لست قاتلاً، لست مجرماً، أنا طبيب، لماذا يُشَهَّرُ بنا، وتنشر أسماؤنا في قوائم سوداء، وانهمرت دموع الطبيب في مستشفى ناصر في خان يونس، وراح يشتم على الذين كانوا السبب، أولئك الذين يمنعونه من ممارسة واجبه الطبي، والوفاء باليمين الذي حلفه وقت التخرج، ومضى يقول بانفعال: هم الذين يقتلون المرضى، هنالك في رام الله، هم الذين هددوا الأطباء بقطع الرواتب، هم الذين يجبروننا على القعود في البيت، ونحن لا نمتلك من أمرنا إلا الراتب الشهري، نحن نلتزم بالإضراب لا حباً بهم، ولا قناعة بما يفعلون، نحن ملتزمون من أجل الراتب، والمتأخرات التي يهددوننا بقطعها، إننا نكرههم، ونحقد عليهم، ولكننا مجبرون على الخضوع لتعليماتهم، هذا هو رأي غالبية الأطباء المضربين عن العمل، الذين ضمتهم القائمة السوداء في خان يونس، وجلهم لا ينتمي لتنظيم حماس، ولا لتنظيم فتح، ولكنهم ينتمون إلى لقمة العيش في زمن الحصار!!. ولقمة العيش في يد أولئك الذين يسكنون في رام الله، ويمسكون القرار. فمن هم أولئك الذين يتحكمون بأرزاق الناس، ومقدرات الوطن، ويحركون الرجال كحجارة الشطرنج ب [الريموت كونترول] التوجيه عن بعد؟. ومن أين يستمدون شرعيتهم، ليهددوا بقطع راتب كل من لا يلتزم بالشرعية؟ وما أهدافهم السياسية من وراء شل الحياة في غزة؟ وإلى أين يجرفون الوطن بهذا السلوك؟ [اللجنة الأمنية] أو لجنة الطوارئ، أو لجنة قطع الرواتب، هي التي حركت، وهددت، وهي التي وعدت، وتوعدت، وهي التي تقف وراء الإضراب، وهي التي جمدت قرارات هيئة العمل الوطني التي تشكلت في غزة بعد الانقسام مباشرة، وتظم كل التنظيمات الفلسطينية، وبعض الكفاءات السياسية المستقلة، ولا تضم تنظيم حماس، وكان لهيئة العمل الوطني موقف بينٌ من قطع الرواتب، ولها موقف رافض لتدمير قطاع غزة صحياً، وتعليماً، والدخول في مسلسل تعطيل العمل والإضراب، ولكن [اللجنة الأمنية] في رام الله سخرت من نداء هيئة العلم الوطني، بل أكثر من ذلك؛ لم تحترم بيان اللجنة الحركية العليا لتنظيم فتح، الذي دعا إلى عدم الإضراب، ورمت [اللجنة الأمنية] بقرار اللجنة الحركية العليا لفتح في سلة المهملات، وأعلنت مسئوليتها عن الإضراب، وتمارس التهديد العلني بقطع راتب كل من لا يلتزم الإضراب، وذهب إلى الفراغ تهديد بعض أعضاء اللجنة الحركية العليا بفضح أسماء [اللجنة الأمنية] قطّاع الرواتب، ونشرهم في قوائم سوداء أمام كل الناس. دون مواربة، [اللجنة الأمنية]، أو قطاع الرواتب، هي المسئولة عن الإضراب السياسي الذي ينفذ في قطاع غزة رغم أنف تنظيم فتح، ورغم أنف المواطن الفلسطيني في غزة ، ورغم أنف سكان رام الله، وقياداتها الوطنية، ورغم أنف كل التنظيمات الفلسطينية، ورغم أنف تنظيم حماس التي تأبطت شر الإضراب، وراحت تلملم شظاياه المتفجرة من تحت أقدام حكومتها، دون أن تتنبه لأثار الإضراب الجانبية التي تشق تنظيم فتح عملياً، وتعلن هيمنة طرف، وتصفية، أو تجميد آخر، وتعلن بالإضراب عن توزيع رجال فتح، وقادتها بين مؤيد للتصعيد مع حماس، وبين باحث عن صيغ حوار مع حماس، وكل ذلك ليس بعيداً عن أجواء عقد المؤتمر السادس لحركة فتح. إن كل متابع لمجريات الأحداث على الساحة الفلسطينية يدرك أن [اللجنة الأمنية]، هي التي تحملت مسئولة قيادة الأحداث التي سبقت الانقسام في غزة، وأدت إلى سيطرة حماس بالكامل، وهم الذين صار شغلهم الشاغل مقارعة حماس، ولغالبيتهم ثأر شخصي، وتصفية حساب متأخر معها، ومن المؤكد أنه كلما لاحت في الأفق أي بادرة حوار، أو مصالحة وطنية، يسبقونها بخطوات مواجهة، وتصعيد على أرض غزة، وكأنهم في ذلك يعززون الرابط بين جهد القاهرة المكثف للمصالحة الوطنية، وبين دخول قوات عربية إلى غزة كشرط لتهيئة الأجواء قبل المصالحة، وبالتالي سيمسي عبثاً كل تحرك للحوار الوطني ما لم يأخذ بالحسبان السلامة الشخصية، وعودة أولئك الذين صار اسمهم قُطّاع الرواتب، وعملهم القطع، وصار هدفهم لجم أي حوار مع حماس، ومهمتهم المنع. فهل ستستجيب حكومة رام الله، وتقطع رواتب من ظل على رأس عمله؟ اللجنة الحركية العليا لتنظيم فتح تؤكد أنها تلقت وعداً من الرئيس عباس بعدم قطع رواتب الملتزمين بالعمل، والوزير رياض المالكي يؤكد أن حكومته لن تقطع رواتب من ظل على رأس عمله، ولكن يبدو أن قطاع الرواتب أقوى من الجميع، وباتوا يشكلون تنظيماً جديداً متمرداً على تنظيم فتح، أو هو تنظيم جديد قائم على أشلاء تنظيم فتح الذي لم يعد قادراً على تنفيذ القرارات التي تتخذها قيادته الميدانية، واستسلم أمام القابض على صرة المال. وسط هذه الربكة التي ألمت بتنظيم فتح، وراح ضحيتها المواطن الفلسطيني، ويدفع ثمنها المريض الذي يموت، ومريض السكر الذي بحاجة لقطع كف رجله ولا يجد الجراح، وسط هذه الربكة تقع الملامة على تنظيم حماس؛ حماس التي كتفت تنظيم فتح عن العمل في غزة في الفترة الأخيرة، ومهدت الطريق إلى لجنة قُطّاع الرواتب كي تمارس من رام الله هوايتها، وإعلان حضورها من خلال الدعوة إلى الإضراب، وهنا تقضي الضرورة على حماس أن تفوت الفرصة على أولئك الذين لا هم لهم إلا مشاغلتها، وإشغالها، وأن تمد يد التنسيق والتفاهم والحوار لتنظيم فتح الساعي للحوار، وما أكثر الأخيار! حري بحماس في هذه العتمة أن تضيء شمعة إطلاق سراح المعتقلين السياسيين لديها ولاسيما محافظ غزة محمد القدوة، ومحافظ خان يونس د. أسامة الفرا، وحماس تعلم قبل الجميع أن كليهما حريص على سلامة الوطن، وعلى المصالحة الوطنية، وكلاهما معزز للتيار الداعي إلى الخروج من حالة الانقسام من خلال الحوار الهادف البناء. فهل ستبادر حماس، وتغلب صوت العقل والحكمة على ردة الفعل، وتفوت الفرصة على المناكفين، وتمهد لحوار الواثقين الصادقين؟