من أية زاوية يراقب فيها الإنسان دينامية التموضعات، والاصطفافات، والولاءات في المشهد ( الإجتما سياسي ) العربي فإنه لا محالة سيزداد تشاؤماً.. وإحباطاً.! وبالضد من منطق الحياة فإن الأمل يتبخر يوماً بعد يوم وكيف لا يتبخر والنخب تزداد عزلتها.. والمذهبيين تزداد مذهبيتهم.. والمتدينين غير المؤمنين يزداد تدينهم وتطول لحاهم…!؟
لقد تمكنت الأنظمة الحاكمة وحلفائها خلال نصف قرن مضى من دفع مجتمعاتها عنوةً لتسير في طرق دائرية لا توصل إلى مكان معلوم غير الهاوية نسبةً إلى التمدن والعصر..! وكان من الطبيعي في مثل هذا المسير الدائري المغلق أن تترسخ عطالة هذه المجتمعات البنيوية الموروثة بحيث تزداد إنتاجيتها لنفسها من الخطوط الحمراء بعد أن أصبحت تكتفي ذاتياً ولم تعد تحتاج لكرم السلطات..! والمفارقة أن كل ذلك حصل في ظلِّ عنواين، وشعارات، تشي بنوايا مختلفة الأمر الذي ترك الأسئلة الكبرى من دون إجابات حتى إذا ما كانت هناك أجوبة لأسئلة الحاضر فإنها تأتي من الماضي الغابر والثقافة المنتهية الصلاحية..!؟
ويمكن التحقق من حجم هذه العطالة المجتمعية إذا ما عرفنا أنه يندر هذه الأيام رؤية أي تشكل مجتمعي له مردود حيث لم تعد توجد على سبيل المثال نقابة واحدة طلابية كانت أم عمالية نسائية أم غير ذلك لا تسير في ركب الأنظمة وبرعايتها بالرغم من أن هذا الشكل من الحراك كان يتسم تاريخياً بالعفوية من حيث أنه ينجم عن تراكم معانات جزئية مباشرة.!
لقد وصلت المجتمعات العربية إلى مرحلة أصبح فيها مجرَّد استمرار التعايش والحفاظ عليه هدفاَ في حدِّ ذاته ما يمثِّل ذروة التردي وهو الأمر الذي تجد فيه الأنظمة الحاكمة التي كانت وراء مسيرة الانحدار مرحلة تلو أخرى سلاحاً فتاكاً يبرر لها الاستمرار في إشهار تعسفها الأمني الشاذ ومراكمة وتوسيع أدوات هذا التعسف الشامل مع صلاحيات مطلقة بما يعني ابتعاداً معلناً وصريحاً عن استحقاق صار برسم العصر أولية لا مساومة عليها في اكتساب الشرعية ويتحدد في منظومة الدولة المؤسسية التي تنعدم في ظلها كل هيمنة شاذة..! لقد باتت مسألة ( الدولة ) هذه خارج كل نقاش على مستوى الشرعية وإن يكن في استطاعة منظومات ما قبل الدولة الحاكمة طيلة النصف قرن البقاء خارج السرب، وخارج الشرعية فمن المتوقع باستمرار أن تساوم هذه المنظومات بشتى الأوراق التي تستطيع الإمساك بها من أجل دوامها و استمرارها كما هي عليه..!
لقد تبين أنه هناك استعداد دائم لدى أطراف الضفة الأخرى لقبول مثل هذه المساومات غير الشرعية أخلاقياً من واقع وحقيقة أسبقية المصالح، والمنافع، والنفوذ..! وقد ترتب على هذه الحقيقة أنه لم يعد مجدياً تجيير قضايا الشعوب إلى مؤسسات الشرعية الدولية أو إحالتها خارج الحدود تحت أي ظرف.! وهكذا بدا أن هذا المناخ الدولي والمحلي شكَّل بيئة مثالية لكي تعم ظاهرة السلبية في فضاء المجتمعات العربية في نفس الوقت الذي أصبحت فيه الديمقراطية وحقوق الإنسان سمة العصر..!
ثم ولكن لقد تفرعت عن هذه السلبية الطاغية ظواهر أشد فتكاً كالإحباط، واليأس، ومن ثم الشعور بالهزيمة التي تستوجب الاستسلام لما يظنه بعضهم بل أغلبهم من أن هذا البلاء هو قضاء وقدر لا مفر منه…!؟