يعتقد البروفيسور سي جي إيستابروك، الأستاذ الزائر في جامعة إلينويز الأميركية، والشهير بتقديم برنامجه التلفزيوني (أخبار من نبتون) إن الأميركان سيواصلون سياسة (قتل الآخرين والموت برصاصهم) أو (التعرض لإصابات بليغة في حروبهم وتعريض الآخرين لها). وقال إنهم سيستمرون بحربهم في العراق، أو في الشرق الأوسط عموماً، بصرف النظر عمن سينتخبونه رئيساً، وربما تتصل الحروب برئاسات بعد التي تأتي. وأوضح البروفيسور أن الحرب الحالية في العراق ليست (محددة) لتبقى في إطاره. فغزو إدارة (بوش) لهذا البلد في آذار 2003، كان مسبوقاً باحتلالهم لأفغانستان في تشرين الأول 2001. وفي ربيع وصيف السنة الحالية 2008، قتل الكثيرون من الأميركان كل شهر في أفغانستان، أكثر منهم في الحرب المستمرة في العراق. وعلاوة على ذلك، ومن دون أدنى شك –يؤكد إيستابروك- فإن هناك أعضاء في الإدارة الأميركية الحالية –متركزون بشكل خاص في مكتب نائب الرئيس ديك تشيني- راغبون بمهاجمة إيران، والجيش ومعه الـ (سي آي أي) وكالة المخابرات المركزية، تدير بشكل اعتيادي (عمليات خاصة) هناك. لكنّ مؤسسة السياسة الخارجية في واشنطن، تؤمن بكلمات قالها المفكر العميق للحزب الديمقراطي الأميركي (ريتشارد هولبروك) أن “AfPak” أي أفغانستان والباكستان هما مهمتان جداً للأمن القومي الأميركي أكثر من العراق. وأوضح البروفيسور إيستابروك إن ما يعنيه المفكر (هولبروك) هو إشارته الى المكان الذي تظهر فيه مقاومة أكثر جدية لمحاولات الهيمنة الأميركية عسكرياً على المنطقة. ولذلك فإن البنتاغون سوف يرسل 12,000 الى 15,000 جندي إضافي الى أفغانستان، وحالما تنتهي هذه الحرب، تبدأ الحرب الأخرى المخطط لإشعالها سنة 2009 في إيران. وفي إطار (المزاعم الديمقراطية) كما أعلن هذا الأسبوع –يؤكد البروفيسور- أن كبار مسؤولي البنتاغون ناقشوا في ما إذا كان الجيش الأميركي يجب أن يوسّع من حربه في أفغانستان، بتنفيذ هجمات عسكرية ضد الميليشيات الإسلامية التي تعمل في المناطق العشائرية، شمال غرب الباكستان. وهذا التحرّك سيكون بالتأكيد تحدياً للحكومة المدنية الباكتسانية، التي رفضت مؤخراً مهمات تدريب الجيش الأميركي للجيش الباكستاني. وبهذا الصدد يقول المحلل العسكري البارز (أنتوني كوردسمان) إن الولايات المتحدة يجب أن تعالج مناطق الحرب في الباكستان، إذا كانت الأخيرة لا تعمل ذلك. وتعليق (كوردسمان) برأي البروفيسور إيستابروك ورد في تقرير جديد أعلن فيه أن الولايات المتحدة تخسر الحرب ضد طالبان. وكتب (كوردسمان) يقول: ((إن الباكستان ربما تكون حليفاً رسمياً للولايات المتحدة، لكن معظم مواقفها العملية أو تصرفاتها تشكل تهديداً فعالاً للمصالح الإستراتيجية الأميركية)). بحسب تعبيره. ويرى البروفيسور أن كلا الرئيسين المحتملين (جون مكين) و(باراك أوباما) يحاول أن يبزّ أحدهما الآخر في كيفية تشكل الحرب (التي يرغبانها) ضد الـ “AfPak” أي أفغانستان والباكستان كمنطقة واحدة منفتحة على بعضها. وبعد أن قال (أوباما) إنه سوف يرسل لواءين الى أفغانستان، أعلن (مكين) أنه سيرسل ثلاثة..قال ذلك في خطابه ببرلين. وكانت المسألة الوحيدة التي ألح بها (أوباما) على الألمان من قبل، هي: ((إن الشعب الأفغاني يحتاج الى المزيد من قواتنا… والكثير من قواتنا هناك مهددة بالضياع)). ويتابع إيستابروك تحليله، قائلاً: ما الذي يهدد قواتنا بالضياع في حقيقة الأمر؟. لقد أطلقت صحيفة أفغانية مؤخراً، رأياً مثالياً في صحته عندما أكدت أن الولايات المتحدة، راغبة في إبقاء أفغانستان غير مستقرة، كي تبرر حضور الجيش الأميركي على أرضها، لأن موقع أفغانستان الجغرافي، يوفر له إطلالة مباشرة على الحدود الإيرانية وعلى دول آسيا الغنية بالنفط والغاز. إنّ الصحيفة لم تشر الى قضية خاطئة وبعيدة –يؤكد البروفيسور- فمخطط مثل هذا كان حجر الزاوية في السياسة الخارجية الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية، بالتأكيد على أن الولايات المتحدة يجب أن تسيطر على مصادر الشرق الأوسط. ليس لأننا نحتاج إليها في بلادنا، فأميركا تحصل على معظم النفط المستخدم داخلياً من نصف الكرة الأرضية الغربي، لكن لأن السيطرة على (الطاقة) يمنح الولايات المتحدة (قوة القبضة الخانقة) على منافسي الشركات الأميركية الكبيرة، سواء أكانت تابعة لدول الاتحاد الأوروبي، أو لشمال شرقي آسيا (اليابان والصين وكوريا الجنوبية). ويقول البروفيسور الأميركي إيستابروك: سواء سمّينا هؤلاء القاعدة، أو طالبان، أو المتمردين، أو الإرهابيين، أو الميليشيات، فإن الشعوب التي نحاول أن نقتل أبناءها في الشرق الأوسط هم هؤلاء الذين يريدون من الولايات المتحدة أن تكون خارج بلادهم، وبعيداً عن السيطرة على مصادرهم. ومن أجل أن نقنع الشعب الأميركي لكي يقتلوا ويُقتلوا أيضا، ولكي يفرضوا المعاناة على تلك الشعوب ويعانوا أيضا من دواهي الحروب التي نشعلها، فإن إدارة الرئيس (بوش) أساءت تمثيل الحال بشكل واسع، بضجيج التحذير من (أسلحة الدمار الشامل) الذي يبدو أنه مجرد رسائل تجريمية لهذه الشعوب لا أكثر. ولكن على الرغم من أن أكثرية الأميركان، هم الآن ضد الحرب في العراق، فإن الكثيرين مازالوا يعتقدون أن إدارة (بوش) كان لها مبرراتها في غزو أفغانستان، بسبب (أسامة بن لادن). ويضيف البروفيسور قوله: لكنهم ينسون أن الحكومة في أفغانستان حاولت مناقشة قضية استسلام (بن لادن) ومحاكمته، فرفضت الحكومة الأميركية مناقشة ذلك. وفضلت بدلاً من ذلك حرباً تدعم السياسة العامة للولايات المتحدة في هذه المنطقة. وعلى أساس المبادئ التي شنقت بموجبها الولايات المتحدة والحكومات المتحالفة معها (الزعماء الألمان) بعد الحرب العالمية الثانية، تعهدت الولايات المتحدة بما سمّي (محكمة نورمبرغ) الجريمة الدولية العليا، التي تعد أسوأ من الإرهاب نفسه، ولا تختلف عنه إلا في جرائم الحرب الضخمة التي تنطوي عليها سياستنا الخارجية، والتي تراكمت عبر حربين كارثيتين شريرتين في العراق وأفغانستان. وعلى مدى أكثر من جيلين مضيا –يتابع إيستابروك- انتهت الحرب الأميركية ضد فييتنام الجنوبية، بعد معاناة كارثية وموت الملايين، بسبب ترابط ذلك مع ثلاثة عوامل، الأول: مقاومة الشعب الفيتنامي ضد الاحتلال الأجنبي. الثاني: التمرد الفعال للجيش الأميركي في فييتنام، وبشكل أساس من قبل أفراد الجيش المجندين. والعامل الثالث: معارضة الشعب الأميركي، وكان سبعون بالمائة منه، اقتنع في نهاية الستينات من القرن الماضي، أن الحرب كانت إثماً كبيراً بشكل أساس وغير أخلاقية، وليست مجرد خطأ. ويختتم البروفيسور سي جي إيستابروك، الأستاذ الزائر في جامعة إلينويز الأميركية، تحليله هذا بالقول: وكما تقول شخصية في مسرحية (العاصفة) لشكسبير: ((الذي مضى مقدمة لما سيأتي)).