين المؤهلـين في ميدان الابتـكار، إنشـاء المؤسسات المبتـكرة، المشاركـة في برامـج البحـث والتطـوير التابـعة لهيـآت البحـث، … الخ).
كما دعا إلى إقامـة الحاضـنات لدعم عملـية إنشـاء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة المبتـكرة، باعتـبار الحاضـنات مكان استقـبال ومرافقـة لحاملـي مشاريع إنشـاء هذه المؤسسات المبتـكرة، أين يتلقى هؤلاء الاستشـارة، التمـويل والإيـواء الأولـي.
يوجـد فـي العالـم حـوالي 1.500 حاضنة منها 60 % فـي الـولايات المتحـدة، % 35 في أوروبـا والصيـن وأمريكا اللاتينـية، وأقـل من % 2 في البلدان العربـية.
ونادى أيضا بتغليب منطـق التطـوير الاقتصـادي والشـغل على الحتمـيات الضريبـية، إذ من الضروري تبنـي آلـيات ضريبية جديـدة على غرار الدول الأخـرى لتشجـيع الابتـكار على مستوى المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الصناعـية مثل:
- إعفـاء المصـاريف المنفقـة من طرف المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الصناعية على أنشطة البحث والتطـوير والابتكار من الضرائب.
- إنشـاء احتياطـات للتطـويـر التكنولـوجـي من طرف الشركات (% 1 من رقم الأعـمال ).
- إعفـاء الشركـات من الضريبة المستحـقة على أجـور الخـبراء والتقنـيين الأجـانب الذين يلجـأ إليهم لتقـديم إعانـات تتعـلق بأنشطـة البحـث والابتـكار.
- الإعفـاء الكلي للآلات، التجهيـزات، المنـتجـات الكيميـائيـة والـوثـائـق التقنـيـة المستـوردة لأغراض البحـث والتطـوير من الحقوق والرسوم الجمركية.
- الإعـفـاء الكلي للآلات، التجهيـزات، المنتجـات الكيميـائيـة والوثـائـق التقـنـيـة المقتناة محليا لأغراض البحث والتطوير من ضريبة القيـمة المضافة..
وأخيرا، طالب الطالب أمـين بوريش برفع الاعتمادات المالـية المباشـرة بتخصيص نسبة تفـوق 1% من الدخل القومـي الخام لأنشطة البحث والابتكار، مع وضع اعتـمادات محفـزة تحـت تصـرف المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، إضافة إلى تعبـئة البنوك لمساعدة منشئي المؤسسات الصغيرة والمتوسطة انطلاقـا من ابتـكارات خاصـة.
إبـداع نظـام معلومـاتي محاسبـي
أما الطالـب الجزائـري الثانـي زين العابـدين ماضي، فقد تناول في بحثه إبـداع نظـام معلومـاتي محاسبـي داخـل المؤسسات الاقتصاديـة الجزائـرية، وأشرف عليه كاتب هذه السطور..
استهل بحثه بالإشـارة إلى اضـطرار الشـباب العربي لمواجـهة تحديـات الألفـية الثالـثة إلى الانخـراط في العولـمة المعلوماتـية، بغـية الاستـفادة القصـوى من العـقل الالكتروني، وحسـن استـغلال الكـم الهـائل والمعتـبر من المعلومـات الذي توفـره الانترنت، لتوظيـفها إيجابـيا في الإبـداع التقنـي غير المحـدود..
واستعـرض الطالـب الباحـث قـيام بعض الشـباب الجزائري العامل في إحدى المؤسسات الاقتصادية المحلـية برفـع التحـدي، ومحاولـة إبـداع نظـام معلومات محاسبي فعال، ودمجه في منظومـة تسـيير المؤسسة كجزء أساسي هـام من نظام المعلومـات الإداري..
كما بين أن اهتـمام الشـباب الجزائـري بإبداع نظـام المعلومـات المحاسبـي في المؤسسات الاقتصاديـة الجزائـرية يعـود لكونه بمثابة عصـب المنظـمة الذي تسـري وتنتـقل عبـره المعلومـة، سـواء كانت مالية أو محاسبـية أو إداريـة، متخطـية مخـتلف مستويـات التنظـيم..
وبـين أيضا أن نظـام المعلومـات المحاسبي في المؤسسة محل الدراسة يعتـمد على لامركـزية العملـيات، بتوزيعها على اليومـيات المساعـدة الخاصـة بها، واستعـمال الدلـيل المحاسبي الوطنـي كوسـيلة أساسـية للتسجـيل..
وقد اقـترح الطالـب الباحـث في نهاية مداخلـته ما يلي لتطوير نظام المعلومات المحاسبي داخـل المؤسسات الاقتصاديـة الجزائـرية والعربـية عمومـا:
1 / تسـريع عملـيات أتمـتة التعـامل الآلـي عبر جمـيع مستويـات المؤسسة، للحصـول على المزيـد من المدخـلات بالقـدر والشـكل المناسـب، وفي أسـرع وقـت ممـكن.
2 / مواكـبة تطـور وتوحـيد المعايـير المحاسـبية الدولية، خاصة فيما يتعلق بمخرجـات نظـام المعلومـات المحاسبي في هذه المؤسسة.
3 / تطـوير آلـيات تشغـيل مخـتلف النظـم الفرعـية لنظـام المعلومـات المحاسبي، سـواء فيما يتعـلق بتأهـيل الموارد البشريـة، أو اقتـناء التجهـيزات الآلـية وصيانـتها.
4 / وضـع استراتيجـية معلوماتـية فعالـة داخلـيا وخـارجيا، لتمـكين كل العاملـين في المؤسـسة، والمتعاملـين الاقتصاديـين والاجتماعيـين معـها، من الحصول على المعلومـة المالـية والمحاسـبية في الوقـت المناسـب وبالشـكل المناسـب.
5 / تنظـيم دورات تدريـب وتكويـن للمشرفـين على نظـام المعلومـات المحاسبـي..
العائـد والتكلـفة في الإبـداع العربـي
تـناول الطالـب الجزائـري الثالـث حمـزة جرمـان الإبـداع من زاويـة اقتصاديـة، بحـساب تكلفـته والعائـد المتوقـع منه، مبيـنا قبل ذلك مختلف معاني الابتـكار وفوائـده على الفرد والمؤسسة والدولـة..
وقد ركـز الطالـب الباحـث على ضـرورة تقليـص تكالـيف الإبـداع لتشجـيعه، وتعظـيم أرباحـه لزيـادة إقـبال المبدعـين عليه، مع تبني المؤسسات الاقتصاديـة لجـهود المخترعيـن والمبتـكريـن العـرب..
عباقـرة الغـد: هل يقتنصـهم الغـرب أيضـا؟
سـؤال دار في خـلد كل الدكاتـرة الواعـين بمـكر الغـرب العالم، وترصده بالعـرب الحالمـين..
فقد دأبـت مراكـز البحـث الأورو – أمريكـية والكنديـة على الاستفادة من العقـول العربـية المبدعـة، وتوفـير كل ما تحتاجـه ماديـا ومعنويـا، خدمة للتفوق العلمـي الغربـي، ومنـعا لأيـة نهضـة أكاديمـية عربـية محتمـلة..
ولكن، مـاذا يفـعل صـناع القـرار العلمـي والمعرفـي في مختلف أقطـار العالم العربـي لمواجـهة هكذا خسـارة؟