بحلول أول يوم من الشهر الفضيل على الأمة العربية تتغير الأوضاع وتختلف الحياة اليومية للأهالى العرب بكامل الوطن العربى الممتدة من الماء إلى الماء، فالشهر يمنح السكان نوعا حميدا من الإستتباب الأمنى والتسامح الإنسانى بشكل عام، زد على ذلك ما يحققه الشهر من تلاحم أسرى وتآزر إجتماعى بين أهل البيت الواحد المتحلقين على مائدة واحدة والمتابعين لشاشة واحدة متفق عليها ولو لمرة واحدة خلال سنة كاملة من عدم الاتفاق فى الإختيار، فألطف حلّ لتلطيف أجواء التطاحن والانقسامات بشرقنا الأوسط المنقسم والمسلوب هو الغذاء بنوعيه المادى والروحي، وهو ما يؤكده تماما هذا التقرير المشبع بالأمن ولو مؤقتا لبلدان لا تعرف الأمن إلا لماما..
فى مكان ساخن آخر من بلداننا العربية وتحديدا فى فلسطين ووسط حال من الترقب الشديد لحلول شهر رمضان المبارك يستعد الفلسطينيون فى قطاع غزة لمتابعة حلقات الجزء الثالث من المسلسل السورى الشهير “باب الحارة”، فى ظل مخاوف من ندرة التزاور بين أهل القطاع بسبب حرص الكثير من الأسر على المكوث بالبيت لمتابعة أحداث المسلسل.
فلم يكن أبطال مسلسل “باب الحارة” أبطالا فقط فى حارتهم البعيدة، بل كانوا أبطالا ورموزا أيضا فى الحارة الفلسطينية بعد نجاحهم فى استقطاب مختلف شرائحها وجميع أفراد أسرها -التى نخر جسدها الانقسام- مساء كل ليلة، وسط أجواء من الحنين والعودة إلى الماضى الأكثر دفئا والأقوى صلابة.
“بالتأكيد، مهما كانت الأحداث وتعاظمت الجراح فإننى وأسرتى سأعيد أيام رمضان الماضى مع حلقات المسلسل الاجتماعى الذى جمع أبنائى على شاشة واحدة لساعة كاملة دون ضجر أو ملل”.
هذا ما رددته “أم علاء” الوالدة لسبعة أبناء بابتسامة، مضيفة “أعترف بأننى وأسرتى فى شهر رمضان الماضى لم نستطع أن نقوم بالكثير من الزيارات بعد تناول طعام الفطور حتى لا نفقد متعة متابعة إحدى الحلقات، وإذا خرجنا من البيت فزياراتنا عادة ما تكون قصيرة، فقبل العاشرة مساء الكل يلتف أمام التلفاز”.
وبمفردات اعتراها الخجل، قالت “أم علاء” “لم أكن يوما من متابعى المسلسلات العربية، ولكن شعورى كمشاهدة بحقيقة أحداث باب الحارة وتشابهها بواقعنا الفلسطينى جذبنى بقوة إلى متابعة حلقاته على مدار شهر كامل”.
“أحمد نعيم”، الذى يعمل فى حقل الإعلام، أرجع متابعته لحلقات من الجزء الثانى من المسلسل إلى مجموعة القيم التى أراد القائمون عليه أن يبثوها إلى المشاهد العربى ويذكروه بها بعد أن غابت عن مجتمعه ومحيطه.
وقال “لم أتمكن من متابعة كافة حلقات الجزء الماضى نظرا لطبيعة عملي، ولكنى احترمت هذا العمل الفنى لتركيزه على العادات والتقاليد العربية الأصيلة، ولإظهاره قوة ومتانة العلاقات الاجتماعية والأسرية التى بتنا اليوم نفتقدها ونشعر بالحنين إليها، فضلا عن تجسيد شهامة الرجل العربى بأبهى صورة”.
وأضاف بابتسامة عريضة “أعتقد أن الجزء الثالث لأبطال الحارة أصبح حديث اللحظة من الآن، خاصة أن الكثير من المتابعين يتحدثون عن توقعاتهم لمجرى الأحداث المقبلة”.
وأشار”نعيم” إلى أنه سيحاول الانضمام إلى جيوش المتابعين لأحداث المسلسل الذى يتمنى أن تتكرر مشاهده حقيقة فى الحارات والأحياء العربية، بحسب تعبيره.
ورغم استمرار أعمال العنف شبه اليومية بالعراق الجريح، عادت البغداديات الى سوق الشورجة الشهير لشراء متطلبات شهر رمضان، رغم التشكى من “ارتفاع الاسعار”.
إذ تقول أم سجاد “28 عاما” التى تسير برفقة زوجها وسط السوق فى هذا الخصوص: “انها المرة الاولى التى أرافق فيها زوجى الى سوق الشورجة منذ احتلال العراق.. لم يكن يوافق سابقا على مجيئى الى هنا ابدا”.
من جهته، يوضح ابو سجاد الموظف فى وزارة الكهرباء وهو يضع قبعة تحميه من حرارة الشمس، ان “الوضع الامنى مهم، قبل اشهر كان الامر صعبا جدا للتنقل مع امرأة وسط الازدحام داخل اسواق بغداد”.
ويؤكد الرجل الثلاثينى بينما كان يمسح نظارته الشمسية ان “الاوضاع افضل بكثير حاليا، فقد اشترينا كل ما نريد رغم ارتفاع الاسعار عموما”.
لكن الاستقرار النسبى فى الاوضاع الامنية خصوصا فى بغداد، ساعد على عودة الانتعاش الى السوق مجددا.
بدروه، يقول مالك حاتم العامل فى متجر لبيع المواد الغذائية منذ خمسة اعوام، ان “زبائن رمضان السنة الحالية اكثر من السابق وخصوصا النساء”.
والشورجة اهم سوق تجارية بالجملة والمفرد ويقع فى شارع الجمهورية بوسط العاصمة.
من جهتها، تقول ام مناف “37 عاما” وهى ام لاربعة اطفال “انها زيارتى الثانية للسوق منذ احتلال العراق”.
وتضيف “العام الماضى جئت برفقة زوجى لكن الاوضاع افضل الان فجئت مع شقيقته لاننى تركته يعتنى بالاطفال”.
واشتكت ام مناف بعد ان امضت اكثر من اربع ساعات فى السوق من “ارتفاع الاسعار” مقارنة مع الاسابيع السابقة.
من جانبه، يقول الخمسينى ابو حاتم الذى يرافق زوجته الى السوق “فى السابق، كنت اشترى البضائع هنا لوحدى وبسرعة لكن هذه المرة جاءت ام حاتم معى واشترينا ما نحتاجه بهدوء وكل شيء طبيعي”.
وتقول ام حاتم التى جاءت من منطقة الكرادة، “اشتريت كل ما اريد وهى المرة الاولى التى ازور فيها الشورجة منذ سنوات”. وتضيف بابتسامة “لقد انفقنا كل ما نحمله من مال”.