((مابين السطور))
من سخريات أقدارنا الوطنية والقومية,أن شعار الصراع العربي_الإسرائيلي, والذي يعتبره الكثيرون مطية للعبث بوعي الشعوب, مازال هذا الشعار بفارق الثرى والثريا مابين القول والفعل, مابين الإيمان والتدليس, يستخدم كزينة للمنابر الإعلامية الرسمية للأنظمة التي يفترض أنها احد أطراف هذه المعادلة الصراعية, في حين أن ذلك الصراع تلاشى وسط اعتناق ثقافة السلام عربيا ومن طرف واحد, وأصبح السلام لغة الأقوياء حتى في ذروة العجز, فيقال هذا الصنديد العربي مثلا بطل الحرب وبطل السلام, ويقال أن ذلك الرعديد يستحق وسام الشجاعة لأنه تطاول على قدسية”ما أؤخذ بالقوة لايسترد إلا بالقوة”, فتحول القادة في القواميس الاستعمارية الغربية,التي تقيم القائد وتصنفه بالراديكالي أو الليبرالي,بحمامة السلام أو بصقر الإرهاب, فهرول من هرول نزولا عن جبل الصراع ابتغاء مرضاة فريق التحكيم الحضاري, وتنافس القادة في التفاني لاعتناق اللاعنف في ذروة العنف الصهيوني والامبريالي, وقد تنصل القادة من طموح الحلم القومي ووحدة القضية, وأصبحوا وسطاء صراع في ذروة الانحياز للمغتصب والمحتل.
وقد أثبتت الاختبارات العملية أنهم أهل للنزاهة وعدم الانحياز,في معادلة الصراع المختزلة فيما تبقى من جيوب القومية والمقاومة الوطنية, بل وظفوا كل إمكانياتهم كرهبان محبة بين القاتل والقتيل, واخذوا يتهكمون على من آمن بثبات الحق بمسميات العار مثل”القومجيين والحربجيين “بل وكانوا بحق خير معين على سقوط ماتبقى من ارث القلاع القومية العربية, لتصبح منظومتنا العربية عقد متناثر في زمن الأحلاف الغربية والأوروبية الصهيونية, وأصبحت حدود القومية لا تتجاوز أبجديات خطوط”سايكس بيكو” وأصبح القوي هو من يسترد بكل وسائل الخنوع حقه الخاص وفق شروط مذلة ومهينة, لايتحرر معها الإنسان ولا الأرض المحتلة إلا بالمسميات والشكليات, وتوظف الأبواق الضليعة بالردح وتطويع اللغة المنفرطة للدفاع عن مسوغات الانبطاح, والتوقيع على وثيقة الخروج من أتون الصراع وتفرد فريق التحكيم الحضاري بمن عصى كي يتم تطويعه بالحصار والدمار, انه زمن الردة السياسي والنفاق الوطني الشامل, وتقنين تلك الردة تحت مسميات حقن الدماء والأمر الواقع حتى لو ضاعت الأوطان وسحق الإنسان, المهم بقاء ركائز العروش, وضمان رصيد الكروش, ومن بعدها فليكن الطوفان.
لقد تبنى الغرب صاحب الإرث الاستعماري عامة, والولايات المتحدة الحالمة بالهيمنة المطلقة على العالم, إستراتيجية ثابتة لإسقاط عملية الصراع, بل لاقتلاعه من جذوره, بعدما ثبت أن الآلة العسكرية بمفردها لن تأتي بالنتيجة المتوخاة في فرض الكيان الصهيوني على العالم العربي, وضمان تامين المصالح الإستراتيجية الغربية, فكان لابد من شق الصف وتحطيم هيكل معادلة الصراع, وذلك بتحييد رؤوس الحربة العربية, وإسقاط القلاع التي تستعصي على التطويع والتطبيع, وتم وضع إستراتيجية”” لاحرب دون مصر ولاسلام دون سوريا موضع التطبيق العملي” ووظفت له كل الإمكانات السياسية والاقتصادية والعسكرية, مابين ردع ودعم, مابين جزل عطاء ومنع وحصار وعقاب, مابين معونات عسكرية واستخدام الآلة العسكرية لتدمير بعض العواصم, مابين احتضان الأنظمة اللينة, وإسقاط الأنظمة العنيدة, فكانت البداية مع الدولة القائدة كما يطلق عليها في علم السياسة, مصر العروبة والتي كانت عمليا رأس حربة في المواجهة الحقيقية من ضمن دول الطوق أو الردع كما كانت مسمياتنا في زمن الصراع, وتم تحييدها عن الصراع الحربي عمليا وقالها العراب الغربي” لاحرب بعد اليوم NO MORE WARE“.
وعليه تم انتهاج إستراتيجية عربية تناسب ه>ا التحول الدراماتيكي, إستراتيجية السلام, والأرض مقابل السلام, وقد انطلى الشعار الجديد على البعض, وتبين أن المطلوب سلام مقابل سلام مع استمرار غطرسة المغتصب, وتهدئة مقابل تهدئة, وسط استمرار الحصار والعقاب الجماعي من قبل السجان الصهيوني, ومرورا بالهجمة البربرية على قلعة الرافدين واحتلال العراق بالعديد من المسوغات الكاذبة والزائفة, وصولا صوب شق المعادلة الإستراتيجية الغربية الأمريكية, حيث أن الصراع رغم برودته المذلة, صراعا معلقا لم يبقى منه سوى اسمه, فلابد من تنفيذ شقه الآخر فلا حرب,,, اقصد الحروب النظامية, وليس حروب المقاومة والتي هي الهدف المستهدف لطمس بعد تنفي> شقي المؤامرة, لابد من استقطاب أو زج أو لي ذراع سوريا صوب معمعان خارطة السلام الصهيو أمريكية,فتدرج الدفع بهذا الاتجاه من التهديد والترويع السياسي إلى الإغراء والترغيب,فكانت ومازالت سوريا على قائمة الإرهاب الغربية الأمريكية, وانتهاك حقوق الإنسان, ومازالت العقوبات الاقتصادية على أشدها, ومحاولة فرض العزلة الكاملة عليها, ومؤخرا إقدام الموساد الصهيوني على اغتيال الرئيس الحريري والمجاهد عماد مغنية, ومحاولة وضع سوريا في دائرة الشبهات, ثم اتوماتيكيا استجلاب محكمة دولية ذات صبغة سياسية له>ا الغرض, بهدف الاتهام المباشر لسوريا تبدأ بأشخاص وصولا لقيادة العليا وانتهاك السيادة السورية والهدف النهائي إسقاط النظام, وزادة وتيرة الضغط بتأليب القوى اللبنانية على القيادة السورية, ومن ثم إجراء مناورات عسكرية صهيونية ضخمة مترافقة مع العدوان على أهداف محددة داخل الأراضي السورية, والإيحاء للسوريين بان عدوان صهيوني بغطاء أمريكي غربي لامناص منه, فكان هدا السيناريو مقدمة للتدخل التركي أو ربما إن صح التعبير التكليف التركي, للعب دور المنقذ لنظام السوري, ومن ثم الإعلان عن انطلاق مفاوضات غير مباشرة بين سوريا والكيان الصهيوني, بل ودفعا باتجاه التطور العكسي الحميد صوب ترجمة الشق الآخر من المعادلة”لاسلام دون سوريا” اعترف الموساد الصهيوني بجريمته بحق اغتيال كل من الحريري ومغنية, وأصبحت المحكمة الدولية لالزوم لها, فالكيان الصهيوني مقنن الصلاحيات بالجريمة فوق القانون لايخشى اغتيال من يشاء, فكلها مؤشرات لتشجيع القيادة السورية للذهاب صوب اتفاقية سلام مع الكيان الصهيوني على غرار اتفاقية كامب ديفيد, ووادي عربه.
وهنا التقت المصالح الأوروبية الأمريكية, فقد تحول الاتحاد الأوروبي بقيادة فرنسا من محرض ضد سوريا, إلى تقارب غير مسبوق, وتجسد دلك التقارب بزيارة الرئيس بشار الأسد للاليزيه الفرنسي, ومن ثم انعقاد مؤتمر القمة الرباعي”السوري ,الفرنسي,القطري, التركي” تحت شعار قمة دمشق” حوار من اجل استقرار” والمقصود بالحوار هنا العملية السلمية ومحاولة دفع سوريا بكل الإغراءات صوب المفاوضات والحوار المباشر مع الكيان الإسرائيلي, وبالتالي فان المصالح التركية الأوروبية الأمريكية تتلاقى عند هدا المفصل الاستراتيجي, فتركيا تفعل المستحيل من اجل الاقتراب من دخول النادي الأوروبي, والاتحاد الأوروبي صاحب المشروع القديم الحديث”البحر متوسطي” تحولت أدواته من مواجهة وتنافس مع المشروع الأمريكي في المنطقة”الشرق أوسطي” من تنافس وتنافر إلى توافق وتناغم, وكل دلك متوقف على اتفاقية سلام بين الكيان الصهيوني والجمهورية السورية التي تعتبر آخر الحصون والقلاع القومية العنيدة الصامدة دون قتال مباشر بل ربما بالوكالة ودعم اذرع المقاومة, وما لها من اثر على حركات المقاومة من جهة, واحتضان أجندات إقليمية متناقضة مع المصالح الغربية, وبالتالي فان الهدف يتلخص في انجاز اتفاقية سلام مع سوريا كقفزة أخرى عن عقدة لب الصراع الفلسطيني الصهيوني, وتحقيق تسوية تضمن إجراءات وقيود على هضبة الجولان لضمان امن الكيان الصهيوني, والاهم هو إبعاد دمشق عن طهران بالمطلق, وإقصاء حركات المقاومة الفلسطينية من سوريا وشل فعالياتها, والتخلي بالمطلق عن دعم حزب الله الذي سيتم تسوية أمره حسب مخطط غاية في الحبكة السياسية والقوة, بعد ترسيم الحدود والانسحاب الصهيوني من شبعا وكفر شوبا.
وبالتالي إن لم يتم انجاز سلام في سقف معلوم وقصير, خاصة أثناء بروز إرهاصات نظام دولي جديد ينطلق من القوقاز, وفي ضل النية بالضربة الحتمية لمنشآت إيران النووية إن لم ينجح احتوائها, فيكون الهدف هو الحوار من اجل الاستقرار على الجبهة السورية الصهيونية سياسيا وعسكريا, وانفتاح الغرب وتركيا الجارة اللدود على سوريا, وضمان استقرار النظام , المهم بدء المفاوضات والحوار المباشر مع الكيان الصهيوني, اخذ في الاعتبار ما لهدا الحوار المباشر من استحقاقات على مجمل الأهداف الغربية الصهيونية الإستراتيجية سالفة الذكر, وترجمة تلك الاستحقاقات من الطرفين عملا لاقولا, وهنا تبرز قضية إعلان مبادئ السلام, والمبادئ في حد ذاتها تضمن التحول المطلوب كاستحقاق لعملية السلام المنظورة, عندها سنشهد تحولات ملموسة, سواء من قبل الغرب ودعمه سياسيا واقتصاديا للنظام السوري, وكذلك الابتعاد السوري عن دعم أي أجندة إقليمية أو حركات مقاومة ضد شريك السلام الجديد, هدا هو المخطط كي يتحقق على الأقل المبادئ الأساسية لإستراتيجية لاسلام دون سوريا, وهدا التطور بحد ذاته سيكون له تداعيات ربما تكون ايجابية على مسار المفاوضات الفلسطينية الصهيونية, ومحاولة تحقيق تسوية شاملة, يسقط من حساباتها كل الأطراف التي تدور في الفلك الإيراني.والأسابيع أو الأشهر القادمة ستشهد تحولات جادة بهذا الاتجاه.