الفترة الإنتقالية…من الصحوة إلى الغفوة 1954م – 1972
بعد وفاة حسن البنا بفترة وجيزة نسبياًَ, ثلاث سنوات, قامت ثورة يوليو الشهيرة ونجح تنظيم الضباط الاحرار في قلب النظام الملكي الحاكم, وكما يبدوا فقد كان هناك نوع من التنسيق والتعاون بين الضباط الاحرار والاخوان أتباع البنا للقيام بالثورة, وقد تم حظر جميع الأحزاب والتنظيمات السياسية العاملة في الساحة المصرية بإستثناء الإخوان الذين سمح لهم بحرية العمل, كذلك تم تعيين مندوب للإخوان في مجلس قيادة الثورة, غير أن فترة التوافق هذه بين الاخوان والضباط لم تدم لأكثر من سنتين, وذلك بسبب مساندة الأخوان لمحمد نجيب في صراعه مع جمال عبد الناصر. وفي النهاية تمكن ناصر من حسم الامور لصالحه وإجبار نجيب على الإستقالة في 14 نوفمبر 1954م. وهنا بدأت مرحلة البطش في الاخوان.
بعد وفاة حسن البنا بفترة وجيزة نسبياًَ, ثلاث سنوات, قامت ثورة يوليو الشهيرة ونجح تنظيم الضباط الاحرار في قلب النظام الملكي الحاكم, وكما يبدوا فقد كان هناك نوع من التنسيق والتعاون بين الضباط الاحرار والاخوان أتباع البنا للقيام بالثورة, وقد تم حظر جميع الأحزاب والتنظيمات السياسية العاملة في الساحة المصرية بإستثناء الإخوان الذين سمح لهم بحرية العمل, كذلك تم تعيين مندوب للإخوان في مجلس قيادة الثورة, غير أن فترة التوافق هذه بين الاخوان والضباط لم تدم لأكثر من سنتين, وذلك بسبب مساندة الأخوان لمحمد نجيب في صراعه مع جمال عبد الناصر. وفي النهاية تمكن ناصر من حسم الامور لصالحه وإجبار نجيب على الإستقالة في 14 نوفمبر 1954م. وهنا بدأت مرحلة البطش في الاخوان.
الملاحظ في تلك الفترة أننا إذا وضعنا صراع الكراسي جانباَ فسنجد أن الأخوان والضباط لم تكن بينهم مشاكل مبدئية تتعلق بخط الثورة وأفكارها, فالاخوان ساهموا بالثورة منذ مراحل الإعداد ودعموها لوجستياًَ ودعائياًَ حين كانت في اوائل عهدها, كذلك أيد الإخوان قوانين تحديد الملكية وإجراءات القضاء على الإقطاع كما طالبوا بإعادة توزيع عادل للثروة وضمان حقوق الطبقات المسحوقة. وقد كان هذا متوقعاًَ منهم حيث أن فكر إخوان ذلك الزمان, كان إمتداداًَ لمدرسة (الكواكبي-ارسلان-عبده-رضا- البنا) الإصلاحية النهضوية الإسلامية كما أسلفنا بإسهاب في الجزء الاول من هذا البحث.
غير أن الملاحظ أيضاًَ في تلك الفترة أن الضباط الأحرار او الناصريين كما سموا فيما بعد وفي محاولة منهم للقضاء على النفوذ والإمتداد الإخواني الواسع في مصر بعد حسم الصراع على السلطة لصالحهم في العام 1954م قد عمدوا لإقصاء الفكر الإسلامي التحرري الممتد من مرحلة الكواكبي وارسلان ومحمد عبده ورشيد رضا وإنتهاءاًَ بحسن البنا وتعاملوا معه ككل واحد, وذلك لعدم قدرتهم على التفريق حينها بين الأخوان وما يمثلونه كتنظيم سياسي وبين فكر التيار الإسلامي التحرري النهضوي والذي لم يكن الإخوان في بداياتهم غير جزء منه ولم يكن فكرهم غير إمتداد لفكر رعيله الإول كما اسلفنا.
المهم, كان ما كان, وإرتكب الناصريون خطيئتهم الكبرى بإن سيطروا على الأزهر والذي كان منبع الفكر الإسلامي التجديدي وزجوا بكل من يشتبه بحمله لإفكار إسلامية في أتون السجون, وكذلك منعوا الصحف الخاصة وفرضوا رقابة مشددة على المطبوعات ظناًَ منهم أنهم بهذا يحجمون عدوهم “الإخوان المسلمين”
ولكن في المقابل لم يكن عند الناصريين من طرح أيديولوجي يذكر ليملأ الفراغ الناشيء عن إقصاء فكر التيار الإسلامي التحرري, وإنما إقتصر ما في جعبتهم على عدة افكار ثورية متفرقة, مثلاًَ الدعوة إلى
الوحدة العربية (هناك فرق بين الفكرة والفكر) وأطروحات اخرى نشأت في معظمها كردات افعال ثورية على مستجدات إقليمية أو عالمية كتأميم القناة رداًَ على رفض تمويل السد العالي, أو اخرى فرضتها ضرورات سياسية داخلية كقوانين تحديد الملكية الهادفة لتحجيم الإقطاعيين وهم جماعة المؤيدين للنظام الملكي السابق.
الوحدة العربية (هناك فرق بين الفكرة والفكر) وأطروحات اخرى نشأت في معظمها كردات افعال ثورية على مستجدات إقليمية أو عالمية كتأميم القناة رداًَ على رفض تمويل السد العالي, أو اخرى فرضتها ضرورات سياسية داخلية كقوانين تحديد الملكية الهادفة لتحجيم الإقطاعيين وهم جماعة المؤيدين للنظام الملكي السابق.
وهكذا وطوال فترة الخمسينات والستينات تم إقصاء الفكر الإسلامي التحرري تماماًَ عن الساحة السياسية والفكرية ليس في مصر وحدها وإنما في بلاد الشام والعراق التي نشأت فيها أنظمة ثورية وأخرى بعثية مناصرة او متأثرة بالقيادة الناصرية والتي لم يقتصر تأثرها على المبادئ الناصرية فحسب بل قلدت تلك الأنظمة القيادة الناصرية في بطشها بالإسلاميين أيضاًَ .
ومما زاد في الطين بلة, أن السعودية في حينها إختارت الإنحياز للمعسكر الأمريكي الإمبريالي ضد الثورة الناصرية والقوى الأخرى القومية المرتبطة بها في بلاد الشام والعراق. والسعودية كما نعلم دولة قامت بسيوف اّل سعود وحلفائهم الوهابيين (أتباع مدرسة محمد بن عبد الوهاب الفكرية) ويمكن إعتبار مدرسة محمد بن عبد الوهاب النقيض العلمي والعملي لمدرسة محمد عبده الإصلاحية النهضوية الإسلامية, فكتاب “التوحيد” لمحمد بن عبد الوهاب مثلاًَ يقسم المسلمين إلى موحد ومشرك بناءًَ على إعتقادات كلامية تراثية ويساوي بين طاعة الحاكم (أي حاكم) وطاعة الله وهذا مناقض تماماًَ لما ورد في كتاب “رسالة التوحيد” لمحمد عبده والذي حاول فيه التوفيق بين الخلافات الكلامية التراثية حول الأمور العقيدية وإستنتج ان طاعة الله تعني الحرية الكاملة وعدم طاعة اي مخلوق اّخر في ظلم.
المهم, نعود للسعودية والتي إستخدمت ورقة الدين في صراعها مع الناصريين والقوى القومية واليسارية الاخرى في بلاد الشام والعراق, حيث قامت السعودية وبتنسيق كامل مع الطرف الامريكي بضخ مئات الملايين من الدولارات بهدف الترويج لفكر محمد بن عبد الوهاب وتفسيره للإسلام, ليس هذا فحسب بل صور إعلامها المرئي والمسموع والمقروء رجال الثورة المصرية والقوميين بشكل عام على أنهم مجموعات من الملاحدة المعادين للشريعة. (لاحظ الفرق بين تقييم الإخوان وتقييم الوهابين في تلك الفترة).
وفي الجانب الاّخر, لم يستوعب الناصريون والبعثيون وبقية القيادات الثورية في تلك الحقبة ومعظمهم من العلمانيين حقيقة ان الشعوب العربية مرتبطة إرتباطاًَ عضوياًَ متيناًَ بالإسلام وأنها بطبيعتها العاطفية تميل وبشدة إلى الإنسياق خلف الخطاب الديني, ولذلك وبسبب محدودية ثقافتهم الإسلامية وعدم قدرتهم على رؤية الفارق الكبير بين مدرستي عبد الوهاب ومحمد عبدة قاموا بشن حملة شرسة مضادة ضد دعاة الفكر الإسلامي بشكل عام وبدون تفريق بين مرتبط بالفكر الوهابي والمعسكر السعودي الأمريكي وبين إسلامي نهضوي تحرري مرتبط فكرياًَ بمدرسة التجديد الإسلامي, وهكذا طفقت على السطح تقيمات جديدة لم يعهدها الشارع العربي من قبل كتقدمي ورجعي, وكان لهذه الحملة المضادة أثار وخيمة وعكسية على التيار الثوري التقدمي العربي نفسه, حيث وعن غير قصد أكد القوميون وقوى اليسار مزاعم الدعاية السعودية بدل تفنيدها وإثبات العكس, ولذلك لم يدم توهج بريق الخطاب العلماني أكثر من عشرين عاماًَ تلت ثورة يوليو حيث بدا نجمه بالأفول ليبدأ عصر الغفوة الحالي….
نتابع في الحلقة الثالثة والاخيرة
المرحلة الثالثة…عصر الغفوة 1972م – الاّن