كنا كما غيرنا الكثيرون قد وقفنا جميعا وحذّرنا من عواقب ومضاعفات مايسمى “التوافقات السياسية” لما ستجلبه هذه السياسة من خراب للعباد والبلاد. فبعد العراق الموحّد توافقت احزاب السلطة على جعله فيدراليا بالعلن ومقسّما بالخفاء وليته كان فيدراليا جغرافيا بل صار عراقنا مجزءا ومقسما وفقا لعناوين طائفية ومناطقية وحتى عشائرية وهو ماينذر بحرب لاتبقى ولاتذر! اذا كنا قد وقفنا امام عشرات المقابر الجماعية من قبل فنحن مقبلون بفضل الاحزاب على مئات من تلكم المقابر ومن اقصى الشمال الى اقصى الجنوب اذا لم يتخذ الاجراء المناسب والجلوس حول طاولة العقلانية والواقعية وليس حول طاولة المنافع الحزبية والمكاسب الفئوية!
لقد اثبتت “سياسية التوافق” انها اعجز من ان تنزع فتيل الازمات بل على العكس تماما فان تلكم السياسة تزيد من حدة الخلاف ليصل الى الصدام على المستقبل القريب والبعيد وقد بدأت الاحزاب الكردية بترجمة تلك السياسة على ارض الواقع منذ اليوم الاول للتغيير وحتى يومنا هذا. فبعد ضرب الدستور العراقي عرض حائط اربيل والسليمانية فقد بدأت تلك الاحزاب ومن دون ادنى خجل او مداراة لاية مشاعر لمن يتقاسمون معه السلطة والثروة بانهم قادرون على مهاجمة الجيش العراقي وان القانون العراقي اعجز من ان يلاحق اي مطلوب من الاحزاب الكردية وفقا لما صرّح به المدعو محمود سنكاوي ممثل مايسمى رئيس الجمهورية العراقية فيما هو في الحقيقة رئيسا للحزب الكردستاني وان كل افعاله لاتتناسب مع كونه رئيسا لكل العراقيين وقد اثبتت التجارب معدن الرجل وطريقته فضلا عمن اختارهم ممثلين له او مستشارين! بينما ذهب مصطفى جاووش وهو من حزب الطالباني ايضا ليصرّح بالحرف الواحد ويقول “لقد جلبنا قوات البيشمركة والاسلحة الى خانقين واتخذنا كل الاستعدادات المطلوبة لأية مواجهة محتملة مع الجيش العراقي”! فهل بعد هذه السياسة التوافقية شئ يقال؟!
بعد تعدّي الاحزاب الكردية على القيادات العسكرية العراقية بالاهانة والضرب وهي تؤدي واجبها الوطني من دون محاسبة، وبعد تهريب الثروة النفطية العراقية من اقليم كردستان بعيدا عن غياب الدولة والمسائلة، جاءت هيمنة الاحزاب الكردية على وزارة الخارجية العراقية وتحويلها الى اسوء وزارة حزبية بكل ما للكلمة من معنى وتطويعها لخدمة المشاريع الاسرائيلية في العراق والمنطقة. بيد انه قد سبق تلك الممارسات والتصريحات تصريحا أبشع درجة صدر من قمة الهرم السلطوي ممثلا بمسعود البارزاني حينما توعّد بقطع ايادي ممثلي الشعب الذين وقّعوا على قانون انتخاب مجالس المحافظات يومها ثارت ثائرة احزاب السلطة لصالح الاحزاب الكردية ولم تطالب ولو باعتذار بسيط يحفظ ماء وجه البرلمانيين الحزبيين! تبع ذلك تهديدا من ذات الشخص بضم كركوك بالقوة الى مايسمى اقليم كردستان، فاين سياسة التوافقات التي وعدوا بانها ستكون لصالح وحدة الوطن ورفاهية المواطن؟! واين ستوصلنا تلك السياسة حينما يتوعدنا بقطع ايادينا كردي يرتعد خوفا ان يصل الى بغداد الا بطائرة اميركية وحماية اسرائيلية؟! ولو عكسنا تلك التصريحات وافترضنا ان مطلقها واحد من الاحزاب العربية اتجاه بعض الاكراد ماذا سيكون الرد وقتها؟!
ماتقوم به الاحزاب الكردية اليوم في العراق من سياسة الوعيد والتهديد والابتزاز بلا ادنى شك لايرقى الى ادنى مستويات اللياقة فضلا عن المواطنة الصالحة وقد قلنا ذلك تكرارا ورردناه مرارا وحذرنا من التساهل معه بينما صوّر البعض هذا منا على انه “كره قومي” اتجاه الاكراد في محاولة بائسة يائسة لقلب الحقائق والقفز على القانون والدستور وتطويعهما لخدمة المشروع الانتهازي الابتزازي الذي لازلنا نحذّر منه ونقرع اجراس الانذار للتنبه اليه. فيا سادة الحكم تنبّهوا فان التأريخ لن يرحمكم ولن تعمّروا في هذه الارض فانتبهوا من غفلتكم فانّا لكم ناصحون
كاتب وناشط سياسي عراقي مستقل