أيمن شحادة
لقد أنعم الله علينا بوطن فيه من المزايا ما تتمنّاه وتحلم به أكثر من ثلاث إرباع
أيمن شحادة
لقد أنعم الله علينا بوطن فيه من المزايا ما تتمنّاه وتحلم به أكثر من ثلاث إرباع شعوب ودول العالم:
– وطن صغير لا وجود للصّحاري فيه، يلتقي فيه البحر مع الجبال ذات القمم العاليه والثّروة الحرجيّة والغابات، وتتخلّل ساحله وهضابه سهول خصبة جدّاً ملائمة لزراعة أكثر من 80% من نباتات الأرض، وتخترق تضاريسه عشرات الأودية ذات الأنهار والجداول الموسميّة أو الدّائمة، ويقع موقعه الجغرافي في مدار ذات مناخ متوسّطي معتدل تحلّ عليه الفصول الأربعة بتعريفها الطبيعي البيئي المثالي، خريف ماطر معتدل الحرارة إلى بارد، شتاء قارس كثيف الأمطار والثّلوج، ربيع مزهر معتدل الحرارة وماطر نسبيّاً، صيف عديم الأمطار حار رطب على الساحل ومعتدل جافّ في المرتفعات، يهطل على أرضه سنويّاً ما يوازي الـ 800 مم من الأمطار هي الأعلى في المنطقة وكامل الوطن العربي.
– وطن ذات تاريخ عريق سنّت فيه أمّ الشّرائع ومرّت عليه حضارات عديدة على مدى ما يقارب الـ 7 آلاف عامّ كالـ الفينيقيّن والكنعانيّين والآشوريّين والكلدانيّين والإغريق والفراعنة والرّومان والصّليبيّين والأمويّين والعبّاسيّين والمماليك والعثمانيّين والفرنسيّين وغيرهم، وتشهد على عهودهم قلاع وآثار مدن كجبيل، صيدا، صور، بيروت، بعلبك، وطرابلس وعنجر وبيت الدّين والشّقيف وغيرها، هذا بالإضافة إلى العشرات من المواقع والمباني والجسور والصّروح والبيوت الأثريّة التّاريخيّة المنتشرة عبر كافّة أرجاء الوطن،
– وطن اكتسب صفة الدّولة بدءاً من الإمارة بحكم ذاتي تحت سلطة العثمانيّين منذ أكثر من 300 سنة تعاقبت على حكمه العديد من الأسر الإقطاعيّة من مناطق مختلفة، ليتحوّل مع حلول العام 1870 إلى نظام متصرّفيّة وقائممقاميّات، ومن ثمّ تحوّل إلى جمهوريّة تحت الإنتداب الفرنسي في مطلع عشرينات القرن الماضي ليخرج بعدها من الوصاية الفرنسيّة ويصبح جمهوريّة مستقلّة في العام 1943، وبهذا يكون لبنان واحداً من أقدم الكيانات القائمة في التّاريخ المعاصر والتي استحوذت على حكم المؤسّسات والإدارات المدنيّة والبلديّات والأمن الذّاتي أيضاً إذ أنّ قوى الأمن الدّاخلي اللبنانيّة (شرطة ودرك) احتفلت مؤخّراً بمرور 145 عام على تأسيسها (طبعاً بإذن من المتصرّف العثماني آنذاك).
– وطن يقع على السّاحل الشّرقي للبحر الأبيض المتوسّط ويشكّل موقعاً جغرافيّاً مميّزاً، ففيه كان فجر صناعة السّفن قبل آلاف السّنين ومنه انطلقت أولى رحلات استكشاف ما وراء أعالي البحار، وعبره نشأت وتطوّرت حركة التّواصل والتّجارة بين مختلف أرجاء المعمورة.
– وطن يقبع في مهد الحضارات و في قلب أرض الرّسل والأنبياء، يضمّ تنوّعات بشريّة من كافّة الأديان السّماويّة نجحت في إبقاء تماسكها وترابطها عبر مئات السنّين على الرّغم من المحن والفتن التي كانت تعصف في المنطقة بين الحين والآخر نتيجة قدوم حضارات وانحسار أخرى.
– على الرّغم من الإضطرابات والأزمات والحروب التي مرّت على لبنان منذ مطلع القرن التّاسع عشر، إلاّ أنّ الشّعب نجح نسبيّاً في دفع عجلة التقدّم إلى الأمام، فتمّ تأسيس الجامعات كالأمريكيّة واليسوعيّة وكليّة بيروت الجامعيّة قبل حوالي 150 عاماً وتمّ إنشاء المعاهد التّدريبيّة والمهنيّة تباعاً لتتبعها حركة المصانع والمصارف والبنوك والمؤسّسات التّجاريّة الحديثة والمستشفيات وشركات النّقل البرّي والبحري وشركات الطّباعة ووكالات الصّحافة ونقابات المهن والإتّحادات العمّاليّة مع نهاية ذلك القرن، إلى أن أصبح لبنان مع بداية سبعينيّات القرن العشرين بلا منازع رائد الدّول العربيّة في القطاعات التّعليميّة والإستشفائيّة والطبيّة والتّجاريّة والمصرفيّة والسياحيّة والخدماتيّة والإعلام والإعلان والصّحافة والنّقل البرّي والبحري والجوّي وكذلك في آليّات عمل الأجهزة الحكوميّة سياسيّاً اقتصاديّاً وماليّاً واجتماعيّاً وقضائيّاً وبيئيّاً، كما كان لبنان عبر أدبائه وشعرائه وفلاسفته في لبنان وفي المهجر أيضاً علامة فارقة بامتياز في عالم الثّقافة والأدب والفلسفة والشّعر، هذا بالإضافة إلى تقدّمه الملحوظ آنذاك في مضامير الفنّ والسينما والمسرح والتليفزيون والمهرجانات المحليّة والدّوليّة، …… فاستمرّت خطى التقدّم والنموّ وإن بخطى متفاوتة ….. إلى أن اندلعت الحرب الأهليّة المشؤومة في العام 1975 وأعادت البلاد عشرات السنين إلى الوراء على الرّغم من تمكّن لبنان بعد انتهاء الحرب عام 1990 وحتّى يومنا هذا من استعادة بعض ما كان عليه قبيل اندلاعها.
ولكن ما يدور ويحدث في لبنان حاليّاً في كافّة المجالات وعلى كافّة المستويات يكاد يؤكّد بأنّنا لا نستحقّ وطناً كهذا، لا بل يوحي وكأنّنا نكاد نكون غرباء عن كلّ هذا التّاريخ وهذه الحضارة والثّقافة والإنجازات، ….. ما يقوم به غالبيّتنا لا يمكن أن يصدر عن شعب يعهد الرقيّ والعراقة والأخلاق العالية.
ماذا لدينا حاليّاً في لبنان ؟ ما هي المواصفات “الطاغية” لا “الشّاملة” التي تغلب علينا في الوقت الرّاهن ؟
– دولة ذات جسم سياسي متصدّع تنهشه المحاصصة المذهبيّة والطائفيّة
– دولة تشكّل المساعدات الخارجيّة والتّسهيلات المصرفيّة والقروض الدّوليّة جزءاً أساسيّاً من ميزانيّتها
– وطن يرزح تحت ديون داخليّة وخارجيّة هي نسبيّاً الأعلى في العالم (13000 دولار عن كلّ مواطن لبناني)
– مؤسّسات حكوميّة لا تشبه المؤسّسات، يعتريها الفساد والرّشاوي وسوء الإدارة، وتعجّ بالمحسوبيّات والأزلام الفاشلين الذين لم تكن الكفاءة هي جواز المرور لتعيينهم بل كانت تدخّلات ووصايات مرجعيّاتهم السّياسيّة هي السّبيل لتحقيق ذلك، فازدادت معاناة المواطنين، وارتفعت درجة يأس المغتربين، وتعاظمت خيبة أمل المستثمرين، وذلك بسبب التّعقيدات والبيروقراطيّة واللاإنتاجيّة في الدّوائر الحكوميّة مع العلم أنّ رواتب الموظّفين والإداريّين فيها هي الأعلى في الدّول العربيّة بعد الدّول النّفطيّة.
– أجهزة تفتيش ورقابة مشلولة وعاجزة عن القيام بعملها بسبب المحاصصة الإداريّة واستحالة المحاسبة
– أحزاب سياسيّة تتّخذ من السّلم الأهلي والوحدة الوطنيّة والعروبة شعارات لها، فيما هي تعمل على تحقيق رؤياها الخاصّة الضيّقة المتمحورة على المصالح الشّخصيّة أو الفئويّة أو المذهبيّة
– طاقم سياسي متخلّف سياسيّاً، يفتقد إلى الحدّ الأدنى من الوعي الثّقافي والإجتماعي، كما إلى أدنى درجات الأدب والأخلاق في خطابه السّياسي، وبعضه يفتقد حتّى إلى الإتّزان الأخلاقي والإنساني، فأمسى الإسفاف واتّهامات العمالة والإرتهان والتّخوين جزء أساسي من الكلام السياسي اليومي لفرقاء الوطن في التّخاطب فيما بينهم.
– قواعد شعبيّة بلا قناعات سياسيّة، تدعم وتؤيّد توجّهات وقرارات مرجعيّاتها السّياسيّة دون تفكير أو مسائلة أو مناقشة، فهي تسير غرائزيّاً وعالـ”عمياني” في الإتّجاه الذي تنتهجه مرجعيّاتها حتّى ولو قرّرت يوماً تلك المرجعيّات فجأة ودون تبريرات منطقيّة تحويل المجرم إلى بطل، أو العدوّ إلى صديق، أو العكس.
– تيّارات سياسيّة امتهنت “العهر السّياسي”، تساهم عبر تصاريح ممثّليها ووسائل إعلامها في إشاعة جوّ من التّشاؤم والعداء مبشّرة بمقدّمات لحرب أهليّة مقبلة وكأنّ اتّفاقات التّفاهم والتّقارب وطيّ صفحات الماضي لم تكن سوى دجل ونفاق وذرّ الرّماد في العيون، …. ما يوحي أنّهم نادمون على التّنازلات التي قدّموها من أجل إنجاز التّوافق، ولهذا السّبب يبحثون عن أيّ خبر يخصّ حادث أو إشكال لكيّ يبادروا إلى تضخيمه وتعظيم شأنه وبثّه عبر الإعلام بشكل إستفزازي لإستثارة الغرائز ورفع درجة الإحتقان، ومن ثمّ كيل الإتّهامات المتبادلة وصولاً إلى إدانة كلّ طرف للطّرف الآخر ….. لعلّ ذلك قد يسهم في زيادة الخلاف والتّباعد والفرقة بينهم … إلى أن يتحقّق الإنهيار المنشود والحرب الأهليّة وخراب البلد.
– ميليشيات مسلّحة ومربّعات أمنيّة وسباق تسلّح غير معلن تحت شعار إعداد العدّة والإستعداد لعدوان إسرائيلي محتمل، وذلك نتيجة عدم أهليّة أحد وعدم قدرة أحد على وضع معايير تعرّف العمل “المقاوم” وتضبط أطره، كـ: من يحقّ له التّسلّح، ما هي نوعيّة التسلّح، حدود رقعة التحرّك، صلاحيّة نقل السّلاح، ….إلخ، خاصّة وأنّ نصرالله كزعيم للفصيل العسكري الأساسي والوحيد تقريباً في قوّة “المقاومة”، يرفض ضبط سلاح “المقاومة” أو تنظيم وجوده تحت لواء الشّرعيّة اللبنانيّة مع العلم أنّه بات هو وحزبه السّياسي جزء منها، ممّا يفتح المجال “الشّرعي” تلقائيّاً أمام كلّ تيّار سياسي أو تجمّع شعبي لبناني لكي يأسّس جناحه العسكري أيضاً تحت شعار مقاومة إسرائيل، وعندها على الدّولة أن ترضخ لهذا الواقع وتبحث عن آليّة “للتّعايش” مع هذا الواقع تماماً كما هي الحال مع حزب نصرالله وسلاحه “المقاوم” إذ أنّه لا يحقّ لأحد أن يحتكر العمل “المقاوم”، فإمّا أن تظلّل الدّولة الجميع … وإمّا ….. لا أحد، …. ولا إمكانيّة للمساومة في هذا الأمر، ولكن المثير والمقلق في الأمر أنّ هناك أطراف عديدة تعمل على دفع الأمور نحو تكريس معادلة “العمل المقاوم المستقل تماماً عن الدّولة” بهدف إعادة إحياء منطق الدّويلات والجزر الأمنيّة واللجان الأمنيّة ولجان الإرتباط …….. وبالتّالي تفكّك وانهيار الدولة.
– أحزاب سياسيّة أساسيّة تنشر عصاباتها وزعرانها في مختلف المناطق والشّوارع والأزقّة وتوعز لهم بافتعال الإستفزازات والمشاكل والإعتداءات والمواجهات المتنقّلة عبر المناطق اللبنانيّة، ثمّ تظهر عبر الوسائل الإعلاميّة لتستنكر هذه الأفعال المؤذية، ولتوزّع الإتّهامات، ولتعطي الدّروس والمحاضرات عن خطورة مثل هذه المسائل وضرورة بذل المستحيل لمنع امتدادها أو تكرارها …. ولكن دون الإقدام على أيّ خطوة جازمة وحازمة …. والإكتفاء بالتّصاريح المستنكرة والمدينة.
– شوراع تملؤها صور السياسيّين من مختلف التيّارات والتّوجّهات، تعلوها عبارات الشّكر والتّعظيم والتّبجيل والتّمجيد لدرجة توحي وكأنّ هذه الصّور هي لرسل وأنبياء معصومين جدد لم نكتشف بعد أنّهم مبعوثون من السّماء، وإذا ما تجرّأ أحدهم على إزالة صورة لشخصيّة مناوئة أو منع الآخرين من تعليق الصّورة ولو حتّى على حائطه الخاصّ، فالويل له من غضب مناصري تلك الشّخصيّة والذين سيعتبرون هذا التّصرّف بمثابة إهانة مباشرة لهم ولزعيمهم ولعقيدتهم، وسيتصرّفوا حسبما تمليه عليهم غرائزهم وجهلهم ودرجة زعرنتهم …… وربّما يفعلون ذلك بناءً على نصائح وتوجيهات وتمنّيات مرجعيّاتهم …. المقدّسة.
– احتقان طائفي ومذهي هو بالتّاكيد الأخطر في لبنان من نشأته، ولا أحد يعمل بشكل جدّي لوأد فتنته.
– بلد يعاني من قذارة بيئيّة تتسبّب بها شريحة كبيرة من المواطنين ممّن يجهلون أو يتجاهلون مفهوم النّظافة العامّة والخاصّة، و يزيد من سلبيّاتها نسبة مرتفعة من المغتربين اللبنانيّين الذين على ما يبدو لم يستوعبوا النّظافة في بلاد الإغتراب إلاّ خوفاً من العقاب وليس إنطلاقاً من الحسّ بالمسؤوليّة، هذا بالإضافة إلى الأوساخ والقاذورات تتطاير من السيّارات والباصات وكأنّ هذا المشهد بات جزءاً من تقاليدنا وعاداتنا.
– بلد يعاني فوضى حركة السّير والقيادة التي باتت واحدة من المعايير الأساسيّة الحديثة في تقييم حضارة وأخلاق الشّعوب، فلا إحترام للقوانين العامّة (إشارات، سرعة، إنتظام، أفضليّة المرور، إقتناء الضّروريّات كعلبة الإسعافات الأوّليّة، إسطوانة الإطفاء، مثلّث الإنذار، … إلخ)، وكذلك إلى أبسط شروط السّلامة العامّة ما يعرّض حياة السّائق وكذلك حياة الآخرين للخطر، وهنا يلاحظ المرء بسهولة مدى تمادي الكثيرين وبالأخصّ من أصحاب السيّارات الفخمة (من مقيمين ومغتربين) في “عنطزتهم” ومحاولتهم “التّكبّر” ولفت الأنظار حتّى لو كلّف الأمر تهديد سلامة الآخرين، خاصّة وأنّهم عندما يجلسون داخل سيّاراتهم الفخمة …كما يقال بالعاميّة (لا يعود بإمكان رأسهم أن يحملهم) وقد يتطلّب الأمر التّجاوز بـ”مرجلة” أو القيادة بصورة متهوّرة وجنونيّة لإثارة إعجاب هذه الفتاة أو تلك المرأة.
– بلد تُحرِّك شريحة لا بأس بها من شعبه المادّة لا القِيَم ، يعشق المظاهر، ويهوى المبالغة والمغالاة و”التّفنيص”، ويدّعي تملّك ما لا يملك، ويدّعي فهم ما لا يفقه.
– بلد تتعرّض أملاكه ومرافقه العامّة والخاصّة للإستباحة وللتّجاوزات الكبيرة المستمرّة على يد أزلام ومستلزمي العصابات واللصوص …. وكأنّ التمرّد والخروج عن القانون قد بات جزء من ثقافتهم وأخلاقهم، فما أنشط هؤلاء في المسارعة إلى البناء في الأملاك العامة عند أيّ اهتزاز أمني في محاولة لتكريس واقع “العقار” الجديد على أمل أن يحصلوا لاحقاً على تعويض “محترم” للإخلاء، وما أنشطهم في سرقة الكهرباء من الخطوط العامّة، وأيضاً في سرقة خطوط الهاتف، هذا بالإضافة إلى تمنّعهم عن تسديد فواتير الكهرباء والماء والهاتف والضرائب، لا بل ومنعهم الجباة من دخول مناطقهم تحت طائلة التّهديد بالضّرب وصولاً إلى الإختطاف وأحياناً القتل، غير آبهين بالقوى الأمنيّة التي لا تجرؤ على القيام بأيّ خطوة أمنيّة في تلك المناطق لاعتبارات عديدة.
فباتت مناطقهم ملاذاً آمناً للخارجين عن القانون وعلى وجه الخصوص لعصابات سرقة السيّارات والدّراجات بحيث تجوب شوارع أحيائهم الكثير من المركبات المسروقة واللاقانونيّة وحتّى تلك التي لا تصلح للسّير، وذلك بكلّ حريّة وسط عجز القوى الأمنيّة عن اتّخاذ أيّ خطوات وقائية تحول دون حدوث ذلك.
– شبكة طاقة كهربائيّة دون المستوى الأدنى المطلوب، وذلك بسبب تعرّض مرافقها للقصف والتّدمير على يد سلاح جوّ العدوّ الإسرائيلي (5 مرّات منذ العام 1996 وحتّى 2006)، وكذلك للسّرقة والنّهب على أيدي عدد من اللصوص اللبنانيّين وأسيادهم من الإستخبارات العسكريّة السّوريّة خلال حقبة الوصاية.
– تغذية دون المستوى لمياه الشّفة، ومناطق كثيرة محرومة منه بسبب انعدام التّخطيط السّليم للإستفادة من الثّروة المائيّة الهائلة، فلبنان بلد غنيّ بالأمطار والثّلوج والمياه الجوفيّة، ولكن أكثر من 80% من المتساقطات السنويّة تذهب هباءً في البحر.
– قطاع زراعي غير مستغلّ بأكثر من 50% من قدراته مع العلم أنّ في لبنان سهولاً جبليّة وساحليّة هي بالتّأكيد الأخصب في غرب آسيا والعالم العربي والمجدية كثيراً في الإستصلاح الزّراعي على جميع أنواعه تقريباً.
كما أنّ إنتاجه الحالي يتعرّض لمنافسة شديدة من الإنتاج الخارجي دون أيّ إجراءات جمركيّة منطقيّة تحمي الإنتاج الوطني على غرار ما يحدث في الدّول المتحضّرة
– قطاع طبّي وإستشفائي يفوق بكثير قدرات المواطن اللبناني العادي، فمعاينة الطبيب العام تصل إلى حدود الـ 50 دولار، والإختصاصي 100 دولار، فيما يصل سعر الإقامة لليلة واحدة في الدّرجة الثانية في المستشفيات الجيّدة إلى 1500 دولار دون احتساب رسوم معاينة الطّبيب أو الأدوية بعد.
– قطاع تعليمي مدرسي وجامعي بأقساط مرتفعة جدّاً في المؤسّسات الخاصّة التي تشكّل أكثر من 85% من الجسم التّعليمي بحيث يتراوح قسط التّلميذ الإبتدائي من 1500 إلى 4000 دولار، الطّالب الثانوي من 2000 دولار إلى 7000 دولار سنويّاً، والطّالب الجامعي حسب الإختصاص من 6000 دولار إلى أكثر من 20000 دولار سنويّاً.
كما يبلغ سعر كتب التّلميذ الإبتدائي في العام الدّراسي الواحد أكثر من 500 دولار، وكتب الثانوي حوالي 800 دولار بحيث أنّ المناهج تتبدّل باستمرار أو أنّ الكتب تكون نصّ وكتابة فيصعب عندها بيع الكتب مع نهاية العام الدّراسي للنّاجحين الجدد، أو استغلالها من قبل الأشقّاء الأصغر.
– قطاع سياحي يكاد يكون مجهولاً في العالم، فيه من المعالم السياحيّة الأثريّة التّاريخيّة والطّبيعيّة والتّرفيهيّة ما يؤهّله لأنّ يكون ضمن طلائع الدّول السياحيّة في العالم كاليونان وتركيا وإسبانيا وإيطاليا، فصحيح أنّ قلعة بعلبك بمعبد باخوس هي أعظم وأضخم بكثير من الـ”أكروبوليس” في اليونان، وأنّ قلعة بيبلوس في مدينة جبيل التي يزيد عمرها عن 6000 عام هي من أقدم القلاع الأثريّة التي لا تزال قائمة في العالم، وأنّ سفوح وهضاب جبال الباروك والكنيسة وصنّين والمكمل هي من المناطق البيئيّة المثاليّة بأرضها وهوائها ومياهها النقيّة والملائمة لمنتجعات الإستشفاء والعلاج الطّبيعي، ولكن كلّ هذه المعالم هي غير معروفة على الإطلاق لدى شعوب العالم الغربي، والسبب يعود إلى التّقصير الكبير في هذا المرفق الهام وانعدام التّخطيط السّليم خاصّة على المستوى الدّولي سوى من بعض الظّهور الخجول في عدد من المعارض السّياحيّة الدّوليّة.
– وطن كالمزرعة، فيه سوق عمالة أجنبيّة بدون ضوابط واضحة ودون أخذ وضع اليد العاملة المحليّة بأيّ اعتبار، فلا أحد يعرف فعلاً ما هي الشّروط التي يمنح على أساسها العامل الأجنبي إجازة عمل، خاصّة وأنّ غالبيّة هؤلاء من الفليبينيّين والسيريلانكيّين والهنود والمصريّين والسودانيّين والأتراك والأكراد والباكستانيّين والبنغاليّين يتقاضون أجوراً تقلّ كثيراً عن الحدّ الأدنى للأجور، هذا بالإضافة إلى أكثر من نصف مليون عامل سوري يعملون في قطاع البناء والزّراعة والتّنظيف والبيع في الشّوارع وخدمات التّوصيل إلى المنازل، وذلك دون الحاجة إلى أيّ رخصة عمل ودون تأمين صحّي أو إجتماعي ودون دفع أيّ رسوم أو ضرائب للدّولة اللبنانيّة.
– وطن تقطع أشجاره لصناعة فحم “الأراكيل”، وتقتل حيواناته وطيوره في ممارسة رياضة الصّيد، وتنتهك أنهاره وجداوله لإنشاء المنتزهات السّياحيّة، وتدمّر بيئة مياه ساحله نتيجة استعمال الديناميت في صيد الأسماك، وتقطّع جباله لإستخراج الحجر والبحص والتّرابة، …… وإلى ما هنالك من انتهاكات تجرّد الإنسان من إنسانيّته ومن أخلاقيّاته أيضاً.
وهذا غيض من فيض، فكيف يمكن للمرء أن يستوعب أنّ لبنان الحالي الذي تتسابق الزّعامات على تحطيمه وتدميره وتقويضه وتقسيمه، هو نفسه لبنان الذي حافظ عليه شعبه عبر تاريخ وحضارات وإنجازات امتدّت لآلاف السّنين ؟
في ظلّ هذه المعطيات غير المبالغ بها على الإطلاق، كيف سيكون لنا يوما ما وطن ننعم فيه بالأمن والأمان والإطمئنان ؟ كيف سنكون شعباً واحداً يتمتّع بإحساس الإنتماء والوفاء والولاء للوطن ؟ كيف لنا أن نفتخر بتاريخنا … والفخر بالتّاريخ لا يمكن أن يكون إلاّ بترابط وإنسجام مع شيء من الحاضر ؟
أيمن شحادة