فروان الخطيب
شكل صعود الدراما البدوية في السنوات الثلاث الماضية ظاهرة ملفتة؛ فقد غاب هذا اللون الدرامي عن الشاشة طويلاً، وباءت كل المحاولات العربية لإحيائه بالفشل رغم الإمكانيات والجهود التي بذلت في مسلسل “آخر الفرسان” ، وساد انطباع بأنه لون مندثر تجاوزه الزمن والذائقة الجمالية.
قبل ثلاث سنوات، شهدنا عودة “راس غليص” المسلسل البدوي الشهير الذي أسهم في نسخته الأولى دراميون سوريون بحلة جديدة وبظروف إنتاج معاصرة، ورغم ما حققه العمل من نجاح تترجم بإحياء الدراما البدوية، إلا أنه لم ينج من التجاهل ونظرات الاستخفاف. وكان لسان حال المعلقين “أن العطار (راس غليص) لن يصلح ما أفسد الدهر (الدراما البدوية)”.
من الواضح أن هذا الحال تغيّر. فبعد “نمر بن عدوان” انقلبت الآية، وأصبح نجاح هذا اللون البدوي فوق الشك. وتترجمت هذه القناعة بالإقبال الشديد من الجهات الإنتاجية العربية على خوض مضمار هذا اللون الدرامي. وكنا في سورية من أوائل من اتهموا هذا اللون وشككوا به، وأسرع من انقلب على ذلك وانخرط في غمار إنتاجه.
وبعيداً عن الانتقادات التي وجهت إلينا تتهمنا بمحاولة التعلق بأذيال نجاح “نمر بن عدوان”، فإن التكيف في السوق الإنتاجي “فضيلة”، لولا أن هذه المحاولة لم تسفر عن شيء، سوى بضعة مفارقات مذهلة، وتصب جميعها في تأكيد خطأ خياراتنا، وغياب الحساسية الفنية. فلنلاحظ – مثلاً – الحضور الباهت والمفتعل للفنان رشيد عساف في “سعدون العواجي” مقابل تألقه في “راس غليص”. ولنلاحظ – كذلك – أن كل الضجة التي أحدثها “فنجان الدم” هي ناجمة حصراً عن تصريحات غير مسؤولة لنجوم العمل الذين أخذتهم الخيلاء (تصريحات غسان مسعود ثم جمال سليمان ثم أخيراً ميساء المغربي، التي سارعت بإلقاء اللوم على mbc).
الأمر لم يتوقف هنا، فتبديد الفرص ما زال مرضاً منتشراً في وسطنا الفني، وأفضل تعبير عن هذه الحالة، هي تجربة حاتم علي مع “صراع على الرمال” التي كرر فيها تجربة نجدت أنزور مع “آخر الفرسان” حيث أعمت الأجور والمكافئات صاحبينا فقبل كليهما أن يكرسا موهبتيهما لإنجاز أعمال عن نصوص مشغولة باستخفاف، على أمل أن تتيح لهم الإمكانيات المادية إمكانية التعويض بالإبهار البصري. إلا أن الإبهار البصري لم يسعف أي من العملين، وهذا من البديهيات المتوقعة والتي يفترض بأي مخرج أن يدركها، فلا يورط نفسه ومن راهن عليه، في رهان خاسر على مادة خالية من المضمون وتفتقر إلى الإحساس الفني والرؤية الجمالية.
وفي المحصلة فقد خسرناهما معاً، فقد تحول كلا المخرجين إلى منتجين؛ بينما من المستبعد أن يكرر تلفزيون دبي التعاون مع العلامة التجارية السورية في مجال الدراما، لاسيما وأننا قبلنا التساهل في شروط العمل الفني مقابل ضمان عوائد مالية. وفي هذا تبديد لفرصة كان يمكن لها أن تمدّ الدراما السورية بالتنوع والحيوية وبآفاق واسعة.
أما النتائج العملية، فهي أكبر من ذلك، حيث وضعنا أنفسنا في موقف من يتعلق بأذيال نجاحات الآخرين فعلاً، لا ليمسك بخيط النجاح، بل ليقنص فرصة تملأ جيبه ولكنها في الوقت نفسه تستهلك من رصيده ومصداقيته الفنية.
وأبعد من ذلك، فإننا نؤكد الفكرة التي حاول بعض الأخوة الأردنيين الترويج لها على بعض المواقع الاليكترونية، والتي تصادر على كل الدور السوري في نشوء الدراما البدوية. وهي الفكرة، التي أظنها اليوم، مع النجاحات الأردنية المتتالية في مجال الدراما البدوية، أصبحت راسخة في ذهن المشاهد العربي، الذي بات يقتنع أكثر فأكثر أن “الدراما البدوية هي لون أردني بامتياز!”.
قد يكون ذلك صحيحاً وربما لا. ولكن من المؤكد أننا أصحاب الفضل الأساسي في تأكيد هذه الفكرة!