تابعت عن كثب أخبار رفضه تسلم جائزة أفضل مقطوعة موسيقية في مهرجان الموسيقى، ورد فعله الصامد النادر في هذه الأيام، حيث يلهث الكثير من المبدعين العرب وراء إغراءات التطبيع والجوائز. وكان رده حاسماً، ‘لست بحاجة لتلك الجائزة ولتقطع يدي ألف مرة قبل أن أصافح ممثلة دولة محتلة لبلادنا وتقتل أطفالنا كل يوم، وإذا كان حصولي على الجائزة مرهون بهذا الأمر فأنا لا يشرفني أخذ جائزة على حساب محو ذاكرتنا ودمائنا’.
من الطبيعي أن يواجه مضايقات بسبب رفضه الجائزة المقدمة والتي اختيرت مؤلفة موسيقية ومغنية ‘اسرائلية’ لتسليمها له في ذكرى اغتصاب فلسطين، ولكن الغدر والطعن في الظهر والتشكيك والتسفيه من بني جلدتنا، فاق خيبات الأمل بكثير.
موقف وليم نصار ليس بجديد، فهو الذي يعمل دائما بصمت دون انتظار كلمة شكر. فقد أوقف وليم نصار في عام 2004 على الحدود الكندية- الأمريكية، بتهمة معارضة السياسات الأمريكية، وأكد وقتها تأييده وافتخاره غير المشروط للشعب الفلسطيني ودعم الإنتفاضة وجبهة المقاومة اللبنانية. وقد قامت منظمة كتاب بلا حدود وقتها باطلاق حملة دعم له بعد أن تدهورت صحته بسبب منعه عن الطعام والشراب والنوم لمدة خمسة أيام. وللأسف لم تتحرك أي جهة فلسطينية آنذاك لمساندته، وهو الذي لم يتوان يوماً في تقديم كل ما يملك من جهود فنية ووقفات مبدئية لنصرة قضيته العادلة، وإنجازاته تشهد على ذلك، خاصة المتعلقة بإطلاق حملات عالمية للإفراج عن أسرى الحرية في سجون ‘إسرائيل’، وفعلاً تم إطلاق سراح عدد منهم.
بعد رفضه للجائزة المقدمة من مهرجان عالمي، تم إغلاق موقعه ومضايقته، إلا أنه لم يستسلم واستعاض عن الموسيقا بالكتابة، وما مقالاته لدعم المحاصرين في غزة، إلا خير دليل على صلابته وتحديه للضلال والظلم. إلا أن أكثر ما يؤلمه، شعور التخلي عنه في أشد محنة واجهته، وبقاءه وحيداً يصارع الريح والهجمة المقننة، وبترتيب لصالح الصهيونية العالمية بدعم خفي بالمهجر من شركائهم ‘الأسلويين’، وصمت القبور ممن كنا نتوخى منهم موقفاً مشرفاً.
بلغت الهجمة أشدها بعد إطلاق حملة مساندة من وزارة الثقافة الفلسطينية في غزة المساندة لموقف المؤلف الموسيقي العربي تحت شعار (كلنا مع وليام نصار)، وبعد سلسلة مقالات نشرت له، فالتحزبات القبائلية والحسابات الشخصية، لم تراعي مفهوم الإبداع المطلق لأجل قضية فوق كل اعتبار، وبدأت صغار الأقلام تنهش بالخفاء والعلن.
الغريب بالأمر أن مبدع عروبي سما بالفن الموسيقي إلى المستوى العالمي، وبقي شامخاً معارضاً كل وجوه التطبيع، لم يلفت انتباه المؤسسات الثقافية وشركات الإنتاج، التي تتدعي التطور والتقدم بالمجالات الفنية، في حين أن التهافت على المؤديين وفرق بدائية، تلقى الصدارة والاهتمام. اللهم إلا من عرض يتيم قدمته إحدى الجهات الداعمة لرافضي التطبيع، وأيضا غير فلسطينية.
’على طريق عيتات’، الأغنية التي حفظها الكثير من الغربيين، واهتزت الأجساد طرباً على أنغامها، ما زال معظم المثقفين العرب لا يعرفون أنها لوليم نصار، الأغنية التي مجد بها المعتقلين وأسرى العمليات الاستشهادية.
قد نفهم أن الفن مرآة الشعوب، ونتيجة تردي الواقع العربي، انعكس سلباً على الفن بمجمله، إلا أن الأغرب والخسارة، هو أن نفقد مبدعاً رفض جائزة حتى لا يصافح يد ‘اسرائيلية’ في الذكرى الستين لنكبة شعب بأكمله، وأن نتخلى عنه في وقت يدعم الصهاينة من سقط المتاع من فنانينهم على أنهم حماة كيان تلطخت أيادي عصاباته بالدماء، ومشت أقدامهم على جماجم الأطفال والمدنيين العزل!.
ما فعله وليم تأكيداً على دوره المتمسك بحقوق شعبه، رافضاً بالمطلق كيان يمارس القتل والإبادات الجماعية اليومية من وراء حجاب في العراق، والاعتداء على سيادة لبنان، واحتلاله لأراضي عربية، إلا أن السؤال الذي يفرض نفسه، ما واجبنا تجاه من يقاوم تيار التصهين والتأمرك، وأن لا نتركه يخوض معركته وحيداً، وكأنه لا يمت لنا وللمقاومة السلمية المدنية بصلة؟.
خطوات عملية، تعزز موقفه وتقوي موقعه وترد على حملات التضليل بالفعل لا بالقول:
– تنفيذ قرار وزارة الثقافة الفلسطينية في غزة دون تأخير أو إبطاء، يمنح له دعماً وطاقة إيجابية للاستمرار، وحتى يحذو حذوه الكثير من المبدعي
ن العرب المقاومين للتطبيع والتهاوي في إغراءات السقوط من أجل ‘التعايش السلمي’.
ن العرب المقاومين للتطبيع والتهاوي في إغراءات السقوط من أجل ‘التعايش السلمي’.
– تنظيم أمسيات ونشاطات موسيقية بالبلدان العربية المتاحة، كرد على التعتيم عليه إعلامياً ومحاولة اغتياله مهنياً واجتماعياً وثقافياً، خاصة بعد الغاء عدة جولات موسيقية وحفلات، الخطوة التالية لمساندته.
– الإستفادة من إمكانياته الأكاديمية الموسيقية وعلاقاته بمشاريع ثقافية وموسيقية وإعلامية عالمية لصالح قضايانا العربية التحررية وفي مقدمتها فلسطين، هو ما يجب أن يعمل كل مخلص في موقع المسؤولية باتجاهه، لتقوية التيار الوطني المناهض للصهيونية والامبريالية العالمية.
مسألة المقاومة على جميع الأصعدة وارتباطها بالحرية والتحرر وحدة موحدة بين الفرد والمجتمع، مما يزيد فينا الأهلية لقيادة مشروع بناء الشخصية الوطنية القومية القادرة على إثبات ذاتها مـحلياً وعالمياً، فلنترك على الأقل المبدع العربي يواصل عطائه دون شعور الاحباط واليأس، ولا نكتفي بالأقوال ونتوج مساندتنا له بخطوات إيجابية.