كتبت في السابق حول رؤية الدولة الواحدة لحل للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي على اعتبار أنها أفكار لمجموعة من المثقفين الفلسطينيين لهم رؤيتهم الخاصة في هذا الموضوع الذي شغل بال الشعب الفلسطيني وقيادته السياسية على مدار ستون عاماً مضت، وسيشغلها بكل تأكيد لسنوات طوال أخرى وفق ما نراه من مؤشرات تتعلق بنهج الاحتلال وسياسته، وفي ظل حالة الانقسام الفلسطينية التي طالت ومست كل شيء حتى قيمنا الوطنية والأخلاقية والدينية، ناهيك عن عالم ظالم لا يرى إلا من خلال مصالحة الاقتصادية والسياسية دون أي اعتبار للمواثيق والشرائع الدولية التي تحض على احترام حرية الإنسان وحقه في وطن حر ومستقل على أرض وطنه.
ولكن مع تقدم الأيام نرى أن هذه الفكرة آخذه بالتبلور والاتساع بين شرائح مختلفة من المثقفين باتوا يعملون تحت مسمى ‘الفريق الفلسطيني للدراسة الإستراتيجية، وعقد عدة جلسات في الوطن والخارج لبلورة مشروعه حول الدولة الواحدة لحل الصراع‘، ومن خلال مراجعة للأسماء التي طرحت على أنها تقف من خلف هذه المبادرة نرى عدم الانسجام وعدم التوافق بينهم بناءً على معرفتنا بتوجهاتهم السياسية، فبعضهم سياسيون فاشلين قادوا الاتصالات والتواصل مع الاحتلال منذ الثمانيات دون أن يحققوا شيئاً، وبعضهم نشطاء وفاعلين في صفوف السلطة الوطنية الفلسطينية(وبعد أن وجد قسم منهم نفسه خارج صفوفها بات يطالب بحلها) بشكل عام وصفوف حركة فتح والتي لا زالا يطالبان بدولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس في حدود الأراضي الفلسطينية التي احتلت في العام 1967، والبقية الباقية هم من المثقفين الذين ابتعدوا في العشر سنوات الأخيرة عن نشاطهم في صفوف بعض تنظيمات اليسار الفلسطيني وبات لهم إما نشاطهم الأكاديمي أو نشاطهم في سوق المؤسسات الأهلية في فلسطين والذي نما سوقها وتطور في أعقاب قيام السلطة الوطنية الفلسطينية.
ولعدم الانسجام الفكري الواضح بين عناصر هذه الطرح سيلاقي طرحهم الفشل المطلق بكل تأكيد قبل أن يتحول لفكرة تلاقي اصطفاف شعبي حولها في الشارع الفلسطيني، ولكن ليس هذا العامل الوحيد الذي سيكون وراء فشل هذه الفكرة، بل هناك عوامل عدة ستكون هي أيضاً ذات تأثير في تحقيق عنصر الفشل لهم.
أول هذه العوامل عدم الفلسطينية الخالصة لهذه المبادرة، حيث لم تنطلق من أزقة المعاناة وسراديب الألم الفلسطينية، بل كانت بدعم وتأيد وتشجيع من “مجموعة أكسفورد للأبحاث” في لندن مما يعني أن السياسيات الأوروبية والأمريكية وموضوع التمويل لنشاط هذا الفريق لها تأثيرها على بنود ومحتوى هذه الوثيقة.
ثاني عوامل الفشل لهذه المبادرة هي الظروف السياسية الداخلية الفلسطينية التي تعيشها ظروف ولادة هذه المبادرة، فحالة الانقسام والمواجهات السياسية الداخلية بعد المواجهات الدموية التي كانت تجعل الأولوية والجدية للعمل باتجاه تجاوز هذه الظروف، وهذا الواقع يعتبر مأخذ ليس في صالح المجموعة التي تقف وراء هذه المبادرة، فكان الأولى بهم تركيز تجمعهم وتوسيع صفوفهم لخلق جبهة داخلية ذات اصطفاف شعبي يكون لها الدور الفاعل في إجبار السياسيين من كل الأطراف الفلسطينية النزول عن شجرة الانقسام والاستقطاب لصالح القضايا الوطنية قبل كل المصالح الشخصية والتنظيمية والارتباطات الإقليمية والدولية لكل طرف منهم.
والعامل الثالث الذي سيكون محبط لهذه المبادرة افتقاد الجانب الآخر (الطرف الإسرائيلي) لأية تيارات أو توجهات ترغب بهذا الحل أو أي حل آخر للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، لا بل توجهات المجتمع الإسرائيلي في تسارع باتجاه اليمين، وباتت فكرة الدولة اليهودية الخالصة هي مطلب عام لدى المجتمع الإسرائيلي، وقد رحيل “إيبي نتان” داعية السلام الإسرائيلي بمثابة اختفاء آخر نفس إسرائيلي يمكن أن يتحدث عن سلام عادل ودائم يحصل فيه الشعب الفلسطيني على الحد الأدنى من حقوقه السياسية المتمثلة في دولة فلسطينية مستقلة في الأراضي المحتلة في العام 1967 وعاصمتها القدس، إلا إذا لا زال البعض يعتقد أن أمثال يوسي بيلن وشمعون بيرس هم أشخاص في “معسكر السلام” الإسرائيلي.
والعامل الرابع الدعوة لانتفاضة شعبية سلمية لتحقيق هذا الهدف لن يكتب لها النجاح، ولن تستطيع محاصرة دولة الاحتلال كما يدعي أصحاب هذا الحل كون دولة الاحتلال لا تفرق بين مقاومة سلمية ومقاومة غير سلمية، فالانتفاضة الفلسطينية الأولى كانت شعبية بامتياز ورغم سلميتها سقط فيها حوالي الألف شهيد ناهيك عن أعداد الجرحى والمعتقلين، بمعنى آخر دون أن يرتفع الثمن الذي يدفعه الاحتلال جراء احتلاله للأرض الفلسطينية لن يكون لديه أي تفكير جدي نحو السلام في المنطقة.
أما العامل الخامس والأخير فهو طرح حل الدولة الواحدة لحل الصراع الفلسطيني لا يشكل أكثر من مشروع آخر في بازار الحلول الفلسطينية التي طرحت عبر سنوات المواجهة مع الاحتلال، ولن تلاقي آذان صاغية لا في الجانب الإسرائيلي ولا في الساحة الدولية، ولا حتى على الساحة الفلسطينية ساحة”الفريق الفلسطيني للدراسات الإستراتيجية.
وبالتالي إن كانت هناك نوايا صادقة وحقيقية تجاه حلحلة الواقع الفلسطيني يجب أن تسير في اتجاه تشكيل فريق فلسطيني لوضع إستراتيجية الوحدة الوطنية، وتوحيد الجهود الشعبية والمؤسساتية على رأب الصدع الداخلي الذي تعيشه الساحة الفلسطينية، ومن ثم إعادة بناء وتنظيم مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية على أسس كفاحية وطنية ذات تمثيل شامل لكافة الأطياف السياسية والفكرية على الساحة الفلسطينية والشتات، ومن ثم وضع برنامج سياسي كأساس لحل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي يشكل القاسم المشترك بين كافة هذه الأطياف، وبعدها تنظيم استفتاء شعبي فلسطيني حول مصير السلطة الوطنية الفلسطينية ليكون واقع هذه السلطة بقرار يشارك فيه كل فلسطيني يعيش تحت سلطتها وسيادتها، وعندها نستطيع توفير اصطفاف ودعم وشعبي لهذا الحل ويكون الجميع قادر على تحمل ما يترتب عليه من نتائج، فالمهم أن نتحدث للعالم أجمع بلغة فلسطينية واحدة لا أن نستمر في تشكيل تكتلات وجماعات تكون مهمتها التطوع في طرح المبادرات والحلول التي قد تكون بعيدة عن قراءة الواقع بعيون فلسطينية.
فلسطين 01/09/2008