سعيد موسى
في ذروة جحيم الانشطار والانفصام مابين جناحي الوطن,وذبح تماسكه ووحدة إنسانه
سعيد موسى
في ذروة جحيم الانشطار والانفصام مابين جناحي الوطن,وذبح تماسكه ووحدة إنسانه وقضيته,جردنا أقلامنا قدر المستطاع من الانتماءات الحزبية الصغرى, ووظفناها بروح المسئولية انطلاقا من إيماننا المتجذر في عروقنا, لخدمة الانتماء الأسمى والأكبر لفلسطين من الألف إلى الياء,وعلى هذا عاهدنا الله وضمائرنا, وبعد رحلة النضال بالبندقية والاعتقال في مقارعة الاحتلال الصهيوني,أن لا نغمد أقلامنا بل نستلها في مقارعة الباطل, لتكون أقوى وقعا وتأثيرا من البندقية أحيانا, وتخندقنا في خطوط المواجهة مع التناقض الصهيوني الرئيسي, وصوبنا لهيب أقلامنا إلى قلب الاحتلال بالمرصاد, بل تجاوزنا ذلك إلى تصويب اللهيب إلى بعض جيوب الوعي الوطني المشوه, وساهمت بمئات من مقالاتي التحليلية المتواضعة على مدار خمس سنوات, انطلقت خلالها من أرضية وطنية تبدأ وتنتهي بالفاء”فلسطين فقط فلسطين” رغم أن انتمائي الأصغر الذي اعتز وافتخر به “النخاع الفتحاوي الأصيل” ودفعت جراء الانتمائين المنصهرين, ثمنا لدى محاكم الاحتلال الصهيوني النازي سنوات من عمري, في باستيلات بني صهيون, وكان ثمنا رخيصا من اجل تحرير الأرض والإنسان الفلسطيني, وفي المحصلة رفعت شعار في ذروة الانهيار,”لاصوت يعلو فوق صوت الانتماء الفلسطيني” وما نفع هذا الشعار في ذروة طوفان الفتنة اللعينة.
خمس سنوات ومئات المقالات,انطلقت بها من أساس وإيمان متجذر في وعيي الوطني,لطالما آمنت وكنت بشرف وفخر السباق بتركيز الضوء التحليلي, وتسليط كشاف قلمي, على إستراتيجية ثابتة لتبني بوتقة وطنية ينصهر بمعاملها خطي المقاومة والسياسة, فقبل أن يصفني البعض بالكاتب السياسي, وصفت بالمقاوم وما ترددت لحظة عن التضحية والعطاء في مقارعة الصهاينة الأعداء, وكانت مقولتي ومقالتي الشهيرة منذ سنوات, حتى قبل كل ماطرأ على الساحة الفلسطينية من مستجدات,”” سياسة دون مقاومة هي صفر, ومقاومة دون سياسة صفر وأدنى””.
لذلك كان طابع كتاباتي وفلسفتي في الكتابة((مابين السطور)) مقالات تحليلية, سياسية وأمنية وعسكرية تأخذ طابع الأعماق والأبعاد الإستراتيجية,مقالات في الصميم , راقت للبعض الوطني ولم ترُق للآخر, وأخرى راقت لآخر ولم ترُق للبعض الوطني أو المدعي, مما ثبت لي نجاح أدائها على قاعدة عدم الحياد, والانحياز المطلق للمصلحة الوطنية العليا, وكما يقال” الحق لايرضي اثنين” انطلاقا من التعصب والتطرف على قاعدة”إن لم تكن معي فأنت ضدي”, وما حرف قلمي عن وجهته رضا من يرفض الآخر, بل زادني إصرارا على الانحياز إلى فلسطين والى من أحب فلسطين وتعالى عن الآنا الحزبية المتعصبة حيث العمى الوطني, ومضيت في طريقي داعية شدة على الأعداء وداعية رحمة ووحدة للأشقاء, اكتب المقالة التحليلية السياسية والأمنية واعتصر فكري على قواعد سياسية علمية انشد رسم خارطة تنير الطريق بتواضع المحب لفلسطين والعروبة, لينهل منها رجل المقاومة قبل رجل السياسة, وكم تعب متني وبُح صوتي مناديا بإتباع إستراتيجية وتكتيك وطني, لتبني سياسة الامتزاج وتقاسم الأدوار بين خطي المقاومة والسياسة قبل أن تحدث الطامة الوطنية الكبرى, وذهبت صرخاتي وصرخات كل المخلصين أدراج الرياح أمام عاصفة التطرف الحزبي اللعين ,والذي لايرى لون غير لونه ولانهج غير نهجه, وحدث الانفصام بفعل فاعل مابين خطي السياسة والمقاومة, فلا سياسة مع مناكفة المقاومة الغير منظمة أفلحت, ولا مقاومة مع تناقض السياسة استمرت, ونال منا ككل وطني العدو المتربص بسقف سياستنا وزخم مقاومتنا, ولا حياة لمن تنادي, انتُهجت أيدلوجية الطمس والإقصاء بين خطي السياسة والمقاومة, وانتَهج العدو أيدلوجية التفرد وفرق تسُد, لا بمكره وقوته, بل بغبائنا وضعف أو إضعاف رخيص لنسيجنا الوحدوي الفلسطيني الوطني, حتى تبدل حال التوافق المفترض إلى حال تنافر مع واقع مرير, وحسابات غاية في المغالطة السياسية والخطيئة الوطنية.
في اليوم الثالث على أحداث “مجزرة شاطئ غزة” كتبت مقالتي الأخيرة “لمصلحة من مجزرة شاطئ بحر غزة؟” وانطلاقا من مبدأ مواطن ومناضل يؤمن بقدسية وحرمة الدم الفلسطيني, التي لايطرب لها ولغيرها من الجرائم, إلا صهيوني أو متصهين, وانطلاقا من الموقف المفترض والرسمي لحركة”فتح” وربما قبل صدوره, من قبل الأخ الرئيس/ أبو مازن, والأطر الفتحاوية المركزية, أدنت ذلك الفعل الإجرامي وكل جرائم إراقة الدم الفلسطيني في تلك المقالة, ودعوت انطلاقا من الحرص على تهييء الأجواء لإمكانية أي فرصة حوار وطني,باتت حلما بعيد المنال, إلى عدم التسرع في توجيه الاتهام لحظة وقوع الحدث لأي جهة أو خصم, قبل التوصل إلى حقائق مدعمة بالبينة والقرائن حول هوية مرتكب الجريمة , وفي المحصلة كانت النتيجة كما قيل”أن لاعلاقة لفتح بها وأضيفت جملة لكن من ارتكبها له علاقة بفتح!!”.
في اليوم الثالث , وبعد منتصف الليل, وتحديدا الساعة الواحدة والنصف فجرا, داهمت قوة مسلحة ومقنعة منزلي, وتم مصادرة جهاز حاسوبي الخاص, وهواتفي الجوالة, ومجموعة “كاسيت” عبارة عن مكتبة صوتية لنخبة من جهابذة العلوم السياسية المصريين والعرب,سجلتها إبان دراستي لدبلوم الماجستير بالقاهرة, وكانت هذه المداهمة ضمن حملة مداهمات ومصادرة في منطقة سكني, وعليه ونتيجة انتكاسة معنوية وغصة وطنية أصابتني, دخلت معها في حالة من الإحباط والازدراء لهذا الحال الوطني التشرذم والتخبط, وقد توقفت على مدار شهر ونيف عن الكتابة, فالواقع الذي لايتمناه أي شعب يرزح تحت نير الاحتلال يكتب نفسه بحرقة ومرارة وألم, ربما خلال هذه الفترة ابتعدت عن كل ماهو سياسة وكتابة ومتابعة أحداث على الشبكة العنكبوتية, ليس فقط لان جهازي الكمبيوتر كأداة مشاركة قد تم مصادرته ولا املك ثمن بديله, ولكن لأنني كنت اعتقد أن التجرد قدر الإمكان ورفع راية الداعية بحرقة للوحدة ورأب الصدع الوطني, لن تجعل احد يكبح جماح قلمي المتمرد على كل ماهو غير وطني, وأداء رسالتي الوطنية,وتبين عكس ذلك تماما, فهذا المنعطف غيبني حتى عن الاطلاع على كل ألوان الحدث الذي يغلب عليه لون الحداد الوطني, فلا يسعني إلا أن اعتذر لقراء مقالاتي المتواضعة, والمواقع العديدة والصحف التي اكتب بها, عن هذا الانقطاع والغياب, راجيا من الله أن يلهم الجميع سعة الصدر, ولا نغفل عن انهيار إنساننا وضياع وطننا, ويعود الجميع إلى رشده, فالمخطط والمؤامرة كبيرة بحجم قضية معمدة بدماء الشهداء الطاهرة, معاناة الأسرى الأبطال, تلك المؤامرة تلقى أرضية خصبة لتترعرع وسط حالنا الوطني الرديء الذي لايسر ابن القضية ولا الصديق,,, فهل نفيق؟؟؟!!!
وان كان لي بكلمة أخيرة, ذات معنى لمن ملك لُب قويم, وفؤاد سليم,أقول للجميع من الخطيئة أن تُحسب معادلتنا الوطنية,بمراهنات عبثية على المعايير الصهيونية, لان الكل سيدفع ثمن هذا الانشطار غاليا, فجُرمٌ بكل المقاييس أن نلقي للأعداء المودة, ولأنفسنا الحقد والخصام المرير.
كل عام وانتم بخير
والله من وراء القصد