بقلم: علي الصراف
ليس جديدا على إيران انها تهدم مساجد أهل السنة. ليس جديدا أيضا أن تنظر الى السنة في كل مكان، وليس سنة إيران وحدهم، على أنهم “عدو”.
المشروع الصفوي، الذي منح الهيمنة للأقلية الفارسية تحت ستار التشيع، قائم برمته على إستعداء السنة. ومن دون هذه العداوة لا يعود لهذا المشروع أي معنى.
صفويو المشروع الإيراني حولوا التشيّع الى مذهب سياسي، واندفعوا فيه ليبلغ، في إنشقاقاته وتمايزاته وبُدعه، مرتبة الدين المضاد للإسلام، فقط من اجل أن يجعلوا منه سلاحا يصهر بالقوة الأقليات الإيرانية، ويوحدها، زورا وبهتانا، تحت راية “التشيع”.
الآن، وبينما لا يشكل الفرس اكثر من 45% من مجموع سكان إيران، فان “الشيعة” (او بالأحرى “المستشيعون”) يشكلون اكثر من 80% من مجموع السكان. ولكي يجد “الإستشياع” لنفسه مبررا، فقد إتخذ من معاداة المسلمين السنة هدفا له.
ولا يمتلئ الإستشياع الصفوي بالبُدع والخرافات والإفتراضات القائمة على تزوير التاريخ، إلا من اجل ان يحوله المستشيعون الى دين آخر مضاد يكاد لا يُبقي من الإسلام شيئا، بما في ذلك الموقف من الرسول محمد (ص) الذي يقول مستشيعو الصفوية ان الرسالة نزلت عليه بالخطأ، وأنها كان يجب ان تنزل على علي بن أبي طالب.
ولو أمكن إحصاء الخرافات المماثلة والكثيرة التي يبثها صفويو الإستشياع الإيراني، لكان من الواضح انهم لا يمزقون ثوب الإسلام، ولكنهم يقيمون ديانة جديدة تقوم على عبادة “آل البيت” وتأليههم ورفعهم فوق منزلة البشر، حتى وهم يعرفون ان نبي الإسلام ورسوله لم يكن هو نفسه “إلا بشر مثلكم”.
والخدعة في “محبة آل البيت” هي انها لا تحبهم لأنفسهم او لقرابتهم للرسول، بل لتجرهم بعيدا عن بقية المسلمين، ولتحولهم الى أوثان تجري عبادتها بديلا عن عبادة الله.
الدافع من كل هذا، على أي حال، ليس “محبة آل البيت” لأنهم من آل بيت الرسول. الدافع سياسي فحسب. عنصري قومي فحسب. فالفرس الذين خسروا إمبراطوريتهم بفضل الإسلام، كرهوه كره العمى، وتسللوا اليه ليكسروا شوكته وليهدموه من الداخل من أجل ان يستعيدوا تلك الإمبراطورية التي ما من إيراني اليوم إلا ويتحدث بأمجادها وبرموزها من “الملوك العظام”.
هذا هو السبب الذي جعل من الإستشياع “دينا آخر” مضادا للإسلام. وهذا هو السبب الذي يقف وراء إستعداء السنة. وهذا هو السبب الذي يبرر لآيات النفاق ان يهدموا مساجد المسلمين السنة.
وبالجرافات، لا بشيء سواها، هدم الحرس الثوري الإيراني الأربعاء الماضي جامع ومدرسة الإمام ابو حنيفة في بلدة “عظيم آباد” بمدينة زابل، وقاموا بتسويتها بالأرض.
ولو كانوا يهودا، لما فعل الحرس الثوري الإيراني بمكان عبادتهم ما يفعله منافقو نظام “آيات الله” بالمسلمين السنة.
وفي الواقع فان المعابد اليهودية، لأسباب تتعلق بالسياسة أيضا، تحظى بكل الحماية في إيران.
الحقد على المسلمين، وعلى الإسلام، هو وحده الذي يفسر حملة الإبادة الغوغائية التي شنها مستشيعو الصفوية في العراق. فبعد أن وفر لهم الإحتلال الذريعة بهدم مرقد الإمامين علي الهادي وحسن العسكري في سامراء في فبراير/شباط 2006، إندفعوا ليحرقوا المساجد وليقتلوا الآلاف من البشر على الهوية في موجة حولت العراق الى مسلخ للأبرياء الذين ظلت جثثهم تلقى في الشوراع.
لم يسأل الغوغاء، ما إذا كان الإحتلال هو المسؤول؟ لم يسألوا كيف ظل المرقدان يحظيان بالحماية والتكريم على امتداد المئات من السنوات من دون ان يتعرض لهما أحد بسوء. لم يسألوا كيف لمدينة، تعيش على خدمة زوار المرقدين، أن تهدم بأيديها مصدر عيشها. فالأسئلة ليست مما يشغل الغوغاء. والحقد الأعمى لا يترك، بطبيعته، حيزا للتفكير. ولهذا كان القتل والحرق والهدم هو “الرد” الوحيد المتاح.
وثمة للحقد آيات.
وثمة للنزعة الإنتقامية من المسلمين آيات، إنما تحت ستار الإسلام و..”محبة آل البيت”.
ويمول الإستشياع الصفوي الكثير من جرائم القتل والتعذيب وشتى أنواع الإنتهاكات في العراق، ولكن، احزر، تحت أي ستار؟
“المظلومية”، هي هذا الستار.
ولا تقصد “المظلومية” المزعومة “ظالما” سوى السنة. لا إسرائيل ولا الولايات المتحدة ولا الإستعمار القديم او الحديث، ولا الإمبريالية، ولا التخلف الإجتماعي او الإقتصادي، ولا أي شيء آخر. الظالمون، من وجهة نظر الإستشياع الصفوي هم السنة. هم والإسلام الذي يمثلونه والعبادة التي يعبدونها، والصلاة التي يصلونها (مكتوفي اليد أمام الله). هؤلاء هم الظالمون. ولا أحد سواهم. وليست أعمال القتل التي يتعرضون لها سوى نوع من “تصفية حساب” تاريخية للظلم “التاريخي” الذي تعرض له “الشيعة”.
وقد يكون السنة هم أي إنسان بريء، جاري أو جارك، إلا انهم من منظور “المظلومية” أعداء، ويجوز قتلهم في حمى الثأر من “تاريخ” لم يروه ولا عاشوا أحداثه ولا مارسوا ظلما فيه.
هؤلاء هم الأعداء. وليس الغزاة. فهؤلاء بالتواطؤ الضمني الراهن حلفاء وأصدقاء.
وماذا كان “الظلم”؟
“الظلم” المزعوم هو ان الخلافة لم تذهب لعلي بن أبي طالب (رض) بعد وفاة الرسول. كما انها لم تذهب لأبنائه من بعده من دون سائر الصحابة والمبشرين بالجنة، دع عنك سائر خلق الله.
والخلافة سلطة. والصراع عليها أمر كان قائما في قريش قبل الإسلام، وظل قائما بعده.
الخلفاء الذين تولوا السلطة بعد وفاة الرسول، بنوا دولة مترامية الأطراف، وحكموها بالكثير من قيم الإسلام وأخلاقياته، وبالقليل مما يفعل البشر من أخطاء، وهي آلت الى علي بن أبي طالب، ولم يخسرها إلا طعنا من داخل معسكره. وكان من الطبيعي ان تؤل الى الطرف الأقوى.
“المظلومية” في الصراع كان يمكن ان تكون مظلومية للأمويين الذين خسروا الخلافة للعباسيين، ولهؤلاء تجاه المغول، ولكنها لم تبق حكرا على الإستشياع الصفوي إلا لأنها كانت تغذي العداء تجاه السنة.
التشيع الصفوي، على اي حال لم ينشأ كحزب سياسي، إلا بعد مرور تسعة قرون من وفاة علي بن أبي طالب عام 661م.
خلال تلك القرون كان “حب آل البيت” جزءا من الإسلام، لا مشروعا مضادا لهدم الإسلام. وهو ما بقي الشيعة العراقيون يجسدونه. وظلت العروبة حاديهم فيه. ليروا انها أصل من اصول الإسلام، ومن هذا الأصل جاء قوله تعالى: “إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون”.
والشيعة العرب، مثل شيعة العراق، يحبون آل البيت لأنهم منهم، لحما ودما. ولنا في تبجيل المصريين لمرقد الحسين والسيدة زينب (عليهما السلام) أسوة حسنة.
ولكن ثمة قرآن آخر، فارسي، تملأه البدع التي ما أنزل الله بها من سلطان، كما تغمره الأكاذيب وأعمال التزوير التاريخية. اما ستاره فكان نفاق “المحبة” المزعومة لآل البيت. ولكن، ليس كأي محبة، وإنما المحبة في مواجهة خصوم من قبيل أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان وعائشة (رضي الله عنهم)، ومن قبيل كل الذين نصروا الإسلام وآزروه وقادوا دولته ولم يكونوا من أبناء فاطمة الزهراء.
قرآن التشيع الصفوي هذا ظهر على أيدي صفي الدين الأردبيلي قبل ان يتحول الى مذهب رسمي للدولة الفارسية على ايدي إسماعيل ميرزا، او الشاه إسماعيل الأول بين عامي 1501 و1524م، الذي إستخدمه لتوحيد إيران عن سبيل القهر والقسر والفرض.
وكانت إيران، قبل ظهور مشروع الإستشياع، دولة إسلام تتبع فيه فقها متنوعا، وتأخذ بسنة رسول الله، من دون ان تعرف، كغيرها من دول الإسلام، انها “سنية” بالمعنى السياسي المضاد.
ونجح المشروع الصفوي ببعث دولة بدت موحدة وقوية.
وبفضل القهر، أصبح السنة هم العدو الأوحد للإستشياع الصفوي.
ومنذ ذلك الوقت ومساجد أهل السنة تهدم تحت شعار “المظلومية”.
وكان من الطبيعي لآيات النفاق الصفوي أن يجمعوا الأمرين معا: قتل الأبرياء، واللطم على الحسين؛ إغتصاب النساء، وتأليه فاطمة الزهراء؛ التواطؤ مع الغزاة، والزعم انهم أعداء؛ هدم بيوت الله، والزعم انهم مسلمون، والإسلام منهم براء.
قد تكفي فكرة “المظلومية” وحدها لتبدو كفضيحة قائمة بذاتها، لأنها تستعدي مسلمين أبرياء وتهدم بيت دينهم من داخله. ولكنها بهدم المساجد بالجرافات، وبالقتل على الهوية، تكفي دليلا على حقد أعمى ضد الإسلام نفسه.