م. زياد صيدم
استرق السمع فجأة على أصوات أنامل تقرع على الباب الخارجي للمنزل بنقرات خفيفة .. كأنها يد فتاة خجولة كبرت فجأة تخرج وحدها لزيارة ابنة عمها لأول مرة .. أو كأنها يد طفل لم يبلغ جرس الباب فهو أعلي من قامته لو فرد ذراعه عاليا .. ولكن مهلا لم يكن الوقت ليسمح بهذا الأمر .. فقد شارف آذان الفجر أن ينادى على الصلاة.. دب فزع وريبة في قلبه.. بدأت هواجسه في الصعود على سلم رأسه بسرعة البرق مرورا بقلبه .. فسارعت من نبضاته فقد استحوذت على تفكيره قصص اللصوص التى انتشرت مؤخرا في البلدة.. هبط بخفة على درجات قادته إلى خلف الباب مباشرة .. انتظر سماع صوت الطارق دون جدوى.. لم يشاء أن يرد بالقول المعتاد: من الطارق ؟ لكنه سرعان ما صعد ثانية بخفة حافي القدمين حتى لا يصدر أي حركة تثير من يقف خلف الباب .. فيعلم بان في البيت عيون ساهرة .. صعد إلى درجات قادته إلى أول بسطة درج تشرف على الباب الخارجي.. استرق النظر خلسة بطرف عينه اليمنى .. وهو يخفى نصف واجهة رأسه مع نصف وجهه الشمالي خلف قاطع من جدار يحتضن شباك طولي الشكل لبيت الدرج.. فشاهد ظل رجل قد أعطاه ظهره وقد مشى عائدا أدراجه فقد كان فنار الشارع مطفئا.. كان الظل وحيدا.. لكن هذا لا يمنع بان يكون عين راصده لبقية عصابة متربصة خلف الشارع..هكذا همست له هواجسه.. عاد أدراجه فهو لم يتذوق طعم النوم بعد .. قطعت عليه أفكاره المتفاقمة رنة خفيفة من جواله المحمول .. فالتقطه بسرعة ونظر من يكون ذاك المتصل بهذا الوقت ؟.. يا الله ..تنفس الصعداء وارتاح باله واستكانت مخاوفه .. أعاد الرقم على المتصل فأجابه قبل أن يبادر له بالاستفسار قائلا : يا عمى أنا أتحدث إليك من جوار المنزل ؟.. في هذا الوقت ماذا حدث ؟ هكذا أجابه .. لكن لا باس تستطيع الحضور..
لقد كان ابن عمه من الشباب لم يبلغ السابعة والعشرون من عمره.. كان يأخذ أنفاسه بعد ضيق في الصدر الم به.. مر جانب المنزل فسمع صوت التلفاز مشتعلا .. فأيقن بان عمه وصديقه بنفس الوقت ما يزال ساهر ليله .. هكذا اعلمه حين دخل صالون المنزل.. ولكنك يا عزيزي كان من الأجدر بك أن تعلمني مسبقا عبر الجوال .. لتخبرني بقدومك عندما تتأكد باني ما أزال مستيقظا .. فابتسم مهند قائلا: معك حق يا عمى ولكنى كنت متأكدا من عدم نومك قبل زقزقة عصافير الدوري على شجرة الليمون .. أليس هذا قولك دائما؟ فقهقه الاثنان .. كانت ضحكات بصوت مكتوم غير مجلجلة.. فالوقت لا يسمح بها فالأسرة والجيران يغطون في نوم عميق .. معك حق يا عمى ، لا عليك أهلا وسهلا كانت كلماته إليه.. تركه للحظات ثم عاد إليه بكأسين من عصير البرتقال بماء مثلج في صيف حار ورطوبة عالية .. و قد تكورت بداخله قطع من الثلج مربعة ومستديرة الشكل جعلته ذا مذاق لذيذ منعش .. شربا معا وأشعل له سيجارة فدخنا الاثنين وتبدلت الأحوال إلى هدوء بال وانشرحت أسارير مهند وانفرج ما بين حاجبيه.. وعاد محياه مشرقا.. لم يمكث طويلا فقد خرج بعدها عائدا وقد سُمع صوت المؤذن يصدح لآذان الفجر .. أعاد إغلاق البوابة الخارجية بإحكام .. ثم توضأ وفرد سجادة الصلاة فصلى الفجر.. وهم بالنوم ..
لكنه تذكر بأنه لم يعلم منه سبب هذه الزيارة الغريبة .. لأنه نسى أن يسأل صديقه الشاب عن سبب زيارته .. فقد كانت في عينيه بوادر انزعاج وضيق لحظة قدومه .. لكنها تلاشت مع كأس العصير المنعش وسيجارة نفثها راضيا مرضيا .. وقد يكون مهند أراد أن يبادر عمه بالسؤال أولا !.. ولكن لا..لا.. لقد اعلمه بأنه مجرد ضيق أحس به في ليلة حارة مرتفعة الرطوبة.. فخرج ليتمشى فجرا ليستشعر قليل من برودة الجو في الهواء الطلق.. ولكن الشيء المؤكد بان ضائقة مهند كانت ملامحها العامة.. توحي بمراهقة شباب ليس إلا !!.
إلى اللقاء.