مواقع إلكترونية، عادة ما يستخدمها تنظيم القاعدة، مؤخرا لكتاب جديد يحمل عنوان “حزب الله اللبناني والقضية الفلسطينية: رؤية كاشفة” عرض خلاله أحد أبرز “مفكري “التنظيم المعروف باسم “عطية الله، الموقف من حزب الله وارتباطه بإيران، وحاول تقديم شرح لأهدافه. وتميّز الكتاب باستخدام كاتبه لأسلوب فريد وتعابير غير معتادة في بيانات تنظيم القاعدة وخروجه باستنتاجات جديدة.
فالشيعة بالنسبة للكاتب ليسوا مذهب أو طائفة، بل أصحاب “دين وضعي،” وإيران دولة قومية، وليست مجرد “دولة مجوس،” وعداؤها مع إسرائيل وأمريكا “حقيقي”، لكنه يدور حول السيطرة على المسلمين، وما حزب الله في هذا الإطار سوى تنظيم يتخذ “القضية الفلسطينية” مطية لنشر التشيّع بين المسلمين، مخترقاً حركات، مثل الجهاد الإسلامي وحماس.
عطية الله.. شيخ الزرقاوي
ويحمل الكتاب توقيع “أبو عبدالرحمن عطية الله”، وعليه شعار “مؤسسة السحاب” المسؤولة عن نشر بيانات تنظيم القاعدة وذراعها الإعلامي.
ونجد في بعض المواقع الإلكترونية المحسوبة على خط تنظيم القاعدة الفكري رسائل تعرّف بالكاتب “عطية عبد الرحمن”، أو أبو عبدالرحمن عطية الله”، حيث يوصف بأنه “قيادي في القاعدة” تلقى دراسته الدينية في موريتانيا قبل أن ينتقل إلى أفغانستان، حيث التقى “كبار قاده القاعدة.”
وبرز اسمه كثيراً خلال الفترة التي كان فيها أبو مصعب الزرقاوي يتولى قيادة تنظيم القاعدة في العراق، قبل مقتله عام 2006.
ويقال إن الزرقاوي قدّمه ووطد موقعه لحاجته إلى معرفته بالعلوم الدينية، ويعتقد البعض أن الكاتب هو نفسه “لويس عطية الله”، الذي يدافع عن وجهة نظر تنظيم القاعدة بمشاركات على المنتديات تحمل نفساً ساخراً.
ولعطية الله أسلوب مميز في عرض الأفكار، يختلف عن سائر كتاب التنظيم، وقد جر عليه ذلك غضب المتشددين، بعدما انتقد بيانات القاعدة التي تبالغ في نتائج العمليات وتستخدم تعابير مفخّمة، الأمر الذي دعا الزرقاوي نفسه إلى الدفاع عنه ببيان خاص، حمل عنوان “دعوا عطية الله فهو أعلم بما يقول”، قال فيه إن الأخير هو “أخ كبير”، و”هو الشيخ وليس أنا، فما أنا إلا رجل من رجالات المسلمين.”
الثورة “الشيعية” وإيران “الفارسية”
وبالعودة إلى الكتاب الذي بين يدينا، فإن عطية الله يبدأ بشرح سبب تدوينه، بالقول إنه أعده ليكون مقالاً في مجلة “طلائع خرسان”، غير أن حجمه الكبير دفعه إلى وضعه في كتاب مستقل.
واللافت أن الكاتب يشير إلى أن الكتاب كان جاهزاً بحلول فبراير/ شباط 2008، وقد وضعت مقدمة جديدة في يونيو/حزيران، غير أن النص لم يطّور، بدليل عدم التطرق إلى أحداث أيار/مايو، التي لعب حزب الله فيها دوراً كبيراً.
ويشير عطية الله في المقدمة إلى صعوبة الكتابة عن “التنظيم الرافضي المسمى بحزب الله”، ويعيد ذلك إلى أن للحزب “حظا وافرا من الباطنية، فهناك ظاهرٌ وباطن، وهناك قدر كبير من الغموض والخداع والتمويه والكذب والدجل..!” ويؤكد أن دراسة الحزب لا بد من أن يسبقها الحديث عن الطائفة الشيعية وإيران وثورة الخميني.
ومن هذا المنطلق، سار عطية الله بداية في الأسلوب المعتاد بتناول نظرة تنظيم القاعدة الفقهية للشيعة، فقال إنهم “يعتقدون كفر أبي بكر وعمر وعثمان وسائر الصحابة، ويستعلنون بالطعن في أم المؤمنين عائشة، ويقولون أن القرآن هذا الموجود عندنا اليوم في مصاحف المسلمين هو محرّف.”
وإن كان عطية الله لم يخرج فيما سبق عن الأسلوب المعتاد لتناول قضايا المذهب الشيعي عند القاعدة أو معظم التيارات السلفية، إلا أن ملاحظاته تعدت ذلك للإطلالة على الشق السياسي لما يراه أنه “باطنية”، فاتهمهم بأنهم “يرفعون شعارات الإسلام.. وتجدهم ينصرون الطواغيت المرتدين.”
وحدد الكاتب أمثلة على ذلك منها، على حد تعبيره، “سوريا وما حصل أيام حافظ الأسد من تنكيل بالمسلمين في حماة، وقد اشتهر خبرُ مشاركة جنود الخميني في أحداث حماة المفظعة، وكذا في لبنان، ونصرهم لحكومة أوليائهم روافض العراق، وسكوتهم المطبق على ما يجري على أهل السنة من المحن والمجازر.”
وتجاوز عطية الله ما كان الرجل الثاني في تنظيم القاعدة، أيمن الظواهري، قد ألمح إليه عن تعاون إيران مع أمريكا في العراق وأفغانستان، فاستعرض التصريحات الإيرانية التي تشير لذلك، وسأل عن سر عدم خروج المراجع الدينية بطهران لتشجّيع “الجهاد” في هذين البلدين أسوة بما يدعون إليه بلبنان والأراضي الفلسطينية.
ولعل الفقرة الأهم في هذا المجال هو الاستنتاج الفريد من نوعه الذي وصل إليه عطية الله حول تصنيف الشيعة – من وجهة نظره – فخلافاً لأدبيات تنظيم القاعدة والمصادر التي تستقي منها أفكارها، فإن الشيعة ليسوا مجرد “مارقين” أو “خارجين عن الملة”، بل ينتمون إلى إسلام الخاص بهم، وهم بالتالي على “دينٍ وضعيّ، وضعوه وصاغوه.”
وخلص عطية الله في هذا الإطار إلى أن الهدف النهائي للشيعة من خلال إيران هو السيطرة على “أهل السنة والإمساك بقيادة الأمة الإسلامية”، وقد أسسوا في سبيل ذلك الأحزاب الشيعية في عدة دول عربية، تحمل كلها اسم حزب الله، وما التنظيم الموجود في لبنان “إلا أحدها، ولكنه أكبرها وأهمّها بسبب الظروف.”
واستمراراً في إطار تقديم وجهات النظر المحدثة، يشير عطية الله إلى ما يرى أنه تأثير “فارسي” في تحركات إيران، غير أنه لا يعيده، على غرار العديد ما هو معتاد خطابياً، إلى المجوسية والزرداشتية وما شابه، بل إلى الوعي القومي.
ويستدل على ذلك بموقفهم المتشدد بمصطلح “الخليج الفارسي” وتبجيلهم للشعراء الفرس، حتى السنّة منهم، ويقول إن “نار القوة القومية تحرق أفئدتهم!”ويطلب اعتماد صيغة “إيران الشيعية” و”الثورة الخمينية الشيعية” عوض الإسلامية، ويخلص من هنا بالتالي إلى وجوب تسمية حزب الله “المقاومة الشيعية.”
ولعل النقطة الأكثر فرادة لعطية الله في هذا السياق هو اعتباره أن العداء بين الشيعة من جهة وأمريكا وإسرائيل من جهة أخرى “عداء حقيقي،” منتقداً هنا “نظرية المؤامرة عند المثقفين” التي تفترض عكس ذلك، غير أنه أعاد سبب النزاع بين الطرفين إلى مشروع الشيعة لقيادة “الأمة” والذي سيلزم عليها “الاصطدام باليهود والنصارى.”
ولكي لا يستعجل أحد بتبني وجهة النظر الإيرانية، عبر تصوير المعركة بين طهران والغرب على أنها خلاف بين الحق والباطل، يسارع عطية الله إلى توضيح أن النزاع ممكن أن يقع بين قوى كلها “على باطل”، وفي هذا التحليل خروج من منطق التبسيط الذي كانت القاعدة تعتمده للنزاع، بل وحتى إنهاء لمقولة “الفسطاطين” عند ابن لادن.
ويلفت عطية الله نظر المراقبين إلى ما يقول إنها “عقلانية مفرطة وبراغماتية وميكافيلية” لدى الشيعة، مستخدما تعابير حديثة في علم السياسة، ظلت بعيدة عن قاموس القاعدة.
مشروع حزب الله وموقع “حماس” و”الجهاد”
ويصل عطية الله إلى الحديث بالتفصيل عن حزب الله، فيبدأ باستعراض مجموعة من مواقف قادته التي تشير إلى عمق العلاقة بينهم وبين إيران، معتبراً أن الحزب ما هو إلا: “منظمة شيعية هي وسيلة وأداة لخدمة أجندة وإستراتيجية الرافضة، وهي إيرانية خمينية قبل أن تكون لبنانية.”
ويعتبر الكاتب أن التدخّل الإيراني كان “حسّيّاً وظاهراً في نشوء الحزب وتأسيسه، من خلال وجود أفراد من الحرس الثوري الإيراني في مجلس الشورى، إلى أن تغيّرت فكرة القوم ورأوا إبعاد اليد الإيرانية الظاهرة، بسبب ضغوط الرأي العام اللبناني والعربي والحرج الذي يلاقونه حين يُنعتون بعدم الوطنية.”
غير أنه لم يستبعد أن يكون الدافع لذلك “نوع من الرغبة في الاستقلالية الشخصية عند (الأمين العام للحزب) حسن نصر الله وشيعة لبنان، لا سيما وأنه مع مرور الوقت وقسوة الواقع فترت عند القوم جذوة حماسة الثورة الإيرانية ووهج شعاراتها، وصاروا أقرب إلى التفكير العقلاني والواقعية، إن صحّ التعبير.!”
ووفقاً لعطية الله، فإن تأسيس حزب الله حظي بتأييد سوري نظراً لحاجة دمشق لإنهاء خطر “وجود نظام موالٍ لإسرائيل والغرب في لبنان.”
ويذكر الكاتب رواية خروج نصرالله وعدد من كوادر الحزب الحالين من صفوف حركة أمل، بعد خلافات مع قيادتها، وشغله لاحقاً منصب الوكيل الشرعي لمرشد الثورة الإيرانية، على الخامنئي، ليستدل بذلك على الرابط بين الطرفين.
ولم تسلم حتى تسميه حزب الله من تعليقات عطية الله، فاعتبر أن اعتماده “دليل على قلة الفقه في الدين،” بحسب ورود هذا المصطلح “حزب الله” في القرآن.
وينتقل الكاتب القاعدي إلى الشق الثاني من مجال نشاط حزب الله، وفق رؤيته، وهي الساحة الفلسطينية، وهنا يصب عطية الله جام غضبه ليس على حركة حماس فقط، بل وعلى الجهاد الإسلامي، في تطور جديد حيال هذا التنظيم، الذي تركزت الانتقادات في الكتاب عليه من جهة أن “عناصراً فيه قد تشيعوا.”
ويقول عطية الله: “فمدخل حزب الله اللبناني إذن إلى فلسطين هو هاتان الحركتان: حماس، والجهاد الإسلامي، وهما يتحمّلان وزر إدخال التشيّع ومذهب الرفض إلى فلسطين إن دخل، وهما يتحمّلان وزر دعم إستراتيجية الرافضة، ويتحمّلان وزر نصرتهم ومعاونتهم ورفع رايتهم، وإنا لله وإنا إليه راجعون.”
وحدد عطية الله أهداف حزب الله من الدخول على خط القضية الفلسطينية، فلم تتعد بالنسبة إليه “بناء مجد للشيعة في الأمة وكسب ثقة جماهير المسلمين (السنّة)، وسيطرتهم على أجزاء مهمة من لبنان.”
وأضاف: “وهناك دافع آخر، وهو الاعتقاد بأن تحرير فلسطين هو مقدمة لازمة لخروج المهدي السردابي المنتظر الذي يؤمنون به.”
وحدد عطية الله مآخذ إضافية له على حزب الله، تظهر اطلاعه على الشأن اللبناني الداخلي، فلام الحزب على سكوته عن “مجازر صبرا وشاتيلا”، وتحالفه مع قيادة حركة أمل، التي وصفها بأنها “علمانية،” إلى جانب ما قال إنها “وثائق وأخبار لحقيقة منع الحزب أي وجود مقاوم ومجاهد، ولا سيما الوجود السنّي على الحدود الشمالية لإسرائيل، وذلك كله إنما هو نتيجة لاتفاقات مع سوريا وأمريكا وحتى إسرائيل.”
وأضاف الكاتب إلى ذلك موقف الحزب من قضايا العراق، ومنها ما قال إنه “مساعدته للمليشيات الشيعية في العراق، مثل جيش المهدي وفيلق بدر وتدريبه لعناصرهما التي تتولى قتل أهل السنة وكوادرهم، وفي مقابل ذلك موقف الحزب وزعيمه حسن نصر الله من المجاهدين والمقاومة من أهل السنة في العراق، وقد وصفهم في بعض المناسبات قريباً بأنهم وهّابية تكفيريّون.”
وانتقل بعد ذلك لهجوم مباشر على شخص نصرالله، الذي قال إنه لا يستخدم الأحاديث والآيات القرآنية في خطبه، فقال: “فهل هذا زعيم إسلاميّ؟ أم أنه زعيم المنافقين الذين لا يذكرون الله إلا قليلا؟!”
الدخول على خط السياسة اللبنانية
إلا أن البارز كان موقف عطية الله الذي يشتمّ منه رفض معارضة الحزب للحكومة اللبنانية السابقة، والتي كان وزراء حزب الله قد استقالوا منها، إلى جانب تحالفه مع التيار الوطني الحر، فقال: “انظر إلى تحالفهم الآن مع ميشال عون وغيره من الكفرة والفاسدين في معارضتهم للحكومة اللبنانية، وانظر ما في أثناء اعتصاماتهم في الساحات وتظاهراتهم من الفساد واختلاط الرجال بالنساء والشباب بالفتيات ليل نهار”، في إشارة إلى اعتصامات، يفترض أنها كانت قد انتهت بعد أن تطورت إلى مواجهات مسلحة قبل صدور الكتاب.
وتحت عنوان “فتنة وابتلاء” وضع عطية الله استنتاجه لظاهرة حزب الله، فعاد إلى “قواعده” الفقهية البعيدة عن قضايا ومصطلحات السياسة الحديثة التي استخدمها سابقاً، فقال إن “مقاومة الحزب و”أعماله التي ظاهرها البطولة.. كلها فتنة وابتلاء عظيم يختبر الله به العباد، ومَن الذي تستهويه البطولات الجوفاء، بطولات عنترة بن شداد وكليب والمهلهل وماوتسي تونغ وغيفارا وكاسترو وأمثالهم.”
وتابع: “وهكذا الفتنة بثورة الخميني، فإنها من أعظم الفتن على المسلمين في التاريخ الحديث، لعلها – بالنسبة إلى كثير من الناس- أشد من فتنة الاستعمار الغربي.”
ورأى عطية الله أن الجماعات الشيعية التي تعتقد أن انتصاراتها في العراق ولبنان تقدم لها الفرصة التاريخية لقيادة المسلمين ستصاب بخيبة أمل، لأن تصرفاتها “تكشفها للأمة وتُظهرها أمامهم على حقيقتها.
وختم عطية الله بالقول إن مرحلة “الغفلة السنية” قد بدأت تتلاشى، وأعقبتها “مرحلة اليقظة والتفطن والنهوض”، التي سيتخللها “مفاصلة كاملة” و”مواجهة” تنتهي بـ”الغلبة للحق والتوحيد والسنة.”