التغلغل الصهيوني في العراق المحتل لم يعد سراً ولا ضرباً من الخيال، ولم يعد بإمكان الحكومة أو وكلائها وأعوانها، ولا بإمكان القوى التي نصبّها الإحتلال ان تنكر ذلك، وقد إتخذ التغلغل أشكالا مختلفة وأنشطة متعددة، إبتدأت بالإستخبارية العسكرية، ثم التجارية والإقتصادية، والاعلامية والبحثية، فمنذ يونيو (حزيران) 2003 والاخبار المنقولة عن مصادر وثيقة الاطلاع تؤكد ان “سفارة” إسرائيلية تعمل بالعراق وتخضع لحماية أمريكية كاملة، وتشرف على أكثر من 500 موظفا من عناصر الاستخبارات الإسرائيلية والدبلوماسيين ورجال الأعمال يزاولون أعمالهم في العراق، ولكن بجنسيات امريكية ودول أوربية. فاليهود جاؤوا مع الدبابات الامريكية وساهموا في اعمال العون العسكري (الاستخباري والمعلوماتي لقوات الاحتلال) كما احتلوا مواقعهم في وحدات التحقيق التي انشاتها المخابرات الامريكية في معسكرات الاسر الامريكية وبخاصة منها كروبر في المطار وبوكا في ام قصر والعديد من معسكرات الاعتقال والاسر التي اقامتها امريكا في مختلف انحاء العراق ومن ابرزها معسكر اور في الناصرية (عند موقع آثار أور)، وفي الموصل. وفي البداية كانت مهمتهم حسب الظاهر من التحقيقات التي يجرونها مع المعتقلين العسكريين العراقيين عن مواقع اسلحة الدمار الشاملة العراقية واين تم اخفاؤها. وغيرها من الاسئلة المضحكة. وللعلم فان شركات اسرائيلية كانت تجهز الجيش الامريكي بالاطعمة الجاهزة ومنها ما كان يوزع على الاسرى والمعتقلين العراقيين في معسكرات الاعتقال الامريكية واتذكر انه كان على ثلاثة درجات او اصناف (أ: ويعطى للضباط والأمراء والموظفين الأميركان، والصنف (ب) ويعطى لجنود الإحتلال، والصنف (ج) وهو أردأ الأنواع ويعطى للمعتقلين العراقيين وكان لايتضمن سوى قطع البسكويت الجافة دون طعم مع شئ من الزبيب، وهي حصة يومية لكل معتقل في كيس صغير واحد).
الاسرائيليون عملوا بمعية قوات احمد الجلبي لنقل الوثائق العراقية الى اسرائيل:
بذات الوقت كانت هناك قوات مدربة معظمهم يتقنون العربية تعمل بمعية قوات الخائن الاكبر “احمد الجلبي”، تعمل في مواقع جهاز المخابرات والاستخبارات العسكرية العراقية والامن العام وغيرها من الدوائر الهامة لتجميع الوثائق والمستندات وتصنيفها وتصويرها ومن ثم شحنها جوا الى الكيان الصهيوني.
كما عمل الاسرائيليون تحت واجهة مراكز ابحاث مختلفة منها سياسية ومنها اعلامية واستطلاع راي وواجهات ثقافية تعمل على اصطياد المثقفين والكتاب والصحفيين وتسخسرهم وتحت ستار مراكز بحثية ومراكز معلومات علمية.
وفي الجانب الاقتصادي الاستثماري شاركت شركات اسرائيلية تحت غطاء امريكي او اوربي بل وحتى عربي حيث ارتضت بعض الشركات ان تكون غطاء لانشطة تجارية اسرائيلية، وقسم منها اعطيت حصة من عقود اعادة الاعمار (!!!).
إذن فمنذ بداية الاحتلال الأميركي للعراق، بدأت مجموعات من الإسرائيليين بالتواجد في بغداد وغيرها من المحافظات تحت مسميات مختلفة، حيث اتخذت تلك المجموعات من التجارة وشركات الحماية والبعثات الدبلوماسية غطاء لتحركاتها ونشاطاتها التي لم تكن بعيدة عن السياسة الإسرائيلية فيما يخص الساحة العراقية، وقد دخل معظم الإسرائيليين إما بوثائق مزورة أو بجوازات سفر أجنبية (غالبا أوربية وأمريكية وقبرصية). ومع مرور الوقت بدأت ملامح الدور الإسرائيلي المرعب في العراق تتضح لدى الكثيرين، وهو الدور الذي خلّف (وما زال يخلّف) الكثير من الموت والتدمير على أكثر من صعيد.
حكومات الأحتلال سهلت دخول الصهاينة
بالتأكيد لم يكن الإسرائيليون بحاجة لموافقة من حكومات الاحتلال لدخول العراق، لأنهم يدخلون تحت مظلة وحماية الاحتلال من جهة، وبوثائق سفر أجنبية من جهة ثانية… ولكن حكومة الجعفري رغبت في مجاملة الأميركيين ومغازلتهم عبر تسهيل دخول الإسرائيليين إلى العراق، وقد ذكرت مصادر جمركية عراقية أن حكومة إبراهيم الجعفري سمحت بدخول الإسرائيليين للعراق، وقال مسؤول في دائرة جمارك المنطقة الغربية، أن الحكومة العراقية المعينة من قبل الاحتلال
أعطت أمرًا يسمح فيه بدخول إسرائيليين إلى العراق ممن يملكون هويات الغرف التجارية أو من رجال الأعمال، والذين كان يتم إدخالهم بإجراءات خاصة تعتمد السرية تحت بند (الوفود غير الاعتيادية)، حيث يتم استقبالهم من قبل شركات أمنية، تقوم بتوصيلهم إلى العاصمة بغداد. وبعيدا عن الحاجة لموافقة من الحكومة العراقية، يدخل الإسرائيليون مستخدمين جوازات سفر أميركية وبريطانية وفرنسية، إضافة إلى وصولهم على شكل مجموعات ضمن وحدات أمنية وعسكرية أميركية.
الاسرائيليون شاركوا في فضائح أبي غريب:
دخل إسرائيليون إلى العراق دون أن يصرح أحد عن وجودهم، سواء قوات الاحتلال أو الحكومات العراقية المتعاقبة والتابعة للاحتلال، ثم بدأت الحقائق تظهر تباعا، إذ إن إحدى الضباط الأميركيين المتورطين في فضيحة سجن أبو غريب، تحدثت بوضوح عن دور أمني للموساد داخل العراق، وقالت إن لديها أدلة على مشاركة إسرائيليين في عمليات التحقيق مع معتقلين عراقيين في عدد من مراكز الاعتقال.
وقالت (جانيس كاربينسكي) إنها التقت بأحد الإسرائيليين الذي كان يعمل محققا في مركز استخباراتي سري في بغداد، وهي المرة الأولى التي يقول فيها ضابط أميركي رفيع المستوى إن إسرائيليين يتعاونون مع قوات الاحتلال.
وكانت (كاربينسكي) مسؤولة عن وحدة الشرطة العسكرية المشرفة على سجن أبي غريب وسجون أخرى حين ارتكبت الانتهاكات وقد تم إيقافها عن العمل، وأضافت (كاربينسكي): رأيت شخصاً في أبي غريب لم أكن قد قابلته سابقا، سألته ان كان مترجما حيث كانت ملامحه شرق أوسطية، قال انه إسرائيلي وانه يشارك في أعمال التحقيق وأنه يتكلم العربية.
كما ذكر الصحفي الأميركي الذي أثار فضيحة سجن أبي غريب أن معلوماته تؤكد وجود عملاء استخبارات إسرائيليين في العراق، وأضاف (سيمور هيرش) أن أحد أهداف الإسرائيليين هو الوصول إلى المعتقلين الذين كانوا ضباطا في جهاز الاستخبارات العراقية سابقا والذين كانوا يختصون في الشؤون الإسرائيلية، وأوضح (هيرش) أن ضباط الموساد المتواجدين في العراق يقومون بملاحقة ضباط الأمن العراقيين السابقين والتحقيق معهم، وقتل الذين كانوا يشكلون خطراً على إسرائيل وفق المقاييس الإسرائيلية.
فرق كوماندوز مهمتها تصفية العلماء العراقيين:
تتعدد أوجه النشاطات التي يقوم بها الإسرائيليون في العراق، ومن بينها استهداف العلماء العراقيين، وفي هذا المجال تحدث مصدر عسكري فرنسي للقناة الخامسة الفرنسية (نيسان 2003) عن خطة إسرائيلية لتعقب العلماء العراقيين، فقد كشف جنرال فرنسي متقاعد النقاب عن خطة إسرائيلية تهدف لاغتيال علماء عراقيين، في محاولة لتقويض القدرات الاستراتيجية للعراق. وطبقاً لتصريحات الجنرال فإنّ قوات كوماندوز إسرائيلية تضم أكثر من مائة وخمسين عنصراً قد دخلت الأراضي العراقية فور احتلال بغداد، تنفيذاً لخطة اغتيال الكفاءات التي كان لها الفضل في بناء منظومة السلاح العراقية. ومن المحتمل أن تجد فرق الاغتيالات الإسرائيلية هذه ذاتها في مهمة يسيرة، خاصة أنّ مفتشي الأمم المتحدة الذين يرأسهم هانز بليكس كان بحوزتهم قائمة بأسماء العلماء العراقيين الذين أجرى المفتشون تحقيقات مع بعضهم. ويقدر الجنرال الفرنسي المتقاعد عدد العلماء العراقيين المرموقين بنحو ثلاثة آلاف وخمسمائة عالم، من بينهم قرابة خمسمائة عالم خدموا في تطوير صناعة السلاح العراقية. ويؤكد الجنرال أنّ المعلومات الدقيقة المتوافرة بحوزته تشير إلى أنّ خطة بهذا الشأن قد وضعت بالتعاون بين مسؤولين إسرائيليين وأميركيين، وأنّ فرق الاغتيالات الإسرائيلية تعمل بشكل دؤوب داخل العراق لتنفيذ ذلك.
عناصر إسرائيلية دخلت العراق قبل 9/4 بمعاونة الأكراد:
وذكرت مصادر معلومات غربية أن وفودا صحفية ومخابراتية إسرائيلية زارت العراق عدة مرات، وبجوازات سفر إسرائيلية أحيانا، عن طريق تركيا ثم شمال العراق، واتصلت ببعض العراقيين لفتح مجالات للتعاون، وللتمهيد للعمل لما بعد الاحتلال. وكانت تتخذ من شمال العراق منطلقا لعملها المخابراتي باتجاه الموصل وبغداد وكركوك ومدن عراقية اخرى.
محاولات دفع اليهود العراقيين الى الواجهة
واضح ان “إسرائيل” تعمل على محورين متكاملين أولهما دفع اليهود العراقيين إلى الواجهة ليس للمطالبة بدور سياسي في العراق الجديد، لأنها تعلم أن ذلك يثير ضدها حساسيات واسعة في المنطقة وإنما بوصفهم رأس جسر لترتيب العلاقات مع الحكم الجديد في البلد على جميع الصعد. هذا هو القسم الطافي على السطح من الاختراق الإسرائيلي للعراق، أما القسم الخفي فهو التمدد الاستخباراتي الذي يبدأ من تصفية العلماء العراقيين ليشمل التأثير في التطورات السياسية الداخلية والتغلغل داخل البنية الاقتصادية وصولاً إلى تكريس علاقات نفطية عراقية – إسرائيلية طبقاً للخطة التي سبق ان أعلنها وزير البنى التحتية الإسرائيلي (يوسف بريتسكي) في صحيفة «هآرتس» والرامية لمد خط أنابيب جديد من العراق إلى “إسرائيل” عبر الأردن.
ليس ثمة شك أن “إسرائيل” تتمنى اليوم قبل غد التطبيع الديبلوماسي مع بغداد والحصول على اعتراف طالما انتظرته من العراق بشرعية وجودها، لكنها بدت مستعدة للقبول بإرجاء هذه الخطوة إلى حين في مقابل تحصيل منافع أهم على الأمدين الوسط والبعيد في مقدمها تبلور لوبي عراقي داخل أجهزة السلطة يدافع عن إقامة علاقات متينة معها. كذلك هي أظهرت «تفهماً» لكون الاقدام على الصلح معها الآن يسبب ارباكاً إضافياً لحكومة هي في غنى عن المزيد من المشاكل والاحتكاكات داخلياً واقليمياً. وما يشجعها على «الصبر» كون الأمور تسير وكأن التطبيع حاصل بما في ذلك على الصعيدين العسكري والاستخباراتي من خلال دور مستشاريها العسكريين العاملين مع القوات الأميركية. واللافت في هذا السياق أن أول من كشف وجود مستشارين عسكريين إسرائيليين في العراق واعتماد القوات الأميركية عليهم لثقتها بخبرتهم في مجابهة المقاومين الفلسطينيين، كان الصحافي الفرنسي (جورج مالبرونو) الذي اختطف لاحقاً مع زميله كريستيان شينو.
غير أن “إسرائيل” مصرّة، مع كل ما غنمته من مكاسب على الأرض، على التطبيع الرسمي مع بغداد بأسرع ما يمكن بالنظر لدلالاته السياسية والرمزية الواضحة. والظاهر أن لا خلاف مع الحكومة العراقية الحالية على التشاور المستمر لتحديد الوقت المناسب للإقدام على تلك الخطوة.
سفارة إسرائيلية في أحد القصور الرئاسية داخل المنطقة الخضراء
يؤكد شهود عراقيون -رفضوا نشر أسمائهم- أن “سفارة” لإسرائيل تعمل في بلادهم وتحتل موقعا مهما في أحد القصور وتحت حماية أمريكية، وتحت العلم الامريكي، فيما يعرف بالمنطقة الخضراء في بغداد. كما ان بناية السفارة الامريكية في المنطقة الخضراء التي تعد اضخم سفارة امريكية في العالم، تحوى اجنحة ضخمة من المعتقد ان يخصص احدها لسفارة اسرائيل، التي سيعلن عنها عند انتهاء عمليات التطبيع الجارية وفق مخطط خبيث طويل الامد، من ضمن خطواته كانت زيارة نائب المجرم الجلبي الخائن (مثال السوء الآلوسي) للكيان الصهيوني، ثم مبادرات المصافحات واللقاءات بين (هوشيار زيباري وجلال الطالباني)، وغيرهم من المسؤولين العراقيين مع مسؤولين صهاينة ومع دبلوماسيين اسرائيليين، لتهيئة الأجواء الطبيعية نحو الاعتراف بإسرائيل، واقامة علاقات دبلوماسية بين العراق وبين الكيان الصهيوني المسخ، بعد ان كان العراق في حالة حرب مع اسرائيل منذ 1948. وقال عراقيون: إن أكثر من 900 إسرائيلي يقيمون في مناطق مختلفة من العراق، واتخذوا مقرات لهم من مزارع في مناطق نائية، خاصة في كركوك بشمالي العراق، وفي العاصمة بغداد؛ حيث ينطلقون لتنفيذ عمليات تخريب واغتيالات تستهدف العلماء العراقيين وأساتذة الجامعات وشخصيات معروفة، وضرب مساجد للسنة والشيعة لإثارة حرب طائفية أهلية في العراق. ويؤكد إعلاميون عراقيون أن جهات أجنبية معروفة بولائها لإسرائيل اتصلت ببعض الكتاب العراقيين للتعاون معهم في مشاريع إعلامية، أو دعوتهم للكتابة ضد فئة معينة، أو حزب محدد، لإثارة الخلافات داخل المجتمع العراقي. ورجح هؤلاء الإعلاميون أن يكون الهدف من ذلك هو إشغال العراقيين بالصراعات لإفساح المجال أمام الإسرائيليين للتحرك المطمئن في بغداد وسائر أنحاء العراق.
ويؤكد العراقيون في مجالسهم الخاصة: إن فنادق بغداد تغص بالعشرات من عناصر الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) فيما يجري التنسيق بينها وبين القوات الأمريكية بشكل كبير يشمل كيفية التصدي لعمليات المقاومة العراقية. وأوضحوا أن الإسرائيليين يقدمون خبراتهم للقوات الأمريكية فيما يسمى بعمليات “مكافحة الإرهاب”، باستلهام الأساليب الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ويدلل عراقيون على ذلك بارتفاع وتيرة هدم المنازل وتفجيرها، واستخدام أساليب الضغط العنيف وطرق الاستجواب المصحوبة بالتعذيب في التحقيق مع “المتهمين” بالنشاط في إطار المقاومة.
وقد قويت القرائن والشواهد على اتساع الدور الإسرائيلي في العراق مع تصاعد عمليات اغتيال شخصيات علمية عراقية لا علاقة لها بالسياسة أو الأحزاب أو النظام السابق؛ مما دفع بالمحللين إلى ترجيح أن تلك العمليات تستهدف إفراغ المجتمع العراقي من طاقاته الكبيرة من العلماء والاختصاصيين المرموقين
وتؤكد دوائر اقتصادية ناشطة في السوق العراقية أن هناك بضائع إسرائيلية قد تسربت إلى العراق، تقدر قيمتها بأكثر من 70 مليون دولار سنويا، ومن المؤسف ان شركات عربية من دول مجاورة للعراق ارتضت لنفسها ان تكون غطاء للتغلغل الاسرائيلي التجاري. كما تشارك اكثر من 10 شركات إسرائيلية كبرى في مقاولات ما تسمى بـحملة إعمار العراق وفقا لتقارير اقتصادية تحدثت عنها الصحف الإسرائيلية نفسها. وكانت مصادر بحثية مطلعة في بغداد قد أكدت أنه تم افتتاح مركز إسرائيلي للدراسات الشرق أوسطية في بغداد، وهو ما وصفته المصادر بأنها كانت بداية لمحاولات التوغل الإسرائيلي في العراق.
شبكة البصرة