انتهى الفصل الصيفي قبل ايام في معظم الجامعات العربية، وظهرت النتائج ، ما شاء الله نسبة النجاح ، وخصوصا بين الطالبات. سمعت ذلك اثناء تناول طعام الغداء باحد الفنادق بمناسبة اجتماعية، وتبادر لذهني على الفور ان الفتيات العربيات اكثر ذكاء من الشباب العرب ، وهذا امر يبشر بالخير على كل حال، فنسبة الاناث الذين يشغلون مناصب عليا في بلاد العرب لا تتجاوز 8 بالمائة في احسن الاحوال. ووجهت حديثي للصبايا وانا مزهوا بما سمعت ، انها معلومات رائعة فطالما نسبة نجاح الطالبات مرتفعة مقارنة بالطلاب فهذا يعني انهن سيحصلن على فرص جيدة في سوق العمل وترتفع نسبتهن، بين العاملين، ومع الزمن سيمتلكن الخبرة التي تهيئهن لشغل المناصب العليا، وهذا سيؤدي الى نوع من المساواة ، نظرا لان المراة المتعلمة المثقفة الذكية التي تستطيع الوصل الى المناصب العليا ستكون داعية للمساواة ومعادية للفكر الفصل العنصري بين الجنسين، وهذا مؤشر ايجابي يشير الى نمو المفاهيم الديمقراطية والمساواة الامر الذي يسرع بتحقيق التنمية والتطور وارتقاء المجتمع. ولكن سرعان ما تصحوا من هذا الحلم الجميل على حقيقة مرة مؤسفة بائسة تشمئز لها الانفس حين يرد عليك الطالبات الاربعة اللواتي اجتمعن معك واثنين من الاصدقاء على طاولة واحدة يروين الحقيقة المرة على مسامعك ويكشفن عن سر نسبة النجاح العالية بين الطالبات. وقالت احداهن ” والله انو في دكاترة كانوا يطلبوا من البنات انها تطلع معو لينجحها وتابعت انت ما بتعرف الدكاترة انهم مقرفين بصدق. وقالت اخرى ” حصلت على علامة سيئة في امتحان عند دكتورعراقي قال لي البعض اذهبي اليه وتحدثي معه “واتهبلي” عليه .. يغير لك العلامة …قلت لهم مستحيل حتى لو رسبت فيها… وفي وقت لاحق طلبني الدكتور وقال ان علامتك سيئة ويمكن تحسينها ، فتحدثت معه بجدية ، فلم بعجبه وبقيت علامتي كما هي، وذهب اليه غيري وتغيرت علاماتهن والله كانت صفر صارت 18 من 25.. وعادت الطالبة الاولى لتقول ..وغير الي يقبل رشوة…عطور وكروسات دخان… واضافت كنت افكر انو التعليم في هذه البلاد قوي ورائع بس طلع حكي فاضي .. كلو رشاوي والبنت لازم تكون سهلة عشان تحصل على علامات كويسة… لكن من ناحيتي اجيب علامات ضعيفة مش مهم المهم ناجحة حتى لو على الحافة…”ولا اروح اتبكبك واترجى او اهين نفسي … فشروا كل الدكاترة”. وقالت طالبة ثالثة .. لمعلوماتك الدكاترة العراقيين اذا عرفوا ان الطالبة عراقية .. بينجحوها بتفوق… وقالت المسالة سهلة بتروح عند الدكتور يعطيها الاسئله والاجوبة بعد…” وتدخلت الطالبة رقم 2 لتقول “وغير هيك الطالبة التي لا تريد تتعب نفسها بالدراسة … كل ما عليها هو ان تلبس ملابس غير محترمة وتضحك شوي وتتهبل شوي…وخلص بتنجح…” واضافت “اذا ما زبطت في امتحان فوت على الدكتور وقول له : دكتور اشتهتلك زجاجة عطر تفضل بتاخذ علامة ممتازة”. وتابعت قائلة “طيب اتخيل في مادة تافهة لازم نوخدها…كان دكتورها رائع. طلع وانا بعدني لم اسجل في هذه المادة في الفصل الي فات، قلت للبنات خايفه انزلها من هذا الدكتور..لانه يريد الاجابة بالامتحان بدقة متناهية بالحرف والفاصلة الموجودين في الدوسية، وانا افهم الدرس ولا استطيع الحفظ، فقالت بعضهن بسيطة روحي تذبذبي له بيمشي الموضوع. وقالت اخرى : ان بعض الدكاترة يصعبوا الامتحانات حتى يستدرجن البنات ويبتزوهن واضافت : كان عندي صديقة عندها امتحان في ماده من الفصل السابق وذهبت للدكتور تستشيره فقال لها تعالي بعد الظهر في الساعات المكتبية وادرسك لوحدك ، وقالت صديقتي ان نظراته كانت حقيرة وهو معروف عنه مدمن خمر، فخافت صديقتي ورسبت. وبحركة تنم عن الاستياء الشديد قالت احداهن اوووف شنو هالعالم .. مليان عاهات .. دكاترة ما بيحترموا انفسهم او مهنتهم ، والواحد فيهم راسه مثل كرة الثلج من الشيب، وناس تؤمن بمفاهيم ليس لها اساس وليس لها علاقة بالواقع، وفوق الكوم هذا كله يتكلمون بالدين. وختمت الحديث احداهن بالقول …يعني لما اسمع بنات وشباب يقولوا روحي على الدكتور اذا قصرت علاماتك، دائما اردد لن اخرج من هالجامعة الا وانا رافعة راسي، ولن اهين نفسي من اجل علامة، وسوف انجح بكرامه. واصارحكم القول انني لم اندهش ولم ينتابني أي شعور من الاستغراب، لاني كما قلت في مقال سابق مقتنع بمقولة ” التخلف شامل والتحضر شامل” فعندما يكون البائع غشاشا والطبيب انتهازيا وسائق التاكسي مخادعا، والتاجرمستغلا، والكذب “ملح الرجال” و “العقل زينة” والرشوة والمحسوبية وابرام الصفقات “تحت الطاولة” والرجل يعاكس جارته، والطبيب يساوم مريضته ، فكيف اذن يمكن لاستاذ الجامعة في بلاد العرب الا يكون بالصورة التي تحدثن عنه الطالبات. ولكن الخطورة ان الجامعات تعتبر معاهد اعداد الاجيال التي على مسؤوليتها بناء الاوطان، واستاذ الجامعة يعتبر مربي الامة وعالمها وقائدها الفكري والسياسي والاجتماعي. فهل يجوز له ان يوصف من طالباته بهذه الصفات الدنيئة؟ واذا كان مربي الامة بهذه الصفات فكيف ستكون صفات تلاميذه ؟ ومع ذلك فهناك الكثير من الكتاب والصحفيين والمفكرين مشغولين بتشخيص التخلف وعرض مظاهره واسبابه، وقلة قليلة جدا من يطرح حلولا عملية سواء لقضايا فرعية او جوهرية، وغالبا ما تتسم الاسهامات الفكرية في هذا المجال بطابع الشكوى والالم والحسرة. وكل ذلك كما قل صديق لي عبارة عن “تغميس من خارج الصحن” أي على الفاضي. وامام هذه المعلومات التي اوردتها على لسان طالبات يدرسن بجامعة عربي
ة، وتمس دكاترة مدرسين عرب، فان فداحة الامر تستدعي تصدي هيئات ومؤسسات المجتمع المدني للخراب المتغلغل بالجامعات وكشف وفضح وتعرية الاساتذة الذين لا اخلاق ولا شرف ولا قيم لديهم. لانه اذا كانت معاهد صنع اجيال المستقبل على هذه الحال من السوء فلا يتعب البعض نفسه ويسال لماذا بلادنا ترزح تحت طبقة سميكة جدا من التخلف. ملاحظة 1: حاولت ان انقل الحديث كما سمعته باللهجات العامية لاحافظ على روحه وجوهره ولم اتدخل الا لماما بتعديل بعض المفردات العصية على الفهم وحذف بعض التعبيرات غير اللائقة. ملاحظة 2 : لا بد من التاكيد ان التعميم عادة يؤدي الى الوقوع في الخطاء في مثل الحالة التي نحن بصددها، وبالتكيد هناك جامعات ممتازة ودكاترة ممتازين، لكن كما يقال في الامثال “السوسة تدمر شوال القمح”.
ابراهيم علاء الدين