لست ادري فيما إذا كان من الممكن النظر إلى الحوارات أو المشاورات التي تشهدها العاصمة المصرية هذه الأيام على أنها ستكون فعلا الرافعة التي تخلص الشعب الفلسطيني من هذا الانقسام الذي عصف بالوطن وبالقضية بشكل غير مسبوق ولم يشهد له التاريخ الفلسطيني الحديث مثيلا. نحن نعلم بان الخلافات الفلسطينية كانت على الدوام موجودة وكانت تصل في كثير من الأوقات إلى حد التقاتل والاحتراب وقد حدث ذلك خلال الوجود الفلسطيني المسلح في الأردن وكذلك في لبنان ولكن ما كان يحدث بعد ذلك هو أن الفصائل الفلسطينية تعود للتصالح والتحاور ولم تصل الأمور بين الفصائل إلى هذا المستوى من القطيعة على مر الأعوام.
وحيث أننا نتحدث عن الواقع الفلسطيني في الساحة الفلسطينية وليس في بلدان الشتات ولا في الماضي، فإنه يمكننا القول بأننا لم نخبر مثل هذا التقاتل بين الفصائل ولا مثل هذه القطيعة منذ الاحتلال الإسرائيلي في العام 1967.
لا شك بأنه كانت هنالك صدامات ومناوشات تحدث بين الفينة والأخرى إلا أن اللجوء إلى السلاح وبهذا الشكل الفج والمسيء إلى كل شيء ومسيء لكل فلسطيني فلم يحدث إلا بعد أن دخلت أو على الأصح تشكلت السلطة في الأراضي الفلسطينية اثر اتفاقية أوسلو البغيضة والتي كانت باعتقادنا احد الأسباب الرئيسة في هذا الذي يجري على الأرض من كوارث ربما لم تكن في حسبان احد.
ما يلفت الانتباه هو أن القاهرة وعندما طلبت من الفصائل الفلسطينية التوجه إليها من اجل التشاور فإنها اتبعت نفس الطريقة التي تتبعها إسرائيل في التعامل مع الدول العربية، أي أنها طلبت من كل فصيل أن يأتي على انفراد، ولم تقبل أو لم تقم بدعوة الفصائل بشكل جماعي ولا ندري ما سر ذلك سوى أنها ربما محاولة للتشبه بالطريقة الإسرائيلية في التفاوض مع دول العربان وفصل المسارات، وقد قبلت قيادات الفصائل بذلك ولم يكن هناك أي اعتراض من أي كان على ذلك ولا نعتقد بان أحدا ربما سال نفسه هذا السؤال، لماذا تتم دعوة الفصائل بشكل فردي.
بغض النظر عن ذلك فإننا نعتقد بان الحوار ومن اجل أن يكون ناجحا فلا بد من أن تتوفر على الأقل عدة قضايا أهمها، النوايا،الإرادة وفوق ذلك القدرة على اتخاذ القرار، والسؤال هو هل تتوفر هذه العوامل في الجماعات المتحاورة والمقصود هنا حركتي فتح وحماس بالتحديد، وذلك على افتراض بان بقية الفصائل تتمتع بالإرادة والنوايا ولا ندري فيما يتعلق بالقدرة على اتخاذ القرار على الأقل بالنسبة لعدد لا باس به من تلك التنظيمات، حيث أن بعضا منها لا يملك قرارا على الإطلاق وان ملك قراره فهو غير ذات تأثير على الأرض ولا يوجد له أية امتدادات جماهيرية وبالتالي فان موقفه لا يقدم ولا يؤخر فيما يحدث في الساحة الفلسطينية وهو ليس سوى يافطة معلقة على مكتب هنا أو مكتب هناك.
الحقيقة إننا لدينا الكثير من الشك فيما يتعلق بالنوايا والإرادة خاصة في ظل كل الممارسات التي تتم على الأرض من قبل الحركتين، فالكل يعلم بان هنالك ملاحقات واعتقالات واعتداءات مستمرة سواء في غزة أو في الضفة برغم كل المناشدات التي تم توجيهها من قبل كل الخيرين للتوقف عن هذه الممارسات والإفراج عن المعتقلين وفتح المؤسسات التي تم إغلاقها سواء في الضفة الغربية أو في قطاع غزة.
كذلك فإننا نعتقد بان كل التصريحات والبيانات التي تصدر من هنا وهناك لا تؤشر على حدوث انفراج قريب، وإذا كان الفريقان فد اختلفا في قضية التوقيت الشتوي والصيفي بحيث أصبح التوقيت مختلفا ما بين غزة والضفة فإننا يمكن أن نقيس على النوايا في هذا الإطار، كما أن ما يحدث في قطاعي التعليم والصحة أيضا قد يكون مؤشرا على النوايا. هذا عدا عن الاختلاف بالتفسيرات وقبول ورفض ما يثار عن القوات العربية ودخولها إلى الأراضي الفلسطينية وبالتحديد إلى قطاع غزة، ثمة تفاوت كبير في النظر إلى المواضيع.
الوضع لا ينحصر فقط بما تمت الإشارة إليه بل يمكن أن يقال عن قضايا هامة وهامة جدا مثل التهدئة والمقاومة والمفاوضات، فعندما كانت التهدئة مطلبا فتحاويا أو له علاقة بالسلطة من خلال الرئيس أبو مازن برغم أن تلك التهدئة كانت تطال الضفة وقطاع غزة فإنها كانت توصف من قبل حركة حماس بأقذع الأوصاف، أما وقد قامت حماس بالتفاهم على التهدئة مع دولة الاحتلال من خلال مصر أو سواها فقد أصبح الموضوع انتصارا لا بل فتحا مبينا، وصار من يحاول خرق هذه التهدئة إما لا وطنيا وإما عميلا برغم ما يشبه الإجماع وبعد حوالي ثلاثة أشهر من التهدئة من أنها لم تحقق أهدافها ولم تغير من الواقع في القطاع شيئا وهذا ما يقوله معظم قادة الفصائل ومن ضمنهم قادة من حماس.
هنالك قضية أخرى لافتة وهي إن المكان- القاهرة- ومن خلال المتابعة الحثيثة لموضوع العلاقة بين حماس ومصر ليست هي المكان المفضل لدى حماس لإجراء الحوار، ونعتقد بان وجود مصر كمخرج وحيد لأهالي القطاع قد يكون وراء قبول – المكان – على مضض من قبل حركة حماس، ويمكن ملاحظة أن هناك ما يمكن أن نسميه تيارا يحاول توتير العلاقة مع مصر من اجل عدم إنجاح الحوار مقدما خاصة وان هذا التيار يعتبر أن مصر ليس وسيطا نزيها وأنها تساند طرفا – فتح- على حساب طرف آخر – حماس، وقد يكون في ذلك القليل أو الكثير من الصحة حيث إننا لا نشك بان مصر تنظر إلى حركة حماس كامتداد لحركة الإخوان المسلمين في مصر وفي غير مصر وهي على أي حال محقة في ذلك فحماس هي جزء لا يتجزأ من هذه الحركة وهذا ليس سرا أو معلومة جديدة.
في ظل هذا الواقع فإننا لا نعتقد بأنه سيكون لدى حركة حماس الرغبة أو الحماس في أن يكون – المكان – هو الذي من خلاله يتم الاتفاق على المصالحة، ونعتقد بان حماس كانت تفضل أن يكون – المكان- أي مكان آخر غير القاهرة، وربما كانت تفضل أن يتم ذلك في دولة هي اقرب إلى مواقف حركة حماس بدلا من أن تكون القاهرة التي تميل إلى جانب السلطة وفتح بحسب فهم حماس كما نعتقد. وعلى هذا الاساس فان فشل الحوار لن يكون مشكلة خاصة وان هناك تجارب سابقة في الفشل ويمكن الانتظار والذهاب الى عاصمة اخرى ربما من اجل احراز او تحقيق النجاح فيها هذا على افتراض ان مصر يمكن ان تغامر وتقبل بفشل الحوار في القاهرة.
مما لا شك فيه أن مصر معنية بإنجاح الحوار الفلسطيني الفلسطيني، وهي لا يمكن أن تقبل بان تكون عنوانا لفشل الحوار، وهي ترغب بان يصل الفرقاء إلى نتيجة ايجابية وان تتم المصالحة، وذلك من اجل إزالة التوتر الحاصل في قطاع غزة، لان هذه البقعة من الأرض هي على الحدود مع مصر وبالتالي فان أي استقرار فيها لا بد من أن يكون من مصلحة الدولة المصرية، كما أن أي اتفاق بين الفرقاء سوف يخلص مصر من كل الإحراجات الناتجة عما يحدث الآن، سواء على صعيد إغلاق وفتح معبر رفح والمعاناة الفلسطينية التي يعتقد وعلى نطاق واسع أن مصر تساهم بها من خلال إغلاق المعبر، أو من خلال التخلص من ضغوط إسرائيل في هذا المجال، هذا عدا عن أن مصر ترغب بان تكون هي من يحقق المصالحة وهذا لا يقتصر على مصر بل هي رغبة أي من الدول العربية التي من الممكن أن تكون وسيطا في هذا الخلاف ولا نعتقد بان السعودية أو اليمن كانتا سعيدتين عندما لم تتحقق المصالحة من خلالهما- اتفاق مكة أو اتفاق صنعاء-.
المصالحة الفلسطينية في الحقيقة هي ليست مصالحة فلسطينية بالمعنى الحقيقي للكلمة، فهي مصالحة بين فتح وحماس تحديدا حيث إن الفصائل الفلسطينية الأخرى ليست طرفا في هذا النزاع بشكل مباشر برغم أن فصائل منظمة التحرير الفلسطينية قد تكون طرفا ولو غير مباشر في هذا الصراع وذلك للموقف الذي تتخذه حركة حماس من المنظمة وعدم اعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وهذا الموقف الحمساوي من المنظمة يثير الكثير من الحيرة والاستهجان خاصة وان دول العالم مجتمعة تقريبا تقر بهذه الحقيقة بينما لا تقر بها حماس التي ترى غير ما يراه العالم.
وبالعودة إلى مصر فإننا لا ندري كم هي القيادة المصرية متفائلة أو واثقة من نجاح الحوار خاصة في ظل ما قاله السيد عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية والذي قال بان هنالك فيتو أميركي على المصالحة الفلسطينية وطالب الوزيرة الأميركية رايس بعدم التدخل في هذا الشأن، وقد استثمرت حركة حماس ذلك التصريح بشكل كبير متذرعة بان حركة فتح لا تملك قرارها وإنها ترتهن في مواقفها إلى الرغبة الأميركية لا بل والإسرائيلية أيضا.
أما فيما يتعلق بحماس وفتح فإننا لا نعتقد بان شيئا يمكن أن يكون قد تغير فيما يتعلق بمواقفهما فالمواقف “التشكيكية” لا زالت على حالها والحملات لم تزل كما هي والأشخاص لم يتغير أي منهم والنغمة هي نفسها، فهؤلاء يتحدثون عن تيار انقلابي داخل حماس وحماس تتحدث عن تيار خياني داخل فتح، وحماس تتمسك بكل تياراتها بما في ذلك الانقلابية وفتح تعتبر أن لا وجود لتيار خياني في صفوفها، وحماس تقول بان هناك من يبيع ويفرط بالقضية وفتح تقول بان حماس تريد بناء إمارتها الإسلامية وبالتالي لا جديد في المواقف.
الواقع يقول بان ليس في الأفق ما يدعو على التفاؤل أو على الكثير منه وإن الساحة الفلسطينية قد تشهد المزيد من الانقسام والتشظي إن لم يقدم احد الفصيلين أو كلاهما على التنازل عن بعض الشروط التي تقف حجر عثرة في إصلاح ذات البين، وفي الحالة الفلسطينية فان المطلوب ومن اجل تحقيق ما يقول طرفي النزاع بأنه المصلحة الوطنية هو أن يقوم العقلاء في فتح وحماس بجسر الهوة قبل التوجه إلى القاهرة حتى لا تصل الأمور إلى طريق مسدود فيه من الإساءة للقضية أكثر بكثير من كل هذا الذي حدث خلال السنتين الماضيتين وحتى لا نجد القطيعة وقد ترسخت واصبح لنا دولتان واحدة في الضفة واخرى في القطاع.
بيت لحم
4-9-2008