بعد أن ذاق الشعب العراقي مرارة مأساة الكارثية ونزيفها اليومي التي بذل المحتل وأذنابه المحليون الذين جاؤا على ظهر دبابة غزاة المحتلين إلى سدة الحكم لتنفيذ أجندة الأنجلو امريكي في تدمير العراق وأخراجه من الصراع العربي الإسرائيلي وأعادته إلى قرون الوسطى, قصارى جهودهم لنثر بذور التفرقة بين أبناء الشعب العراقي الواحد واحكام السيطرة عليه , وقد أستيقظ الشعب العراقي على مؤامرة الفتنة الطائفية وقبرها في مهدها بفضل المقاومة الوطنية العراقية الشريفة , وعلى مدى سنوات الاحتلال الخمس ونصف, تساقطت , أيضا , جدولة العملية السياسية يوما بعد يوم، ليبقى آخر مراحلها، أي توقيع الأتفاقية السرية التي يراد منها تكريس الاحتلال العسكري والاقتصادي والسياسي والثقافي بشكل شرعي , حرصا على ديمومة بقائهم وحمايتهم. وأما التهيؤ لانتخابات المحافظات , طبيعة وسايكلوجية الغالبية العظمى للمجتمع العراقي لا تحبذ الانخراط في العمل الحزبي أيا كانت الايديولوجية وأيا كانت الشعارات التي تتخفى وراءها الحزبية وتخندق طائفي وتمترس مذهبي ومع ذلك فلم يدفع ذلك العراقيين للانخراط في الاحزاب العميلة . بعد تجربتين أنتخابيتين للبرلمان الاحتلالي وتجربة انتخابات غير شرعية والمزورة في نتائجها فقد وصل الشارع العراقي الى قناعة راسخة وهي أن شعارات الحقبة الجديدة لم تكن بمستوى الطموح ولم تكن الا شعارات الهدف منها كان السلطة والنهب والفساد والاستقواء بالمحتل على أبناء الشعب العراقي وحرمانه من أبسط مقومات الحياة, رفضا للقائمين على تلك الاحزاب من أصحاب الوجوه الكاذبة والمنافقة التي آثرت ميزانية أحزابها ومصالحها الفئوية على حساب تقديم أبسط الخدمات للمواطن من ماء صالح للشرب إلى كهرباء فضلا عن خدمات الأمن والاعمار والتوظيف.. والخ. التي فحسب جرائد الحكومة الاحتلالية ( سجلت مراكز تسجيل الناخبين تراجعا قويا في نسبة أقبال المواطنين على المراكز الانتخابية في عاصمة بغداد وجميع المحافظات ). وهي رسالة أراد الشعب العراقي أن يوصلها بطريقة حضارية وسليمة وشفافة؟ المليون ناخب في بلد فاق تعداد نفوسه الثلاثين مليون يعد رفضا شعبيا عارما للحكومة الاحتلالية لما قامت به من خداع للأمة العراقية وتنصل عن الالتزامات التي وعدوا بها هذا الشعب في التجارب السابقة. مما دفع أيتام العملية السياسية الى اللجوء، كما في المرة السابقة الى عكاز المرجعية الطائفية البغيضة والعرقية الشوفينية المؤيدة للعملية السياسية بالتحديد. والمرجعية في هذه الحالة تتعاون مع قوات الاحتلال, فضلا عن تصور البعض، سذاجة، باحتمال أن تكون الانتخابات هي الورقة التي يلعب بها المواطن العراقي ورقة ذكية جاءت عن أدراك عال وهي خطوة حتما شرارة التي ستقود البلاد إلى التخلص من الاحتلال والاستقرار. فلا غرابة بأن تستعين الحكومة الاحتلالية بالمرجعية , من جديد , لجر المواطنين إلى صناديق أقتراع ذاقوا نتائجها بانفسهم وتعلموا ومن خلال الحياة اليومية المريرة الا يثقوا بها أو بمن ينادي بها كذبا وتضليلا. أن ما تبرزه الصحافة الغربية , وأن كشفت كتابات على الحيطان المنتشرة في جميع المحافظات تؤكد ( لا إنتخابات بلا كهرباء , ولا إنتخابات بلا ماء صالح للشرب) نستنتج من ذلك الرفض للعملية السياسية الاحتلالية وتعبيرا عن إجماع وطني يتشكل منذ زمن حول حقيقة أوضاع العراق , وقد تأكد للمواطن العراقي , بعد خمس سنوات ونصف من الخراب الشامل والتهجير وقتل أكثر من مليون ونصف وجيش جرار عاطل عن العمل وأيتام وأرامل والسرقات اليومية لثرواته وموارده، من قبل حكومة الميليشيات الطائفية والعرقية وبانواعها العميلة , أن يصطف الشعب العراقي مع مقاومته الوطنية لدحر الاحتلال وعمليته السياسية ومعاهداته السرية. تمهدا للثورة الشاملة تدرب الشعب للوثبة الكبرى, أنها تسترد أعتبار هذا الشعب المظلوم الذي يتهم هنا وهناك بأنه جلب الاحتلال أو رضي بالاحتلال ، هذه المقاومة تثبت أن الشعب العراقي وبكل فصائله شعب يرفض الاحتلال ويرفض العملية السياسية المرتبطة بالاحتلال, أن هذه المقاومة الوطنية تزلزل الأرض تحت أقدام المحتلين مما يسهل خروجهم وأحالة عملائه إلى محاكم وطنية عادلة على ما أقترفوا بحق العراق وشعبه من جرائم حرب و جرائم ضد الإنسانية , وهذا ما سيذكرنا واقعة أبناء كل المدن العراقية في ثورة العشرين. كان من المفترض , وفق أجندة ومشاريع الاحتلال , أن يكون ساسته قد وصلوا الآن إلى مرحلة الاحتفال
بمهرجانات الأعياد العقيمة أي ولادة السلطة الطائفية العرقية المقسمة ، فقدت أدت إلى أتساع الحاضن الشعبي للفعل المقاوم زيادة العمليات العسكرية النوعية ضد قوات الاحتلال والمتعاونين معه , جعلتهم لا ينتهون من فشل الا ليسقطوا في خندق أفلاس شعبي آخر. وبات همهم الوحيد أنقاذ ماء الوجه في إنتخابات الرئاسة الامريكية من جهة وتوقيع المعاهدة السرية من جهة اخرى. لا يمكن لدولة لم تحصل على استقلالها الناجز أن تعقد أتفاقية مع دولة عظمى مهيمنة على العالم . فشعار الشارع العراقي اليوم لايُلدغ المؤمن من جحر مرتين !