…..في أثناء زيارة الرئيس عباس الأخيرة إلى لبنان،تم ترتيب لقاء بينه وبين عميد الأسرى العرب المحرر سمير القنطار،والمعلومات التي رشحت أن المناضل القنطار لم يسعى لهذا اللقاء،وأن الأخ احمد قريع والرفيق عبد الرحيم ملوح،قد لعبا دوراً في ترتيب هذا اللقاء،وبغض النظر عن من بادر أو سعى إليه،فهذه النقطة ليست الجوهرية أو مربط الفرس،بل مربط الفرس أن يقوم رئيس الوزراء الإسرائيلي بتوبيخ الرئيس عباس في اللقاء الذي جمعهما في بيت”أولمرت” على لقاءه بالمناضل القنطار،حيث وصف”أولمرت” المناضل سمير القنطار”بالإرهابي وقاتل الأطفال،ويقول لعباس أنا أعرف أنك لست من ذلك المعسكر،وأنت رجل سلام،ولماذا كنت هناك؟،وبدلاً من أن يرد عليه الرئيس عباس،بكلمات أقلها وفاءاً لسمير الذي دفع ثلاثين عاماً من عمره وزهرة شبابه فداء لفلسطين،بأن هذا الرجل هو بسبب احتلالكم وقمعكم للشعب الفلسطيني دخل سجونكم،وناضل من أجل حرية الشعب الفلسطيني،ولولا احتلالكم لما قام بما قام به من عمل،وليس التبرير “لأولمرت”،بأن القنطار من فرض نفسه على هذا اللقاء،فهذا السلوك ليس اهانة لعباس نفسه أولاً،بل اهانة لكل مناضل فلسطيني وعربي،فلا يعقل أن يصبح قتلة الأطفال ومرتكبي المذابح وجرائم الحرب،حمائم سلام ،والمناضلين قتلة “وارهابين”؟،وبتشريع فلسطيني،فهذا السلوك والمنهج جداً خطير،فهل المطلوب منا أن ندين نضالاتنا وتاريخنا وتضحياتنا؟،سعياً في لقاء”أولمرت وليفني وبوش”والذين هم مثقلين ومغموسين في الدم العربي والفلسطيني من رؤوسهم حتى أخمص أقدامهم،وليقولوا لنا من منهم،ليس ملطخة يداه بالدم الفلسطيني والعربي.
والذي يخجل من لقاء المناضل القنطار،أو يحاول أن يبرر أو يختلق الذرائع لحصول ذلك اللقاء،يتنكر ليس للقنطار فقط،بل لكل المناضلين العرب والفلسطينيين،ويقدم صك براءة مجاني،لكل من قتل ويقتل شعبنا ومناضلينا بشكل يومي،فالدم العربي والفلسطيني،مازال يسيل غزيراً،وعلى كل الساحات من العراق وحتى فلسطين،ومازالت الشعوب العربية وقواها وأحزابها،تدفع ثمن مقاومتها وتصديها لقوى البغي والعدوان والإرهاب.
فالذي يحتفظ بأحد عشر ألف أسير فلسطيني في سجونه ومعتقلاته ،أكثر من ثمانين منهم قضى عشرين عاماً فما فوق ليس “ارهابي، والذي يحاصر شعباً بأكمله،ويمنع مستلزمات الحياة الأساسية عنه من غذاء ودواء وكهرباء ليس”إرهابي”،والذي يمنع شعباً بأكمله من الوصول إلى المسجد الأقصى في الشهر الفضيل لإقامة شعائره الدينية ليس”إرهابي”،؟ والذي يدمر حياة شعب بأكمله من خلال جدران الفصل العنصري ليس”إرهابي”؟.
إن خلط المفاهيم والحابل بالنابل،تحت يافطة ما يسمى بالحرب على”الإرهاب”،ومصادرة حق الشعوب المضطهدة بالمقاومة والنضال،هو ما تهدف إليه كل قوى العدوان والظلم وعلى رأسها أمريكيا وإسرائيل،ومن خلفهما أوروبا الغربية.
وبالتالي فإن المسألة لن تقتصر على المناضل سمير القنطار،بل الهدف هو استهداف لكل المناضلين ودعاة نهج المقاومة والنضال فلسطينياً وعربياً،ومحاولة نزع واقتلاع وإلغاء هذه المفاهيم،من الذاكرة والوجدان العربي والفلسطيني،واثبات عدم فاعليتها وجدواها،في التحرير واسترداد الحقوق العربية وتحرير الأراضي المحتلة،وزرع مفاهيم الخضوع والاستكانة والاستجداء بدلاً وعوضاً عنها،هذا النهج المدمر والذي تثبت الحقائق والوقائع يومياً عبثيته وعدم جدواه،فلولا نهج المقاومة والنضال لما تحرر القنطار وكل الأسرى اللبنانيين،ولولا ذلك أيضاً،لما أعلنت إسرائيل استعدادها للانسحاب من الجزء المحتل من قرية الغجر اللبنانية،وهذا النهج هو الذي سيمكن من تحرير أكبر عدد ممكن من الأسرى الفلسطينيين،خارج إطار التصنيفات والتقسيمات الإسرائيلية،والذين لم ولن تحررهم، لا حسن النوايا ولا ما يسمى بصفقات الإفراج.
ومن يريد منا أن نتعاطى ونسلم،بأن المناضل القنطار”إرهابي”،فهو لن يتوانى عن توجيه نفس الاتهام،إلى كل قادة ثورتنا وفصائلنا،من أمثال القادة سعدات والبرغوثي والدويك وغيرهم،وربما بسبب رداءة ورذالة المرحلة،يصبح مطلوب منا،إن نوافق على إحالتهم إلى المحاكم الدولية للمحاكمة،بتهمة ارتكاب “جرائم حرب”،أما من قتلوا واغتالوا المئات من قادة الثورة الفلسطينية،من كمال ناصر وكمال العدوان وابو يوسف النجار وغسان كنفاني وباسل الكبيسي ووديع حداد وأبو جهاد وصلاح خلف وماجد ابو شرار والهمشري ونزال والشقاقي واحمد ياسين والرنتيسي وعرفات وغيرهم،فهم يستحقون “الأوسمة والنياشين” على عملهم وفعلتهم وجرائمهم ومذابحهم.
ولا غرابة في ذلك ما دام هناك ازدواجية”وتعهير” للمعايير الدولية،فالجندي الإسرائيلي الذي أطلق النار من نقطة الصفر على المواطن أشرف أبو رحمة”الضبع”في مسيرة نعلين ضد الجدار،بدلاً من أن يعتقل ويحاكم ويسجن،يعتقل والد الفتاة التي صورت الحدث.
محظور علينا في ذروة الاختلاف والانقسام السياسي،ومهما بلغت حدته وشدته،أن نتخلى عن أي مناضل فلسطيني،وبغض النظر عن لونه وانتمائه السياسي،فهو قدم وناضل من أجل فلسطين وحرية واستقلال شعبه،وأي سقوط في هذا المطب،من شانه أن يلحق ضرراً بالغاً بالنضال والمشروع الوطني الفلسطيني،ناهيك عن انعكاساته السلبية جداً،على الوضع الداخلي الفلسطيني،والذي قد يدفع نحو الاحتراب والاقتتال الداخلي،فالاحتلال خبرناه وجربناه جيداً،فهو لن يقدم لأي طرف فلسطيني،تنازلات تصل حتى الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية المشروعة،فحتى دول الاعتدال العربي،وعلى رأسهم الملك الأردني عبد الله الثاني،باتوا متيقنين،بان إسرائيل غير معنية بحل وإنهاء الصراع،فلا القيادة الإسرائيلية ولا المجتمع الإسرائيلي ناضجين للسلام،والاستطلاعات أشارت إلى أن 59%،من الإسرائيليين لا يردون مفاوضات سلام مع الفلسطينيين.
ومن هنا فإنني أرى أن ما أقدم عليه الرئيس عباس،هو سقطة كبيرة لا يمكن تبريرها بأي شكل من الأشكال،فالمناضل القنطار هو مثار فخر واعتزاز كل الشعب الفلسطيني،وكل الثوريين والمناضلين العرب.،ومهما كانت صعوبة وقساوة المرحلة،فهي ليست مبرر لأي كان في موقعه أو منصبه،أن يوسم تاريخنا ونضالات شعبنا ومناضلينا وأسرانا بالإرهاب،،والإرهابيون الحقيقيون،هم من يمارسون القتل والتجويع والحصار بحق شعبنا،ويحرمونه من الحرية والاستقلال والعيش بكرامة.
راسم عبيدات
القدس- فلسطين
3/9/2008